
د. حسين علي الشرع مفكر وباحث اقتصادي سوري، له العديد من الكتب والدراسات التي تطال الشأن السوري والعربي عموما. وهو والد الرئيس السوري بعد انتصار الثورة السورية أحمد حسين الشرع.
“قراءة في القيامة السورية” الكتاب الذي نتحدث عنه ل د حسين علي الشرع كتب في عام ٢٠٢١م. أي بعد مضي عشر سنوات على بداية الثورة السورية التي قامت في ربيع عام ٢٠١١م. ومن عنوانه يلفت النظر الى اعتبار الثورة السورية وكأنها قيامة جديدة للشعب السوري يثور على الظلم والقهر والاستبداد والفساد. ويتحرك لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل للشعب السوري كله.
يبدأ الكتاب من ما قبل نشوء الدولة السورية بعد سقوط السلطنة العثمانية وتقسيم بلاد الشام والعراق ما بين فرنسا وانكلترا عبر اتفاقات سايك بيكو واستعمار الفرنسيين لسورية منذ عام ١٩٢٠م. وكيف حاولت فرنسا تقسيم سورية الى دويلات طائفية – مناطقية وتم إفشال مخططها بموقف الشعب السوري بقيادته الشعبية في أنحاء سورية. وحصل استقلال سورية عام ١٩٤٦م. و تشكلت حكومات سورية متعددة مع انقلابات لضباط من الجيش السوري كرد فعل على هزيمة العرب في مواجهة الصهاينة الذين احتلوا جزء من فلسطين وبنوا دولتهم عليها عام ١٩٤٨م. حيث حكم حسني الزعيم سورية لأشهر عام ١٩٤٩م. وانقلب عليه سامي الحناوي الذي انقلب عليه بعد ذلك أديب الشيشكلي الذي أعاد الحكم للشعب السوري في مسار ديمقراطي عام ١٩٥٤م . أدى الى انتخاب هاشم الأتاسي وبعده جاء شكري القوتلي لفترات عدة قبل ذلك وبعده. ولا بد من التنويه إلى أن سورية في ذلك الوقت وقعت تحت تجاذبات إقليمية ودولية من العراق وحلف بغداد المدعوم من أمريكا والغرب وكيف كانوا حريصين على انتزاع اتفاقات لتمرير النفط العراقي والخليجي الى الساحل السوري. وكذلك من التوجهات القومية العربية التي بدأت تظهر ملامحها بظهور جمال عبد الناصر الرئيس المصري خاصة بعد تأميم قناة السويس. وتتوج ذلك باندفاعه شعبية ومن القيادات السياسية والعسكرية السورية التي توجهت الى مصر جمال عبد الناصر وحصلت الوحدة المصرية السورية التي استمرت لثلاث سنوات وكانت مقبولة شعبيا ١٩٥٨ – ١٩٦١م. وحصلت اعتراضات عليها من بعض كبار الملاك والصناعيين الذين تضرروا من القرارات الاشتراكية. وكذلك من بعض قيادات الأحزاب السياسية التي حلّت نفسها وادّعت أنها همّشت في الوحدة وكذلك الحال لبعض القيادات العسكرية. وحصل الانفصال الذي تم رفضه شعبيا ودعم من دوائر عربية وغربية ولكل اسبابه ومصالحه. ولكن لم تدم سلطة الانفصال لأكثر من عامين وتم اسقاط الانفصال بانقلاب آذار ١٩٦٣م الذي قام به ضباط ناصريين وهم الاغلبية وبعض الضباط البعثيين. وبسبب وجود اجندة للبعثيين الذين كانوا منضوين ضمنا في اللجنة العسكرية الخماسية التي تم بناؤها منذ أيام الوحدة المصرية السورية. من محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وهؤلاء علويين واحمد المير وعبد الكريم الجندي الاسماعليين. واستطاعوا أن يعيدوا هندسة الجيش السوري وقاموا بتسريحات واعادة ضباط منهم اللجنة الخماسية نفسها التي أخذت رتبا عالية وتمركزت في مفاصل الجيش والأمن. وبدء من عام م١٩٦٣ وحتى عام ١٩٦٦ م تم إبعاد قادة حزب البعث ميشيل عفلق وصلاح البيطار التاريخيين عنه حيث رحلوا الى العراق. وتمركزت السلطة بعد ذلك بيد صلاح جديد قائدا لحزب البعث وحافظ الأسد وزيرا للدفاع وتم استبعاد محمد عمران. الذي سيغادر إلى لبنان. وهناك سيقتل اغتيالا من مخابرات حافظ الأسد بعد تفرده بالحكم. وكان عام ١٩٧٠م عام استفراد حافظ الأسد بالحكم في سورية وتم وضع صلاح جديد في السجن لأكثر من عقدين وافرج عنه ما قبل موته بقليل. واصبح الاسد قائدا للسلطة السورية وبقي وزيرا للدفاع او القائد الاعلى للجيش والقوات المسلحة والأمين العام لحزب البعث الجناح السوري طبعا.
