لم نعدم مؤخّراً دعوات على وسائل التواصل لرفع سوية الرواية العربية وإنقاذها ممّا آلت إليه من انحدار ورداءة، وعدم قدرتها على المقارنة بالروايات المترجمة، وذلك بتفعيل دور المحرّر في دُور النشر (هذا إذا كان هناك محرّر) وعدم اقتصاره على تصحيح الأخطاء الإملائية والقواعدية والمطبعية، والحثّ بأن تشمل صلاحياته بناء الرواية وأسلوب السرد، والتدخّل في العمل الروائي بالمجمل، كي تحظى الرواية بإقبال القرّاء، بافتراض أنّ ذائقة المحرّر تمتلك مفاتيح العمل الروائي الناجح، بحكم الاطلاع والمران، وذلك بالإشارة كدليل عملي إلى أسلوب دُور النشر في الغرب، فهي لا تنشر كتاباً من دون الخضوع لقلم المحرّر، ما يُحقّق الانتشار المرغوب.
بالنسبة إلى الرواية العربية، يخصّ أيضاً ما تعانيه من خطوط حمراء (الدين والسياسة والجنس) التي يُعتقد أنّها أسباب منع الكتب، مع أنّ هناك إرشادات مسعفة بشأنها، يمكن أن تُشكّل العامل الأكبر في ترويجها، خاصّةً أنّ الحواجز الرقابية أصبحت مهلهلة، ولا يصعب التصدّي لها، بعدما أصبح غضّ النظر عنها وارداً، فنحن نقرأ الروايات المترجمة التي لا تخلو ممّا يُدعى بالفحش والإلحاد، كما تُقرأ في الغرب تماماً، ولم تعُد ثمّة مشكلة في انتقاد الأديان، والتعاطي مع الجنس إلى حدود الإباحية. أمّا السياسة، فمحظورٌ المساس بها، بعدما أجمعت دولنا على مطاردة المعتدين عليها، فالسياسة للسياسيّين، لكن من الممكن التحايل عليها، بحيث تبدو كانتقاد خجول لها، لئلا تثير الحساسية. أمّا الأدب الذي لا يخفي مآربه، فالحجّة ضدّه جاهزة، يمكن اتهامه بكلّ بساطة بالدعاية الأيديولوجية، والمباشرة الفجّة، أُضيفت إليها مؤخّراً تهمة الدعوة لثورات خائبة، والطائفية البغيضة، والتطرّف والإرهاب تحت غطاء الربيع العربي.
يبدو أنّ دور المحرّر الأدبي سيتمدّد عربياً
ما يعني أنّ الكاتب بحاجة إلى دليل في غابة النشر، ولا يصحّ أن ينفرد وحده بالكتابة، خاصّةً أنّ مجال انتشار الرواية مثلاً بات من خلال الجوائز، لذلك يجب عمل الحساب لمعاييرها الخفية، فهي تختلف وتتنوّع حسب البلد والظروف، فلا يظنّ الكاتب أنّ المعايير سائبة، مع الحاجة إلى علاقات صداقة داخل المطابخ الثقافية، فكما في الدول عمقٌ وربما أعماق، هناك ما يُدعى بالدولة العميقة للجوائز، فلا يظنّ الكاتب أنّ الرواية التي حصدت انتشاراً لا تستحقّه، أنّها بلا أعماق دفينة، لكن بقليل من التأمّل، يدرك أنّها ليست غامضة، بالوسع التحرّي عنها واكتشافها من النمائم المتداولة.
من هنا جاء الافتراض بوجود وصفة ناجحة يمتلك المحرّر أسرارها، من ناحية ألّا يقلّ عن المحرّر الغربي جرأةً، وهو ما أصاب بعض الروايات العربية المترجمة إلى الغرب، فقد أُعيدت صياغتها، وحُذف منها ما حُذف، حتى أنّ بعضها حُذف منها فصل كامل، لولاه لم تُنشر أصلاً. أي أنّ هناك وصفات يمكن التعرّف إليها، تنقل الرواية من حال إلى حال، بجهد المترجم والمحرّر. أمّا بالنسبة للروايات التي تحت النشر في بلادنا، فالمستحسن طبعاً أخذ البيئات المحلّية بالاعتبار، كي تصبح الرواية حسب المواصفات الأدبية صالحةً للتصنيف إلى رواية: عاطفية، تاريخية، إيروتيكية، بوليسية، جاسوسية، أو خيال علمي، وتلك التي تقلّد الواقعية السحرية وغيرها من الواقعيات، لكن ليس هناك رواية سياسية.
لن يأتي المحرّر خالي الوفاض، بل مدجَّجاً بثقافة التحرير (ليس من الحرية)، مأخوذة من كتب تعليم الكتابة الروائية، التي تتضمّن نصائح عملية مستقاة من خبرات روائيّين مشهود لهم بالبراعة الإبداعية، ما يُشكّل ضمانة رابحة لدار النشر.
هل سيقتصر دور المحرّر على رسم خريطة طريق للرواية حسب هذه الأنماط؟ يبدو في هذه العجقة المستحدثة، أنّ دوره سيتمدّد ويكون شاملاً. يختصر بهذا السؤال للكاتب: هل تريد التهميش أو الشهرة؟
ولا ننسى أنّ للسلطة دوراً أيضاً، له الأولوية.
* روائي من سورية
المصدر : العربي الجديد
هل يتحقق رفع سوية الرواية العربية وإنقاذها ممّا آلت إليه من انحدار ورداءة، وعدم قدرتها على المقارنة بالروايات المترجمة بتفعيل دور المحرّر في دُور النشر ؟ وعدم اقتصاره على تصحيح الأخطاء الإملائية والقواعدية والمطبعية، أم إن الحواجز الرقابية أصبحت مهلكة ويصعب التصدّي لها باتهامات الدعاية الأيديولوجية،والدعوة لثورات خائبة، والطائفية قراءة موضوعية..