سميحة خريس كاتبة أردنية عريقة ومتميزة، لها العديد من الروايات قرأت الكثير وكتبت عنها…
.يحيى رواية تحدث زمنيا في نهاية الألف الأولى للهجرة النبوية .وفي حيّز بلاد الشام ومصر الجغرافي . كما أن الرواية ليست تاريخية . لكنها تستخدم التاريخ لتوصيل رسالتها. وهي من نموذج عن الرواية متعددة المستويات (تاريخي .اجتماعي .فكري و فلسفي). كل ذلك في تركيب رائع هو الحياة.
.تبدأ الرواية في منطقة الحلحول التابعة للكرك (الاردن الان). بوجود مرض الطاعون الذي يحصد البشر. وبوﻻدة الطفل الذي سيكون اسمة يحيى. بعد عدد كبير من الوﻻدات الميته. والتي لم يسلم منها اﻻ البنت مريم (اخت يحيى) ايضا. .يولد الطفل وامه لم تستطع ارضاعه. والنساء الولودات خفن على اوﻻدهم من شؤمه.. فلم يرضعنه واستعانت اخته مريم بحليب الاتان. ودخل دورة الحياة . أمه ماتت ،اخته قامت بدور الام . الاب كان يعمل طحانا في قرية تعتاش على الزراعه والرعي .وهي من اقطاعات العثمانيين الحاضرين في شؤون الحياة كاملة. ففي المواسم يأخذوا حصة الدولة وغيرها إلى جيوبهم الخاصة. كبر الطفل و التحق بكتّاب القرية، كبر وكبرت معه اسئلته. آمن بالله ودخل عالم الفهم والإدراك ، اعتبره معلمه خليفته في التعليم . بدأ يدرك ماحوله . العثمانيون حاضرون من خلال بعض الملّاك (اصحاب الارض ). الذين يسيّرون مصالحهم ولو على حساب أهل القرية .أدرك أن الدين فهم و اجابة على اسئلة الوجود أكثر منه حفظ وتكرار في القراءة ؛ فهم الدين رسالة حق و عدالة مع العبادات والطاعة لرب العالمين. كان ﻻبد أن يصطدم يحيى مع سلطة الملّاك .وأهل الدين الذين ينافقون لأهل السلطة والمال. والدين عندهم مهنة يتعيشون منها. اصطدم يحيى مع الطرفين الملّاك الذين اعتبروه مشروع فتنة يضر بمصالحهم .فألبوا عليه السلطة متهمينه بدينه. وأنه يعيد التساؤل بالمسلمات. وهكذا وجد يحيى نفسه مرفوضا واصبح مطلوبا للسلطات؛ فهرب يحيى في رحلة بحث عن المعنى في الوجود. واقترب أكثر من الله داخل نفسه؛ و في المعرفة التي أخذ يتشربها بشغف حميم. و وصلته نسخة من عيون الحكمة لابن سينا. ودخل احد الاديرة لينهل اكثر و اكثر من المعرفة والعلم . وفي هربه عند البدو في صحراء سيناء تعلم الخلوة والتفكير في الوجود والخالق. وان يقترب من نفسه أكثر ومن رسالة وجوده . كانت سيناء معبر إلى بر مصر المحروسة. و وصل إليها صار جزءا من نسيج الفقراء بها . عمل نحّاسا فنانا يرسم بمطرقته كل أشكال الوجود الرائعة .في مشغله وصلت له ابنة بلده. التي أخذها الحاكم العثماني لجمال صوتها كجارية. بيعت من المختار ابن القرية وادعى انه زوجها له . وجدت به أهلها الذين فقدتهم و وجد معها جاريتها التي أحبها. وشجعته أن يلتحق بجامع الأزهر وأنها سترعاه. التحق بالأزهر وهناك وضحت الصورة اكثر. فأغلب الناس في حالة فقر مدقع ضحية الحاكم العثماني وانكشاريته (جنده). الذين يرهقون الناس بالضرائب. ويقاسمونهم لقمتهم يوما بيوم. و الأزهر يتحكم به مجموعة من مشايخ المذاهب والطرق وكل بما لديهم فرحين ؛ واغلب رجال الدين يأخذ بالشكل والتقليد. ولا يغوص في جوهر الدين كحق وخير وتفكير مفتوح بالله وعظمته. وأنه مع الانسان وضد الظلم. ويدفع لأخذ الحق من الظالم ولو بالقوة . سرعان ما اصطدم مع أستاذه الذي وجد بيحيى مشروع فتنة. وبدأ يتحرك لطرده من الأزهر وسجنه كمارق ان امكن. هرب يحيى مجددا بعد أن ودع حاضنته (ابنة قريته) و حبيبته وتعاهدوا على اللقاء . عاد لقريته بعد سنوات ليجد أن الملّاك في القرية قد سلبوا القرية كلها من أهلها. بتآمر مع الولاة وتقسيم المكاسب. ووجد اخته ضعيفة مكسورة . حاول أن يطالب بأرضه ولم ينجح. عاد للكتّاب وبدأ رحلة تعليم جديدة .وأصبح يزرع في مجالسه بذرة الحق والعدل استرداد الحقوق. وانعكس هذا على المالكين ضررا. ووجدوا به محرضا وهدفا يجب ان يعاقب . وهرب مجددا مع بعض صحبه الى دمشق هذه المرة . و عند وصوله للسويداء التقى بشيخ طريقة صوفية حيث وجد ذلك الشيخ في يحيى ضالته. وريثا للطريقة. و زوجا لابنته الوحيدة. وظهرا يستعين عليه في كبره .
