يروّج النظام السوري لتعزيزات روسية وصلت إلى جنوب وشرق إدلب، شمال غربي سورية، بنية التمدد أكثر في عمق المحافظة، لا سيما أن النظام يحاول دفع موسكو لمساندته بالتوغل أكثر في إدلب، أو ما يعرف بمنطقة “خفض التصعيد” الرابعة، على الأقل للوصول إلى طريق حلب – اللاذقية المعروف بطريق (M4)، بهدف فتحه أمام الحركة التجارية، وإقامة الحواجز العسكرية والأمنية عليه، التي باتت مصدرا مهماً للنظام لتحصيل الأموال.
وحسب متابعة لـ”العربي الجديد”، فإن التحركات الروسية جنوبي إدلب تأتي في الإطار الاعتيادي، وهي تحركات بالأساس تقوم بها مليشيات تدعمها وتمولها روسيا مثل الفرقة 25 التي يقودها العميد سهل الحسن، بينما يحاول النظام الذهاب إلى تكريس تعزيز روسي في إدلب لاستفزاز المعارضة أكثر، بنية جر الروس إلى معركة جديدة، يستطيع من خلالها النظام الوصول إلى الطريق المذكور، مع توسيع السيطرة الجغرافية.
وفي حين يتزايد تصعيد النظام ضد المدن والبلدات في محافظة إدلب باستهداف المناطق السكنية بالمدفعية والراجمات، مع ضربات من الطيران الروسي، منذ الخامس من الشهر الحالي، أي بعد الانفجار الغامض الذي طاول الكلية الحربية في حمص وأوقع عشرات القتلى من ضباط النظام خلال حفل تخرجهم، فإن النظام يرى في ذلك فرصة للتوغل أكثر في مناطق المعارضة، طبعا مع استغلال تصدر العدوان الإسرائيلي على غزة المشهد الإعلامي.
تخفيف الضغوط
وتمكن قراءة خطوة محاولة تنفيذ هجوم جديد من قبل النظام بمساندة روسيا بسعي الأول للهروب من ضغوط الاحتقان المجتمعي في مناطق سيطرته، لا سيما بعد عدم القدرة على السيطرة على احتجاجات السويداء، والخشية من انتقالها إلى محافظات أخرى، لا سيما في الساحل.
ونقلت صحيفة الوطن الموالية للنظام، عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”، أن “القوات الروسية عززت وجودها العسكري في بلدتين بريف إدلب الجنوبي بالقرب من خطوط التماس مع المعارضة، إضافة إلى تعزيزات أخرى وصلت إلى مطار أبو الظهور العسكري في ريف المحافظة الشرقي”.
وأشارت المصادر للصحيفة إلى أن ذلك من “شأنه تعزيز الحضور العسكري الروسي في منطقة (خفض التصعيد)، وزيادة المجهود العسكري للنقاط العسكرية الروسية في المنطقة، بما يساعد جهود موسكو الراغبة بالقضاء على التنظيمات الإرهابية فيها، والضغط على أردوغان للوفاء بالتزاماته الخاصة بالمنطقة والتي يتهرب من تطبيقها منذ سنوات”.
وأفاد مركز رصد للمعارضة السورية “لعربي الجديد” بأن “لا تعزيزات جديدة للقوات الروسية وصلت إلى إدلب”، مشيراً إلى أن “النظام، وليس الروس، دفع بحمولات من ذخائر المدفعية والراجمات إلى المرابض المنتشرة حول إدلب”، وأكد المرصد أنه ليست هناك “أي وحدات أو قوات مشاة وصلت ولا حتى تعزيز بالآليات”.
من جهته، قال مصدر آخر في المعارضة السورية العسكرية العاملة في إدلب، لـ”العربي الجديد”، إن الفرقة 25 أجرت عمليات تبديل، مشيراً إلى أن النظام “يريد الترويج لتوغل بري جديد، وجر الروس لدعمه بالطيران والخبراء في تلك المعركة، وهو بات يروج لذلك بنية استفزاز المعارضة العسكرية”.