بقي حافظ الأسد حاكما مطلقا لسورية حتى وفاته عام ٢٠٠٠م. كان يعتمد سياسة المهادنة والتوافق مع القوى الدولية وأن يتمدد إقليميا برضاها. وان يشرعن نفسه الاها مطلقا في سورية. وما كاد يثبت حكمه بادعاء أنه يعمل وفق اجندة القوى اليسارية السورية التي دمجها في الجبهة الوطنية التقدمية. والتي انشق عنها أغلب أحزابها بعد ذلك باعتبارها مجرد أداة لخدمة الأسد سياسيا بعدما أعلن بالدستور الجديد الذي صدر عام ١٩٧٣م ان حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع. وبعد ذلك قام حافظ الأسد بالتوافق مع مصر السادات بحرب تشرين لعام ١٩٧٣م. والتي هزم بها و خسر مزيد من الأراضي السورية. والتي توجت باتفاق فك الارتباط الذي أعاد لسورية شريطا محاذيا للجولان المحتل متضمنا مدينة القنيطرة التي ردّ بها اعتباره بكونه من خسر الجولان ومنها القنيطرة في حرب حزيران عام ١٩٦٧م. القنيطرة التي تركها الأسد مهدمة هو وابنه وحتى الآن. ضمن توافق ترعاه امريكا. بإغلاق ملف الصراع مع إسرائيل والذي التزم به الاسد الاب والابن حتى سقوط النظام السوري نهاية عام ٢٠٢٤م.
كان أول دور إقليمي للأسد الأب هو دخول لبنان منذ عام ١٩٧٦م تحت دعوى حماية الفلسطينيين في تل الزعتر ولكن حصلت مذبحة في تل الزعتر قام بها الجيش السوري وتم تحجيم للقوى الفدائية الفلسطينية وضرب القوى الوطنية اللبنانية. وتوج الاسد الاب فعله في لبنان بإخراج الفلسطينيين إلى تونس اوائل الثمانينات. وضرب الحركة الوطنية اللبنانية و اغتيال قائدها كما جنبلاط عام ١٩٧٧م. وضرب ثم احتواء القوى المسيحية ايضا وكل ذلك بالتناغم والتكامل مع التدخلات الإسرائيلية المتكررة في لبنان. واصبحت لبنان اخيرا مستعمرة سورية يحكمها الجيش والمخابرات السوريين. ولا بد من ذكر حصول الاسد الاب على المال الخليجي تحت دعوى حماية الحدود مع اسرائيل والدور السوري في لبنان. وكان الموقف السوري المتوافق مع إيران والداعم لحزب الله في لبنان وتغوله على الدولة فيها. كذلك دعم الاسد الاب لإيران ضد العراق طوال سنوات الحرب بينهما واستمرار العلاقة الاستراتيجية مع إيران حتى سقوط النظام السوري.
أما داخليا فكان الفساد والقمع واعتقال المعارضين الى درجة غياب الصوت المعارض خاصة بعد صراع النظام مع الإخوان المسلمين و طليعتهم المقاتلة ثمانينات القرن الماضي واعتقال القوى الوطنية الديمقراطية وأصبحت الساحة السورية خالية تقريبا من المعارضين للنظام. وأصبحت الفاقة والفقر علامات أساسية في حياة السوريين الذين قرروا الصمت وأن يعتمدوا على جهدهم الذاتي لتأمين سبل عيشهم وكان الذهاب إلى الخليج كعمالة دنيا أهم مخرج امام الانسان السوري.
استمر الاسد الاب في حكم سورية حتى موته عام ٢٠٠٠م. وتم دمج ابنه بشار في شأن السياسة السورية بعد وفاة وريث الأسد السابق ابنه باسل ليجهز ليكون حاكما لسورية وبالفعل تم الانتقال السلس ليحكم الأسد الابن سورية وتم تعديل قانون سن الرئيس من اربعين الى اربع وثلاثين في مجلس الشعب السوري. وأراد الأسد الابن أن يعلن تغييرات أظهرها مختلفة عن سياسة والده. وفتح المجال للتعبير السياسي الذي استثمرته المعارضة السورية وبدأت نشاطها عبر المنتديات وغيرها. لكن النظام عاد لسابق عهده واستعمل القبضة الامنية واغلق المنتديات واعتقل قيادات الحراك فيها.
وعلى المستوى الاقتصادي قرر الأسد الابن إدخال تعديلات في قوانين الاستثمار والنشاط الاقتصادي بحيث جعلت عجلة الاقتصاد تتحرك وبدأت تضخ رؤوس أموال عربية وخليجية جعلت حياة السوريين اقل سوء وتحمل وعودا بالتحسن. واما خارجيا فقد كان خطأ الأسد الابن الأكبر اغتيال رفيق الحريري وغيره من المعارضين في لبنان وكان نتيجتها خروج سورية من لبنان عام ٢٠٠٥م.