عادوا لدمشق. و يحيى بدأ حياته نساجا وصاحبه في العطاره. ويئس شيخه من استمالته لابنته جاهلا حبه وعهده المكين في نفسه (لمن يحب)؛ كانت البنت من نصيب صاحبه. وصار له بداية حضور اجتماعي وفكري في مشغله. او في البستان عند اخ زوجة الشيخ في حضرة الورد و عطارته .
طارت شهرة يحيى وأصبح قبلة لكل باحث ومفكر. يستوعب الكل . يناقش كباحث عن الحق. وليس مالكه .يسكنه اطمئنان انه يقف الى جنب الله .وأنه مع الحق والخير في كل شيء
لم يحتمل شيخه منافسته له وعدم زواجه من ابنته. كذلك نجاحه في استقطاب المتابعين له من كل أصناف المجتمع . فسعى بالوشاية عليه عند قاضي القضاة بأنه يبتدع بالدين. ويتهجم على أولي الأمر و يجتمع عليه العامة. علم القاضي بالوشاية .واحتفظ لنفسه بالتحري . وكان الناس في ضائقة .والسلطان يرهقهم بالضرائب . ويأخذ معلمي الصناعات حتى يبني مسجده في اسطنبول. وانكشاريته تعيث فسادا تقتل وتنهب وتعتدي على حرمات الناس. وفي خطب الجمعة في الأموي يطنب الخطيب بمدح السلطان . ثار يحيى وبعث لقاضي القضاة يسأل هل يحق لسلطان يظلم الناس أن يطاع؟! . استدعاه القاضي وبعد حوار طويل .وجد به مشروع ثورة تلغي شرعية السلطان. وشرعية القاضي الساكت عن الظلم . و شرعية رجال الدين المتنعمين بخير السلطان . والخائنين لربهم والساكتين عن حقوق الناس اتباعهم . وجده مشروع فتنه فاحاله للبيمارستان (مشفى مجانين) .على أنه مريض ويعالج وﻻ يخرج ابدا . في المشفى تبين انه ليس مجنون . ومديرها تصرف معه بقسوة متجاوبا مع امر القاضي. لكن يحيى كسب الأطباء والنزﻻء وبدأ يحصل على زيارات من الخارج. وحبيبته لحقت به الى الكرك ثم الشام والشيخ عاد له ضميره يفكر بانقاذه . والمشفى حيث يوجد يحيى أصبح مركز إشعاع جديد . اعيد الموضوع للقاضي الذي استنفر كل رجالات الدين في الجامع الأموي لينتهي من هذه الفتنة . وكانت جلسة حوار ودفع يحيى للتوبة. دافع يحيى عن الدين أنه لحياة الإنسان والخير والعدالة وضد الظلم من أي طرف كان . وأن باب الاجتهاد مفتوح طالما أن هناك مستجدات بالحياة . ودافعوا هم عن أنفسهم كحماة ودعاة ومفسرين للدين. وأنهم يد الله والسلطان معهم. وهم المفتون لمواجهة فتن الدين والدنيا. وانهم مع السلطان حماة البلاد والعباد في مواجهة فتنته وأمثاله .لم يستطيعوا ثني يحيى عن رأيه. وزرع بهم البلبلة لبقية من خوف الله عند بعضهم . وبعد طول جدل توصلوا لضرورة قتله حفاظا على مصالحهم ولارضاء السلطان . وفي ليل بهيم حكموا بالموت عليه . وأخذوا ختم الوالي لحكمهم ونفذوا وارتاحوا من ثورة تكون ماحقة لهم ولسلطانهم
.سقطت الشعلة لوقت ما
هنا تنتهي رواية مليئة جدا بعصرها .على كل المستويات الحياتية والوجدانية والتاريخية وتجعلنا نعيش ذلك الزمان كأننا فيه. ويظهر التناقض بين رسالة الدين لخير البشر . ودور رجال الدين الذين يجعلونه على قدر عقولهم ومصالحهم وخدمة للسلطان. وتؤكد وحدة المصالح بين رجل الدين والحاكم والخدمة المتبادلة .وأن الحياة تجود دوما بمن يعيد للدين جوهره وينقد السلطة ويطالب أن يكون الدين والسلطة خدمة للناس وليس العكس
.وما زلنا بعد مئات السنين من تاريخ حدث الرواية نعيش نفس المشكلة . رجال دين يصادرون الدين لأجل رؤاهم الخاصة أو لمصلحة السلطان. وبكل الأحوال. مازلنا مطالبين كلنا. ان نركز ان جوهر الدين (كل دين): هو لحياة الإنسان الافضل و للحرية والعدالة. وأن الدين كقيم والعلم كوسيلة يكونان رافعتين متكاملتين لمصلحة البشر
.هي معركة مستمرة للآن .نخوضها انتصارا للإنسان وحقوقه. وللدين وتعاليه وتعبيره عن مصالح العباد إنها رواية رائعة.
30 .11 . 2013
رواية: يحيى” للروائية الأردنية “سميحة خريس” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” رواية تحدث في نهاية الألف الأولى للهجرة النبوية .وفي بلاد الشام ومصر الجغرافي ليست تاريخية. لكنها استخدمت التاريخ لتوصيل رسالتها الرواية متعددة المستويات (تاريخي .اجتماعي .فكري و فلسفي). كل ذلك في تركيب رائع هو الحياة .