في سياق حرب العقول القديمة المتجددة والموجهة للسيطرة على العقل العربي؛ استفادت قوى العدوان من علوم ودراسات الاستشراق وما فيها من سموم وأحقاد وتزييف؛ لسبر أغوار العقل العربي ومكوناته لتحديد الوسائل الأنسب لإخضاعه والتلاعب به. ثم أضافت إليها الكثير مما راكمه احتكاكها بالواقع العربي؛ وما جمعته من خبرات في التعامل ومعرفة بدقائق وخفايا الناس وسلبياتهم وضعف مجتمعاتهم؛ ثم تعاملت مع هذا الكم الكبير من المعرفة بالواقع وبالعقل والإنسان؛ وفق أحدث ما صنعته التقنيات الحديثة وعلوم الاتصال والتسويق والدعاية والإعلام. وذلك للتلاعب بالعقول والسيطرة عليها خدمة لمصالحها كقوى معادية للأمة.
٧ – في العقل العربي..
لما كانت الأمة العربية مستهدفة في وجودها ودورها ومواردها الطبيعية والبشرية؛ ولما كانت القوى الرأسمالية الامريكية الصهيونية هي التي تستهدف أمتنا فتشن عليها عدوانا مستمرا منذ حوالي قرن من الزمن تبغي من ورائه منعها من التحرر والتقدم بإبقائها في موقف التفكك والضعف والارتهان؛ لتبقى تلك القوى مسيطرة على مواردها متحكمة بمصائرها بما يضمن لها الاستمرار في نهب مواردها..
وحتى يتحقق لها ذلك؛ فقد أتقنت لعبة استخدام الإعلام وحديثا وسائل التواصل الاجتماعي للسيطرة على العقل العربي ومنعه من التفكير والعمل والحركة..
فماذا فعلت وكيف تتعامل مع العقل العربي والإنساني العربي راهنا؟؟
إذا رجعنا إلى تلك المرتكزات العشر المستخدمة للتلاعب بالعقول وشلها ثم السيطرة عليها؛ نجدها جميعا مستخدمة في مواجهة العقل العربي وبتركيز عالي الدقة نظرا لأهمية الهدف المطلوب أي السيطرة على الأمة العربية أو إبادتها إذا أمكن.. في كل واحدة من تلك المرتكزات تطبيقات خاصة مثيرة موجهة للإنسان العربي للتلاعب به والسيطرة على عقله وتفكيره…تطبيقات تغطي كافة جوانب حياته.. تتطرق إليها من كل زاوية ممكنة.. بأسلوب في المخاطبة براق جذاب حديث؛ مستتر في غالبه، خبيث في مجمله..
فما بين أساليب الحشو بالمعلومات الفرعية أو التافهة أو المضللة؛ إلى الإلهاء بالأمور الفرعية والحشو بالكثير من اللغو الفارغ. إلى الفتنة والدس والتحريض والتأليب الإقليمي والطائفي والمذهبي ؛ مرورا بتسخيف الرموز وتشويه التاريخ وسير الأبطال ؛ إلى الإثارة الغرائزية والأنانية والفردية مرورا بالتحريض على كل ما هو قيمة أخلاقية …جميع هذه الوسائل كانت موضع اهتمام شديد وانتشار واسع جدا مبرمج ومعد بعناية ودقة في كل وسيلة دعائية أو إعلامية تمتلكها قوى العدوان ، مباشرة أو مداورة…تكفي مراجعة هادئة لما ينشر ويكتب ويبرمج موجها للإنسان العربي ؛ وما يحتويه من مثل هذه التقنيات المحرضة على كل ما هو سلبي ولا أخلاقي ؛ لندرك حجم الضغط الذي يمارس على عقل الإنسان العربي لتطويعه..
ولعله من المفيد لوضوح الصورة أكثر إلقاء أضواء سريعة على بعض خصوصيات المجتمع العربي ومن ثم بعض جوانب العقل العربي وشخصية الإنسان العربي..
# أولا:
يتميز المجتمع العربي بخصوصيات تكوينية تاريخية أساسية ثلاثة.. يمكن إجمالها كما يلي:
# ١ – إرث حضاري متعدد غني جدا وغائر في عمق التاريخ جعل للشخصية العربية أبعادا حضارية متعددة الجوانب والعناصر الثقافية. من حضارات ما بين النهرين أشوريين وسريان وبابليين وكلدانيين وفينيقيين الى الفراعنة مرورا بالآرامية والمسيحية وصولا حتى الإسلام..
# ٢- علاقة تاريخية خاصة بالدين الإسلامي؛ فهي الأمة الوحيدة التي تكونت واكتملت شخصيتها القومية والحضارية في ظل الإسلام وتحت رعايته..
مما جعلها لصيقة به وخلق تلك العلاقة الخاصة المتميزة المترابطة بين العروبة والإسلام.. علاقة شملت حتى غير المسلمين من العرب تحت غطاء الإسلام كحضارة وثقافة وقيم أخلاقية إنسانية واجتماعية. مما جعل العروبة والإسلام معا ركنان أساسيان في بنيان الأمة كلها بكل ابنائها وشعوبها. ولسوف يكون لهذه الخاصية دورها البارز في المستقبل وفي تقرير مصير الأمة على ضوء العلاقة بين هذين المكونين بالذات..
