النخب المأزومة والأجندات الخفية: قراءة في الصمت عن إسرائيل.!!

عبد الرحيم خليفة

في حالتنا السورية، المأزومة، تبرز بين الحين والآخر شخصيات، أو جماعات، وحتى مراكز أبحاث، تصدم القاعدة الشعبية، والجماعة الوطنية، بمواقفها وآراءها، فتفتح أبواباً للنقاش والجدل، عادة ما ينتهي إلى مزيد من الانقسام والتشظي الاجتماعي والوطني والسياسي.

وما حصل في الأيام الأخيرة ليس جديداً، وهو ليس أول المعارك ولن يكون آخرها.

فعلى مدار سنوات الثورة دارت معارك وحروب، أسقطت الكثيرين وأحرجتهم، بعض أسبابها منطقية ومفهومة، وبعضها تدل على عقد نخبنا واستعلائها وانفصالها عن الواقع، وكمثال على هذه الحروب كل ما يتعلق بالإسلام أو الكيان الصهيوني.

اليوم برزت إلى السطح من واقع أزماتنا، المركبة والمعقدة، اصطفافات هوجاء لجماعات تقول بالوطنية السورية، ونحن لا نشكك بذلك مطلقاً، لا ترى الواقع إلا بخلفياتها الطائفية والمذهبية، أو من خلال ايديولوجياتها العمياء، المعبئة والمشبعة بها، المعادية لكل ما له علاقة بالدين والإسلام تحديداً، أو أشكال ممارسته من قبل المجموع العام “المتشدد” بظروف سيرورة ال 15 سنة الماضية، أو لأنها تشعر أنه قد تمَّ استبعادها عن أي دور كانت تطمح له وترى بنفسها مؤهلات وأحقية، ولكنها لم تنل ما تمنت، ولم تحظَ بما طمحت وسعت إليه، بحكم تركيبة السلطة الحالية، أو مشروع الإدارة الجديدة الذي قد لا يكون صحيحاً، أو صائباً، بالمطلق.

في سياق ما هو مختلف عليه كانت المبادرات، التي صدرت في الأيام الأخيرة عن عدة جهات، ومن وحي ما حصل في محافظة السويداء، عدا عن المجريات اليومية للأحداث، والمسارات المتبعة، ومن هنا فأي تحليل سياسي للوضع الحالي في سورية، بكامل تعقيداته وتشابكاته، لا ينطلق، أو يأخذ على الأقل بعين الاعتبار، الدور “الإسرائيلي” وتدخلاته المباشرة أو عبر أطراف محلية، فهو تحليل قاصر ولا يحيط بجوانب أزماتنا ومعوقاتنا. ولأن العامل الإسرائيلي حاضر بقوة منذ ما قبل سقوط الأسد الصغير، الذي عطله طويلاً، ومستمر حتى الآن عبر العديد من الوكلاء والمرتبطين به.

يمكن تفهم الكثير من الملاحظات، وما يقال عن أزمتنا الوطنية، وهي عميقة وخطيرة، ولكن تغييب البعد الإسرائيلي عن عوامل أزمتنا يثير تساؤلات مشروعة لا تصب في مصلحة من يقصرون تحليلاتهم على العوامل الذاتية والبنيوية، ويعيدون كل شيء إلى سلطة لا تنسجم مع مزاجهم وهواهم ولا يرون أي شيء إيجابي في خطواتها وعملها.

إن دولة تحتل أراضينا، وتضع نفسها فوق القانون الدولي، وتمارس العربدة، أينما شاءت وكيفما شاءت، يجب أن يكون الموقف منها ثابتاً وطنياً لا يحتمل النقاش، وأيُّ مسٍّ به يعرض العمارة الوطنية للاهتزاز، ويشكل خطراً ماحقاً، بالدولة والسلطة والمجتمع.

لسنا من هواة من يبحثون عن أعداء لاصطناع مبررات، وإيجاد تفسيرات لقصورنا وفشلنا، ولكنها الحقيقة وهو الواقع، فمنذ سقوط النظام البائد وحتى الآن اتضح بشكل جلي وصارخ طبيعة هذا الكيان -الدولة، إن لم يكن عبر تاريخه، وما تريده لنا وما تستبطنه من مخططات قديمة- جديدة، رغم أنه لم يصدر عن الإدارة الجديدة ما يشير إلى رغبتها في الدخول بأية حالة (عدائية) معها.

تضييع وتذبذب البوصلة الوطنية لبعضٍ منّا يعمق الشرخ الوطني، والانقسام، رغم أن المزاج الشعبي العام يبدو أكثر وعياً وحرصاً كما تُنبيء الأحداث والوقائع. فهو مدرك، رغم أخطاء السلطة، وتجاوزاتها وقصورها، أن بناء الدولة الوطنية يتطلب حصر السلاح بيدها، بمعنى لا سلاح إلا بيد الأمن والجيش الوطنيين، ومن غير المقبول تسويغ وتبرير الاستعانة بالخارج، والاحتماء بإسرائيل التي تسعى بشكل سافر إلى دعم ومد الصلات مع الجماعات التي تحمل مشاريع دون وطنية، وهويات بديلة قاتلة، وهدفها في المآل تشظي سورية وإقامة كنتونات صغيرة متحاربة.

إن إسقاط النظام -برأينا المتواضع- في هذه الظروف التي نمر بها يعني إسقاط الدولة وضياع سورية وتغيير خرائط المنطقة؛ وهو ما لا تسمح به القوى الإقليمية والدولية، وأولاً وأخيراً الغالبية الشعبية التي دفعت ثمن التغيير أكثر من مليون شهيد ومستعدة لتقديم مثلهم لكيلا تعود سورية إلى ما كانت عليه من حكم أقلاوي بغيض، وهذا لا يعني القبول بأي سعار طائفي أو احتراب مذهبي…!

إلى نخبنا المثقفة:

“نون والقلم وما يسطرون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى