الكتاب تحرير رمضان يلدرم، والناشر مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. SETA. ففي الذكرى الخامسة للمحاولة الانقلابية في تركيا التي حصلت في ١٥ تموز ٢٠١٦م، نتناول كتاب “تنظيم غولن والمحاولة الانقلابية” لمجموعة من الكتاب الأتراك.
والكتاب يدرس تنظيم فتح الله غولن (الكيان الموازي) المصنف إرهابيا في تركيا، وكذلك يتعرض لوقائع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها تنظيم غولن، يتناوب على الموضوع اثنا عشر كاتبا، يدرسون جوانبه المتعددة.
٠ وجود التنظيم وتقسيماته.
حركة الخدمة مرتبطة بفتح الله غولن شخصيا، منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك من خلال نشاطه الديني، وكانت رؤاه الدينية أقرب الى المتصوفة، واعتبر نفسه استمرارا للعالم الديني سعيد النورسي، وتمايز عنه بصناعة شخصية دينية متميزة لذاته، فهو صاحب رؤى وأحلام وكثيرا ما شاهد رسول الله في مناماته، ادعى أنه ينتمي لآل بيت الرسول ص، وأنه من الأئمة الذين يظهرون على رأس كل مائة سنة ليجددوا أمر الإسلام، وأنه ملهم ومعصوم، وأن على اتباعه أن ينفذوا كل ما يراه لأنه جاء من عند الله، أخذ من السنة والشيعة والمتصوفة ليدعم فرادته وتفرده وسيطرته المطلقة على جماعته، اعتمد على باطنية عميقة، يظهر شيئا ويضمر غيره، يعتمد على غسل أدمغة أنصاره واستلابهم إرادتهم ليكونوا أدوات لديه لتنفيذ أهدافه، هو أشبه بنبي أو المهدي المنتظر، اعتمد في بنية جماعته التنظيمية على هرمية صارمة من سبع طبقات، يتربع فوقها فتح الله غولن نفسه، وتنزل إلى الاتباع العاديين، لا يعرف بحقيقة مآربه واهدافه إلا المقربين منه، يعتمد تقية شديدة في تعامله مع أنصاره، كلما اقتربوا منه عرفوا أهدافه الخاصة، وكلما ابتعدوا عنه كانوا أقرب لمذهب ديني جديد، يتمركز على شخص غولن وعصمته والهامه وضرورة طاعته. اعتمد تنظيم غولن على التمدد في الوسط الاجتماعي في تركيا وخارجها، ففتح المدارس، والجمعيات، والأعمال التجارية، وكل المناشط، استغل الزكاة والتبرعات والوقف الذي يعطى له ليصنع إمبراطورية اقتصادية واجتماعية، وكيانا خاصا يصل إلى مستوى دولة ضمن الدولة، تهدف أخيرا لتصل للسلطة في تركيا وغيرها، لتستمر استغلالها وفق مصلحة التنظيم وعلى رأسه غولن نفسه.( صدق الرئيس أردوغان حين وصف جماعة غولن: قواعدهم عبيد، قيادتهم تجار،
زعماؤهم خونة. )
٠الرؤى السياسية لتنظيم غولن.