# ٣- التعددية:
حيث اختلطت في العنصر البشري العربي كل تلك الأقوام التي صنعت حضارات أرض العرب قبل الإسلام وما دخل عليها من أديان سماوية – يهودية ومسيحية –
ثم ما تداخل في نسيجها الاجتماعي بعد الإسلام من جماعات بشرية متنوعة لجأت إلى مجتمع العرب الإسلامي بفضل ما كان سائدا فيه من ازدهار حياتي وتطور حضاري وفوق ذلك ما تميز به من انفتاح ديني وتسامح ثقافي ومقدرة على صهر الجميع الآتي إليه في بوتقته الحضارية والأخلاقية الإنسانية..
ينطبق هذا على تلك الجماعات التي لجأت إليه في أيام الازدهار العربي آتية من بلاد السند والهند وبلاد آسيا البعيدة وأفريقيا القريبة.. كما على تلك الجماعات التي لجأت إليه في عهود لاحقة لم تكن له فيها الريادة الحضارية أو القوة السياسية والاقتصادية؛ لكنه كان يملك تلك المميزات الحضارية السامية وفي مقدمتها الانفتاح والتسامح…ومن هؤلاء الشيشان والشركس والأرمن والأكراد والتركمان والبوسنيين…
هذه الثراء التاريخي الوفير أعطى للواقع الاجتماعي العربي خصوصيات زادت من احتمالات تعرضه لمخاطر بعضها داخلي وبعضها خارجي..
# ثانيا:
فماذا عن شخصية الإنسان العربي؟؟
منذ خمسة قرون هي عمر النظام العالمي الغربي الرأسمالي الاستعماري والإنسان العربي يعيش وسط ظروف شديدة القساوة يختلط فيها القهر والفقر والتشرذم والضعف. إذ أنه بعد سقوط الدولة العربية التي كانت أساس نظام عالمي حضاري نافذ بقي سائدا طيلة ثمانية قرون ؛ أصبح الإنسان العربي مكشوفا من أية قوة حضارية تحميه وتشكل له مرجعية نفسية وثقافية وسياسية واجتماعية…فدخل في نفق الهيمنة الغربية الاستعمارية ووجد نفسه وحيدا في مواجهتها متجردا من الأسلحة التي يمكن أن تقيه خطرها أو تحميه من عدوانها المتواصل عليه..
وحتى في زمن السلطنة العثمانية، فقد كان أيضا تحت تأثير النظام الغربي الاستعماري المباشر عليه..
ورغم المواجهات الكثيرة التي حصلت بين الدولة العثمانية والدول الغربية؛ إلا أن تأثيرات الدول الغربية على الإنسان العربي ظلت قائمة وقنواتها متصلة مفتوحة. تضيق أو تخفت أحيانا تبعا لعوامل مختلفة لكنها لم تتوقف يوما..
لا سيما وأن الدولة العثمانية أعطت للدول الاستعمارية الستة فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا وإسبانيا حق التدخل في شؤون رعاياها وفق معاهدة وستفاليا.. فكان أن تركت الإنسان العربي أعزل وحيدا – اللهم إلا من دينه وتراثه – دون غطاء في مواجهة نظام عالمي استعماري معاد له ولتطلعاته ومميزاته الحضارية..
ومنذ حوالي قرنين وجد الإنسان العربي نفسه أمام احتلالات أجنبية مباشرة متعددة لكنها متكاملة الأدوار والمهمات؛ مما جعله وحيدا في مواجهة عدوان تلك الدول السافر عليه وعلى مكونات شخصيته وعقله وتفكيره. عدوان شامل لكل جوانب الحياة حيث لم يترك حيزا فيها إلا واقتحمه محاولا كسر وتحطيم بنية الانسان وبنية المجتمع معا؛ بغية السيطرة التامة عليهما ونهب مواردهما جميعا..
وحينما تمكنت تلك الدول الاستعمارية من تكوين مجموعات بشرية من ابناء البلاد العربي وسكانها؛ وفقا لرؤيتها وثقافتها؛ وربطتهم بها مصلحيا؛ غادرت عسكريا بعد أن قسمت البلاد الواحدة وأقامت عليها دويلات متنافرة وسلمت إدارتها لتلك المجموعات البشرية التي كونتها واشرفت على إعدادها ومدها بقوة السلطة والسلطان وراحت تحكم من خلالها وتتحكم بها..
أوجدت سلطات محلية انقسامية وضعتها في مواجهة مباشرة مع الإنسان العربي لتؤدي دورا مطلوبا منها لتطويعه والسيطرة عليه واستنزافها. فكانت سلطات سايكس – بيكو واجهة مباشرة للنفوذ الاستعماري على الإنسان والأمة..
وفي الفترات الاستثنائية التي عاشتها الأمة خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين؛ عاصر الإنسان العربي وجود قيادات عربية حرة شكلت له مرجعا حاميا استمد منها القوة والعزة والكرامة.. قيادات كانت تملك رؤية نهضوية عامة ذات مشروع للتحرر وبناء قوة ذاتية حامية فاعلة. في تلك الفترات تمتع الإنسان العربي بكثير من القوة المادية والمعنوية التي شكلت لها جدارا صلبا يستند إليه يستقوي به ويحمي ظهره من خلاله ليدفع بطاقات كبيرة إلى ميادين الصراع والمواجهة. كانت مصر والعراق والجزائر وكانت الثورة الفلسطينية في أوج عطائها.
ثم تداعت تراجعات وانتكاسات وغاب المرجع القومي واهتز جدار الحماية وانهار السد الذي كان يحبس خلفه اندفاع قوى العدوان محلية وخارجية.. وإذ بالإنسان العربي تعود به الأحوال إلى حيث لا تزال مستمرة إلى الراهن من الأيام. مستباحا وحيدا أعزل في حين أن العدوان عليه مستمر بل متصاعد من جهات كثيرة. لا بل أضيفت إليه قوى إقليمية جديدة تسلل بعضها إلى داخل بنيانه وراح يخرب فيه لا سيما مذهبيا في قلب المكونات المسلمة للإنسان العربي ومجتمعه المنكوب. فماذا كانت نتائج ذلك كله من خصوصيات التكوين إلى تلك المراحل المتفاوتة صعودا وهبوطا؛ في بنية الإنسان العربي وعقله وشخصيته ؟؟…
أدت تلك المرحل كلها معا إلى تثبيت مرتكزات من جهة ومعوقات من جهة أخرى:
# ١ – مرجعية الإسلام..
في حقب السيادة والازدهار كان الإسلام هو العمود الفقري للدولة وللمجتمع معا. فكان هو سند القوة للجميع. وبالتالي كان مرجعهم في السيادي والمعنوي والأخلاقي إضافة إلى كونه المرجع الديني للمسلمين منهم..
أما في الحقب اللاحقة، حقب الضعف والانكسار، فقد بقي الإسلام المرجع الوحيد لأبناء البلاد يستمدون منه مقومات الصمود النفسي والمعنوي. وصار تراثهم ملاذهم في كل أمور حياتهم بعد أن اختفت مرجعياتهم السياسية والمجتمعية والسيادية..
وهكذا كان الانغماس في الإيمان الديني هو مصدر الإعانة شبه الوحيد لذلك الإنسان المستهدف في كل مرة يجد نفسه وحيدا في مواجهة العدوان مجردا من مرجعية تحميه وتقود خطاه وتوجه دفاعاته…فتعمق إيمانه واستسلامه إلى الله الأكبر من أية قوة سلطوية مادية وهو الغالب على أمره.. فتجذرت في نفسه الحاجة إلى الله منقذا وحيدا من الضلال والغي والقهر أيضا. فصار الدعاء وسيلته لتخفيف العذاب والضيق النفسي الذي يعانيه. وزاد في معاناته النفسية أن السلطة العثمانية مثلا لم تكن تشكل له عداء دينيا استفزازيًا رغم ما كان فيها من نواقص وسلبيات ثقافية واجتماعية حضارية. لكنه لم يلبث أن ينتفض عليها حينما ظهرت ملامح سياساتها القومية للتتريك؛ طالبا الاستقلال متمسكا بهويته الوطنية والقومية..
# ٢ -التنوع الثقافي والديني:
فصار المجتمع يموج بتيارات متنوعة خصبة كانت تشكل مصدر غنى وثراء في معظم مراحله؛ لكنها شكلت عبئا عليه في حقب الضعف والانكسار بسبب التدخلات السلطوية المحلية والخارجية التي استغلتها واستخدمتها لتشتيت القوة المجتمعية المنصهرة وتحويلها إلى تيارات انقسامية متحسسة مما يفيد في تكريس تلك السلطات وهيمنتها..
ولسوف يظهر تأثير تلك التدخلات في خاصية التنوع وتحويلها من عامل إثراء إلى عامل إضعاف وفتنة وتحريض متبادل في مراحل لاحقة من القرن العشرين ولا سيما منذ الثمانينات من ذلك القرن وحتى الآن..
# ٣ – الجمود الفكري والديني في حقب الضعف والانكسار.. وما زاده فعالية تبعية المؤسسات الدينية لأنظمة السلطات القائمة فصارت مؤسسات وظيفية مهمتها تلفيق التبريرات الدينية للمواقف السياسية للأنظمة الحاكمة ففقدت بذلك دورها الإرشادي والتقويمي والإصلاحي. لكن ذلك لم يحل دون قيام ثورات تحررية يقودها مؤمنون أحرار في مواجهة الاحتلالات الأجنبية للأرض العربية..
# ٤ – تعمق التدخل الأجنبي:
بحيث تدخل في أغلب قطاعات المجتمع سيما الثقافية والسياسية. فنجح في صناعة فئات اجتماعية أو ثقافية مرتبطة به فكريا أو مصلحيا؛ وصارت كثير من النخب بمثابة مبشرين للنفوذ الأجنبي أو مبررين له تدخلاته والارتباط به سياسيا وثقافيا.. وهم من أبناء المجتمع ذاته يتحدثون لغته ويجيدون محاكاة معاناته..