واستمرت سورية جمهورية القمع والفساد والفقر وفقدان الأمل. وتراكم ما اسماه الكاتب أسباب القيامة السورية التي حصلت مع الربيع العربي في ربيع عام ٢٠١١م. حيث كان تعامل النظام السوري العنفي مع الحراك الشعبي السلمي سببا في رفع وتيرة الرد الشعبي وانتقال الحراك السلمي الى حراك مسلح. وزاد عنف النظام عبر سنوات ليصبح قصف بالطيران والصواريخ مع اجتياحات البلدات والمدن الثائرة ووصل الى تدمير اكثر من نصف سورية في بنيتها التحتية وعمرانها. وتشرد أكثر من نصف شعبها ١٤ مليون إنسان خارجا وداخلا و استشهاد ما يزيد عن المليون إنسان ومثلهم مصاب ومعاق ومبتور. واعتقال مئات الآلاف. وتدخّل قوى إقليمية ودولية على خط الصراع مع الثوار ومع النظام. وحتى عام ٢٠١٥م أصبحت كفة الصراع مع النظام راجحة للثوار. ولكن دخول روسيا لدعم النظام وكان قد دعمه حزب الله وايران والميليشيات الطائفية العراقية وغيرها. وكان لدور تنظيم الدولة الاسلامية داعش ودورها الوحشي داخل سورية وفي كل العالم وبطريقة استعراضية سينمائية جعل الاتجاه الدولي والإقليمي يتجه نحو اعادة شرعنة الاسد الابن وان يكون هناك حل ما في سورية يشمل النظام ومعارضيه.
داعش التي حاربت الثوار ولم تواجه النظام وظهرت شهادات تقول انها اداة صنعها ودعمها النظام السوري وإيران.
وكانت صدرت قرارات دولية لأجل ذلك كان أهمها قرار ٢٢٥٤ الذي يعيد صناعة سلطة من المعارضة والنظام وفق آليات محددة. ولكن سنوات من المباحثات في استانة وسوتشي وجنيف لم تحسم اي خطوة انتقالية.
الكتاب الذي بين يدينا ينتهي تدوينه عند العام ٢٠٢١م. يحاول أن يقدم تصورا لهذه الحكومة التي ستتشكل وفق القرار الأممي ٢٢٥٤. مستفيدة من التوافق الإقليمي والدولي من مرحلة إيقاف التصعيد في سورية بعد عام ٢٠١٨م. وإنهاء الحرب على داعش والانتصار نسبيا عليها. وإعادة شرعنة النظام السوري واحتضانه في الجامعة العربية، وتحول مناطق سيطرة الثوار سابقا في الجنوب والشمال وحتى في شمال شرق سورية حيث تتواجد قوات سورية الديمقراطية قسد واعتبارها مناطق خفض التصعيد. وأن يتم استغلال ذلك كله لبناء سورية الجديدة.
سورية التقاسم السياسي ودولة القانون والعدالة والديمقراطية. سورية التي تعيد استثمار طاقاتها الاقتصادية من نفط ومواد أولية أخرى. ومن طاقتها الزراعية والصناعية وعلى كل المستويات.
لقد قدم الكتاب شبه برنامج اقتصادي اجتماعي لصورة المستقبل وكيف ننهض في سورية إن تم الاستفادة من تنفيذ القرار ٢٢٥٤ الدولي.
لكن مسار الواقع على الأرض اختلف، فقد كان الثوار السوريين قد تجمعوا بمنافيهم في المناطق التي بقيت محررة في ادلب وريفها وريف حلب حيث سيطرة هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الاسلامية الاخرى. أما في الشمال السوري حتى الحدود مع تركيا حيث المناطق المحررة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري .
بدأت هذه القوى الثورية بقيادة هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الإعداد لمعركة اسقاط النظام منذ عام ٢٠٢٢م وقامت فعلا بمعركة ردع العدوان نهاية عام ٢٠٢٤م عبر توحيد القوى العسكرية للثوار بشكل كامل استطاعت في أيام معدودة اسقاط النظام الذي استعبد السوريين لأكثر من ستة عقود مضت.
تحدثنا عن انتصار الثورة السورية في كتابات اخرى.
المهم هنا أن برنامج د حسين علي الشرع لبناء سورية المستقبل في كتابه القيم والمهم “قراءة في القيامة السورية”. مازال ممكنا ومطلوبا أن يكون برنامجا لدولة الثورة السورية المنتصرة. وخاصة بعد مضي سنة على انتصار الشعب السوري وثورته. واننا نحتاج كشعب ان ننتقل الى مرحلة التنمية و البناء والعدالة الانتقالية وأن يعيش فعلا الشعب السوري في ظل دولته احساس الكرامة و واقع الحرية وأن تتحقق العدالة وأن يمارس الديمقراطية قيما ومؤسسات ويصنع الحياة الأفضل.






