لم تخرج الجولة الـ16 من محادثات أستانة الخاصة بالقضية السورية بنتائج يمكن البناء عليها، لدفع العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى حلول جذرية. وفي بيان صدر في ختام الجولة، أمس الخميس، كرر الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) “الالتزام الثابت بسيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها والأهداف والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة”، مشددة “على ضرورة احترام وتطبيق هذه المبادئ من قبل الجميع”. كما أعربت الدول الضامنة “عن تصميمها على مواصلة التعاون في محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، ومواجهة المخططات الانفصالية التي تستهدف تقويض سيادة سورية ووحدة أراضيها وتشكل خطراً على الأمن القومي للدول المجاورة”.
وأشارت الدول الثلاث إلى انها “بحثت زيادة وتيرة الأنشطة الإرهابية في مناطق مختلفة من سورية، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين (بما في ذلك هجمات على مرافق للبنى التحتية المدنية)”. وأكدت أنها “اتفقت على مواصلة التعاون بهدف استئصال تنظيمات داعش وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والشخصيات والتنظيمات والكيانات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات المدرجة على لائحة الإرهاب الخاصة بمجلس الأمن الدولي، مع ضمان حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية وفقا للقانون الدولي”.
وأبدت الدول الضامنة “قلقها العميق إزاء زيادة تواجد وتفعيل أنشطة تنظيم هيئة تحرير الشام والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها والتي تشكل خطراً على المدنيين داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب وخارج حدودها”. ولم تقرّ الدول الضامنة وقفاً دائماً لإطلاق النار في الشمال الغربي من سورية كما تريد المعارضة السورية، بل مددت “التهدئة على الأرض” وتطبيق الاتفاقات المبرمة في إشارة إلى اتفاق موسكو المبرم العام الماضي، بين روسيا وتركيا، والذي ينص على انشاء منطقة آمنة في محيط الطريق الدولي “أم 4” (حلب ـ اللاذقية) تمهيداً لاستعادة الحركة التجارية عليه.
ولم تخرج الجولة بتحديد زمني للجلسة المقبلة لأعمال اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، إلا أن الدول الضامنة أكدت أهمية “دور اللجنة الدستورية في جنيف”، مشيرة إلى “ضرورة عقد اجتماع سادس للجنة في أقرب وقت ممكن”. وأشارت إلى أنها تعتزم تقديم الدعم إلى اللجنة من خلال التواصل الدائم مع الأطراف السورية المشاركة فيها ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسن. كما أعربت الدول الثلاث عن رفضها “العقوبات أحادية الجانب المخالفة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لاسيما في ظروف تفشي وباء كورونا”.
وأكدت الدول الضامنة “أهمية الإسهام في العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين إلى مناطقهم داخل سورية وضمان حقهم في العودة والحصول على الدعم”. ورحبت بعملية تبادل الأسرى التي نُفّذت في 2 يوليو/تموز الحالي في إطار مجموعة العمل المعنية بتحرير المحتجزين والرهائن وتسليم جثامين القتلى والبحث عن المفقودين. ودانت الدول الضامنة في البيان الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على سورية “والتي تخالف القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وسيادة سورية ودول جوارها وتهدد استقرار وأمن المنطقة، وتدعو إلى وضع حد لها”. وقررت الدول الضامنة عقد الاجتماع الدولي المقبل حول سورية في عاصمة كازاخستان نور سلطان قبل نهاية العام الحالي.
وفشلت الدول الثلاث في إحداث اختراق في واحد من أهم الملفات يحمله معه وفد قوى الثورة العسكري، وهو ملف المعتقلين في سجون النظام السوري، إذ يرفض النظام أي مقاربة لهذا الملف خشية تداعيات سلبية يمكن أن تؤدي إلى محاكمات لرموزه وفي مقدمتهم بشار الأسد في المحاكم الدولية. كما لم تقدّم الدول الثلاث أي حلول لأكثر من مليون نازح من أرياف إدلب وحلب نتيجة تقدم قوات النظام عامي 2019 و2020، أي أن الجولة الحالية خرجت بنتائج صفرية حول أهم الملفات وأكثرها خطورة.
وحول هذه النتائج، قال رئيس وفد قوى الثورة العسكري أحمد طعمة، في مؤتمر صحافي إن “المسألة الإنسانية تجاوزت مرحلة المأساة في سورية”، مطالباً روسيا بعدم استخدام الفيتو ضد تمرير قرار يمدد آلية ادخال المساعدات الدولية إلى الشمال السوري. وأشار إلى أن مناقشات جرت في الجولة الـ16 حول اختراقات قوات النظام للهدنة في محاولة لتغيير خطوط التماس، مضيفاً أن الظروف في شمال غرب سورية أفضل من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وأكد أن النظام عرقل جهود الأمم المتحدة في عقد جلسة جديدة للجنة الدستورية، مشيراً إلى أن النظام “لا يريد إنجاز أي شيء في هذه المسألة”. وأضاف أنه “بعد أن انتهى من انتخاباته الرئاسية الصورية الهزلية صار النظام أكثر تشدّداً”.
من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا جديد في بيان أستانة 16″، مشيراً إلى أنه “تحدث عن الأزمة الإنسانية من دون أن يشير إلى قرار مجلس الأمن حول المعابر، ما يؤكد أن الموقف الروسي لم يتغير”، مضيفاً أن البيان يبرهن على أن مسار أستانة وصل إلى نهايته.
ولم يتردد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، عن القول أمس الخميس، في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان إن الثقة بين النظام والمعارضة “متدنية للغاية ولا تسمح باتخاذ إجراءات وقرارات وسط”، في مؤشر واضح على أن لا حلول سياسية للقضية السورية في المدى المنظور. ويشي البيان الختامي للجولة الـ16 من مسار أستانة بأن هذه الجولة تندرج ضمن الجولات السابقة التي سعى الجانب الروسي من خلالها إلى تمييع القضية السورية والعبث بها، بل كان هذا المسار مدخلاً واسعاً للروس والإيرانيين لنزع كل أوراق القوة من فصائل المعارضة.
إلى ذلك، أشار المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن بيان أستانة 16 “لا يعول عليه من أجل التوصل لحل سياسي”، مضيفاً: “هذا المسار مجرد شراء للوقت، وكل الضمانات السابقة ذهبت والخروقات لم تتوقف ومناطق خفض التصعيد قضمها النظام بدعم روسي وإيراني، باستثناء المنطقة الرابعة (إدلب). ورأى أن الجانب التركي هو “الحلقة الأضعف في محادثات أستانة”.
المصدر: العربي الجديد