# ٥ – ضعف العقل النقدي الذي يراجع كل الطروحات على ضوء مصلحة الأمة أو يدقق في كل الأفكار الدينية على ضوء قيم الإسلام الحضارية الأصيلة وليس على ضوء نظرات فئوية آنية أو حزبية ضيقة..
وهكذا صار التلقي هو السمة الغالبة بعيدا عن النقد والمراجعة والتحليل والتفكيك. حتى بدايات القرن العشرين..
# ٦- تأرجح الفكر الديني:
بحيث يتحول في غالبه أو اتجاهه العام إلى نهج تحرري مقبول ومفيد وطليعي في كثير من الأحيان وذلك في كل مرة تبرز قيادة سياسية تحررية للأمة كلها أو في أحد بلدانها ..وفي كل مرة يبرز مشروع تحرري للأمة في مواجهة الأخطار أو الاحتلال ؛ كان الفكر الديني يواكبها فيلعب دورا إيجابيا في تحريض الناس وزيادة ثقتهم بمؤهلاتهم وقدراتهم على الصمود والانتصار ؛ وفي أحيان أخرى كان هو الذي يقود تلك المشاريع التحررية فيكون صوته أعلى وأفعل..
والعكس كان يحدث في فترات الكبوة والتراجع والضعف حين تغيب عن الأمة تلك القيادات الكبيرة صاحبة الرؤية والقادرة على إطلاق مشاريع للتحرر والنهضة والتقدم. فيبرز الفكر الديني التلفيقي الوظيفي المهادن الضعيف..
ولسوف يستمر مثل هذا التأرجح إلى الفترات اللاحقة الحديثة؛ فكان جليا في خمسينات وستينات القرن العشرين حينما تصدرت قيادة عربية مشروعا عظيما للتحرر والبناء فكانت المؤسسة الدينية رافعة إضافية ساهمت في التعبئة والصمود..
أو كما حصل في ثورات الجزائر ودول المغرب العربي ضد الاحتلال الأجنبي، حينما تصدر المشايخ الأحرار قيادة تلك الثورات…ليس هذا فقط بل أن الأبرز كان صعود المشاركة الإيجابية للإنسان العربي في عمليات المواجهة والتحرر والبناء وتحمل المسؤوليات في كل المراحل التي كانت له فيها قيادات شريفة تحمل مشروعا وطنيا تحرريا صادقا وتعبئ الناس لأجله.. ولسوف تكون لهذه المسألة أهمية بالغة في تطورات الأوضاع لاحقا..
# ٧ – استخدام الأقنعة:
فحينما أدركت قوى العدوان الداخلي والخارجي هذه المواصفات التاريخية الاجتماعية؛ راحت تركز هجومها على الأمة والعقل والإنسان في اتجاهين إثنين:
# الأول:
– الحرب المباشرة..
على الإسلام كدين وقيم وإرث حضاري باعتباره مكونا أساسيا لشخصية الأمة وإنسانها وجهاز مناعتها الذاتية أيضا. فكانت حربا لا تكل ولا تهدأ لإبعاد الإسلام عن صياغة حياة الناس أو حمايتهم أو تعزيز صمودهم بوجه أي عدوان. ولقد اتخذت تلك الحرب المباشرة أشكالا متعددة عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية.. (سوف نخصص لهذا البند دراسة أخرى تفصيلية)..
# الثاني:
– استخدام الأقنعة الدينية..
فبعد أن أدركت قوى العدوان متانة العلاقة بين الإسلام – دينا وحضارة – وبين الأمة وإنسانها؛ واستحالة الفصل بينهما إلا بالقتل المتعمد لأحدهما أو كليهما ؛ لجأت إلى استخدام أقنعة من ذات النوع ..تصنعها هي وتدعمها وترعاها وتطلقها لتفعل تخريبا داخليا خبيثا مموها تعجز هي عن فعله ..فالتخريب من الداخل بأدوات تحمل ذات الشعارات وتتحدث لغة القوم ذاتها ؛ تعيش بينهم تعرف معاناتهم وتعايش مشكلاتهم وهمومهم ؛ وتدعي الحرص عليهم أو حمايتهم ؛ يشكل أخطر أنواع الحرب والعدوان..
وهكذا تعاونت قوى العدوان الخارجي متحالفة مع قوى العدوان الداخلي لتشكيل مؤسسات أو فعاليات دينية تنسب نفسها للإسلام وتتحدث باسمه وبالنيابة عنه ؛ فيما تقوم بدور الإعاقة والتخريب على تطور الفكر الديني ونمو العقل النقدي المواكب للتطور ؛ وتعمل على تزكية الأفكار الدينية المتخلفة ؛ فراحت تحرض على الانغلاق والانعزال معتمدة منهج التحفيظ والتلقين والشعائرية لتقطع الطريق على العقل النقدي والتفكير الحر وتمهد لترسيخ عقل اتكالي غيبي مستسلم للواقع راضخ لقواه المعتدية ..وبروز إنسان سلبي يمتنع عن أداء دوره إيجابيا تارة بالخوف وتارة بردة الفعل الانكماشية .
برز هذا الاتجاه في حرب الأقنعة منذ أوائل القرن العشرين وتحديدا بعيد سقوط الدولة العثمانية مع الحرب العالمية الأولى؛ مع البدء بتأسيس أحزاب سياسية منسوبة إلى الإسلام فشكلت مرحلة ابتدائية آنذاك في الحرب على العقل العربي لتقييده ومنعه من التفكير إلى الأمام. حيث راحت تكبله بقيودها وتحرضه على التفكير إلى الخلف…بقيت هذه محدودة الأثر معظم عقود القرن العشرين بسبب وجود مشاريع تحررية تنموية توفرت لها قيادات شريفة شكلت مرجعيات عربية ذات فعل وثقل وثقة..
إلى أن بلغت حرب الأقنعة ذروتها في القرن الواحد والعشرين بتأسيس ميليشيات دينية مسلحة بعيد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ مباشرة..
إضافة إلى ما كان مشكلا قبل ذلك فيما سمي حروب الجهاد ضد الشيوعية. حين تأسيس تنظيم القاعدة..
فكانت ميليشيات جبهة النصرة ثم تنظيم الدولة الإسلامية، أي داعش، بعد القاعدة وشبيهاتها. وجميعها تنظيمات ولدت في رحم أجهزة الاستخبارات العالمية والأمريكية تحديدا بالتعاون مع أجهزة محلية متعاونة؛ فأدت أدوارا تخريبية ضخمة في سياق الحروب الاستعمارية على العقل العربي..
٨ – حرب الإعلام والمعلومات..
بعد هذا العرض التاريخي نعود إلى حرب الإعلام الحديث على العقل العربي. ونظرا للأهمية الكبرى لهذه الحرب نعيد التذكير والتأكيد أنها كانت ولا تزال عنوانا للعدوان الشامل على الأمة وأداة متقدمة لقيادة الحرب عليها: على وجودها ذاته وعلى عقلها وإنسانها معها..
كانت ولا تزال المنبر المتقدم لحرب النظام العالمي الأمريكي الصهيوني على الإنسان العربي والعقل العربي..
في هذه الظروف البالغة التعقيد؛ يواجه الإنسان العربي عدوان أجهزة الإعلام المتنوعة جدا وأجهزة صناعة وبث وتعميم المعلومات المتشعبة جدا..
الهدف منها – وللتأكيد أيضا – شلل العقل العربي بتشويه الحقيقة وتزييف الوعي وتقييد الفعالية وإبطال التفكير والاستغراق في التقليد والحفظ والتكرار والإغراق في التيئيس والسلبية..
# ١ – إستراتيجية الحرب:
يقوم المشروع الامبريالي الأمريكي – الصهيوني لتحطيم الوجود العربي على ادعاء أن المنطقة العربية ليس فيها شعب واحد ولا تشكل أمة واحدة. بل هي مجموعات قبلية وعشائرية وعرقية وأقليات متنوعة ليست منصهرة في بوتقة اجتماعية واحدة. ولا تشكل شعبا واحدا وبالتالي ينبغي مساعدتها ليجسد كل عنصر فيها ذاتيته الخاصة فيشكل كيانه الخاص المنفصل عن الكل المستقل عنه. هذا التصور كان جوهر استراتيجية السيطرة على الأمة التي رفعها المستشرق اليهودي (الإنجليزي – الأمريكي) برنار لويس واعتمدتها دوائر الاستخبارات وصنع القرار في أمريكا منذ الثمانينات ووضعت الخطط التفصيلية لتنفيذها.. وكانت أولى كتائب الهجوم تتمثل في الإعلام ومصادر بث المعلومات والتحليلات والتفسيرات وكل أنواع التلفيق والكذب والتحريض. وانطلقت الحرب على العقل العربي بزخم أكبر وفعالية أعلى..
# ٢ – تهيئة الأدوات..
– وسائل الإعلام الحديثة موجودة وجاهزة وبكثافة.. تلاحق الإنسان العربي في كل مكان..
إن الكم الهائل من القنوات الفضائية الحديثة جدا الناطقة بالعربية والموجهة للإنسان العربي؛ يبين نوعية ومستوى تلك الحرب على العقل العربي..
يكفي أن نعرف أن لكل دولة غربية قناتها الفضائية العربية. ولكل دولة إقليمية أو عالمية ذات أغراض خاصة في بلادنا العربية أيضا قنواتها الفضائية العربية..
وإذا نظرنا إلى بند واحد فقط في الإستراتيجية الاستعمارية للسيطرة على الأمة وهو الانقسام المذهبي نجد عشرات الأقنية الإعلامية والقنوات الفضائية التي تتخذ صفة المذهبية السنية محرضة على ” الشيعة” لتحويلهم إلى هدف خصم أو عدو. ومثلها أيضا وربما أكثر؛ قنوات تتخذ صفة المذهبية الشيعية التي تحرض على” السنة “لتحويلهم إلى خصم أو عدو..
وهذا ما ينطبق على المسألة الطائفية الدينية حيث القنوات مسلمة ومسيحية تتبع ذات النهج التحريضي الانقسامي..
جميع هذه القنوات مرتبطة مباشرة بأجهزة أمنية استخبارية توجهها وتمدها بالمعلومات والأخبار. هذا فضلا عن آلاف مراكز الدراسات والأبحاث والتحقيقات التي تملك ميزانيات ضخمة وتستقطب خبرات أكاديمية كبيرة؛ توظفها للأهداف ذاتها: حرب العقول والتلاعب بها..
وعلى سبيل المثال كنا في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين نعمل جماعة لعدة شهور من خلال جمعية الحوار الإسلامي – المسيحي (وقد كنت نائبا لرئيسها المرحوم الأب ميشال لولون)؛ ونحن نحضر لمحاضرة توعوية يحضرها مئة شخص. كنا نبذل جهودا مهمة لإنجاح انعقادها وحضورها بهدف التقريب بين المؤمنين واستبعاد التهم بالإرهاب والتخلف التي كانت بدأت توجه للإسلام والمسلمين. في حين كان مشهد واحد مركب يعرض على التلفزيون لعدة ثوان فقط ينسف كل ما بذلناه من جهود..
– وسائل صناعة المواد الإعلامية والمعلومات أيضا متوفرة وعلى أحدث طراز وأعلى مستوى من التطور؛ تستخدم كل جديد وكل علوم السيطرة والدعاية والتسويق والتلاعب بالنفوس وبالعقول؛ مستعينة بأحدث التقنيات وأكفأ الخبرات الأكاديمية في علوم النفس والاجتماع والتاريخ والتسويق والعلاقات العامة. تنشئ مادتها الإعلامية وتختار مواضيعها بما يتلاءم مع أهداف حرب العقول الاستعمارية..
– وسائل التواصل الاجتماعي تغطي كافة أنشطته الشخصية والعامة، تسبر أغواره النفسية والاجتماعية؛ تعرف أسراره وعلاقاته وترصد حتى ما يمكن أن يفكر فيه أو يستحضره للمستقبل.. وأصبح ارتباطه بها وثيقا وشبه يومي. بل أصبحت مصدرا أساسيا للمعلومات والأخبار والتفسيرات المتنوعة لكل أمر…وبالتالي أصبحت وسيلة مهمة من وسائل توجيه العقول والتلاعب بها ومن ثم تشكيل الرأي العام فالسيطرة على العقول والتحكم بها عن بعد أو من وراء حجاب. وقد أنشئت لذلك عشرات آلاف المواقع بأسماء وهمية بات معروفا وواضحا أن أجهزة مشبوهة معادية توجهها وتبث من خلالها كميات هائلة من المعلومات والتحليلات المضللة.. عدا عن آلاف المواقع الإلكترونية التي تنتج المواد الإعلامية التوجيهية وفقا لأهداف الحرب المستمرة على العقل العربي. وجميعها تتحدث لغتنا وتسوق نفسها على أنها منا وفينا تريد مصلحتنا وتبدي غيرتها على إنساننا..
– نخب مثقفة تتبنى جوهر أفكار المشروع الأمريكي الصهيوني عن جهل أو مزايدة او تبعية أو ارتباط مصلحي..
@ منها من يتبنى مقولات بعينها ويسعى لتعميمها.. مثلا: تحميل التراث الإسلامي مسؤولية الجهل والتخلف والضعف الذي تعانيه الأمة. فنجد من النخب والأبواق الإعلامية من يخوض حربا شرسة على التراث دونما أي التفات للأخطار المحدقة المدمرة الآنية الزاحفة.. ومنهم من يفتعل معارك دونكيشوتية في مسائل ماضوية انقضت ولم تعد تشكل أية أهمية أو صلة بالواقع الحاضر المعاش ومر عليها زمن طويل؛ فقط لإشغال العقول بالماضي وإشعال مسائل خلافية استنزافية وهكذا. لنتخيل معركة كلامية حامية يخوضها بعض هؤلاء ممن ينسبون أنفسهم إلى الحداثة النخبوية – وليسوا إسلاميين – حول صحة استعمال كلمة لواط للتعبير عن الشذوذ الجنسي بدلا من الفاحشة؟! !!في حين أن جرافات العدوان على الأمة تدمر وتسحق وتجرف المقومات الحاضرة والمستقبلية..
@ ومنها من يتبنى جوهر المشروع المعادي كاملا بالدعوة إلى الانخراط المباشرة بالحداثة الغربية والعولمة الرأسمالية دون مواربة. ومع أن هذه الفئة قد خفت دورها كثيرا لصالح الدعوات المستترة غير المباشرة بعدما تبين أنها أكثر فعالية..
ما يعني أن تكون تلك النخب جاهزة دائما لتؤدي دورها في تمام العمل المطلوب من حيث الترويج لتلك الأفكار وربطها بالواقع العربي المعاش، في سياق الحرب على العقول…
– مؤسسات أو تنظيمات أو جمعيات متنوعة الاختصاص تتبنى الفكرة العامة للمشروع أو أجزاء منه. مهمتها أن تعمل على ترجمة أي جزء منه إلى وقائع.. مؤسسات او منظمات أنشئت خصيصا أو تم التأثير فيها واحتواءها كليا أو جزئيا وتوظيفها في السياق ذاته..
#@# كانت الوظيفة الأساسية
لكل هذه الأدوات تحويل ذلك المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يملك وسائل الإعلام ومصادر المعلومات ويوجهها، من أفكار على الورق إلى أرقام في الواقع ووقائع في التاريخ..
تحويلها من عالم التخطيط الإستراتيجي إلى حيز الحياة المعاشة.
وعلى غرار ما فعلته الحركة الصهيونية الاستعمارية باختراع شعب يهودي واختراع وقائع نسبتها للتاريخ حتى تبرر اصطناع دولة ” إسرائيل ” لتكون قاعدة استعمارية لشعب تم تجميعه واختراعه في مواجهة شعب يعيش على أرضه منذ آلاف السنين؛ راحت تلك الأدوات تجمع أشتاتا من هنا وهناك وتخترع وقائع موهومة لتكون منها ” حقيقة ” تصب في تنفيذ ذلك المشروع التقسيمي الاستعماري. بعضها عن جهل وسوء تقدير وقصور في التشخيص والرؤية. وبعضها عن معرفة وتعمد مسبق بسوء نية مبيتة.
فماذا في التطبيق؟
٩ – الحرب على العروبة..
تتمثل اللبنات الأولى في الحرب على العقل الفردي والجمعي بالهجوم المستمر على العروبة كهوية موحدة جامعة…إن تفريغ العقل العربي من ارتباطه بالعروبة يشكل خطوة أساسية بل هو مقدمة الاندفاع لتحقيق الأهداف الأخرى بالتلاعب والسيطرة. فحيثما يوجد وعي بالعروبة والتزام بها؛ لن تجد أفكار قوى العدوان طريقا إلى العقول.. فالتزام مقتضياتها هو أول أعمدة المواجهة…وحيث أن
تلك القوى – كما سبق وأشرنا – تستهدف تقسيم الأمة الواحدة إلى كيانات دونية على أسس عرقية أو طائفية أو مذهبية بحجة أنها ليست شعبا واحدا وتاريخها يقوم على ذلك التعدد الكياني الانقسامي؛ فقد تركزت جهودها لتقويض العروبة كهوية ورابطة تجمع ولا تفرق. فانطلقت حرب محددة مركزة تماما رباعية التسديد:
# ١- نسف العروبة ذاتها كفكرة
وذلك من خلال دراسات وأبحاث تاريخية واجتماعية تزور التاريخ لتنفي وجود العروبة كفكرة، ولإثبات الأصول العرقية المنفصلة أو الجذور التاريخية المستقلة لكل الجماعات البشرية المقيمة على الأرض العربية..
فالأمازيغ في الجزائر والمغرب ليسوا عربا. بل كيانات تاريخية متميزة لها حضارتها وثقافتها المنفصلة عن العروبة.. يكفي أن نعرف أن الدولة الفرنسية استحدثت قبل مئة عام؛ وحدة بحثية دراسية متخصصة في جامعة السوربون لتثبت وجود لغة أمازيغية متكاملة؛ ولتضع لها قواعد في الكتابة والإعراب وتعلمها للجزائريين في مدارسها التي أقامتها خصيصا لذلك..
ثم إن مصر فرعونية وليست عربية. والخليج قبائل بدوية. وفي لبنان شعب فينيقي متجذر في التاريخ استعمره الغزاة المسلمون.. اما العراق فغالبه كرد مستقلون وفرس تابعون لإيران..ومؤخرا تتعالى الأصوات التي تنكر صلة سورية بالعروبة مدعية أنها قوميات متعددة مطالبة بفيدرالية بينها هي عبارة عن غطاء لتقسيم سورية إلى كيانات هزيلة متناحرة معادية جميعها للعروبة ؛ تحاكي الكيان الصهيوني الاستعماري وتبرره وتحتاج الى حمايته..
وهكذا إلى ما لا نهاية في حرب إلغاء العروبة أساسا من الوجود الفاعل..
# ٢ – تشويه الوعي بالعروبة في عقول أبنائها لتصبح رديفا للهزائم والجهل والتخلف والذل والهوان..
يريدون هذا فيحملون العروبة مسؤولية أي فشل وأي ظلم وأي فساد وأي اضطهاد وأي جهل وأي تخلف؛ يظهر فوق الأرض العربية. حتى تلك الأعمال والمواقف التي يتخذها أعداء العروبة المحليين أو الخارجيين؛ صارت تنسب إلى العروبة إمعانا في تشويه معناها في عقول أبنائها..
كل تقصير بحق أي إنسان أو بلد أو شعب؛ من قبل أنظمة الإقليمية المعادية للعروبة في نشأتها وتكوينها؛ تنبري وسائل الإعلام والمعلومات لتحمل مسؤوليته للعروبة …وهكذا إلى ما لا نهاية من المواقف اليومية التفصيلية. فتشتم العروبة في كل موقف سلبي حتى تلك المواقف التي تستهدفها هي ذاتها …إمعانا في التشويه والتلاعب بالعقول..
وعلى سبيل المثال فلن تجد في أية وسيلة إعلامية كلمة عربي إلى جانب أي عمل إيجابي أو إنسان ناجح أو متفوق.. فيقال طبيب لبناني اكتشف كذا او طبيب مصري او مهندس جزائري وهكذا….
أما أمام أي عمل تخريبي أو سلبي أو معيب فيطلقون فورا صفة العربي على الفاعل: عربي يعتدي على فتاة فرنسية..
عربي في واشنطن يسرق بنكا …وهكذا أيضا إلى ما لا نهاية له من تشويه وعي الإنسان العربي بالعروبة لترتبط في لا وعيه وبشكل ارتكاسي لا إرادي بكل ما هو سيء ومتخلف ومخجل. واستبعاد أية صورة إيجابية لها أو معنى لها جميل محبب..
# ٣ – الخلط بين الفكرة والأشخاص:
بمعنى الخلط المتعمد المقصود بين كل سلوك سلبي لأي عربي أينما كان؛ وبين انتمائه أو هويته العربية.. إذا مات طفل في اليمن يلعنون العروبة.. إذا أسرف عربي في أستراليا يلعنون أبو العروبة. إذا اشترى عربي سيارة فاخرة يشتمون العربي. إذا نزل نيزك في صحراء سيناء يصوبون سهامهم إلى العروبة وأخت العروبة وأبو العروبة.. وذلك حتى صارت العروبة مذمة ومذلة يتبرأ منها كل صغير ويشتمها كل ضعيف مهزوز الوعي والثقة والولاء…
# ٤ – القدوة السيئة والمثل السيء..
إذ ظهرت نماذج سيئة مشوهة تتحدث العربية وتدعي العروبة لكنها تسلك ما يسيء إليها وينفر أبناءها منها ويجسد أمامهم قيما يرفضونها ومفاهيم يشمئزون منها؛ فتكون النتيجة مزيدا من التشويه بالعروبة وابتعاد الناس عنها..
طيب يا جماعة الا ترون أن جميع هؤلاء لو كانوا عربا عروبيين لما فعلوا ما فعلوه وفكروا بطريقة مختلفة إيجابية؟؟ ولو تحملت أنظمة سايكس – بيكو مسؤولية انتمائها إلى العروبة لتغير حال العرب جميعا فلن يموت بعد طفل جوعا في أية أرض عربية…!!!فالعكس هو الصحيح: لأن أنظمة سايكس -بيكو معادية للعروبة وتعمل لإضعافها وإلغائها كما هو مدون في دفاترها الوظيفية المدرسية المطلوبة منها. فهي تسلك ما ليس مقبولا أو سلبيا منفرا. وبالتالي هي التي تتحمل مسؤوليته وليست العروبة.. بل هذه نقطة إيجابية لصالح العروبة حيث أن الأفعال غير المقبولة تصدر عمن يحاربونها وليس عنها أو عمن يلتزمون بها. لقد بلغ تشويه العرب ذروة جعل الكثيرين من أبنائها يتنصلون منها بل يتعايرون بها. فكيف يدافع عن أرضه وانتمائه من يتنكر عقله لهويته؟؟!!!
# ٥ – تغذية الإقليمية:
حيث تسلط الأضواء على أية مشاعر إقليمية تظهر في أي شخص أو جماعة وتضخم لتحويلها إلى عصبية إقليمية في مواجهة العروبة.. وتروح تحرض على إظهار ردات فعل مقابلة فتفتح وسائل الإعلام حوارات ونقاشات وحلقات تلفزيونية حول موضوع محصور محدود بغرض توسيعه وإبرازه ليتحول إلى ظاهرة عامة. مثال: عامل سوري تعرض لمشكلة مع مشغله اللبناني فتثور مشكلة لتجعل منها قضية إقليمية تستهدف غرس شقاق بين اللبنانيين والسوريين وهكذا في كل البلاد وكل الأمور اليومية..
فلان مصري شتم كفيله الخليجي لخلاف على مستحقات مالية فتثار مشكلة وتدور حوارات حول تاريخ العلاقات المتوترة بين مصر والخليج العربي وتبرز أطراف هنا وهناك تستفز الآخر وتمنن بما قد سلف من أعمال إيجابية يقابلها نكران هناك وهكذا في حرب على العقول لإثارة عصبية إقليمية تضعف العروبة لتحل مكانها..
# ٦ – مواجهة العروبة بالإسلام..
بادعاء رفض الإسلام كدين سماوي لكل العصبيات ومنها عصبية القومية العربية. فتم التركيز على المفهوم العرقي العنصري للعروبة تمهيدا لجعلها هدفا للسهام الدينية لكونها عصبية ممقوتة.. ولا تزال مصادر كثيرة تقدم العروبة على هذا الأساس العرقي للطعن بها كعصبية تعادي الإسلام من جهة ولا تشكل هوية جامعة لكل الجماعات المقيمة على الأرض العربية.