ضغط على المعارضة وتركيا
وفي السياق، أكد العقيد مصطفى بكور، وهو قيادي في غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تشرف على العمليات العسكرية في إدلب من جهة المعارضة المسلحة، أن “هنالك بعض التعزيزات لمنظومة الطيران المسيّر الروسي والايراني شرق إدلب”.
ويشير بكور إلى أنه “يُتوقع أن تكون هذه التعزيزات وسيلة ضغط على فصائل المعارضة وتركيا”. لكنه لا يعتقد أن “الظروف مؤاتية للقيام بأي عمل عسكري من كلا الجانبين، في ظل انشغال الدول الفاعلة في الملف السوري بما يحصل في غزة”.
العقيد بكور لا يعتقد بأن “الظروف مواتية للقيام بأي عمل عسكري في ظل انشغال الدول الفاعلة بالملف السوري، بما يحصل في غزة”
ويتابع: “تحاول روسيا والنظام، بين الفينة والأخرى، إعادة الحديث عن اتفاقات قديمة في إطار (مسار استانة) ومنها فتح طريق (M4)، لكن تنفيذ هذه الاتفاقات مرتبط بتنفيذ اتفاقات أخرى، يجب على روسيا والنظام تنفيذها، مثل وضع (قوات سوريا الديمقراطية – قسد) شمال حلب، لذلك لا أعتقد أن الجانب التركي سيكون موافقاً على فتح (M4)، إذا لم يحصل تقدم شمال حلب”.
وعن جهوزية المعارضة المسلحة في إدلب ومحيطها لأي سيناريوهات محتملة، قال بكور: “فصائل (الفتح المبين) أعلنت منذ أشهر أنها مستعدة لصد أي عدوان على الشمال السوري المحرر، ولديها من المفاجآت الكثير، وأعتقد بأن الروس يدركون هذه الحقيقة، وقد ظهرت بعض قدرات (الفتح المبين) مؤخراً من خلال العمليات الانغماسية التي نُفّذت خلال الأشهر الماضية، وعمليات الرد الموجعة التي جرت بعد العدوان على الشمال المحرر بعد استهداف الكلية الحربية من قبل المليشيات الإيرانية”.
من جهته، يرى طه عبد الواحد، المحلل السياسي المقيم في موسكو، أن “سيناريو التصعيد البري في إدلب من قبل النظام وروسيا محتمل، حيث تتجه الأنظار إقليميا ودولياً نحو الوضع في الأراضي الفلسطينية، وهذا خلق على الأقل مناخاً مناسب إعلامياً للقيام بعمليات عسكرية من دون أن يثير ذلك ردود فعل مؤثرة”.
ويضيف: “لكن مع هذا، أستبعد أن يجرى تنفيذ عمل بري واسع، ويبقى كل شيء رهن التوافقات مع تركيا، ولا أعتقد أن موسكو قد تذهب إلى أي عمل عسكري يؤدي إلى خلق وضع (مواجهة) مع القوات التركية في المنطقة”.
وتوقفت المعارك في إدلب ومحيطها، أي ما يعرف بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة” التي تضم كامل إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماه واللاذقية، في الخامس من آذار/ مارس من العام 2020، بعد اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، بعد توغل بري واسع للنظام والمليشيات المدعومة من إيران بإسناد جوي روسي، تمكن من خلاله النظام من قضم مساحة واسعة من تلك المنطقة التي من المفترض أن تكون تحت الضمانة والوصاية التركيتين.
وفي عمليات التوغل تلك، تمكن النظام والروس من الوصول إلى طريق حلب – دمشق المعروف بطريق (M5) وفتحه، ويطمح النظام ويروج منذ ذلك الحين للوصول إلى طريق (M4) للوقوف عليه والاستفادة منه تجاريا وأمنياً.
المصدر: العربي الجديد