لنعترف أولاً أن الشعور العميق بالخطر الكياني كان هو المحرك غير المباشر للشعب في سورية في اندفاعه نحو وحدة 1958 , فبلاد الشام بخلاف مصر كانت دائما مهددة , ولم ينقذها من الاحتلال الصليبي الذي دام حوالي 200 عام ابتداء من العام 1096م سوى اتحاد بلاد الشام ومصر وأجزاء من العراق تحت حكم الأيوبيين , ومن المناسب أن نتذكر هنا أن حملات ” الاسترداد ” لغزو الأندلس واحتلالها والتي لاتخرج عن كونها جزءا من الحرب الصليبية كانت قد دخلت للتو مرحلتها الجديدة بعد احتلال طليطلة وسط الأندلس عام 1085 للميلاد , وما كان مخططا لبلاد الشام هو ما حصل في الأندلس أي وضع اليد على الأراضي التي تفيض لبنا وعسلا , وحل الأزمة الخانقة التي تعيشها الشعوب الأوربية في العصر الوسيط بعد الانفجار السكاني الذي لم يكن بالامكان تلبية احتياجاته وفق نمط الانتاج الأوربي المتخلف وقتها بعد ابادة السكان الأصليين وابقاء بعضهم للخدمة .
وحدة بلاد الشام ومصر تكفلت بتعديل موازين القوى لمواجهة الصليبيين , حدث ذلك مع الأيوبيين ثم المماليك والذين استكملوا طرد الصليبيين , وواجهوا أيضا الغزو المغولي , ولولا وحدة بلاد الشام ومصر والعراق لما بقي عرب ومسلمون في بلاد الشام وما حولها , ولكنا توزعنا في بلاد الله الواسعة كما حدث مع الأندلسيين .
وفي الأربعينات من القرن الماضي تجدد الشعور بالخطر الكياني في بلاد الشام بعد نشوء دولة اسرائيل , واستعادت بلاد الشام في ذاكرتها التاريخية ضرورة الوحدة مع مصر وتلك هي الخلفية للاندفاع الشعبي الجارف نحو الوحدة قبل 1958 .
الآن ماذا لو استمرت الوحدة ولم يحدث الانفصال ؟
هل كانت ستحدث حرب حزيران وما أسفرت عنه من هزيمة تاريخية مازلنا ندفع فواتيرها الى اليوم ؟
هل كانت ستتمكن العصبيات القبلية والطائفية من القفز نحو الأمام والعبث بمصير البلاد ؟
هل منع الانفصال صعود العسكر للسلطة ؟
هل استتب الأمر للديمقراطية أم شهدنا من ألوان الاستبداد الوحشي ما يصبح الحديث معه عن الديكتاتورية في عهد الوحدة مزحاً سمجاً ؟
وأخيراً هل كان ممكناً أن يتم تدمير مقدرات الشعب السوري وتهجيره كما حدث مؤخرا ؟
المصدر: صفحة معقل زهور عدي