بديع أبو حلاوة شخصية وطنية بارزة، انخرط في العمل السياسي الوطني المعارض لنظام الطغيان الأسدي منذ بداية وعيه وتكونه. له حضور شعبي، اعتقل عام 1986 على خلفية نشاطه المعارض وبقي في المعتقل لما يقرب من خمس سنوات، مما أكسبه مكانة كبيرة في محيطه الاجتماعي والوطني في الجنوب السوري، ولا سيما بعد أن انفجرت الثورة عام 2011.
لعب دورًا مهما في تطوير الثورة وترسيخها جماهيريًا وسياسيًا والمحافظة على طابعها الوطني، بعيدًا عن الانحرافات الطائفية والجهوية، الأمر الذي عزز حضوره ورصيده بين قوى الثورة والمعارضة. انتخب رئيسًا ل”هيئة المستقلين من قوى الثورة والمعارضة” في اجتماع الرياض الأخير، الذي انعقد في نهاية كانون أول/ديسمبر الماضي، وكان فوزه بغالبية مطلقة، الأمر الذي يعكس حضوره ووزنه ورصيده الإيجابي الكبير.
التقيناه وأجرينا معه حوارًا شفافًا ومعمقًا لموقع” ملتقى العروبيين “. فكان الحوار التالي:
س_١ : في إجتماع الرياض لتجمع هيئة المستقلين تم إنتخابكم رئيسًا وبنسبة أصوات عالية ماذا يعني لكم هذا الإختيار ومنح هذه الثقة.؟
ج ١ : بداية أشكر الإخوة القائمين على هذا الموقع الوطني لاستضافتي وانتدابي لتوضيح حقيقة وماهية تجمع المستقلين السوريين كأحد أركان الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة؟
وجوابي على السؤال أنني أعتبر انتخابي من قبل الهيئة العامة للتجمع هو تكليف وليس تشريف بل حمل ومسؤولية ثقيلة، ومسؤولية على كاهل الإخوة في الأمانة العامة –وأنا منهم – في ظروف شديدة التعقيد تمر بها ثورة الكرامة والحرية.
أما نسبة الأصوات التي منحني إياها الإخوة في الهيئة العامة فهي ثقة أعتز بها لأنها تعبر عن إرادتهم الحرة ولا أميز نفسي عن أي من أعضائها وطنية وكفاءة وتاريخًا نضاليًا مشهودًا حيث ينتمون إلى خلفيات ثقافية وايدولوجية تغطي الساحة السورية وبعضهم قارع الاستبداد منذ نعومة أظفاره وزج به في المعتقلات لسنين طويلة، ولا أزيد على ذلك كونه سؤال شخصي، فقد قالت العرب (مادح نفسه كاذب ولسان الناس صوت الحق).
س ٢ : ماذا يعني في هذه المرحلة الحرجة من عمر الثورة السورية التداعي لتشكيل تجمع المستقلين، بعيدًا عن ما كيل لكم من اتهامات وانتقادات لجهة مكان اللقاء، والجهة الراعية.؟
ج ٢ : معروف للجميع أن الهيئة العليا للمفاوضات والتي تشكلت بقرار مجموعة العمل الدولية وما تسمى بأصدقاء الشعب السوري، الصادر عن مؤتمر فيينا عام 2015 حيث أشار إلى مكوناتها فهي ليست تشكيلًا سياسيًا بل هي مركب من ست مكونات اعتبارية ( الائتلاف الوطني وهو أكبرها وهيئة التنسيق الوطنية ومنصة القاهرة – ومنصة موسكو والفصائل العسكرية والمجلس الكردي إضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة لا تتمتع بحقوق المكون الاعتباري –بل أفراد -وذلك وفق لوائح هيئة المفاوضات الناظمة لعملها، أفراد لا تربطهم أي مرجعية وكأنهم زياده لتلبية مخرجات مؤتمر فيينا (حيث ينتدب المستقلون من قبل المكونات الأخرى ليصبح المستقل بالضرورة يدين بالولاء للكتلة الأكبر.
ما قامت به المملكة العربية السعودية للدعوة لتشكيل الهيئة من السوريين كبلد مضيف ومكلف أمميًا كدولة مقر للهيئة لا يخالف أي نص في النظام الداخلي للهيئة، بل هو استحقاق تأجل أكثر من عام.
بخصوص الانتقادات التي وجهت لاجتماع مستقلي الثورة والمعارضة بعضها مبرر ولم يخل أي تشكيل من العيوب بدأ بالمجلس الوطني والائتلاف الوطني وغيره، وبعض الانتقادات مغرضة وباطلة، وقد حدث بعض الأخطاء، وكان المجتمعين يحتاجون شهادة في وطنيتهم من قبل الائتلاف الوطني ، وأخطاء من قبل اللجنة التحضيرية بسبب الوقت القصير للدعوة للاجتماع حيث كان من المقرر أن تجتمع الهيئة العليا في الرابع من آذار/ مارس لانتخاب قيادة جديدة كما ينص النظام الداخلي وبعد استنفاذ ولاية رئيس الهيئة الذي سعى لتمديد ثاني للهيئة العليا. نعم حصلت أخطاء هامشية لا يمكن تبريرها، لكنها لم تؤثر على مخرجات الاجتماع.
أما مكان اللقاء فكما أسلفت سابقًا هو تكليف أممي للمملكة وأنها لم تتدخل بعمل المستقلين وهي لم تتدخل سابقًا لا في رياض 1 أو رياض 2 وهذا بشهادة الائتلاف الوطني وبشهادة رئيس هيئة التفاوض نفسه. وكان حريًا به كرئيس للهيئة أن يحضر هذا اللقاء لتشكيل تجمع المستقلين كونه أحد المكونات الأساسية، لا أن يعطل عمل الهيئة وتنفيذ استحقاقات مؤجلة وفق نظامها ولوائحها ثم شن حملة تشويه وأباطيل كاذبة بادعائه أن تجمع المستقلين هذا يهدد عمل الهيئة ويؤثر على مصير الثورة وعلى المعارك الجارية في الشمال السوري لصد هجوم النظام الأسدي كنوع من الابتزاز الرخيص والافتراء الذي لا ينطلي على عاقل وهذا مؤسف حقًا، أن تزج هيئة المفاوضات نفسها في صراع الدول المنخرطة في سورية لتحقيق مصالحها أو أطماعها، بدل البحث عن استعادة الإرادة السورية المفقودة ، ويجب التأكيد أننا لن ندخل كتجمع مستقلين لقوى الثورة والمعارضة في مشاحنات اقليمية ودولية ونرفض الانتساب لأي عاصمة كمنصة لها، بالرغم من قناعتنا المطلقة بضرورة العمل و البحث عن قطب عربي فاعل يحقق التوازن مع القوى الاقليمية في المنطقة التي تمددت كقوى محتله.
س_ ٣: لقاؤكم في الرياض يومي ٢٧و ٢٨ ديسمبر/ كانون الأول الماضي أثار حفيظة أطراف كثيرة، وخصوصا الإئتلاف، والقوى المهيمنة عليه، ماهو مشروعكم الذي تعملون عليه وماهي أهدافكم وغاياتكم الحقيقية.؟
ج ٣ : مؤسف جدًا أن يحصل ذلك من قبل الائتلاف الوطني ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات الذي ينتمي إليه بحجج واهية وزائفة، كان حريًا برئيس الهيئة العليا للمفاوضات أن يحضر هذا اللقاء قبل انتهاء ولايته وأن يشرف على تشكيل تجمع المستقلين كونه أحد مكونات الهيئة لا أن تُعامل كمكون زائد تابع للائتلاف الذي يصر أنه وصي على العمل الوطني حيث لم يسجل أي فعل إيجابي يعبر عن الإرادة السورية الحرة، بل تحول إلى مؤسسة استنفاع واستتباع لقوى إقليمية تسعى خلف مصالحها. أما مشروعنا نحن تجمع مستقلي الثورة والمعارضة فهو أكبر من أن نسعى لنكون مكونًا من هيئة التفاوض عبر ممثلينا لهيئة المفاوضات، بل نسعى لبناء كتلة وطنية تعمل على إنشاء جسور التواصل بين الهيئات والمنظمات والتكتلات الشخصيات والكفاءات الوطنية، لنرسم جميعًا رؤية وطنية عبر وثيقة حقوقية سياسية ترسم أبعاد سورية المستقبل بإرادة وطنية واعية للتحديات والواقع المر الذي وصلنا إليه، سورية دولة المواطنة والحريات لكل أبنائها وفق أسس عصرية.
س_ ٤ : حتى الآن لم تجتمع الهيئة العليا للمفاوضات التي انتخبتم ممثلين لتمثيلكم بها، ولاستبدال شخصيات المستقلين المنتهية مدتهم، ماهو السبب، من يقف وراء هذا التعطيل.؟؟
ج ٤ : من يقف وراء ذلك أصبح معروفًا للقاصي والداني، وقد أعلن عن نفسه بمؤتمر صحفي في مقر الائتلاف في استنبول بشخص رئيس الهيئة العليا للمفاوضات انطلاقًا من منطق الاستحواذ والوصاية على العمل الوطني من قبل كتلة مستحكمة بالقرار الوطني لم يسجل لها أي إنجاز وطني يذكر، بل دخل في لعبة المصالح الدولية والإقليمية.
س_ ٥ : ما رأيكم كتجمع للمستقلين في آخر تطورات ومجريات الصراع الإقليمي والدولي الجاري على الأرض السورية، وخصوصًا في محافظة إدلب.؟
ج ٥ : ما يجري في إدلب ليس منفصلًا عما جرى في الجنوب وريف دمشق وحمص من قبل، هو مسلسل مستمر من القتل والتدمير والتهجير للشعب السوري الثائر وبالعموم لا ينفصل عن مخطط إعادة التشكيل السياسي للمنطقة العربية وفق رؤية القوى الاستعمارية الذي بدأ بسقوط بغداد عام 2003م ثم تغيرات أدوات التشكيل بعد انطلاقة الثورات العربية للانعتاق من الديكتاتوريات وسياسة التوريث التي أشرفت عليها القوى الدولية في المنطقة العربية تلك القوى التي سمحت لقوى اقليمية حالمة باستعادة أمجاد مفقودة بالتمدد في بلادنا عن طريق استدعاء أسوأ ما في مورثنا التاريخي واستدعاء وتصنيع الارهاب باسم الإسلام وكنا فريسة ذلك الاستدعاء وتلاشي الأهداف الوطنية النبيلة والشعارات الوطنية التي عبر عنها السوريون في بداية ثورتهم العظيمة.
إن الاتفاق الروسي التركي الأخير هو موقت باعتقادي ضمن سياسة الروس في قضم الاراضي وإدارتهم للتناقضات بين قوى أستانا لإنجاز مهمتهم في إعادة تأهيل النظام وسيطرته على ما ادعاه النظام بسورية المفيدة ريثما يتم توافق ناضج بين الروس والأميركان وفق ميزان القوى بينهما لفرض الحل السياسي الذي يحقق مصالحهما وتقبل به الدول الإقليمية تركيا وإيران كرهًا أو طوعًا.
س_ ٦ :ماهي آفاق الحل السياسي من وجهة نظركم في ظل عطالة العملية السياسية برمتها، وعدم جدية المجتمع الدولي في فرض قراراته وإرادته على النظام السوري، وفي ظل غياب تفاهم دولي ينهي معاناة الشعب السوري.؟
ج ٦ : أي صراع مهما كان نوعه لا بد أن ينتهي بحل سياسي ترسم ملامحه موازين القوى على الأرض حتى في حالة الحسم العسكري للصراع، لا بد من حل يحقق الاستقرار المجتمعي الداخلي الذي لا ينفصل عن المحيط الاقليمي والدولي، لكن لنعترف أنه حتى الآن لم يصل الصراع العسكري إلى نهاياته ولم تتشكل الإرادة الدولية بعد لترسم ملامح الحل، والدول المنخرطة في الصراع روسيا وحلف أستانا –حلف تناقضات المصالح – هو غير قادر وحده على رسم ملامح الحل وأميركا وتحالفها الذى شكلته، هي متواجدة على الأرض السورية وهي تدير الصراع باقتدار لاستنزاف الخصوم المتمثل أولًا -بتحالف أستانا وثانيًا إرادة الشعب السوري في الانعتاق والتحرر، فأميركا لا تريد سوى تحسين سلوكه وتطويره كي يستمر بوظيفته المرسومة وأن لا يوزع ولاءه على آخرين غيرها. النظام السوري صاحب دور تدميري وتخريبي في المنطقة تمثل ذلك في استنزاف مقدرات الشعب السوري الفكرية والمادية وتفتيت مكوناته وقواه السياسية، ولنتذكر ما فعله أيضًا بوأد القوى الوطنية في لبنان وتفتيت المقاومة الفلسطينية أي أنه صنيعة أميركا والغرب وروسيا تعلم ذلك، لذلك اقتنصت الفرصة وتدخلت بقوة ضامنه التأييد الصهيوني والرغبة الأميركية كي تعود للساحة الدولية من البوابة السورية، لكن بالقدر الذي تسمح به أميركا التي لم تعد ترغب بالقتال المباشر بجنودها بعد غزو العراق بل بقوى محلية واقليمية حالمة بأمجاد خلت وفي غياب كامل لمنظومة الأمن القومي العربي الذي استحكمت به أميركا بعد هزيمة 1967.
س_ ٧ : تطوي الثورة السورية عامها التاسع في ظل تبدلات وتحولات كثيرة برأيكم أين نحن اليوم من ذاك اليوم العظيم في تاريخ سورية وشعبها؟
ج٧ : كانت سورية عبر التاريخ ساحة للصراعات الكبرى بين الامبراطوريات وكانت التحولات التاريخية التي تغير وجه العالم تولد على أرضها، من هنا نفهم لماذا تميزت الثورة السورية عن شقيقاتها في الربيع العربي بهذا الكم من القوى المنخرطة في الصراع على أرضها.
إن عظمة الثورة السورية توازي حجم أعدائها من لعب دور الصديق أو دور العدو في الصراع ، وما عرف التاريخ أن شعبًا أراد الحياة وانهزم بل تنتكس الثورات بفعل ميزان القوى إلى حين، تسترد وعيها وروحها وتنتصر في نهايته، إن خروج السوريين الآن من الصدمة يحتاج إلى إعادة تشكيل الوعي الوطني والإرادة الموحدة المتجاوزة للولاءات والهويات الفرعية التي تم توظيفها كنقيض للهوية الوطنية الجامعة بجهل منا والهروب لولاءات ما فوق وطنية وما قبلها أيضًا هذا أولاً، وما فعله الاستبداد وقوته القاهرة الممثلة بالنظام وأطماع الدول ثانيًا.
س_ ٨ : أخيرًا أنت ابن أرض مهد الثورة وانطلاقتها المباركة وهي تشهد اليوم تحركات وفعاليات ملفتة ومميزة هل ستعيد درعا سيرتها الأولى؟
ج ٨ : إن بذرة الثورة مزروعة في كل شبر من سورية منذ أن قام الأسد بحركته التخريبية، فإن نبتت هذه البذرة في درعا أولًا واستحقت هذا الشرف كمهد للثورة، أضاف قوة إلى قوة روح الفزعة التي رسمت للثورة مسارها الأول حتى امتدت بذات الروح إلى باقي المحافظات السورية، لمسنا جميعًا استجابة الغوطة وبانياس وحمص وكافة المحافظات السورية.
وما يجري في حوران والجنوب عمومًا هو بمثابة مخاض جديد يبشر بميلاد أكثر وعيًا ونضجًا مستلهمًا من التضحيات الجسيمة للعودة بالثورة إلى أهدافها النبيلة متجاوزًا مرارة الإحباط والتفرقة ولم تعد تنطلي عليه شعارات عاطفية مستغلة تدين المجتمع سلاحها المال السياسي.