روسيا لن تسارع إلى إنقاذ إيران

بسام مقداد

لم تتأخر السخرية عن الظهور في التعليقات على الضربة الإسرائيلية لإيران، وزعم إسرائيل بأنها أقامت منذ وقت طويل قاعدة للطائرات المسيّرة داخل إيران، والتي تولت قطع الاتصالات في المواقع الإيرانية المستهدفة. وعلى الفور انتشر على شبكات التواصل التعليق “هيدي مصيبة إذا كانت إسرائيل قدرت تقطع خط التواصل المباشر بين خامنئي والمهدي المنتظر”، وذلك سخرية مما ينشره نظام الملالي من أن المرشد الأعلى على تواصل دائم مع الإمام المنتظر. ونسب آخرون إلى تلفزيون المنار قوله إن “السيد حسن نصر الله يستقبل وفدًا رسميًا قادمًا من إيران برفقة هاشم صفي الدين وثلة من فيلق الرضوان”. وعلق قارئ روسي على تصريح لأمين عام حلف لناتو دعا فيه الأطراف إلى تخفيض التوتر في المنطقة، فقال إن الإيرانيين ليسوا مسيحيين ليديروا خدهم الأيمن لمن يضربهم على خدهم الأيسر. وفي تعليق ناشط روسي على نص نشره على الفايسبوك خبير روسي بالشؤون الإيرانية، قال “الإيرانيون يأكلون الآن السلاح النووي”، وذلك في إشارة إلى إصرار الملالي على حيازة النووي، على الرغم من حالة الاقتصاد الإيراني المزرية.

حتى وقت متأخر من نهار الجمعة في 13 الجاري، وعدا استثناءات لا تذكر، لم تكن قد ظهرت بعد في الإعلام الروسي المعارض والموالي للكرملين نصوص تحمل آراء كتابها في الحدث. لكن التغطية الإخبارية، وكما في كل إعلام العالم، تواصلت طيلة الوقت، ولجأت بعض المواقع إلى صيغة شرائط فيديو أونلاين لمتابعة التطورات المتسارعة للحدث الذي كانت يتوقعه العالم والمنطقة. وتكاد تجمع هذه المواقع على أن الغارات الإسرائيلية ستؤدي إلى حرب إقليمية واسعة، قد تنخرط فيها قوى عالمية كبرى. ولا تخفي تغطية المواقع عن انحيازها الواضح إلى جانب إيران، لكن من دون أن تتمادى في انتقاد إسرائيل. حتى أن الناطق بإسم  دمتري بيسكوف أدان “التصعيد بين إسرائيل وإيران” الذي يثير قلقها، ومن دون أي إشارة إلى الجهة التي بادرت إلى هذا التصعيد، حسب صحيفة الكرملين VZ. وأشار بيسكوف إلى أن بوتين يتلقى تقارير عن الوضع  من وزارة الدفاع وجهاز المخابرات الخارجية ووزارة الخارجية. وهو يراقب تطورات الوضع بصورة متواصلة. كما أصدر تعليماته إلى وزارة الخارجية لإصدار تصريح موسع عن الوضع بين إسرائيل وإيران وتسليمه للأمم المتحدة.

إضافة إلى التصريح الواسع الذي سيصدر لاحقاً، نشرت الخارجية على موقعها الرسمي على منصة تلغرام نصاً مقتضباً، قالت فيه “نحن ندين بشدة استخدام القوة من قبل دولة إسرائيل في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”. وأضافت الخارحية بالقول إن الهجمات أثارت القلق الشديد من أن تؤدي إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط. ورأت أنها هجمات غير مبررة ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، وضد المدنيين والمدن ومواقع توليد الكهرباء بالطاقة النووية.

أشارت الخارجية في تصريحها إلى أن هجمات إسرائيل تزامنت مع اجتماع محافظي وكالة الطاقة الذرية وعشية الجولة التالية للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. وأضاف موقع URA.ru الروسي الذي نقل التصريح، بالقول إن الخارجية الروسية تعتبر أن الهجمات قوضت الجهود متعددة الأطراف الرامية إلى الحد من المواجهة بشأن الطاقة النووية السلمية الإيرانية، وخلقت تهديدات إضافية للأمن الإقليمي والدولي.

كما هو واضح، تلتزم الخارجية الروسية بوصف إيران لمشروعها النووي بأنه سلمي. كما تقف إلى جانب إيران في موقفها الناقد لإدانة وكالة الطاقة النووية موقف إيران من التعاون مع الوكالة، وتدعو الوكالة إلى تقييم موضوعي لعواقب الهجمات على الأهداف النووية في إيران. ويقول الموقع إن الخارجية أعربت عن أملها في أن يدرك الغرب الذي خلق الهستيريا المعادية لإيران “النتائج الكارثية لسياساته”. وأكدت الخارجية على ضرورة مواصلة جهود التسوية السلمية للوضع، ودعت الطرفين إلى ضبط النفس.

الخبير الروسي المعروف بالشؤون الإيرانية Nikita Smagin عدد في 13 الجاري على موقعه في الفايسبوك الصيغ المحتملة للرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية. ورأى أن خيارات إيران هي: توجيه ضربة لإسرائيل؛ توجيه ضربة للقواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط؛ توجيه ضربة إلى حلفاء الولايات المتحدة العرب، والسعودية في المرتبة الأولى؛ إغلاق مضيق هرمز؛ اعتقال مواطنين أميركيين في إيران (ثمة ما يكفي من الأشخاص مزدوجي الجنسية)؛ محاولات اغتيال مواطنين أميركيين وإسرائيليين حول العالم؛ من المرجح جدًا إنتاج السلاح النووي، ولكن الآن فقط في غضون سنوات عديدة.

ناشطون على الفيسبوك رأوا في صيغ الرد الإيراني التي يعددها الخبير بأنها لن تعود على إيران بأي فائدة، فإذا ما أغلقوا مضيق هرمز، سوف تدمر الولايات المتحدة الأسطول الإيراني. ويرى آخرون أن الصيغ تبالغ في تقدير القوة الإيرانية، وافترضوا أن أي محاولة إيرانية لضرب القواعد الأميرركية ستؤدي إلى لجوء الولايات المتحدة إلى القوة الإسرائيلية لتدمير المرافئ ومواقع إنتاج الطاقة الكهربائية.

قبل يومين من الهجمات الإسرائيلية على إيران، نشر الخبير الروسي المذكور في 11 الجاري في موقع Meduza الروسي نصاً بحث فيه احتمال توسط بوتين بين إيران والولايات لمتحدة. في سياق النص الطويل تحدث Smagin عن موقف روسيا الحقيقي من الصفقة النووية الإيرانية السابقة والصفقة الجديدة المحتملة. قال الخبير إن روسيا، وكما في الصفقة النووية السابقة، ليست معنية بعقد الصفقة الجديدة، وخصوصاً في رفع العقوبات عن إيران. فما دامت القيود قائمة، فإن طهران تظهر في نظر موسكو كشريك موثوق سيطور العلاقات مع الجانب الروسي بسبب عدم وجود بدائل. وإذا ما تم رفع القيود، فقد تغير طهران موقفها.

وأضاف الخبير بالقول إن موسكو ليست متحمسة لفكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران، تخوفاً من تفكك إيران جزئياً أو كلياً. ورأى أن تطور الأحداث المثالي بالنسبة لموسكو: مفاوضات لا تنتهي بين واشنطن وطهران من دون عقد اتفاق. وبمعنى ما، هذا السيناريو يتحقق حالياً. لكن الخبير يرى أنه ليس لدى بوتين حظوظ كبيرة في التأثير على المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. وإذا ما اتفق الأميركيون والإيرانيون، فسوف تعقد الصفقة، شاءت روسيا أم أبت. ولذلك، وكما في العام 2015، تبدو المقاربة الروسية البراغماتية على النحو التالي: إذا كان الاتفاق حتميًا، فمن الأفضل أن نصبح طرفًا فيه بدلًا من تخريب العملية عبثًا. لذلك، تُعدّ روسيا، كوسيط وحتى مشارك في الاتفاق، احتمالًا واردًا جدًا في المفاوضات الحالية التي يبدو أنها ستتوقف الآن.

بالنسبة لترامب، تبدو الصفقة مع إيران بوساطة بوتين أقرب الآن من الصفقة بين أوكرانيا وموسكو. ولذلك قد يتحول التركيز في المفاوضات الأميركية الروسية على المسألة الأوكرانية، إلى التركيز على الشرق الأوسط..

إذا صحت مقاربة الخبير لموقف روسيا البراغماتي من إيران وعلاقات الشراكة الإستراتيحية معها، والتي صدقتها إيران نهائياً منذ أيام، من المستبعد جداً أن تسارع روسيا إلى مد يد المساعدة لإيران، حتى لو طلبت طهران المساعدة. فبعد أن فقدت إيران صواريخ S-3 المضادة للطيران نتيجة الضربة الإسرائيلية في الخريف المنصرم، لم تسارع روسيا لمد إيران بهذه الصواريخ التي تنتجها، كما لم تلب سابقاً طلب إيران بشراء صواريخ S-4  الأكثر تطوراً. وإذا ما أدت الضربات الإسرائيلية إلى تحجيم دور إيران في المنطقة والعالم، فستتخلص روسيا من أبرز منافسيها على تصدير النفط إلى الصين.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى