“الشبكة السورية”: دفن جثث مستشفى السويداء دون توثيق يهدد بطمس الأدلة وإخفاء هوية القتلة

محمد كركص

أعادت مشاهد الجثث التي عُثر عليها داخل مستشفى السويداء الوطني، بعد أيام من انتهاء الاشتباكات بين فصائل محلية وعشائر البدو، الجدل حول الجهة المسؤولة عن عمليات التصفية والدفن غير الموثّق، وسط اتهامات صريحة لمليشيات تابعة للشيخ حكمت الهجري بارتكاب مجزرة داخل المستشفى. التقرير الصادر عن منصة “إيكاد” للتحقيقات، والذي استند إلى تقنيات استخبارات المصادر المفتوحة، كشف تسلسلاً زمنياً يربط بين محاصرة المستشفى من قبل الفصائل المسلحة واقتحامه، وصولاً إلى تصفية من كان بداخله، ثم استعادة قوات الحكومية السورية السيطرة على المبنى واكتشاف الجثث.

وسط هذه التطورات، حذّرت منظمات حقوقية من طمس الأدلة، واعتبرت أن ما جرى لا يمكن التعامل معه باعتباره حادثاً عابراً، بل جريمة يجب أن تُوثّق وفق المعايير الجنائية الدولية.

وفي السياق، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث لـ”العربي الجديد”: “في الحقيقة، مستشفى السويداء تحوّل إلى ساحة جريمة، وبالتالي، هذه الجثث الموجودة فيه نعم تُدفن، ولكن يجب أن تُوثّق بشكل احترافي ودقيق جداً، وتُصوَّر، ويكون هناك توثيق لها، من حيث أماكن الدفن وكل التفاصيل، لأنه يجب أن تُصوَّر من جهات مختلفة، ومكان وجودها، وما كانت ترتديه، والفيديو والصور من الجهات الأربع، كل واحدة منها، مع الوجه. يعني هناك معايير، لأنها ليست وفيات طبيعية، بل عمليات قتل. فكان من المفترض أن تجري الاستعانة بمؤسسات حقوقية، محلية أو دولية، للقيام بهذا الأمر”.

وأضاف عبد الغني: “وبالتالي، إذا لم يجر التعامل مع مسارح الجريمة بطريقة مدروسة وحساسة، فهذا يعني أن هناك تخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى طمس مسارح الجريمة، وهوية الجثث، ومن قام بذلك، وما إلى ذلك من تفاصيل. ولهذا، كان يجب أن يؤخذ هذا الوضع بعين الاعتبار من قبل المجلس العسكري السويدي، باعتباره الجهة التي سيطرت على المستشفى. ولكن، يبدو أن هذا الأمر لم يجر بالطريقة الصحيحة، وبالتالي، نحن نعتقد أن ما حصل يُعد انتهاكاً لمسرح الجريمة، إذ لم يُنفذ بالطريقة التي تحدّثت عنها”.

وكشف تقرير نشرته منصة “إيكاد” للتحقيقات، الأحد، عن تورط فصائل تابعة للشيخ حكمت الهجري في ارتكاب مجزرة داخل مستشفى السويداء الوطني، وذلك باستخدام تقنيات “استخبارات المصادر المفتوحة”. ووفقاً للأدلة التي جمعتها المنصة وجرى تحليلها زمنياً، فإن الفصائل المحسوبة على الهجري قامت بمحاصرة المستشفى الذي كان يضم -بحسب تصريحات صادرة عنها- عناصر من الجيش السوري والأمن العام، قبل أن تقتحمه وتسيطر عليه، معلنة لاحقاً تصفية من كان بداخله. وفي وقت لاحق، استعادت قوات الحكومة السورية السيطرة على المستشفى، لتتكشف معها تفاصيل المجزرة والجثث التي وُجدت داخل المبنى، والتي تضمنت مدنيين، إضافة إلى عناصر من الأمن والجيش.

من جانبه، تحدث الحقوقي عاصم الزعبي لـ”العربي الجديد” عن الإجراءات القانونية الواجبة لإجراء عملية دفن الجثث في مستشفى السويداء الوطني، موضحاً أنه “بالنسبة لما جرى في مستشفى السويداء الوطني، يمكن تقسيم الأمر إلى مرحلتين: الأولى: كان المستشفى يوجد فيه أسرى من البدو والأمن العام، وجرى قتلهم من قبل مليشيا الهجري قبل انسحابهم من المستشفى، وقبل دخول العشائر. أما الثانية: فكانت لاحقاً، حيث وُجدت جثث خارج المستشفى وداخله، وجرى اتهام العشائر والحكومة بقتلهم”.

وأضاف الزعبي: “أي عمليات قتل خارج نطاق القانون، حتى لو كانت ضمن حالة اشتباكات مسلحة، لا بد من الكشف عن الجثث من قبل الحكومة عبر أطباء شرعيين، أو من قبل منظمات مختصة معترف بها دولياً أو محلياً، تقوم بالكشف عن الجثث، وتوثيق سبب وفاة كل شخص، ومكان الإصابة، وهل الإصابة أدت إلى الوفاة، وتحديد ساعة الوفاة، وغير ذلك من النقاط المعتمدة في الطب الشرعي”.

وأكد الزعبي أن دفن جثث القتلى في مستشفى السويداء لم يُراعَ فيه هذه الأمور، لافتاً إلى وجود احتمالين لذلك، وقال: “إما أن الجثث بدأت بالتفسخ ولا توجد طواقم مختصة، وبالفعل كانت مليشيا الهجري قد منعت وزير الصحة والدفاع المدني والوفد الطبي من الدخول للاطلاع عليها، وجرى دفنها منعاً لانتشار الأوبئة، وهذه جريمة بمنع جهة طبية من ممارسة عملها، أو أن مليشيا الهجري تريد إخفاء جرائم قامت بارتكابها، خاصة مع وجود عدد كبير من المفقودين، من أبناء السويداء الدروز، والبدو، ومقاتلي العشائر”.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى