هذا سؤال المزاجنجي في فيلم “الكيف”، وهو سؤال جادّ، ليس ساخراً، لا في الفيلم السينمائي، ولا في الفيلم السياسي الذي تعيشه مصر منذ 13 سنة. تبشّر الدولة المصرية منذ عامين بفتح المجال العام، ويتحمّس لرؤيتها بعض المتفائلين، مجّاناً أو بالأجرة، وفي السياسة، لا عداءَ ولا وفاقَ دائمين، إنما مصالح، وفق الممكن. كما أنه لا ضمانات، إنما رهانات، ومحاولات، ولا تعني سوابق السلطة أيّ شيءٍ سوى الحذر، وليس الامتناع عن “التفاهم”. ولذلك كنت (أنا وغيري) مع الاستجابة الواعية لكلّ مبادرة تفاهم من أيّ طرف سياسي، خاصّة إذا كان السلطة، وكتبت (في صحيفة العربي الجديد)، مؤيّداً استجابة المعارضين للحوار الوطني، ومحرّضاً عليها، كما وسعتني حوارات مع آخرين على تطبيق كلوب هاوس، وغيره، للدفاع عن التوجّه نفسه، وكان الرهان أن الدولة المصرية لا تخلو (ولم تخلُ يوماً) من أصواتٍ عاقلة، وربّما توافقت مصالح النظام (أو إكراهاته) مع هذه الأصوات، فيما كان رهان رافضي الحوار أنه ليس جادّاً، ولن يكون. ويمكننا القول الآن إن نتائج الحوار الوطني، بعد عامين من انطلاقه، تشير إلى كسب الرافضين رهانهم، فلا شيء حقيقياً تغيّر، لا في ملفّ المعتقلين، ولا في غيره.
يعود النظام المصري، بعد هروب بشّار الأسد، ليخبرنا، عبر بعض حلفائه، إن الأولوية في السنوات الماضية كانت لبناء الدولة والقضاء على الإرهاب، وأن ذلك قد تحقّق (!)، وأن الوقت حان لفتح المجال العام، والإصلاح السياسي، ويظهر الأستاذان عاصم الجزّار وضياء رشوان مع الإعلامي عمرو أديب للحديث عن حزبهما الجديد (الجبهة الوطنية)، الذي يمثّل فاتحة الفتح. يسألهما عمرو عن موقعهما من السلطة الحالية، فيجيب الجزّار إن الحياة السياسية في مصر ليس فيها من يقترب من مستوى “الرجل” الذي يحكم، ويده في النار، ولذلك جاء الحزب. يسأل: “إذاً أنتم حزب موالاة؟”، فيجيبا: “لا، ليس الحزب موالياً، وليس معارضاً، ولا يستهدف السلطة، ولا يستهدف الأغلبية، ولا يستهدف استقطاب أحد، ولا يستهدف أن يكون طريقاً للبرلمان”. يسأل عمرو: “إذاً ما الذي يهدف إليه الحزب؟”، فيردّ الجزّار: “أن يكون بيت خبرة”.
لا يبدو الحوار جادّاً، ولا يبدو حزبياً، ولا يبدو سياسياً، فينتقل المذيع من العام إلى الخاص، ويسأل الجزار عن نفسه، “هل هو موالٍ أم معارض؟”، فيجيب وكيل مؤسّسي الحزب الجديد بأنه ليس موالياً وليس معارضاً، ولكنّ لديه بعض “الآراء الشخصية”. أمّا ضياء رشوان فيتحدّث بصفته متخصّصاً في العلوم السياسية، ويساريّاً سابقاً، وتجمعيّاً (حزب التجمع الوحدوي الديمقراطي) سابقاً، وناصريّاً سابقاً. ويقول إن ما يفعله هو ورفاقه في الحزب الجديد جديد. يسأله عمرو: “هل سنخترع العجلة؟”، فيردّ: “نعم”. يظلّ الموقف من السلطة الحالية معلّقاً، لا تأييداً ولا معارضةً، فماذا؟… يجيب الجزّار إن جُهد سيادة الرئيس لا يُصَدّق، فهو إعجاز، فلماذا لا نأخذ بنهجه؟ أمّا ضياء رشوان فيقول: “لن نقول لا مطلقة، ولن نقول نعم مطلقة، ولن نكون أداة تمرير قرارات”. يسألهما المذيع عن دور مموّلي الحزب وعن أهدافهم، وفي مقدّمتهم إبراهيم العرجاني، فيردّان بأن لا دورَ لأحد، ولا أهدافَ لأحد، لا للعرجاني ولا لغيره، وأن الدافع من تمويل الحزب “ردّ بعض الجمايل للدولة”. يسأل المذيع عن رؤية الحزب الاقتصادية، فيرّد الجزار إنها تنطلق من أمر المولى عزّ وجل لآدم عليه السلام بأن يعمّر الأرض، يسأل عمرو عن حرّية النقد (نقد رئيس الوزراء مثلاً)، فيجيب الجزّار إنه يجب أن نتأسّى بالإمام الشافعي حين كان ينتقد إمامَه، من دون أن يخطّئه.
ثمّ يختتم رشوان الحوار بتأكيد أن الحزب لا يهدف إلى الحكم غداً، لكن ربّما بعد غد، وبأنه حزب متحرّك، يقع في المساحة “المحفوظة” بين الموالاة والمعارضة. والسؤال: ما نوعية “الآدميين” الذين يطلقون هذا الكلام على الهواء؟ وما نوعية “السياسيين” الذي “يتعاطونه” أو “يأخذونه” على محمل الجدّ؟ وهل يمكن أن يمثّل هذا الخطاب مقدّمةً لأيّ “فتح”؟
المصدر: العربي الجديد