في الوقت الذي يبدو فيه العالم كله مشغولاً بمتابعة مباريات مونديال كأس العالم لكرة القدم 2022، الجاري في دولة قطر، وما رافقه من نقاشات وانتقادات وملاحظات، تتعلق بتقييد الدولة المستضيفة للحريات وفق ضوابط الأخلاق العامة لمجتمعاتنا وثقافتنا العربية الإسلامية، إضافة لحجم ما أنفقته قطر من أموال (22 مليار دولار) على تجهيز بنيتها التحتية وبناء منشآت رياضية، وملف حقوق الإنسان بعامة في دولة قطر ومنها حقوق العمالة الوافدة وضمانات الأمن والسلامة والحياة لهم، وكل ذلك لأغراض وغايات ليست بعيدة عن التوظيف السياسي، والاستثمار الانتهازي، في هذا الوقت يبدو اهتمام السوريين منصرفاً باتجاهات أخرى، أولها ما ستنتهي إليه الجولة القادمة من المعارك التركية المستمرة مع إرهاب حزب العمال الكردستاني، التي بدأت فعلياً بضربات جوية لمواقعه وتحصيناته في العراق وسورية، وستشارك فيها فرق (الجيش الوطني) السوري المتحالفة مع تركيا، وما ستغيره من حدود النفوذ والسيطرة، وسط توقعات بعملية عسكرية برية واسعة، جرى الحديث عنها مراراً وتكراراً، يبدو أنها باتت وشيكة بعد الضوء الأخضر الأميركي، ومايعنيه ذلك من خلخلة لقواعد التحالفات القائمة، وأسس التفاهمات مع القوى الدولية الكبرى في ظل التحفظ الروسي والحوار (الكردي) مع نظام الأسد لإعادة نشر قواته في مناطقها سابقاً للعملية التركية المرتقبة.
ثاني اهتمامات السوريين، والتي تستحوذ على تفكيرهم، هو سوء أحوالهم وأوضاعهم المعيشية، والاقتصادية، مع حلول برد الشتاء الأكثر صعوبة، وعجزهم عن توفير الحد الأدنى من مستلزمات الإنفاق على التدفئة، في حال توفرها، وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في مخيمات التهجير واللجوء التي تتكرر مأساتهم سنوياً مع موسم هطول الثلج والمطر وموجات الصقيع، وسط هستيريا غلاء عالمي فرضتها تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وثالث اهتمامات السوريين والتي تؤرقهم منذ سنوات عديدة مضت هي مصيرهم وما ستنتهي إليه معادلات الصراع على وطنهم، التي كانت آخر جولاتها وفصولها ما جرى في آستانة يومي 23 و24 نوفمبر الحالي، في الجولة 19 من المسار الالتفافي دون جدوى أو فائدة تذكر.
ورابع اهتمامات السوريين، وليس آخرها، القلق والخوف الدائمين من الترحيل، من بعض دول اللجوء المجاورة، وهؤلاء بالملايين، وإجبارهم على العودة لمناطق سيطرة نظام الطغيان الكوني، أو غيره من سلطات الأمر الواقع الموزعة على الجغرافيا السورية، عدا عن هواجس المستقبل والمصير، الانتماء والهوية، لمن عبروا البحار واستقروا في أوطانهم الجديدة.
قائمة طويلة من انشغالات السوريين واهتماماتهم، لا تنتهي، كلها تتعلق بمعاناتهم ومآسيهم ومصيرهم، التي أهملها العالم لصالح قضايا أكثر أهمية وحيوية بالنسبة له، أو طغت عليها ملفات لها أولوية كبرى في (استقرار) العالم وضبط ايقاعه.
فوسط انشغالات العالم وأولوياته يبدو السوريين خارج أي اهتمام دولي جدي، حتى لو جرى الحديث عن جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، كما أوصى “الضامنون” في اجتماعهم الأخير في آستانة، ستكون التاسعة، في عداد أرقام جلسات الهزل وتضييع الوقت الدوليين، أو حتى لو أن هناك نية أممية، أو توصية، بتشكيل هيئة دولية لمتابعة ملف المعتقليين، أو المختفين والمغيبين قسرياً، مع أهمية ذلك، لأن العالم لا يقترب من جذر المشكلة وأصل الداء المتمثل ببقاء نظام الأسد كل تلك السنوات رغم ارتكابه مئات جرائم الحرب والإبادة الإنسانية، وتهديده الأمن والسلم الدوليين، بأكثر من معنى، وعلى أكثر من صعيد.
السوريون بعامة كانوا يودون مشاركة باقي شعوب المعمورة إنشغالهم وأفراحهم بمتابعة مونديال كأس العالم وذلك بفطرتهم الإنسانية وحبهم للحياة ما استطاعوا إليها سبيلًا، ولكن ظروفهم القاهرة جعلت اهتماماتهم وأولوياتهم تبدو بعيدة عن هذا الكرنفال العالمي، الأكثر شعبية، بما له وعليه، وكل ما يمكن أن يقال حوله.
لقد حرم السوريين في السنوات الأخيرة الفرح، وهو حق لهم، بفعل سياسات نظام القتل والإجرام الأسدي وصمت العالم، أو عجزه، عن إحداث تحول تاريخي ينهي المأساة السورية بشكل يليق بالبشرية في طورها الحالي من سيرورتها الصاعدة نحو التقدم والحرية والاستقرار والازدهار.
متى أوان الفرح المؤجل لدى السوريين، ومشاركة العالم اهتماماته وأفراحه؟