قالت مجلة “إيكونوميست” إن نجاح المنتخب المغربي في مباريات كأس العالم، أعاد النقاش حول الهوية العربية. وتحت عنوان “عن الأسود والكبرياء” تحدثت المجلة عن التغيرات في المواقف العربية من المغرب، حيث بات اليوم بطلا في كل المنطقة. وترى أن الرمزية هي أكبر من لعبة كرة قدم، فدولة مستعمَرة سابقا، ستدافع عن اللقب ضد دولة استعمرتها، وربما لعب أفراد كل فريق ضد منافسيهم في صدام الهويات المترابطة. وتم تبني الطرف الضعيف كرمز للكفاح الإقليمي حتى لو ناقش أبناء الوطن الواحد إن كانوا مرتبطين بالمنطقة أم لا.
وفي مرحلة المجموعات، كان كأس العالم هذا العام حافلا بالمفاجآت، فقد هزمت السعودية الأرجنتين، وتغلبت اليابان على إسبانيا وألمانيا وتربعت على قمة المجموعة. ولكن مرحلة نصف النهائي، كانت الفرق متوقعة، فرنسا حاملة اللقب، والأرجنتين، الفائزة مرتين بكأس العالم، وكرواتيا التي لعبت ضد فرنسا في النهائي عام 2018 وخسرت. وما لم يكن متوقعا، هو مشوار المغرب في المونديال، حيث فاز المنتخب في أربع من خمس مباريات، بما فيها الانتصارات المدهشة ضد البرتغال وإسبانيا لكي يصل إلى المربع الذهبي.
وسيواجه “أسود الأطلس” اليوم الأربعاء المنتخب الفرنسي. وكان المنتخب المغربي، أول منتخب عربي وإفريقي يصل لهذه المرحلة المتقدمة في مباريات كأس العالم، وهو انجاز أدى لاحتفالات صاخبة في العالم العربي وإفريقيا وبين المهاجرين في أوروبا، وكذا نقاش فضولي.
وتقول المجلة إن انتماء المغرب لإفريقيا ليس محلا للنقاش، ودليل ذلك، ما قاله وليد الركراكي بعد الفوز على البرتغال: “قلت لرجالي قبل المباراة إن علينا كتابة التاريخ لإفريقيا”. وكان ذلك انتصارا للشتات أيضا، فمعظم أفراد المنتخب المغربي المكون من 26 لاعبا، وُلدوا في الخارج. ومرة بعد أخرى، لعبوا ضد فرق من أبناء البلاد التي ولدوا فيها. فأشرف حكيمي ولد في مدريد لأبوين مغربين. واختار اللعب مع المنتخب المغربي لأنه شعر برابطة قوية تجاه أصوله. وفي 6 كانون الأول/ ديسمبر، أحرز هدف الفوز ضد إسبانيا. وأصبحت كرة القدم الأوروبية متنوعة بطريقة لم يعد يلاحظها المشجعون. والآن بنى المغرب فرقته لكرة القدم بهويات معقدة.
أما بالنسبة للعروبة، فقد كانت محلا للنقاش بين المشجعين وفي المقاهي ومنشورات التواصل الاجتماعي التي لم تتوقف. وللتأكيد، فالمغرب هو عضو في الجامعة العربية ولغته الرسمية هي العربية وأسهمت ثقافته في معظم العالم العربي، ويعرّف الكثير من المغاربة أنفسهم بالعرب، إلا أن انتصارهم تم الاحتفال به في كل أنحاء المنطقة. مع أن المغاربة من أصول بربرية لا يشعرون بالراحة من توصيفهم بالعرب، وينظرون لهويتهم كـ”تامزغات” ولم يُعترف بلغتهم إلا عام 2011 بعد الإصلاحات الدستورية عام 2011 بعد انتفاضات الربيع العربي.
وتقول المجلة إنه نقاش غريب، فلو فازت مصر، وهي دولة في شمال إفريقيا وأبكت رونالدو، لما تردد الكثيرون في تسميته بنصر عربي. وشعر مشجع سعودي في ليلة الفوز، أنه انتصار لكل العالم العربي، ولكن مشجعا آخر لم ير ارتباطا في بلد يبعد عن السعودية، بُعد تايلاند عنها، مما يفسر البُعد كعامل يدفع النقاش. وتزعم المجلة أن الكثيرين من العرب يسخرون من الدارجة المغربية لعدم قدرتهم على فهمها. وأشارت المجلة إلى عدد من النمطيات المتعلقة بالمرأة أو السحر في محاولة تبرير ما تراه نقاشا حول عروبة المغرب الحقيقية، على الأقل بين بعض العرب.
وتعود المجلة للقول إن القومية العربية التي ظهرت بعد قرون من الحكم العثماني والأوروبي متجذرة في السياسة، وظهر جزءا منها في الملعب. ورفع الفريق المغربي بعد فوزه على إسبانيا، العلم الفلسطيني. وكانت اللفتة محل ترحيب في كل أنحاء العالم العربي، حيث لا زال العرب ينظرون لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بأنه ظلم.
ولم تكن اللفتة مرحبا بها لدى السكان الصحراويين الذين يريدون الاستقلال عن المغرب منذ 46 عاما. وقالت المجلة إن عددا من الإسرائيليين سُمح لهم بمتابعة المباريات في قطر، مع أنه لا يسمح لهم خارج المناسبة نظرا لعدم تطبيع قطر علاقاتها مع إسرائيل. وكان المشجعون الإسرائيليون يأملون بتغيّر المزاج العربي تجاههم بعد توقيع المغرب والبحرين والإمارات والسودان اتفاقيات تطبيع عام 2020، لكنهم لقوا استقبالا باردا، واكتشفوا حقيقة اهتمام الشارع العربي والمواطنين العرب بمأساة الفلسطينيين حتى ولو لم يكن حكامهم يهتمون بها.
وهناك مفارقة أخرى في الفوز المغربي، فقد احتفل اليهود من أصول مغربية في إسرائيل بإنجاز “أسود الأطلس”. وربما كان الحديث عن القومية العربية أمرا عفى عليه الزمن، ويعود لسنوات الخمسينات أو أيام الخلافة، إلا أن الحماس في المنطقة للفوز المغربي غير المتوقع، يعطي فكرة حول الترابط الثقافي الذي لا يزال يجمع سكان المنطقة. كما أن النقاش حول الهوية، يظهر أنه يمكن استخدامها لتفريق الناس وليس توحيدهم.
المصدر: “القدس العربي”