انتهت الجولة السادس عشرة من مفاوضات مسار أستانة، أو سوتشي، في العاصمة الكازخستانية، نور سلطان، التي دارت على مدى يومي، الأربعاء والخميس 08_ 09/ يوليو_ تموز الجاري، دون نتائج تذكر، كما كان متوقعًا لها من قبل، وكما كل جولاتها السابقة.
كنا في هذا المكان تحديداً (رأي الملتقى) قد وصفنا حصاد الجولة الماضية، الخامس عشرة، وكل هذا المسار الالتفافي بالعبث، وهو ما يتأكد ويتضح يوماً بعد آخر، إنطلاقًا من ثوابتنا الوطنية الراسخة، ومن القراءة الواعية والدقيقة لمسار الأحداث وتطوراتها، وكما هو معلوم فان هذا المسار بدعة روسية، وخط موازٍ، أتى في ظل التراجع الميداني، بعد سقوط حلب، في نهاية كانون أول/ ديسمبر 2016، والتي شكل سقوطها منعطفًا حادًا وخطيرًا، وذلك في محاولة لاستثمار (الانتصار) العسكري، بتشتيت الجهد السياسي وكسب تنازلات من قوى الثورة والمعارضة، بعيداً عن المسار الدولي لحل المسألة السورية والمستند على بيان جنيف1 والقرار 2254.
لم يكن يستحق، هذا المسار وهذه الجولة، إضاعة الوقت والجهد في الكتابة عنهما، والتعليق عليهما، لولا أن تكريسه برغبة أطرافه الثلاثة، وإصرار البعض على المشاركة، وبعضهم قادة فصائل عسكرية، يدعونا للقول، بمنتهى الوضوح والصراحة، أن ذلك أصبح استهتاراً بكل تضحيات شعبنا لا يجوز السكوت عنه، وإذعاناً وتواطؤًا غير مقبولين بعد اليوم، كما هو ارتهان رخيص يجب التوقف عنه.
هذه الجولة، الخاوية، أتت في ظل تصعيد عسكري ضد المدنيين، وحدهم، في ريف محافظة إدلب، يذكرنا بأماكن أخرى من سورية، في السنوات الماضية، اتبع فيها المحتل الروسي وحليفه الإيراني سياسة الأرض المحروقة، غير آبهين بالمجتمع والقانون الدوليين، وحقوق الإنسان وقيمه، التي يفترض أن تجنب العزل والأبرياء، والأطفال والنساء، نيران الحرب وحممها.
كما أن الجولة المنتهية تسبق أيامًا حاسمة تمس حياة ملايين السوريين، وطرق إيصال المساعدات الإنسانية لهم، التي ينتظر أن يبحثها مجلس الأمن الدولي يوم السبت 10 تموز/ يوليو الحالي، وتمديد تفويض إدخالها والسماح بفتح معابر جديدة، يقال بحسب تسريبات عديدة من مصادر مطلعة أنها ستكون أربعة معابر دون اعتراض روسي، أو صيني، بعد تفاهمات عديدة جرت في الكواليس والأروقة الدولية، بعد أن اقتصرت خلال السنة الماضية على معبر واحد، هو معبر باب الهوى، بسبب الموقف الروسي المصر على أن تتم عبر نظام دمشق، لغايات مفضوحة ومكشوفة، تتعلق بإضفاء بعض الشرعية عليه والتطبيع معه، في ظل مواقف دولية مكررة، آخرها موقف الاتحاد الأوربي الذي أصدر في نهاية الشهر الماضي تقريرًا مفصلاً تحت عنوان: (آن الأوان لوضع الأمور في نصابها)، فند فيه ستة أضاليل تتعلق بالنظام السوري وأكاذيبه، ومساعيه لفك العزلة عنه ورفع العقوبات وإعادته إلى المجتمع الدولي.
لم تكن بالطبع قضية السوريين، يومًا، قضية طعام أو غذاء، ولم تكن في قائمة مطالبهم يوم خرجوا للحرية في منتصف آذار/ مارس 2011، ولكن للأسف الشديد، تحولت إلى قضية أساسية ومهمة، وهاجسًا ثقيلًا وضاغطًا، في ظل غياب الإرادة الدولية في الحل السياسي، وتحقيق انتقال سلمي للسلطة، بعد منع سقوط نظام الطاغية، بل وحمايته تحت مزاعم شتى، والإكتفاء بالإستثمار في معاناة السوريين وآلامهم، إضافة لتراجع قضيتهم في سلم القضايا العالمية ذات الأولوية، ومن المستغرب، والمستهجن، أن أصحاب مسار الأستانة لا يعون ولا يفقهون مايجري حولهم، بالنظر إلى اختزال الحل السياسي، تحت الإشراف الدولي، برمته، في سلة واحدة، من ضمن أربع سلال، سميت لجنة الدستور، فشلت جولاتها الخمس فشلًا ذريعًا في تحديد إطار عام لمسارها وخطواتها، ونعاها أصحابها والقائمين عليها.
ثمة الكثير مما يجب مراجعته بعد كل هذا العبث واللاجدوى، والضياع والتيه، الذي نعيشه، وفشل كل محاولاتنا للخروج من مأزقنا الراهن اختزله الدكتور برهان غليون في عنوان لآخر مقالته: (عن ضياع السوريين وتقطع السبل بهم وعن شرط استعادتهم قرارهم) وفي ثناياه ومضمونه نجد جوابًا على ما العمل، والحل المتمثل بضرورة العودة إلى القضية الأم، قضية الحرية التي تؤسس لمعنى المصلحة العامة، التي تتجاوز كل مادونها، ويعاد الإعتبار إليها كعروة وثقى بين كافة السوريين، للخلاص والسلام والعيش المشترك.
كفى السوريين تشتتاً وعذاباً ودورانًا في حلقات مفرغة لم تجلب لهم إلا المعاناة والآلام والتبعية، كل ذلك يضع مستقبلهم ومستقبل وطنهم في مهب الريح.
637 3 دقائق