4800 شركة خلال عام واحد.. السوريون يتصدرون الاستثمار العربي في مصر

قبل أكثر من عقد من الزمن، دخل السوريون مصر بأعداد كبيرة هربا من الحرب، حاملين معهم ما استطاعوا من ذكريات ومهارات ورؤوس أموال صغيرة وكبيرة، واليوم، وبعد سنوات من الاندماج والتحدي، يثبتون حضورهم الاقتصادي بقوة، إذ تصدروا قائمة المستثمرين العرب في مصر بتأسيس نحو 4800 شركة خلال عام واحد فقط، وفق بيانات رسمية حديثة.
الرقم ليس مجرد إحصائية، بل مؤشر على تحول السوريين من جالية لاجئة تبحث عن الأمان، إلى قوة إنتاجية واستثمارية مؤثرة في الاقتصاد المحلي المصري.
وبحسب احصائيات سابقة للحكومة المصرية، تبلغ استثمارات السوريين في مصر نحو مليار دولار أميركي، بحوالي 30 ألف مستثمر سوري، والمرجح أن العدد تزايد في السنتين الماضيتين.
الأرقام تتحدث.. السوريون أولا
بحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة للاسثمار والمناطق الحرة، شهد العام المالي 2024/2025 تأسيس نحو 46 ألف شركة جديدة في مصر، بزيادة تقارب 21% عن العام السابق.
ومن بين هذه الشركات، كان السوريون في الصدارة على مستوى المستثمرين العرب، إذ أنشأوا حوالي 4800 شركة، أي مايقارب ثلث الشركات العربية الجديدة المسجلة في مصر خلال نفس الفترة.
وجاءت السعودية في المرتبة الثانية، تلتها اليمن والإمارات، في حين بلغ إجمالي رؤوس أموال الشركات العربية المؤسسة نحو 257 مليون دولار، أسهمت في خلق مايزيد عن 79 ألف فرصة عمل في السوق المصرية.
هذه الأرقام تعكس ليس فقط نشاط السوريين الاستثماري، بل أيضا عمق اندماجهم في الاقتصاد المصري، خاصة في قطاعات مثل المطاعم، الصناعات الغذائية، الملابس الجاهزة، والمقاولات، والخدمات التجارية.
دوافع النجاح : بيئة متاحة وشبكات دعم اجتماعية
تعددت الأسباب التي جعلت مصر وجهة مفضلة للمستثمر السوري من بينها:
سهولة الإجراءات مقارنة بدول أخرى: الحكومة المصرية فتحت المجال أما المستثمرين العرب والأجانب لتأسيس الشركات خلال فترات وجيزة وبشروط ميسرة.
تشابه الثقافة واللغة: هذا العامل خفف كثيرا من حواجز التواصل وجعل التعامل اليومي بين السوريين والمصريين أكثر سلاسة.
وجود جالية سورية نشطة: السوريون دعموا بعضهم بعضا عبر شبكات اجتماعية واقتصادية متماسكة، أسهمت في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجيع المبادرات العائلية.
خبرة السوريين في ريادة الأعمال: فالتاجر السوري معروف بإتقانه للحرفة، سواء في صناعة الحلويات، أو إدارة المطاعم، أو تجارة الأقمشة والملابس.
وفي حين بدأ كثيرون مشاريعهم في محال صغيرة في أحياء مثل مدينة نصر والسادس من أكتوبر والإسكندرية، تحول عدد منهم لاحقا إلى أصحاب سلاسل تجارية ومصانع كبيرة ومتوسطة.
من المحل الصغير إلى المصنع.. قصص نجاح
في أحد شوارع السادس من أكتوبر، يقول محمود الجاسم، وهو صاحب مطعم سوري يعمل في مصر منذ عام 2015، بدأت ببيع أطباق مقبلات مثل المعجنات وورق العنب وبعض الحلويات على طاولة صغيرة، وبعد أن عرفني الناس فتحت مطعما، وتضاعف عدد زبائني، يعمل معنا اليوم أكثر من 30 شابا سوريا ومصريا، مصر احتضنتنا، ونحن نحاول رد الجميل بالعمل والالتزام.
قصة محمود، ليست استثناء، فكثير من المستثمرين السوريين بدؤوا من الصفر، ومع الوقت نجحوا في بناء علامات تجارية معروفة، بعضها أصبح يصدر منتجاته إلى دول عربية وأوروبية.
كما ظهرت شركات سورية في مجالات جديدة، مثل التصميم الداخلي، والبرمجيات، والإنتاج، وهي قطاعات لم تكن مألوفة في بدايات الوجود السوري في مصر.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
من الناحية الاقتصادية، أسهم النشاط السوري في تحريك الأسواق المحلية، وخلق فرص عمل جديدة، وإدخال أنماط تجارية عصرية خاصة في قطاع الأغذية والموضة.
أما اجتماعيا، فقد عزز الوجود الاستثماري السوري فكرة التكامل الاقتصادي العربي، ورسخ العلاقة اليومية بين السوريين والمصريين، حيث يعمل آلاف المصريين في مشاريع سورية، ويزور مئات الزبائن المصريين مطاعم ومحلات يديرها سوريون بشكل يومي.

لكن بعض الأصوات المحلية أثارت تساؤلات حول ” المنافسة” معتبرة أن الانتشار الكبير للمشاريع السورية في قطاعات محددة مثل المطاعم والحلويات أدى إلى ضغط على التجار المصريين الصغار.
ورغم ذلك، يرى اقتصاديون أن هذه المنافسة إيجابية طالما تجري في إطار قانوني، لأنها تدفع نحو تحسين جودة الخدمات وتخفيض الأسعار.
الإطار القانوني والتنظيمي
تخضع الشركات السورية في مصر لقوانين الاستثمار نفسها المطبقة على المستثمرين المصريين، من دون أي استثناءات خاصة.
وتتيح الهيئة العامة للاستثمار تسجيل الشركات بسهولة عبر بوابة إلكترونية حديثة، تمنح تراخيص خلال أيام قليلة.
ومع ذلك، تشير تقارير غير رسمية إلى أن بعض المشاريع الصغيرة ما تزال تعمل في ” القطاع غير الرسمي “، ما يحرمها من مزايا التأمين والتمويل البنكي، ويجعلها أكثر عرضة للمخاطر.
هنا تبرز الحاجة إلى دمج أكبر لهذه المشاريع ضمن الاقتصاد الرسمي، بحسب المحامي المختص بالشؤون الاقتصادية ” عماد الهيثم”، عبر حوافز ضريبية وتسهيلات للتسجيل، لتضمن الدولة الاستفادة من عوائدها، ولينال المستثمرون الحماية القانونية اللازمة.
في الشارع المصري، تختلف وجهات النظر حول هذه النشاطات، فالبعض يرى في السوريين مثالا للجدية والانضباط، في حين يشعر آخرون بقلق من ” سيطرة” السوريين على بعض القطاعات.
لكن الصورة الواقعية أكثر توازنا، إذ إن السوق المصرية ضخمة بما يكفي لاستيعاب الجميع، وعدد الشركات السورية- رغم ضخامته- لا يزال جزءا محدودا من إجمالي الشركات المسجلة في مصر، كما أن كثيرا من هذه المشاريع توظف مصريين وتدفع ضرائب وتشارك في حركة التنمية المحلية.
نحو شراكة اقتصادية عربية جديدة
يرى خبراء الاقتصاد أن تفوق السوريين في تأسيس الشركات خلال عام واحد ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل نقطة تحول في مفهوم الاندماج العربي داخل مصر، فبدلا من اقتصار وجود الجاليات على الاستهلاك أو العمل بالأجرة، تحول السوريون إلى مستثمرين منتجين يسهمون في خلق القيمة المضافة.
ويرى الاقتصادي المصري أحمد خطاب، أن النجاح السوري في مصر يمكن أن يكون نموذجا للتكامل العربي، إذا استثمر في بناء شراكات مصرية-سورية تصدر للخارج وتخلق تنمية حقيقية في الداخل.
منذ سنوات قليلة، كان الحديث عن ” السوريين في مصر” مرتبطا بملف اللجوء والإقامة، أما اليوم، فالحديث أصبح عن الاسثمار والإنتاج والعمل.
4800 شركة خلال عام واحد ليس مجرد رقم قياسي، بل قصة مجتمع استطاع تحويل محنته إلى فرصة، ومهارته إلى مورد اقتصادي.
إنها حكاية شراكة عربية جديدة تكتب على أرض مصر، تذكر بأن الاندماج الحقيقي لا يقاس بعدد المقيمين، بل بعدد المساهمين في بناء المستقبل.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى