الكتاب في الأصل إجابات آية الله منتظري على أسئلة تستهدف تقديم روايته لعدد من الأحداث والقضايا، وتكشف بسطورها وما بينها عن خلاصة تجربته في الثورة والحكم والمعارضة، وتلتقي جميعها عند “ولاية الفقيه” كنموذج وتجربة حكم في إيران. هذه الورقة تعيد قراءة تجربة ولاية الفقيه كما قدَّمها أحد أبرز صانعيها، آية الله منتظري، وفي حدود الكتاب، وإن كانت تتجاوزه أحيانًا في التحليل وتتبع الدلالات في محاولة لملامسة الواقع الراهن واستِكْناه المستقبل والمآلات التي تنتظر ولاية الفقيه.
“نظرًا إلى أنه قد اتضح تمامًا بأنكم ستُسلِّمون من بعدي البلد والثورة الإسلامية العزيزة والشعب الإيراني المسلم، إلى أيدي الليبراليين وعن طريقهم إلى المنافقين؛ لذا فقد فَقَدْتُم أهلية ومشروعية قيادة النظام في المستقبل”(1).
هذا بعض مما ورد في رسالة العزل من مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله روح الله الموسوي الخميني، إلى آية الله حسين علي منتظري، في مارس/آذار 1989، ليصبح هذا التاريخ حدًّا فاصلًا بين ماض ومستقبل. ماض كان فيه منتظري جزءًا أساسيًّا من النظام الحاكم في إيران، الرجل الثاني فيه، ومن مُؤَسِّسي ولاية الفقيه وبعض أجهزتها. ومستقبل أصبح فيه معارضًا شرسًا وجزءًا من تيار نقدي لتجربة الثورة، لا بل لأخصِّ ما فيها وهي ولاية الفقيه نفسها.
ولعل كتاب “نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية”، من أهم تلك الكتب التي تكشف جانبًا من تجربة ولاية الفقيه، لأنه نقْدٌ من منظور أحد أهم روادها، آية الله منتظري، ويأتي في سياق العمل من أجلها. الكتاب ترجمته الباحثة المختصة في الشأن الإيراني، الدكتورة فاطمة الصمادي، من الفارسية إلى العربية، ويتضمن إجابات عن أربعة عشر سؤالًا، كان قد طرحها الابن، سعيد منتظري، على والده، آية الله حسين منتظري، في عام 1385 وفق التقويم الشمسي الإيراني، الذي يمتد بين 21 مارس/آذار 2006، و20 مارس/آذار 2007، بحسب التقويم الميلادي، مع العلم بأن آية الله منتظري توفي عن عمر يناهز 87 عامًا، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2009، أي بعد اندلاع أحداث الحركة الخضراء (14 يونيو/حزيران 2009) ضد فوز الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، بولاية حكم ثانية، والتي سُمِع فيها لأول مرة أصوات تنتقد نظام ولاية الفقيه بصوت مسموع ومن رجال النظام نفسه، وكان ظل منتظري حاضرًا فيها.
أثار الكتاب مراجعات وقراءات عدة منذ صدوره رغم صغر حجمه بسبب كثرة أحداثه وكثافة موضوعاته وتنوعها، وركزت في غالبها على فهم خلفيات بعض الأحداث التي لا تزال إلى عهد قريب محلَّ جدل. كما أن تقديم المترجمة، الدكتورة فاطمة الصمادي، وما تلا ذلك من تعريف بمنتظري وابنه، يكاد يكون قراءة للكتاب إلا أن غايتها تأطير النص والمساعدة على فهمه. أما الورقة هذه فتركز على قراءة تجربة ولاية الفقيه كما جاءت في الكتاب، بوصفها صدرت عن منتظري: نقدًا في سياق العمل، أي من صاحب التجربة لتجربته، وصاحب المشروع لمشروعه على أمل إصلاحه في المستقبل، كما يبدو من إجاباته. وتنطلق في مقاربتها التفاعلية مع الكتاب باتخاذ الإجابة على السؤال الأخير فيه مدخلًا، وهو السؤال الرابع عشر الذي جاء تحت عنوان “نقد الماضي، إصلاح المستقبل”(2)، وهو من شقين: الأول حول “تقييم ما يقرب من نصف قرن من نشاط” منتظري السياسي، والثاني، وهو افتراضي، حول ماذا كان ليفعل منتظري لو أنه تسلَّم منصب القيادة بعد رحيل الخميني. وبالتحقيب الثقافي والمعرفي، يمكن إدراج كل الكتاب تحت هذا العنوان وهذين الشقين.
فهذه الورقة تُعيد قراءة تجربة ولاية الفقيه بين رجالها الثلاث (منتظري، خميني، خامنئي) في إيران، ومن ثم ترصد مسار علاقتها بالإرث السُّنِّي لأهميته التاريخية وصلته بتطورات المنطقة راهنًا، ومن ثم تراجع موقفها من قيم الدولة الحديثة والتي قد تعتبر غربية، لتخلص إلى محاولة رسم أهم ملامح الولاية كما يراها منتظري. وأهمية هذه الموضوعات أنها كما تجلَّت في الكتاب تلامس الواقع الراهن وتؤشر على المستقبل والمآلات التي تنتظر ولاية الفقيه.
1. ولاية الفقيه والفرسان الثلاثة
من الناحية النظرية، يُميِّز منتظري في الولاية في السياق الشيعي كخلافة عن النبوة بين وجهين: الولاية العامة التي تشتمل -مما تشتمل عليه- على الولاية التشريعية و”التكوينية”، وهي للأئمة “المعصومين” وتنصيبهم من الله تعالى وليس “لبيعة الناس دور في إيجاد مشروعيتهم وولايتهم”(3). أما الولاية السياسية للولي الفقيه، وكما يجب أن تكون في النظام الإيراني، فمشروعيتها تحتاج إلى “انتخاب الناس وبيعتهم”، وإن كان منشأ أصل الوجوب للولاية هو النص. وبالتالي، فإن الصلاحيات للولي الفقيه منشؤها هو الناس، ويمكنهم أن “يُقيِّدوا صلاحياته ومسؤولياته”(4) وفق مصلحتهم.
ويُقِرُّ منتظري بأنه كان ميالًا إلى نظرية التعيين عند تدوين الدستور، وكان رئيسًا لمجلس خبراء الدستور، ولعب دورًا في تأسيس عدة مؤسسات للثورة(5)، ولا شك أنه ممن مكَّن تشريعيًّا وعمليًّا وأخلاقيًّا لسلطة الخميني الواسعة. ويعترف منتظري بأن ولاية الفقيه فُصِّلَت بعد الثورة على مقاس الخميني ودُوِّنت في الدستور، لأن “البعد المعنوي في شخصية المرحوم آية الله الخميني (قُدِّس سرُّه) وتأثيره الواسع، مؤثران في هذا المجال، أي في منح القائد صلاحيات أوسع”(6). وهنا، نقف عمليًّا أمام ولاية استثنائية للخميني أسهم منتظري في تكريسها -وإن انتقدها لاحقًا وتضرر منها- لا تبلغ بمنزلتها تلك التي للأئمة المعصومين، كما أنها ليست لسواه ممن سيأتي بعده وتعلو عليها كثيرًا، وفي هذه المنزلة بين المنزلتين يُفهَم استدراك منتظري لاحقًا، ورفضه الصلاحيات المطلقة التي جاءت في تعديل عام 1989، ورأى أنها كانت من صنيع السيد علي خامنئي، الذي أصبح الولي الفقيه ومرشد الثورة، منذ عام 1989، خلفًا للخميني.
وفي إعادة توصيف لرؤية منتظري على صعيد ولاية الفقيه، يمكن القول: إن نقده لها بالمجمل كان جسرًا بين مرحلتين، مرحلة الخميني (1979-1989) ومرحلة الخامنئي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، كان نقدًا للماضي في الأولى وتصويبًا له بمنظور من داخل السلطة دون الخروج عنها، وهو موقف مفهوم من منتظري، لأنه كان يستصحب مكانة الخميني كمفجِّر للثورة وموقع هذا الأخير منها وفيها. ولهذا عند تدوين الدستور، وبعبارة منتظري: “أعطينا معظم الصلاحيات إلى القائد المرشد وجعلنا السلطة متمركزة في يده تقريبًا من دون أن نفكر في طريقة جدية لمساءلته والرقابة الفعلية والشعبية على أدائه”(7).
أما بالنسبة للمرحلة الثانية، فكان النقد لها منطلقًا لتأسيس رؤية مختلفة وبديلة للولاية في المستقبل، وهي التي جعلته بمنزلة مرجع فقهي وفكري للمعارضة ومن خارج السلطة. ففي نقده لهذه الثانية، يعود على نقد الولاية كما كانت في المرحلة الأولى بأثر رجعي، وبقوة أشد نسبيًّا من نقده لها عندما كان في الحكم، خاصة للجوانب المتصلة فيها بالممارسة السياسية، ويرى أنها كانت تُراكم أخطاء في عهد الخميني، ولم يستثن نفسه من ارتكابها، وكأنه يقول: أخطأ الخميني كما أخطأت أنا. ويوجه لومًا للمحيطين به، لاسيما أن النظام كان يتمركز حول المرشد نفسه و”الكثير من القرارات المصيرية كانت بيده”، وإن كان يُنزِّهُه في مواضع كثيرة عن الأغراض والنوايا السيئة حتى إنه يلوم نفسه ويقول إن من أخطائه “التباعد الزمني” في لقاءاته مع الخميني، وهذا كان من أسباب ضعف العلاقة معه، وأن هذا التباعد مهَّد “الطريق لمبتغي الفتنة”(8).
في حين أن الخامنئي بالنسبة له -وبوضوح تام- يفتقر للشرعية، لأنه يفتقر لشرط “الاجتهاد المطلق” من حيث علم الفقه، ولشرط “الأعلمية الفقهية في المسائل المتعلقة بالحاكمية” من حيث السياسة الشرعية، وبالتالي، هو ليس أهلًا لهذا المنصب سواء كان النظام “ولاية فقيه مطلقة”، كما هو الواقع، حيث تتمركز “سلطات الحاكمية الدينية في يده”، أو على فرض الفصل بين السلطات، لأن “المشروعية الدينية للولاية شرط ضروري”(9). ولأن الدستور حين انتخاب الخامنئي كان يشترط “المرجعية الفقهية”، وحتى بعد تعديله فهو “يشترط “الصلاحية العلمية للإفتاء”، والخامنئي برأيه يفتقر لذلك كله(10). ومن المآخذ الأخرى له عليه أيضًا، أن الخامنئي استعان من أجل تكريس مرجعيته، بالدوائر الحكومية، مثل: وزارة الاستخبارات، ووظَّف الإعلام، “ومارس من أجل ذلك التهديد والترغيب بحق عدد من العلماء”، “كما أنه تدخل مستفيدًا من سلطته، بشكل مباشر في الحوزة الدينية، وبشكل أعطى لنفسه من خلاله دورًا احتكاريًّا”(11).
حتمًا كان الخامنئي يفتقر إلى “الكاريزما القيادية التي كان الخميني يحظى بها”، ولهذا كان التشكيك في ولايته حينًا، ومن ثم تتكرر المظاهرات في تحد للنظام في أحيان أخرى، كما هو الشأن مع الحركة الخضراء، عام 2009، وكانت لأسباب سياسية، أو تلك التي اندلعت بمناسبات عدة في أعوام تالية: 2018 و2019 و2020 وحتى عام 2021، وغالبًا كانت لأسباب اقتصادية إلا أن بعضها لم يخل من شعارات سياسية.
وقد يُفسَّر سلوك الخامنئي على أنه نهج وضرب من “الديمقراطية الشعبوية”؛ حيث “يفسح المجال للانتخابات والتنفيس عن رأي الشعب، ولكنه يتدخل بصورة قاطعة ويحسم القرارات لمصلحة “الثورة” والنظام عندما يرى الأمور بدأت تخرج عن خط “الثورة” أو السيطرة”(12). وبغض النظر عن مدى صحة هذا التفسير ودقته، فإن تكرار الاحتجاجات بهذه الصورة، تبقى مظهرًا من مظاهر ضعف النظام أو ضعف حكومته، خاصة أن الانتقادات كانت لا تستثني المرشد.
وأخذًا بالاعتبار الصورة التي يرسمها منتظري للخامنئي والأسئلة التي يطرحها حول شرعيته، فهي تؤكد أن الأخير كان بحاجة لإعادة تقديم الولاية بصورة مختلفة، وأنها تُعنَى بقضايا أكبر من قضايا فقهية جزئية وأنه مؤهل لها، الأمر الذي يُفسِّر بعضًا من سلوكه بتكثيف تدخله السياسي في إدارة البلاد، فضلًا عن السياسة الخارجية منها. ويمكن القول: إن الخامنئي حاصر النقاش حول شرعيته، خاصة بعد سياسة “التمدد” إلى الخارج. فإذا كان يفتقر إلى الكاريزما أو أنها لم تكن كافية لتحقيق الاستقرار له، فإنه عوَّضها أو عزَّزها بجعل نفسه صانعًا لشخصيات كاريزمية إذا جاز التعبير، وأحاط نفسه بهم، من ذلك: التقدير المنقطع النظير الذي حظي به أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، كأحد وجوه ولاية الخامنئي في الخارج، وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، كأحد وجوهها من الداخل الإيراني، والذي تحوَّل إلى ما يقترب من الأسطورة.
بالنسبة لمنتظري على الأقل بالنسبة لما رآه في حياته، هناك ولي فقيه واحد وهو بمنزلة الوصي، ولكن أداءه محل نقد وله أخطاء، أي الخميني، ومن بعده فلا ثاني، لأن ولاية الخامنئي نفسها تحتاج لأوصياء عليها، من “الآيات العظام” مراجع التقليد، ومن “المتخصصين الغيورين” من المجتمع(13)، ولو جاز الاختصار بعبارة أخرى مع التحفظ حيث يجب، فكأنه بالنسبة لمنتظري رئيس جمهورية بتشريفات “ولي فقيه”.
2. ولاية الفقيه والإرث السياسي السُّني
تطرق منتظري لعنوان مذهبي فكري ذي تداعيات سياسية، في سياق نقده لأخطاء الماضي، وإن لم يسهب فيه لكنه كان لافتًا، لاسيما أنه جعله في صدارة جوابه حول تقييم تجربته (بعد حقوق الإنسان)، وذلك في معرض إجابته على السؤال الرابع عشر، واعتبره من الأخطاء “الكبرى”. فقد وجد أن أصحاب الولاية لم يضعوا “الإسلام في معرض التجزئة والتحليل من وجهة نظر “مدرسة” لديها حكومة وسياسة”، يقصد بذلك السُّنَّة “الذين اشتبكوا عمليًّا بمسائل الحكم والسياسة… كما اختبروا في الفقه الكثير من الأبواب التي نحن عنها غافلون”، وفق وصفه. وذلك جريًا على نهج علماء الشيعة، الذين كانوا ينظرون إلى “الإسلام مجردًا من الحكم والسياسة”(14).
والسبب في هذه الأخيرة أن السلطة السياسية من شأن الإمام المعصوم لدى الشيعة، وآخرهم محمد بن الحسن العسكري (المهدي) الذي غاب منذ القرن الرابع الهجري (القرن العاشر ميلادي)، وكان السائد تاريخيًّا أن ليس على المؤمنين به من حيث إقامة السلطة السياسية الشرعية، إلا انتظار ظهوره. لهذا غلب على الفقه الشيعي تاريخيًّا “الفقه الفردي” نسبيًّا، وعلاقته مع “الجماعة” و”الجمهور” لا تمر عبر الدولة غالبًا، بل عبر الفقهاء المجتهدين ويجب على عامة الشيعة تقليدهم وفق نظام ديني واجتماعي محكم(15). فالمذهب أصلًا ولد اعتراضًا على الدولة الإسلامية السياسية الرسمية غالبًا ولا يرى شرعية خلافتها التاريخية. لهذا، فإن تراثه “الدولتي” محدود جدًّا بهذا الاعتبار، اللهم إلا من منظور المعارضة كما هو غالبه. لذلك فإن الوضع الحالي مع “ولاية الفقيه” مستأنف جدًّا قياسًا على ما كان حال المذهب الشيعي تاريخيًّا، فمعها أصبح الفقيه نائبًا عن الإمام الغائب في السلطة الزمنية، وبالتالي أصبح في مركز الحكم وفي أعلى السلطة سياسيًّا. ولكن ردم الفجوة العقائدية بين الشيعة والسلطة لوحده لم يكن كافيًا، سواء قبل انتصار الثورة في إيران أم بعدها لاسيما في سنيها الأولى، وكانت بحاجة لرؤية دينية أوسع في مقاربة هذه الأخيرة أو لإضافة الشرعية عليها. ومن هنا نشأت علاقة “الإسلام السياسي الشيعي” -إذا جاز الوصف- مع الإرث السُّنِّي. ويقول منتظري بهذا الخصوص، لاسيما العلاقة مع “الإسلام السياسي السني”: إن أكثر ما كان بيد “الطبقة المثقفة والمستنيرين الدينيين في إيران في المسائل السياسية والاجتماعية هي ترجمات من كتب أهل السُّنَّة، وعلى وجه الخصوص من المفكرين المصرين واللبنانيين”، لاسيما كتابات جماعة الإخوان المسلمين “قبل الانقسام”(16). ويرى أن مفكري أهل السُّنَّة بدأوا بالتحقيق في جوانب الحكومة الدينية قبل الشيعة، وتركوا آثارًا وكتابات كثيرة “تُسجَّل في تاريخ الثقافة الإسلامية”(17). وبالمقابل، يقر بأنه وأصحابه لم يتمكنوا من معالجة هذا “النقص”. بمعنى آخر، فإن منتظري يرى أن الحاجة إلى الرافد السُّنِّي لا تزال قائمة على هذا الصعيد.
هذه الملاحظة يمكن فهمها بمراجعة بسيطة للفلسفة التي قامت عليها ولاية الفقيه، ومن ذلك على سبيل المثال، من خلال الشروط الواجب توافرها في الحاكم، ومن كتاب منتظري نفسه: “دراسات في ولاية الفقيه”(18)، فهي شبيهة في بعض أبوابها بتلك التي وردت في كتب “الأحكام السلطانية”#a19 السُّنِّية مع الفرق المذهبي وسياقه. وكذلك فيها مباحث شبيهة بتلك التي لدى الإسلاميين السُّنَّة أو فقهائهم المعاصرين في مقاربة هذا الموضوع. ويستدل منتظري لجواز هذا النهج في مقدمة كتابه، أي “دراسات في ولاية الفقيه”، بصنيع من سبقه من شيوخ الطائفة، وأنه يجوز “العمل بالأخبار الواردة من طرق السُّنَّة”، وبعبارته: “إذا لم يكن من طرقنا أخبار تخالفها أو إجماع ينافيها”(20). وبمطالعة كتاب “الحكومة الإسلامية” أيضًا، لا يمكن نفي التشابه مع الإخوان المسلمين وعدد من رموزهم، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، توصيفه لفصل الإسلام عن الحكم، وشموله لكل مناحي الحياة، أو اعتماده لمصطلح “الحاكمية” وما يتصل بهذا المفهوم بغضِّ النظر عن كيفية التصرف بتوظيفه مذهبيًّا(21)، وهكذا دواليك. والخامنئي لم يكن بعيدًا عن هذا النهج كسواه من أصحاب فكرة الولاية، فهو نفسه ترجم بعض أعمال الإخوان المسلمين، وتحديدًا كتاب سيد قطب “المستقبل لهذا الدين”(22)، والجزء الأول من تفسيره: “في ظلال القرآن”(23)، وبعض محاضراته وتوجيهاته لا تخلو من مصطلحات تشبه تلك التي لدى الإسلاميين السُّنَّة(24).
ويبدو الجامع بينها جميعا مًا أكده منتظري من حاجة أصحاب نظرية الولاية للإرث السُّنِّي ليكون مرجعًا أساسيًّا لهم على صعيد التنظير الديني لفكرة “السلطة الزمنية” بوجهيها، التاريخي والمعاصر المستأنف، لاسيما الإخواني منه، بسبب طبيعة الإرث الشيعي “غير الدولتي” وبالتالي عدم وجود تلك السابقة في المذهب لإثبات الحكم الإسلامي بصورة كافية على هذا الصعيد.
ويمكن إضافة أسباب أخرى خاصة حول تفضيل العلاقة مع “الإخوان المسلمين” ولعقود، منها أن منهج الإخوان نقدي “للدولة الإسلامية التاريخية” بقدر انتمائه إليها، وبالتالي فإن انتساب “الإسلام السياسي الشيعي” إلى “الحركة الإسلامية” لا يعني التخلي عن المذهب حُكمًا وقبول “الإرث السُّنِّي” كما هو. ومنها أيضًا أن تيار “الإخوان” ولد اعتراضًا على “الدولة العربية الحديثة”، بوصفها “دولة تجزئة” قامت بديلًا عن دولة “الخلافة” إذا لم يكن على أنقاضها، وبهذا هناك مساحة واسعة أمام الإسلاميين الشيعة للعمل المشترك معهم.
وبالطبع، فإن النموذج الذي أنشأه الخميني أخذ حاجته من الإرث السُّنِّي ومن الطبيعي ألا يقف عنده، خاصة مع الخامنئي، وبالتحديد بعد الصدام المذهبي الأول في العراق و”سقوط بغداد”، عام 2003، وتوسع خريطة “العالم الشيعي” الفكرية والسياسية، ويمكن افتراض أن معالجة هذه الاستفادة المذهبية وأهمية استمرارها، من قبل منتظري كانت تأخذ بالاعتبار هذه التطورات وما يمكن أن تؤول إليه، لاسيما أنه شهدها(25).
من الواضح أن الاتجاه الطبيعي لولاية الفقيه أن تحقق اكتفاءها الذاتي والمذهبي كمرجعية للدولة، وأن تعتبر رويدًا رويدًا كل ما كان من الممكن أن يصدر عن “الإرث السُّنِّي” ومنه نموذج “الإخوان المسلمين”، تحديًا فكريًّا وثقافيًّا، لأنه بقدر ما كان معينًا ومصدرًا لتجربة ولاية الفقيه، فقد أصبح أحد النماذج المزاحمة لنموذج “ولاية الفقيه” في الفضاء “الحركي الإسلامي” ويجب تجاوزه، لا بل هذا ينطبق أيضًا على أي نموذج شيعي إذا ما كان منفصلًا أو مستقلًّا عن “ولاية الفقيه” التي توجب على الجميع طاعته.
ولكن ما حدث في سوريا، أي بعد اندلاع الثورات العربية عام 2011، ذهب بمستوى الخلاف إلى أبعد من المزاحمة، أي بعد تدخل إيران والجماعات المؤيدة لها تحت عناوين مذهبية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، لتشهد سوريا أعظم عمليات قتل وتهجير جماعي في تاريخها المعاصر.
انتهي الأمر بانقسام مذهبي وسياسي كبير في المنطقة، وشمل قوى “الإسلام السياسي الشيعي” بعامة، وبالخصوص منهم أصحاب “نظرية ولاية الفقيه”، مع الإسلام السياسي السُّنِّي ومنهم الإخوان المسلمون، فضلًا عن بقية التيارات السُّنِّية.
هذا الصدام المذهبي العنيف، ذهب بمستوى الخلاف إلى أبعد من التزاحم السياسي، ليصل إلى ما يقرب من القطيعة الدينية وبالتالي المعرفية، وسيطرح أسئلة حول مستقبل علاقة نموذج ولاية الفقيه مع أحد مصادره، وهو الإرث السُّنِّي أولًا، ومن ثم الإسلام السياسي السُّنِّي ثانيًا. وأية مراجعة للأسس والمصادر التي قام عليها مبدأ حكم ولاية الفقيه، قد تعود على أدلة “الولاية” بالتشكيك والبحث عن مصادر أخرى للاستغناء عن “الإرث السُّنِّي”. وهذا له تكلفة قد تصل إلى حدِّ إعادة تشكيل المذهب وليس الوجه “السياسي” فيه فحسب، أو العودة إلى إعادة وصل ما انقطع، ويتضمن ما عبَّر عنه منتظري من استمرار الحاجة لهذا الرافد “السُّنِّي”، لتأكيد تلك الشرعية التي استندت عليها “ولاية الفقيه” في أول نشأتها، وكذلك لانتظام مسارها ولو نظريًّا. إن ما يطرحه منتظري على رغم بساطته في هذا السياق، فإنه صادر عن أحد المؤسسين المدركين لهذه العلاقة.
3. ولاية الفقيه وقيم الدولة الحديثة
لردح من الزمن كان محور السؤال الغالب عند نقد ولاية الفقيه، تقرير أي من مكوناتها يأتي أولًا وله الغلبة: الدولة أم الثورة؟ وما العلاقة بينهما؟ وإلى آخر ما يمكن طرحه على هذه الثنائية وفي سياقها حتى بات هذا السؤال كلاسيكيًّا سواء في إيران أو خارجها. ولكن هناك نوع آخر من الأسئلة كان ينهض ويمكن اعتبار تاريخ عام 2009 إحدى علاماته البارزة، وهو العام الذي تلاقت فيه تداعيات الحركة الخضراء ووفاة منتظري، وباتت تُطرح فيه الدولة بما لها من وظيفة بمقابل “ولاية الفقيه” وليس الثورة. وبتحديد أدق، أخذت تطرح بعض قيم الدولة الحديثة على أنها يجب أن تكون المكونات الطبيعية لأية دولة ومنها إيران الإسلامية، وليطرح في هذا السياق سؤال الحريات والحقوق الإنسانية والفصل بين السلطات، وعدم احتكار السلطة في أفراد معينين، أي “الديمقراطية” -بغض النظر عن الاختلافات حول شكلها وبعض مضامينها- كأحد أهم مكونات الدولة، وأنها يجب ألا تتناقض مع نظرية ولاية الفقيه، وربما لها الحق أن تتجاوز هذه الأخيرة. وهذا ما يمكن لحظه في طرح منتظري حول ما يجب أن تكون عليه الأمور في المستقبل؛ فهو يقول بالفصل بين السلطات حتى في “النظام الديني”، ويدعو إلى إرساء “تناسب وتوازن بين السلطات والمسؤوليات”، فبالميزان نفسه الذي “أُعطيت فيه السلطة لشخص أو مؤسسة يجب أن تتم محاسبتهم أمام الناس وممثليهم، ولا استثناء لسلطة ولاية الفقيه في هذا الشأن، لأنه في “نظام الحكومة الدينية، لا معنى لمنصب حتى منصب الولي الفقيه ألا يكون عرضة للمحاسبة”(26).
وعلى صعيد الحريات الشخصية وحقوق الأفراد، فيجب على الحكومة ألا تستخدم الإجبار والإكراه، ولا يحق لها التدخل في الأمور الشخصية التي لا تمس المجتمع(27)، وأن الرد على “الفكر والرأي المنحرفيْن” يكون بالمنطق والحجة لا بالمصادمة والمعاقبة. لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك، ويرى أن “الحكومة مسؤولة عن مراعاة حقوق الجميع ومن جملتهم المعارضون”، لأن الناس لم تكن “في أي وقت من الأوقات على مستوى واحد فيما يتعلق بالإيمان والالتزام بالشريعة والموازين الإسلامية ويجب عدم التعرض لحقوقهم من هذا الباب. إن حقوق الأفراد منفصلة عن درجات الإيمان”(28).
ويمكن ملاحظة مجموعة كبيرة من القيم في هذا النص المكثف لمنتظري، وتقترب من قيم الدولة الحديثة، مثل حق تقرير المصير، وحق تكوين أحزاب مستقلة، وحق نقد الحاكم، وعدم جواز تكوين سلطات موازية للدولة لا تخضع للمحاسبة والاحتكام إلى أجهزتها الدستورية، وهكذا دواليك، والضابط الذي يؤكد عليه فيها جميعًا، ليحول دون الإفراط والتفريط يوجزه بقوله: “لا يمكن تجاهل دور الدين والمذهب في بلدنا وبنيتنا السياسية، ولا يكون أيضًا بالشكل الذي جاء ونشر وجاء بنتيجة عكسية”(29). من الواضح أن منتظري يرى أن ولاية الفقيه أعطت الحاكم ومنظومته السياسية على حساب المحكومين وحاجاتهم المطلبية والثقافية والسياسية والحقوقية، وهي التي فصَّلها كعنوان للإصلاح.
لا شك أن الخامنئي يدرك التحدي الذي تفرضه هذه القيم ومخاطر القبول بها دون إخضاعها للفحص وإعادة صياغتها، وقد أخذ يعزز من طرح ما يُسمِّيه “السيادة الشعبية الدينية” -بوصفها المقابل للديمقراطية (خاصة الغربية)- وجاءت في عدد من خطبه(30) وتقوم بالجملة على ثلاثة أسس: الدين، والقيادة الدينية (أي ولاية الفقيه)، ومن ثم الشعب(31). وهي لا تخرج عمومًا عن نهج المؤسس الخميني في موقفه من الغرب، الذي كان يصوغ هوية إيران الجديدة على القطيعة مع الغرب حتى بات العداء لأميركا أحد محدداتها(32)، وكان يميز بين الإسلام المحمدي الأصيل بمقابل ما يُسمِّيه “الإسلام الأميركي”، واستخدم هذا الوصف -تقريبًا آخر عامين قبل وفاته- لأغراض عدة أحدها لمحاربة القيم الغربية، أو قيم حلفاء أميركا والغرب، التي قد تتسلل إلى بلاد المسلمين ومنها إيران باسم الإسلام وقد يصفه “بالإسلام المنحرف”(33)، وهو أيضًا المعنى الذي استهدفه الخامنئي في التأصيل لمفهوم “السيادة الشعبية الدينية” ومد جذورها إلى المؤسس، الخميني(34). وفي هذا السياق، يمكن فهم النهج المختلف الذي ينتهجه منتظري، لاسيما وأنه أُقْصِي من موقعه في الحكم قبيل وفاة الخميني، أي في سياق التمييز بين “الإسلام المحمدي الأصيل” و”الإسلام الأميركي”، وكأن منتظري قد أُقِيل، لأنه تأثر بالأخير، كي “لا يُسَلِّم” البلاد والثورة إلى “الليبراليين” على حدِّ وصف الخميني.
ومن المهم في ختام هذه النقطة، ملاحظة أن نظرية السيادة الشعبية الدينية، على الرغم من تقديم إيران لها على أنها جزء من مسار تطور طبيعي لنظرية ولاية الفقيه نفسها، وهذا منطقي، إلا أنها أيضًا تبلورت في سياق تصاعد المطالب بالديمقراطية في المنطقة، والتي منها الحركة الخضراء في إيران (2009) وما تلاها من مظاهرات سواء كانت مطلبية أو سياسية، وثورات العالم العربي بموجتيه (2011-2019)، كما أنها بجوهرها من الناحية النظرية تختزن المبدأ الذي سعى إليه منتظري بغضِّ النظر عن حقيقة ما يتحقق منه في الواقع، باعتبار أن وجه الإضافة الأهم فيها أنها تركز على جانب المحكومين، أي الشعب(35). لكنه اليوم يبدو كأنه لا يزال أقرب إلى الترويج الإعلامي والأيديولوجي حول المشاركة الشعبية، أكثر منه إلى عملية إصلاح حقيقية، خاصة أن إيران في عهد الخامنئي -وتحديدًا المرحلة الحالية أي ما بعد وفاة منتظري منها- ليست جاهزة لخطوة إصلاحية كبيرة، فهي في اشتباك كبير مع الغرب وتحت عقوبات أميركية بسبب ملفها النووي وقضايا أخرى، وليس من المستبعد أنها تخشى أن يكون مآلها مآل الاتحاد السوفيتي الذي تفسَّخ بعد بريسترويكا(36) ميخائيل غورباتشوف(37)، ولن يكون فكر منتظري اليوم أو ما يشبهه، بمنظار الولي الفقيه الحالي، إلا كما كان بالأمس في عهد الخميني -مع اختلاف الظروف والأسباب والدوافع- تفريطًا في إيران وتسليمًا لها إلى الغرب.
4. ولاية الفقيه لو حكم منتظري
يمكن رسم صورة عامة للولاية التي يريدها منتظري من خلال نقده الذي جاء في هذا الكتاب، فشرعية الولي الفقيه تتحقق بالشروط العلمية المعمول بها في الحوزة وما تفترضه من شرط الاجتهاد وسواه، ولا تكون باستعمال السلطة والإكراه، ولا بالتعرض لاستقلال الحوزة وجعلها تحت إشراف الحكومة، وإلا فهذا يطعن بشرعية من يتولى منصب الولي الفقيه. وهي ليست ولاية مطلقة بل خاضعة للمساءلة وتقترن بالشورى وأهل الاختصاص ولا تنفصل عنهم، ولا تنحصر فيها السلطات بيد رجل واحد، وهي تحت الدستور بالقانون، وببنود واضحة فعلًا وليس بالتوصيف الأيديولوجي فحسب. وترضى بالبحث عن حلول للأزمات والتحديات التي تواجهها من منظومة قيم من خارجها دون أن تخشى الوقوع في اللَّبْرَلَة أو شراك الغرب، أو أن تفقد استقلالها أو مذهبها، ولا تُرهب أو تدين أولئك الذين يقومون بذلك. والاستقلال الفعلي بالنسبة لها بعلاقة جيدة مع الدول الأخرى ولا يكون بتوتير الأجواء معها وإثارة “المشاعر اللحظية والشعارات غير المجدية والادعاءات التي هي في الغالب للاستهلاك الداخلي وأأو تستخدم لتصفية الحسابات الداخلية”، ولا تكون بفرض إيران لسور على نفسها لتحول دون التواصل مع الآخرين. وهي تتسع لكل المواطنين، موالين ومعارضين، وعلامة صدق المسؤولين فيها أنها لا تجعل “أمور الدولة سرًّا لا يعلمه الشعب” ولا تقدم لهم معلومات تخالف الواقع، ولا تعطي وعودًا غير واقعية، ولا تستخدم التشريفات المبالغ فيها ولا الإشاعة في حكم الناس(38).
ولاية الفقيه، كما يراها منتظري وهو من صُنَّاعها، ليست مكتملة بالقدر الذي يعتقد أصحابها الذين في السلطة اليوم، حتى من حيث شرعيتها وصورتها، ولا تزال بحاجة للرافد السُّنِّي وخبرته كما سواه، ويرى أن بعض أجوبتها جاءت على عجل، وليس من أهل خبرة، سواء من حيث تركيب هيكل السلطة، أو من حيث تعديل الدستور، أو تطبيق القانون وما إلى ذلك، ويقول بهذا الخصوص: “كنا مسكونين بمسألة إسقاط نظام الشاه من دون أن نفكر بصورة جدية بمسائل ومعضلات ما بعد ذلك”(39)، أي لم يكونوا جاهزين لمواجهة مرحلة ما بعد سقوط الشاه. ولاية الفقيه الحالية بالنسبة لمنتظري، لا تعطي جوابًا شافيًا للسؤال السياسي الذي يريده الشيعة، فهي لا تنوب عن المهدي كما يُراد لها، ولا تمثِّل إرادة الناس حقًّا كما يريدون.
خاتمة
في رسالته إلى منتظري، يُعلمه بعزله، قال الخميني: “بفؤاد دامٍ وقلب محطم، أكتب إليك بعض الكلمات كي يطَّلع الشعب يومًا على الحقيقة”(40). في تلك الرسالة، أراد الخميني أن يُطْلِع الشعب الإيراني على الحقيقة، لكنها لم تُزِلِ الغموض، لاسيما بسبب استمرار اختلاف التيارات السياسية الإيرانية حول ذلك الحدث، وبسبب التحديات التي تواجهها ولاية الفقيه، وتجد نفسها ربما أمام نفس الخيارات التي كانت في زمن منتظري من حيث المبدأ وإن كانت أكثر تعقيدًا وفي أفق مختلف، وهي تطرح أيضًا أسئلة مشابهة بالمبدأ، من أهمها: هل يستطيع هذا النموذج الاكتفاء بنفسه وتطوير ذاته من داخل منظومته خشية استهدافه بـ”المؤامرات” وكي لا تتسلَّل الأفكار الغريبة عنه إلى داخله، أم أنه بحاجة للانفتاح واستقاء أجوبة من خارج النموذج خشية أن يختنق بالتناقضات في داخله شأنه شأن أي نظام سياسي، وكذلك كي لا يطويه التقدم خارج أسواره؟ وكم هو مقدار هذا الانفتاح وبأي معيار، ومن أي مصادر عليه استقاؤها؟ وهكذا يمكن أن تتناسل الأسئلة لتكرر نفسها وتزيد.
وبهذا، هل بعزل الخميني لمنتظري خسرت إيران أحد الخيارات الأكثر انسجامًا مع أهداف الثورة بسبب خلافاتها الداخلية وقلة خبرتها أكثر مما فعلت بها مؤامرات الخارج؟ وهل فوَّت الخامنئي حالة نقدية كان يحتاجها النظام وكانت فرصة لتطويره، بملاحقة منتظري ووضعه قيد الإقامة الجبرية؟ فمنتظري كان يريد أن يقول بأجوبته في هذا الكتاب” إن هذا ما حصل، وإن إيران معه كانت ستسلك مسارًا مختلفًا، حتى ولو على الأقل بقي في المشهد السياسي. ولكن حتمًا بعزل الخميني لمنتظري وبطريقة العارف بالمآلات في المستقبل، أقصى تجربة منتظري وفقهه ورأيه، وحجب شرعيتها إلى حدٍّ بعيد ليمنعه من التأثير في إيران “البلد والثورة”. ومنتظري بإجابته في هذا الكتاب على طريقة العارف أيضًا بالمآلات والخائف منها، قد تعود رؤاه وأفكاره لتتقدم مع أية معارضة أو حالة نقدية للنظام من داخله أو خارجه.
عنوان الكتاب: نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية- المؤلِّف: سعيد منتظري
ترجمة: فاطمة الصمادي – دار النشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
شفيق شقير باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية. حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية (فرع القانون والفقه وأصوله). تغطي اهتماماته البحثية الأزمات الداخلية في المشرق العربي والنزاع العربي-الإسرائيلي، وكذلك التيارات الإسلامية السُّنِّية والشيعية، والجماعات الجهادية، ومقولاتها الفكرية والفقهية وتوجهاتها السياسية. له مشاركات وبحوث عدة، منها: حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية، “علماء” التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية، الحراك اللبناني: السياق العربي وتحديات نسخة الطائف الثالثة.
مراجع
(1) رسالة “عزل السيد منتظري عن خلافة القائد”، صحيفة الإمام، 21/300 وما بعدها، تاريخ الرسالة: 18 شعبان 1409هـ، مكتبة مدرسة الفقاهة، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3mluIU6.
(2) العنوان -الذي جاء تحته السؤال- من إضافة المترجمة.
(3) سعيد منتظري، نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية، ترجمة فاطمة الصمادي، ط 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2020)، ص 41-43.
(4) المصدر السابق، ص 51.
(5) المصدر السابق، ص 21.
(6) المصدر السابق، ص 47.
(7) المصدر السابق، ص 163.
(8) المصدر السابق، ص 172-173.
(9) المصدر السابق، ص 128.
(10) المصدر السابق، ص 129.
(11) المصدر السابق، ص 151-152
(12) عماد آبشناس، “من الثورة إلى الولي الفقيه: من هو آية الله علي خامنئي؟”، مركز الجزيرة للدراسات، 24 يناير/كانون الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/39H1udl.
(13)، انظر: منتظري، نقد الذات، مصدر سابق، ص 130-131.
(14) المصدر السابق، ص 160.
(15) للتوسع، راجع: شفيق شقير، “نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها في الفكر السياسي الإيراني المعاصر”، الجزيرة نت، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/31yT972.
(16) ليس واضحًا المراد من كلمة الانقسام. إذا كان يقصد تلك المرحلة التي سبقت سيد قطب، فالتوصيف ليس دقيقًا، لأن “فكرة الحاكمية” عند سيد قطب أو آثارها أصبحت جزءًا متكيفًا مع منظومة “ولاية الفقيه” ولو بشروط مختلفة.
(17) منتظري، نقد الذات، مصدر سابق، ص 160.
(18) انظر: آية الله منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، (قم، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، 1408هـ)، ج 1، 285 وما بعدها.
(19) المقصود الكتب التقليدية السُّنِّية عن السياسة الشرعية، مثل كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، أو لأبي يعلى الفراء وسواهما.
(20) انظر: بقية الشروط ومناقشته لها: المصدر السابق، ج 1، 19 وما بعدها.
(21) للتوسع انظر: الخميني، الحكومة الإسلامية (هي في الأصل مجموعة من الدروس الفقهية)، ط 2، (مركز نون للتأليف والترجمة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2011)، ص 19 وما بعدها، ص 58 وما بعدها.
(22) انظر مقدمة الخامنئي في ترجمته لكتاب سيد قطب “المستقبل لهذا الدين”، موقع إيران والعرب، نقلًا عن مجلة رسالة التقريب، العدد 12، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/39wvfxa.
(23) ترجمة الإمام الخامنئي لكتاب “في ظلال القرآن” لسيد قطب، موقع إذاعة طهران، 12 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3wrh0ne.
(24) من باب التمثيل فقط، انظر: “سلسلة محاضرات ألقاها سماحة الإمام الخامنئي؛ المحاضرة الثامنة: التوحيد في التصور الإسلامي”، موقع دار الولاية للثقافة والإعلام، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3cR9Fpj.
(25) كما شهد منتظري، وكان نائبًا للخميني حينها، الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينات، ولكن لأن العراق في عهد صدام كان بعثيًّا عروبيًّا فإن التقابل الطاغي بينهما لم يكن مذهبيًّا، وكان قوميًّا، فرس/عرب.
(26) منتظري، نقد الذات، مصدر سابق، ص 176.
(27) المصدر السابق، ص 177.
(28) المصدر السابق، ص 180-181.
(29) المصدر السابق، ص 177.
(30) يمكن العودة إلى خطب الخامنئي التي ذكر فيها السيادة الشعبية الدينية حتى العام 2011. انظر: موقع الخامنئي، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/2PXV960.
(31) مجموعة من الباحثين، السيادة الشعبية الدينية إشكالية المفهوم، (معهد المعارف الحكمية، 2014)، ص 46.
(32) Karim Sadjadpour, “How to Win the Cold War with Iran,” The Atlantic, March 25, 2021, “acceded March 31, 2021”. https://bit.ly/3rOphhG.
(33) انظر: “الإسلام المحمدي الأصيل في كلام الخميني”، موقع الإمام الخميني، ربيع الأول 1435 هـ، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3durR7i.
(34) انظر كمثال على هذا الربط بين الإسلام المحمدي الأصيل ومفهوم سيادة الشعب في كلمة الخامنئي للشباب وتحذيرهم من الانحراف: “كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم الذكرى الـ28 لرحيل الإمام الخميني (رض)”، موقع مكتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي، 5 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3fqGyLo.
(35) ليلى مزبودي، “السيادة الشعبية الدينية: الجمهورية الثانية”، معهد المعارف الحكمية، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 22 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3flfBsm.
(36) أطلق غورباتشوف (رئيس الاتحاد السوفيتي السابق: 1988-1991)، برنامجًا للإصلاحات كان أحد أهم الأسباب المباشرة لسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.
(37) Sadjadpour, “How to Win the Cold War with Iran”, op, cit.
(38) منتظري، نقد الذات، مصدر سابق، ص 177-180.
(39) المصدر السابق، ص 161.
(40) رسالة عزل منتظري، مصدر سابق.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات