بدعوة من “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الواجهة السياسية لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) ذات الطابع الكردي، عقدت قوى وشخصيات سورية معارضة، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، لقاء تشاورياً في العاصمة السويدية استوكهولم، نظّمه مركز “أولف بالمه الدولي” (مؤسسة سويدية تعمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام).
البيان الختامي للقاء استوكهولم
هوية المشاركين والبيان الختامي أظهرا أن اللقاء لم يخرج عن نطاق اجتماعات سابقة عقدتها قوى معارضة، من دون أن تفضي إلى أي تأثيرات في المشهد السياسي.
واحتوى البيان الختامي للقاء “القوى والشخصيات الديمقراطية”، وفق التسمية التي أطلقت عليها، على العبارات المكررة نفسها في بيانات تيارات المعارضة السورية، من قبيل ضمان عودة اللاجئين السوريين الطوعية والآمنة إلى ديارهم، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمخطوفين، والكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسرياً.
وكان “مسد” أبرز المشاركين في هذا اللقاء، والذي لم يتناول القضية الكردية في جلساته التي تمحورت حول “حال المعارضة السورية”، و”الممكنات والفرص” أمامها.
وكانت اللجنة التحضيرية لهذا اللقاء قد انبثقت عقب ست ورش عمل في عواصم ومدن أوروبية دعا إليها ونظّمها “مسد”، سبقتها ثلاث ملتقيات حوارية داخل سورية خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
خلق جسم سياسي ينافس الائتلاف الوطني
ويأتي لقاء استوكهولم تمهيداً لمؤتمر يخطط “مسد” لعقده العام المقبل، وسط توقعات بأنه لن يُحدث فرقاً كبيراً في المشهد السياسي المعارض، بل سيضيف منصة جديدة تُضاف إلى الموجودة والتي تتداول خطاباً إعلامياً بات خارج اهتمامات السوريين.
فيما يتهم البعض “مسد”، المستبعد من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، بأنه يحاول من خلال المؤتمر فرض نفسه في المشهد السوري المعارض وربما خلق جسم سياسي ينافس أو يحيّد الائتلاف الوطني السوري.
وأوضحت مجدولين حسن، أمين سر اللجنة التحضيرية لمؤتمر “القوى والشخصيات الديمقراطية” الذي يحضّر مسد لعقده، في حديث مع “العربي الجديد”، أن لقاء استوكهولم شهد مشاركة شخصيات مستقلة وتيارات سياسية، منها “مسد”، و”تيار مواطنة”، وكذلك مشاركة ممثلين عن منظمات مجتمع مدني، وأعضاء سابقين في الائتلاف الوطني السوري، وشخصيات اجتماعية وعشائرية. ومن الشخصيات المستقلة اللواء محمد الحاج علي وبسمة قضماني.
من جهته، قال الرئيس المشترك لـ”مسد” رياض درار، في حديث مع “العربي الجديد”، إن لقاء استوكهولم “تشاوري” لبعض القوى الديمقراطية في المعارضة السورية، مشيراً إلى أن الفترة الماضية كانت “عقيمة بسبب انتشار فيروس كورونا في العالم”. وتابع بالقول: “هدفنا الوصول إلى مؤتمر للقوى الديمقراطية لأن منصة الديمقراطيين غائبة عن المشهد السوري المعارض”.
وأشار درار إلى أن “مجلس سورية الديمقراطية” في شمال شرق سورية “يعمل على توحيد قوى المعارضة، وتغيير الشكل السياسي الحالي إلى شكل جديد قابل للتطوير”، مضيفاً: “أعتقد أن لقاء استوكهولم بداية جديدة ومفيدة”.
وقال إن البيان الختامي للقاء “فيه إشارات تهم كل السوريين كالمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وعودة النازحين واللاجئين”، مؤكداً أن الهدف من المؤتمر المزمع عقده لاحقاً تشكيل منصة سياسية جديدة تضم شخصيات سورية ديمقراطية.
وتنظر المعارضة الممثلة في الائتلاف الوطني إلى “قسد” على أنها امتداد سوري لحزب “العمال الكردستاني”، وهي ترفض الحوار مع هذه القوات وذراعها السياسي “مسد” قبل إعلانها فك الارتباط مع هذا الحزب المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية في عدد من بلدان العالم.
وحتى اللحظة يرفض حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وهو من أبرز أحزاب “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، شروط الائتلاف الوطني السوري المتهم من هذا الحزب بتنفيذ الأجندة التركية في الشمال السوري.
ورأى الباحث في مركز “الحوار السوري” ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن لقاء استوكهولم “لا قيمة سياسية له”، معرباً عن اعتقاده بأن “السوريين اليوم بأمسّ الحاجة لبناء الثقة بين بعضهم، على الصعيد المجتمعي من جهة، وعلى صعيد النُّخب والمعارضة، سياسيةً كانت أو عسكريةً، من جهة أخرى”.
واعتبر أن “خطوات التقارب بين تيارات المعارضة السورية عشوائية وغير منظّمة، ما يؤدي دائماً إلى الفشل عند أول مطب، وخلال عشر من الثورة هناك نماذج كثيرة لهذا الأمر”. وتابع بالقول: “بين أطياف المعارضة السورية – شئنا أم أبينا – فوارق واختلافات ليست قليلة؛ وتجاوزها لا يكون بالمصافحة والتقبيل في لقاء عابر، من دون إمكانية أن نبني على ذلك أي أعمال لاحقاً تحقق فعلاً الثقة المطلوب بناؤها بيننا”.
وانتقد جمول وجود قضماني مع رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مسد” إلهام أحمد تحت عنوان “ديمقراطي” في لقاء استوكهولم، لافتاً إلى أن أحمد قيادية في “العمال الكردستاني”، مضيفاً: “هذا تناقض يؤكد أن الاختلافات أكبر بكثير من أن تُحل بلقاء يُستجدى فيه رضا طرف ضاغط على المعارضة مقابل طرف آخر”.
وخلص إلى القول: ما لم تكن اللقاءات مبنية على المصارحة والشفافية والوضوح فهي عبث ولا تخرج عن كونها “ديوان سواليف وفضفضة” لالتقاط بعض الصور التذكارية وعرض بعض الأفكار والهموم.
ومنذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، ظهرت عشرات الأحزاب والتيارات والمجالس السياسية في المشهد، إلا أن أغلبها لا تأثير له في الشارع السوري سواء الموالي أو المعارض.
ومن أبرز هذه الهيئات السياسية، الائتلاف الوطني السوري، الذي يضم تيارات ومجالس سياسية مثل المجلس الوطني الكردي والمجلس التركماني السوري، وحركة الإخوان المسلمين، وأكثر من كتلة ديمقراطية.
ويعتبر الائتلاف نفسه العنوان السياسي لقوى الثورة والمعارضة على الرغم من خروج شخصيات سورية ذات ثقل سياسي منه على مدى الأعوام الماضية.
وهناك منصات سياسية متناثرة في عدة بلدان لا تأثير سياسياً لها، مثل “منصة موسكو” التي تتماهى مع الرؤية الروسية للحل في سورية. وتتباين الرؤى السياسية إلى حد التضارب بين تيارات ومجالس المعارضة وهو ما سمح للنظام بتجاهل العملية السياسية بشكل كامل، والتمادي في التعنت أمام جهود دولية لإيجاد حل سياسي للقضية السورية.
المصدر: العربي الجديد