ثمة تفسيران لإعلان كازاخستان عن انتهاء المحادثات بصيغة “أستانا” للسلام في سوريا، الأول أن مصلحة روسيا تقتضي إغلاق هذا المسار والاستعاضة عنه بمسار يحظى بمشاركة أوسع ربما عربية، في ظل التغييرات السياسية الناجمة عن الانفتاح العربي على النظام السوري، ولذلك دفعت كازاخستان للإعلان عن توقف هذا المسار بعد 20 جولة تجنباً للحرج أمام تركيا الضامنة عن المعارضة.
أما التفسير الثاني الذي جاء على لسان مصادر روسية خاصة ل”المدن”، يعود إلى رغبة كازاخستان بتجنب الانخراط في مسارات أطرافها ليست على علاقة جيدة بالولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الذي تطمح فيه نور سلطان إلى تحسين علاقاتها مع واشنطن.
ويبدو من خلال التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس التي أعقبت الإعلان الكازاخستاني “المفاجئ” أن التفسير الثاني أقرب إلى الدقة، حيث أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف خلال ختام الجولة ال20 أن “صيغة أستانا أثبتت فعاليتها وستتواصل”.
وأضاف أن “الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) هي التي أسست اللجنة الدستورية السورية، وصيغة أستانا ليست مرتبطة بمكان معين وأنه سيتم لاحقاً تحديد مكان جديد لمواصلة الاجتماعات حول سوريا”.
وكان نائب وزير الخارجية الكازاخستاني كانات توميش قد أرجع دعوة بلاده إلى إغلاق هذا المسار إلى تغير الوضع حول سوريا بشكل جذري، مضيفاً: “من سمات هذا التغيير سعي الدول العربية لإعادة العلاقات معها وعودتها للجامعة العربية”.
وأضاف أن “عودة سوريا للجامعة العربية وعودة العلاقات العربية مع دمشق يعتبر أحد منجزات العمل الحثيث الذي قامت به وفود الدول في مسار أستانا، وخروج سوريا من الأزمة يمكن أن نعتبره أحد منجزات مسار أستانا وعلى خلفية التطورات الإيجابية في سوريا مؤخراً ندعو لأن يكون هذا الاجتماع هو الأخير في مسار أستانا”.
ويصف المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف الإعلان الكازاخستاني ب”الخطوة الأحادية”، مضيفاً ل”المدن” أن كازاخستان تبحث عن الحياد الذي يساعدها بشكل أو بآخر على التقارب مع الولايات المتحدة.
واعتبر أنه من المنطقي في ظل الظروف الحالية أن تبتعد كازاخستان عن الملفات الدولية الخلافية ومنها الأزمة السورية، مشيراً إلى العلاقة “السيئة” بين أميركا والثلاثي الضامن لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران).
ورغم الإعلان الكازاخستاني أكد أونتيكوف على استمرار المحادثات، مستدركاً: “لكن للآن من غير المعلوم كيفية استمرار المباحثات، وقد تجري المحادثات بين عواصم هذه الدول بالتناوب، وربما ستجد الدول الأربع بما في ذلك سوريا (النظام السوري) دولة مستضيفة، وعلى أي حال نحن أمام واقع جديد”.
وربما يُقرأ من حديث أونتيكوف أن روسيا تريد دمج مسار أستانا بالمسار الرباعي (الروسي، التركي، الإيراني، النظام السوري)، ما يحقق لها استبعاد المعارضة وفرض النظام السوري كطرف سوري وحيد في هذه المحادثات.
من جهته، لا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي أن تكون كازاخستان قد أعلنت عن نهاية مسار أستانا من دون تنسيق مع الروس، لكنه يبدو ميالاً أكثر للتفسير الذي يذهب إلى وجود مصلحة روسية في الانتهاء من مسار أستانا والاستعاضة عنه بمسار أوسع تنخرط فيه العديد من الدول الإقليمية.
كذلك يرجح ل”المدن” أن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة أو جسم جديد يمثلها برعاية إقليمية وعربية وبتوافق روسي وربما إيراني، مشيراً إلى حالة من الاستعجال بين الدول الاقليمية والعربية في الملف السوري استباقاً لمرحلة الجمود التي تسبق الانتخابات الأميركية.
وانطلق مسار “أستانا” في كانون الثاني/ يناير 2017، بهدف إيجاد حل سياسي وإنهاء الصراع بين المعارضة السورية والنظام بضمانة كل من تركيا وروسيا وإيران، ولم ينجم عنه خلال 20 جولة استضافت العاصمة الكازاخستانية 18 جولة منها، أي نتائج باستثناء اتفاق “خفض التصعيد”.
المصدر: المدن