منذ نشأة تنظيم الخدمة على يد غولن، أخذ موقفا معاديا، من أي طرح إسلامي آخر مختلف، فقد تزامن ظهوره مع المفكر الإسلامي نجم الدين أربكان، الذي كان له رؤية تعتمد على استعادة دور الاسلام في تركيا، بعد أن تحولت علمانيتها إلى عداء سافر للإسلام وحضوره الاجتماعي، وأن هناك دورا ما يمكن أن يعطى للإسلام وأن يساعد على التقدم وبناء الحياة الأفضل، ومن هنا كان تناقض غولن مع أربكان، الذي طرح الإسلام جزء من مستقبل تركيا المتقدم، وصنع حزبه الذي أخذ أشكال مختلفة، وأصبح تلميذه رجب طيب إردوغان قائدا لتركيا في العقدين الأخيرين، ولو ببعض التطور والتعديل، أما غولن فقد طرح رؤاه الإسلامية صانعا مجده الخاص لمصلحته، وسرعان ما ارتبط بالغرب وخاصة امريكا، وصنّف أنه إسلامي معتدل، لأنه كان ضد أي حركة إسلامية، ومع امريكا، ومع وجود “إسرائيل” وحمايتها، متنكرا للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ارتبط غولن باكرا، باللوبي الصهيوني الأمريكي، وعبر عن مصالحهم، وكان موقفه المعادي من أردوغان والدولة التركية، بسبب موقفهم من القضية الفلسطينية، وحرب غزة ٢٠٠٨، وسفينة مرمرة التي حاولت فك الحصار عن غزة، والشهداء الاتراك، أوضح غولن انتمائه للغرب و”اسرائيل” على حساب تركيا والمسلمين، لذلك كان معتمدا عند الأمريكان.
٠تغلغل جماعة غولن في الدولة والجيش التركي.
اعتمد غولن منذ البداية على صناعة امبراطورية خاصة، وكان من أهدافه التغلغل في مفاصل الدولة التركية، خاصة الجيش والأمن والشرطة، فقد زرع أنصاره في المدارس العسكرية، ودوائر الدولة في كل القطاعات، التعليم والإدارة والاقتصاد، وصنع لنفسه مدارسه الخاصة وجامعاته ومعامله وشركاته، وجوده في الجيش كبير، ظهر ذلك في المحاولة الانقلابية في ١٥ تموز ٢٠١٦، فقد تواجد له أعداد كبيرة من الضباط وصف الضباط والجنود، بحيث كان تغلغلها في كل القطاعات العسكرية، الجوية والبرية والبحرية والأمن، وكان المشاركين في الانقلاب بالآلاف، وعشرات الطائرات والمدرعات، هذا التغلغل الذي تم عبر سنوات طويلة، واستمرت تنتظر أن تقوم بانقلابها حينما تأتي الفرصة المناسبة، لكن الشعب والقيادة السياسية التركية وعلى رأسهم الرئيس أردوغان أفشلت هذه المحاولة الانقلابية.
٠الجيش التركي بنيته ومصالحه وتقاطعه مع غولن.
اعطي للجيش التركي أهمية خاصة منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك ١٩٢٣م، والطبقة السياسية كانت منتمية أغلبها له، وصنع لها آليات هيمنته على الدولة، ومحققة مصالحه الخاصة، واعتمدت على الطروحات العلمانية، وأنه الوصي على حماية علمانية الدولة، فقد كان للجيش صندوق المعاشات والتعويضات العسكرية، الذي أصبح مع الزمن امبراطورية اقتصادية، تدخل الاستثمار والمناقصات في الدولة، ولهم دائما الاولوية. وعندما تحولت تركيا إلى التداول الديمقراطي، في الخمسينيات، واستلم رئاسة الوزراء عدنان مندريس، ذي التوجه الإسلامي، والذي عالج المشاكل الاقتصادية لتركيا، لكن الجيش ووفقا لمصالحه، وخوفا من نجاح تجربة مندريس وانعكاسها السيء عليهم، قاموا بانقلابهم الأول في ١٩٦٠ م واعدم مندريس ومعه وزيرين، وثبتت منذ ذلك الوقت هيمنة الجيش التركي ومصالحه على الدولة التركية، وكانت الانقلابات تتواتر بمعدل كل عشر سنوات انقلاب، وكان أهمها انقلاب ١٩٨٠م الذي قونن هيمنة الجيش التركي على الدولة بصفته حاميا للدولة والقيم العلمانية، واصبح ذلك ذريعة دائمة للتدخل في شؤون الدولة، وتكرار الانقلابات التركية سواء عبر العمل المباشر أو المذكرات الملزمة للحكومات ومنها انقلاب ١٩٩٧م، وكان آخرها انقلاب ١٥ تموز ٢٠١٦م، وفي كل الأحوال كانت جماعة غولن متغلغلة في الجيش واستطاعت أن تستخدم أغلب قطاعاتها في محاولتها الانقلابية الأخيرة.
٠المحاولة الانقلابية والتصدي لها وفشلها.
كانت تركيا قد وصلت إلى أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة في مطلع الألفية الثانية، واستطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان ان يحصل على الأغلبية البرلمانية عام ٢٠٠٢م ومن ثم يشكل الوزارة، التي نجحت بأن تتجاوز مشاكل تركيا وأن تنقلها لمصاف الدول المتقدمة ، وأن تحصل على القبول الشعبي التركي وتنجح في كل الانتخابات المتعاقبة، وكان لتوجه إردوغان وحزبه المواجه للهيمنة الغربية، والداعم للفلسطينيين والقضايا العادلة عالميا، مما جعل أمريكا والغرب تحرك غولن وجماعته للإساءة الى تركيا وحكومتها، فتارة بتوجيه تهمة مساعدة الإرهاب، وتارة من خلال رفع دعوى على رئيس الاستخبارات ومحاولة محاكمته، وعبر تواطؤ بعض القضاة من جماعة غولن مع بعض الصحفيين وغيرهم، مما جعل أردوغان وحزبه الحاكم يلتفت لتنظيم غولن وخطورته، وضرورة مواجهته، وكانت المحاولة الانقلابية الأخيرة ، فقد تحركت قوات جوية وبرية للسيطرة على أهم المراكز الحكومية الحساسة، في اسطنبول وانقرة وازمير، حاصرت مبنى الأركان العامة وحاولت قطع جسر اسطنبول، هاجمت مراكز الدولة في انقرة، تابعت أماكن تواجد الرئيس أردوغان بهدف قتله أو اعتقاله، لكن الشعب التركي ورئيسه أردوغان وقطاعات واسعة من الجيش بقياداته الأساسية واجهت المحاولة الانقلابية وافشلتها. ان الطغمة التي حاولت الانقلاب كانت تتصرف خارج الهرمية العسكرية، وقيادات القوات مع رئيس الأركان رفضت الانصياع للارهابيين الانقلابيين، وخروج الرئيس أردوغان على وسائل الاعلام ومطالبته الشعب بالدفاع عن الديمقراطية، وعدم قبول الشعب للانقلابيين الذين سيطروا على التلفزيون الرسمي واذاعوا بيانهم الانقلابي، وخروج رئيس الحكومة والوزراء للتنديد بالانقلاب وعدم اعترافهم به، وكذلك قادة الاحزاب الرئيسة في تركيا حزب الشعب الجمهوري، والحزب القومي التركي، وحزب الشعوب الديمقراطي، واجتماع البرلمان التركي بكامل أعضائه ورفضه الانقلاب، اظهر اجماعا سياسيا تركيا ضد الانقلاب، وكان لنزول الشعب الى الشارع ومراكز هيمنة الانقلابيين ومواجهتهم بصدورهم العارية، دورا بهزيمتهم، وعودة الرئيس اردوغان الى اسطنبول عبر مطارها الدولي، مواجهة الانقلابيين في الاركان والافراج عن رئيس الاركان والضباط الذين معه، ومواجهة الدبابات على جسر اسطنبول وفي انقرة، ادى كل ذلك لهزيمة الانقلابيين وبداية استسلامهم، ولم تمض ١٢ ساعة على الانقلاب حتى تبين فشله، وعادت الشرعية الى ممارسة سلطتها، واستمر الشعب بالاعتصام مدة شهر لحماية الديمقراطية، وبدأت الدولة باستئصال التنظيم الإرهابي من كل مفاصل الدولة. استشهد حولي ٢٥٠ انسان وجرح الآلاف، وتم طي صفحة الانقلابات في تركيا ، واصبح الشعب التركي سيد نفسه.
٠جماعة كولن قوتها الاقتصادية وامتدادها.
تبين من خلال متابعة التحقيقات بعد الانقلاب الفاشل، ان لتنظيم غولن الإرهابي امتداد اقتصادي و اجتماعي وعسكري وعلمي وإعلامي كبير وكذلك سلك القضاء، رأسمالها الإجمالي يصل إلى ١٥٠ مليار دولار، ويمتد نشاطهم إلى ١٤٠ دولة، وعندهم مئات الشركات، ومئات الجامعات، ومئات الجمعيات، وآلاف المدارس في تركيا وخارجها، عندها مئات آلاف المنتسبين المتغلغلين في مفاصل الدولة كاملة، وفي دول العالم، بدأت الدولة التركية حملة تصفية للجماعة في تركيا، عبر الملاحقة القانونية، وطالبت دول العالم بملاحقة وتسليم منسوبيها للدولة التركية، وخاصة فتح الله غولن الذي طالبت الدولة التركية أمريكا بتسليمها اياه، ولم تستجب امريكا ، لأنه يخدمهم وينفذ مصالحهم.
٠ردود فعل دول العالم تجاه المحاولة الانقلابية.
كان الغرب الأمريكي والأوروبي قد استعدى تركيا أردوغان وحزبه الحاكم، تحت دعوى أنها اسلامية ودكتاتورية وتظلم الأقليات وخاصة الاكراد، وذلك كرد فعل على مواقف تركيا ضد التمييز الغربي ضد شعوب المنطقة ودعمها غير المحدود “لإسرائيل” والنظم الاستبدادية العربية ضد شعوبها، لذلك كان الغرب قد رحب بالانقلاب والبعض حض عليه، وما وجود غولن في أمريكا وقيادته الانقلاب من هناك الا مباركة أمريكية للانقلاب، وما رفض أمريكا لتسليم غولن لتركيا الا مزيدا من الحماية والدعم له ولمن تبقى من جماعته، وما رد فعل الأوربيين الداعم للانقلاب، لكونه انتصار للديمقراطية، إلا تعبيرا عن الانحياز للعسكر والحكم الاستبدادي، ودعما للانقلابات الضارة بتركيا وشعبها، وما توحد الموقف الشعبي والقيادة السياسية للدولة ورئيسها أردوغان، والأحزاب السياسية كاملة والبرلمان بكل أعضائه ضد الانقلاب، إلا تعبيرا عن توحد الشعب التركي ضد أي محاولة تمس تجربته الديمقراطية الرائدة، وتبين زيف الادعاءات الأمريكية والغربية عموما.
اما الموقف العربي فقد كان متنوعا، حيث وقفت دولة قطر ضد الانقلاب وتواصلت قيادتها السياسية مع الحكومة التركية ورئيسها اردوغان، أما بقية دول الخليج فقد تأخرت بتحديد موقفها، متزامنة مع الموقف الامريكي، أما موقف الانقلابيين في مصر والسلطة الاستبدادية في سورية، فقد كان تهليلا للانقلاب وترحيب به، كل ذلك يؤكد أن تنوع المواقف من الانقلاب تعبير عن المصالح المتناقضة أو المتوافقة مع تركيا دولة وشعبا.
٠ اخيرا: الكتاب مهم من حيث أنه يطل على حقائق تنظيم غولن الإرهابي، وبنيته الحزبية وتغلغله في الدولة والمجتمع، ورؤاه الدينية المغالطة لجوهر الإسلام، وعمله الإرهابي، وباطنيته واعتماده التقية، وتستره بالاسلام، و خدمته لمصالح الغرب و”اسرائيل”، و إمبراطوريته الاقتصادية لصالح غولن ومن حوله، وتشكيله دولة ضمن الدولة في تركيا، وتغلغلها في دول العالم، واستخدامه وسيلة للانقضاض على الدولة عبر الجيش التركي للقضاء على الديمقراطية التركية، وضرب نهضتها. كل ذلك جعل مواجهته واستئصاله عملا مهما وضروريا ومصيريا لتركيا والعالم، وإن انتصار الديمقراطية في تركيا انتصار شعبها اولا، والطامحين للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية في العالم ، خاصة الشعب السوري الطامح لإسقاط الاستبداد وبناء دولته الديمقراطية العادلة.