يوسف الشارني ناشط سياسي بارز نائب رئيس حركة البعث في تونس، ومثقف قومي عربي عريق، يناضل في سبيل تحرر البلدان العربية ووحدتها ونهضتها، خبر شؤون المشرق والمغرب، وله مواقف ثابتة ضد الانتهازية السياسية والتيارات الاسلاموية الرجعية، ويعتقد أن الديمقراطية تتعرض لخطر الاختراق والاغتيال في تونس من جانب حركة النهضة، كما أن ثورة 2010 تتعرض للتفريغ بسبب الحركة المذكورة وحلفائها من القوى السياسية.
فيما يلي حوار معمق معه حول شؤون الساحة التونسية وتعقيداتها وتطوراتها الأخيرة.
س 1: باعتباركم ناشطا سياسيا مخضرما.. كيف تصف المشهد السياسي حاليا في تونس ؟
ج1: المشهد السياسي في تونس توارث إرهاصات مسار الانتقال الديمقراطي منذ 14 جانفي و اتسم بعدم الاستقرار و التقلبات المتتالية و ما خلفته الأحزاب الحاكمة و حكوماتها من شلل في بنية الدولة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية حيث شهد الوضع الحكومي تغيرات اتسم بعدم الاستقرار السياسي انطلاقا من حكومة الترويكا ( حركة النهضة -حزب التكتل و حزب المؤتمر من اجل الجمهورية ) مرورا بحكومة التكنوقراط التي ترأسها المهدي جمعة بعد حوار وطني بين الفرقاء السياسيين و حكومة ( حركة النهضة – حركة نداء تونس 2014-2019 و تعاقبت عليها حكومتان برئاسة الحبيب الصيد و يوسف الشاهد) وصولا إلى حكومة ما بعد انتخابات 2019 حيث تشكلت من فسيفساء متناقض إيديولوجيا و سياسيا مما انجر عنه تحالف حكومي غير متجانس و غير متضامن تشقه خلافات وصراعات كبيرة وصلت إلى حد تخوين بعضهم البعض و تعمق الخلاف بسبب التحالف بين كتل برلمانية معارضة تحت قبة البرلمان كحزب قلب تونس و ائتلاف الكرامة مع حركة النهضة رغم أنها في تحالف حكومي مغاير يتكون من ( التيار الديمقراطي و حركة الشعب و تحيا تونس …) إذا الأغلبية المشكلة للحزام السياسي للحكومة ليست هي الأغلبية المتفقة داخل البرلمان مما سرّع في إسقاط هذه الحكومة التي يتجوز عمرها 6 اشهر ، إضافة إلى اكتشاف تضارب المصالح لرئيس الحكومة الذي اجبر على الاستقالة بعد أن قدمت حركة النهضة و هي جزء من ائتلاف حكومي لائحة سحب ثقة ضده بعد أن أقنعت عددا من الكتل الأخرى المعارضة ، إن هذا الوضع السياسي المتقلب و المتغير اثر سلبا على الوضع الاقتصادي حيث تراجعت التنمية و توقفت تماما في بعض القطاعات ونزل النمو إلى ما دون الصفر و ارتفعت المديونية إلى أرقام قياسية فاقت 80 في المائة من الناتج الوطني الخام وشهدت ميزانية الدولة عجز يصل إلى 50 في المائة و تدهورت قيمة الدينار التونسي إلى مستويات قياسية و استشرى الفساد في مفاصل الدولة مما ترك الباب مفتوحا للوبيات سياسية و اقتصادية للتلاعب بمصالح البلاد و الشعب ، انجر عن ذلك انهيار المقدرة الشرائية للمواطنين و فقدان الثقة في الطبقة السياسية عموما من طرف أبناء الشعب ، كل ذلك بسبب خيارات الأحزاب السياسية ،التي تعاقبت على الحكم ،و اعتبرت مصلحة الأحزاب فوق مصلحة البلاد، و تعاملت مع تونس ،على أنها غنيمة و كعكة يتم تقاسمها ، والوضع مازال مرشح للتدهور أكثر مما هو عليه الآن و ليس هناك بصيص آمل في الأفق بالنظر إلى تناحر السلطات و تخوين بعضها البعض من رئاسة و حكومة و مجلس نواب و صل إلى حد التراشق الإعلامي بتصريحات و تصريحات مضادة ، هذا الوضع السياسي المتشظي دفع رئيس الحكومة المكلف” السيد المشيشي ” بعد إسقاط حكومة الفخفاخ إلى تكوين حكومة كفاءات مستقلة لا تنتمي للأحزاب رغم اعتراض أغلبية الكتل و هذه الوضعية محفوفة بالمخاطر لأن المصادقة عليها داخل مجلس النواب قد يتم خوفا من حل البرلمان من طرف هذه الأحزاب و لكن اعتقادي لن تصمد كثيرا إذا شعرت الأحزاب السياسية أنها خرجت نهائيا من دائرة الحكم وعدم الاستفادة على الأقل من المناصب الوسطى و الدنيا في الدولة ( ولاة و معتمدين و غيرها من المناصب ) …
س 2 : ما هي الأسباب العميقة لهذا الاحتقان والتوتر بين حركة النهضة وخصومها ..؟
ج2 :الأسباب عديدة و متنوعة منها ما هو إيديولوجي و منها ما هو سياسي و منها ما يدخل في خانة التموقعات السياسية و الاقتصادية
إيديولوجيا : حركة النهضة لها مرجعية إسلامية إخوانية و تعمل على تكريس حكم إخواني متناغم مع الشريعة الإسلامية خاصة في بداية الثورة بعد أن صعدت سنة 2012 إلى دفة الحكم حيث صرح قياديوها بأنهم يعملون على تحقيق دولة الخلافة و احتضنت دعاة تكفير و العنف ووفرت لهم الغطاء السياسي حتى قاموا باغتيالات لناشطين و قياديين سياسيين في اليسار التونسي (شكري بلعيد و محمد البراهمي من الجبهة الشعبية ) مما دفع إلى تحالف بين مكونات اليسار ومكونات أخرى منها من هو محسوب على النظام السابق و قوى ديمقراطية و مدنية قامت بتحركات على مستوى الشارع و أسقطت حكومة الترويكا سنة 2013 لتخلفها حكومة تكنوقراط بعد حوار وطني لعبت المنظمات الوطنية فيه دورا بارزا …
سياسيا : عملت حركة النهضة منذ ان تولت الحكم السيطرة على مفاصل الدولة و تعيين موالين لها في المسؤوليات العليا و التغلغل في العمق الشعبي و العمل على إقناع المواطنين بان الحل في تونس ينطلق عبر مشروعها الاخواني و حاولت إقصاء المكونات الأخرى وشيطنتهم و باعتبار أن الأرضية متوفرة حيث أن نظام بن علي في فترة حكمه زج بعدد كبير من منتسبيها و الموالين لها في السجون فوجدت بعد الثورة و قاعدة شعبية اعتقدوا أنها تعرضت إلى مضالم كبيرة و أن هؤلاء الإسلاميين ” ناس يخافو ربي ” زاد ذلك من شعبيتها في بداية الأمر سرعان ما تراجعت في دورتين انتخابيتين 2014 و 2019 في حين كانت الإطراف الأخرى نخبوية تعتمد على إطارات من الأكاديميين و المهنيين فتولد صراع و صل في بعض الأحيان إلى العنف من اجل التموقع في المشهد السياسي
اقتصاديا : عملت حركة النهضة منذ تسلمت الحكم سنة 2012 إلى تطويع رجال الأعمال إما بالتهديد أو الوعيد أو الترغيب ليكونوا إلى جانبها و من رفض منهم سلطت عليه دائرة الادعاءات لتسليط عليه عقوبات مالية كبيرة لضربه في العمق مما ولد صراعا بينها و بين بعض رجال الأعمال حيث وجدوا ضالتهم في بعض الأحزاب الليبرالية الذين بدؤوا يغدقون عليهم المال و مساعدتهم على النجاح في الانتخابات علهم يوفرون لهم الحماية من بطش حركة النهضة و هذا أحدث صراعا غير معلن بين بعض التيارات الصاعدة وحركة النهضة .
س 3 : حركة النهضة كانت منذ ثورة 2010 الفائز بالحصة الكبرى من مقاعد المجلس النيابي في الانتخابات ، وهذا يعني أنها تيار اجتماعي رئيسي .. ألا تخافون من إمكانية نشوب صراع اجتماعي بين أنصار النهضة وأنصار الأحزاب المناهضة لها ، مما ينذر بحرب أهلية في الشارع ؟؟
ج3:الصراع السياسي قائم منذ أن نجحت حركة النهضة في انتخابات 2011 و حكمت البلاد و بدأت تسيطر على دواليب الدولة و محاولاتها تغيير نمط حياة المجتمع التونسي الذي لا تقبل غالبيته أن يكون منغلقا للعودة الى العصور الوسطى ، كما أن حركة النهضة لم تلتفت إلى مصلحة البلاد و بدأت المالية العمومية تنهار من جراء تصرفاتها الخاطئة و الخيارات الاقتصادية التي لا تخدم البلاد و ارتماءها في أحضان جهات أجنبية لأنها كانت تريد أن تحقق نظام إخواني في تونس عدلت عنه بحكم الضغط الشعبي ، اعتقد أن مسالة نزع فتيل الصدام في الشارع مرتبط بحل لغز عديد الملفات العالقة و خاصة ملفات الاغتيالات و ملفات الفساد التي رافقت حكومات ما بعد 14 جانفي و كذلك قبول النهضة بإمكانية أن تكون في المعارضة و ليست في الحكم إلا أن تصريح بعض قادتها يوحي بشيء ما ،خاصة عندما يربطون استقرار تونس بوجود النهضة في الحكم و هذا سيتبين مدى خطورته في الايام القادمة من عدمه ، مع ضرورة ضمان خلو البلاد من الأسلحة التي تدفقت من ليبيا خاصة في بداية الثورة و قد تكون مخزنة في امكان لم يتم الكشف عنها بعد ،و لا اعتقد أن تونس في النهاية ستصل إلى حرب أهلية و انما ستزداد وتيرة التجاذبات السياسية و التوترات على مستوى تعامل الأطراف السياسية …
س 4 : هل تعتقد أن رئيس الجمهورية يمكن أن يحل البرلمان ويتجه بالبلاد إلى انتخابات نيابية مبكرة ..؟ هل يشكل هذا حلا ..؟
ج4: رئيس الجمهورية التونسية لم يعرف سابقا بنشاطه السياسي و لا معارضته لخيارات الأنظمة المتعاقبة سواء لبورقيبة أو بن علي بل عرف بأنه أكاديمي مختص في القانون الدستوري و يتكلم باللغة العربية الفصحى و عرف بنظافة يده و ليس هناك شبهات فساد تحوم حوله و لا ينتمي للوبيات سياسية أو اقتصادية متنفذة و ساعدته عدة جهات للوصول إلى كرسي الحكم من بين العديد من المرشحين السياسيين و خاصة فئة الشباب لاعتقادهم انه منقذ البلاد رغم صلاحيات الرئيس المحدودة و جاء بتصور أخر للحكم مغاير لما جاء به دستور 2014 و هو أكثر ما يقال فيه انه خيار لا يعترف بالأحزاب السياسية كمنطلق أساسي للحكم و ما اختياره لرئيس حكومة مستقل باتجاه تكوين حكومة إدارية أو حكومة تكنوقراط هو تأكيدا لما يطرحه الملاحظون بأنه يريد ترذيل للأحزاب و إخراجها من دائرة الفعل السياسي باعتبار أن هذا النمشي أراد به فرض الأمر الواقع على الأحزاب إما القبول باختياره أو حل البرلمان من اجل التمهيد لتنفيذ مقاربته الذي أعلن عنها في أكثر من مناسبة ، رغم أن هذه الأحزاب لم تكن في مستوى اللحظة التاريخية لخدمة الشعب و الوطن …
س 5 : هل هناك أبعاد خارجية للصراع الداخلي ..؟ هل هناك تورط عربي أو دولي في هذا الصراع الساخن ..؟ هل يتكرر السيناريو المصري عام 2013 ؟؟
ج5: أكيد الإبعاد الخارجية موجودة بقوة في الساحة السياسية و هناك أطراف خارجية متدخلة و تناصر وتدعم بكل الإشكال هذا الطرف أو ذاك و هذا الدعم له دلالاته القوية في الصراعات بين الأحزاب السياسية و خاصة منها ذات المرجعية الإسلامية و المرجعية الدستورية في هذه الفترة و كل منهما يتهم الأخر بالولاء لهذا المحور أو ذاك و بدأ ظاهرا لكافة شرائح المجتمع التونسي رغم إني استبعد تكرار السيناريو المصري باعتبار أن الجيش التونسي أثبت حياديته و لم يتدخل في الشأن السياسي رغم الأزمات التي مرت بها البلاد و كانت مرشحة لان يستغلها الجيش و يستلم السلطة
س 6 : هل هناك تأثير سلبي للأزمة الليبية على تونس ؟؟ هل يتوسع نطاق القتال الدائر في ليبيا ليشمل تونس و المنطقة
ج6: بالتأكيد تونس تتأثر بالوضع الليبي سلبا و إيجابا لان ليبيا هي العمق الاستراتيجي لتونس و العكس بالعكس و التأثيرات عديدة مثلا على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي تأثرت تونس كثيرا بحكم اضطرار الأشقاء الليبيين إلى اللجوء إلى تونس بسبب الحروب الدائرة و القتل حتى وصل عددهم في تونس إلى مليونين وإما من الناحية السياسية بما أن المشهد الليبي منقسم بين حكومة يقودها الإخوان في طرابلس و بين أطراف مدنية تقودها حكومة الشرق فطبيعي أن تكون الأطراف السياسية في تونس منقسمة في تأييدها لهذه الأطراف من منطلق العقيدة السياسية لكل طرف ، أما عن إمكانية تطور القتال ليشمل تونس و المنطقة اعتقد أن هذا مرتبط بمدى تطور الوضع الليبي سلبا أو إيجابا و بطبيعة الحال إذا تغلبت المليشيات الإرهابية المدعومة من تركيا و حلفائها فقد يكون هناك تهديد جدي لتونس و المنطقة ونأمل أن لا يصل الوضع إلى هذا الحد …
س 7 : ما تقييمكم لأداء رئيس الجمهورية التونسية ..؟ هل هو طرف في الصراعات والتشنجات أم هو فوقها وبعيد عنها ؟؟
ج7: أداء رئيس الجمهورية باهت جدا في علاقاته الدولية و أيضا في علاقته بالداخل التونسي لأنه أصبح أحد أطراف الصراع و ليس عامل استقرار لكن من الناحية الأخرى قد يكون هذا الوضع تم فرضه عليه من أطراف و خاصة حركة النهضة حيث أرادت أن تضعه في الزاوية و أن تتوغل من اجل افتكاك صلاحياته على محدوديتها خاصة على المستوى الخارجي كما أن التشظي السياسي و الخلافات بين المكونات داخل البرلمان فرض عليه سلوك أظهره بمظهر المشارك الفاعل في هذا الصراع …
س 8 : ما هو تقييمكم الآن للعلاقات الدبلوماسية بين تركيا وتونس ؟؟
ج8: اعتقد أن العلاقات بين تركيا و تونس عادية و حاولت تركيا أن تجر النظام التونسي إلى موقفها من الملف الليبي و أن تجعل تونس مساندة لما تقوم به تركيا و هذا بدعم من حركة النهضة أساسا التي اظهر رئيسها دعمه العلني و انحيازه لحكومة الإخوان في طرابلس ، لكن الضغط الشعبي و ضغط بعض المكونات السياسية و المنظمات فرضت حياد تونس في هذا الملف رغم أن الرئيس التونسي في بداية محاولات التدخل التركي في ليبيا صرح بأنه مع الشرعية الدولية لكن عدل موقفه بعد ذلك بأن اردفها بان الشرعية في ليبيا انتهت و انه مع الشرعية الشعبية في إشارة منه إلى ضرورة إيجاد حلول جديدة و بديلة لحلحلة الوضع الليبي …
س 9 : الأزمات في تونس كثيرة حاليا ، وخاصة الاقتصادية ، والأمنية إضافة للسياسية .. هل تعتقد أن هذه الأزمات تؤشر لفشل ربيع تونس ..؟؟
ج9: الآن في تونس هناك صراع مرير بين قوى الثورة و قوى الثورة المضادة و باعتبار عدم تكافأ القوة بين الطرفين حيث بدأت قوى الثورة المضادة في تنفيذ أجندتها منها بداية تكميم الأفواه و سجن بعض النشطاء و المدونين ، استغلال فقر العديد من الفئات الشعبية لاستمالتهم إلى صفها بدعوى أن مناهضيها لا يريدون لتونس الاستقرار و عادة ما يتم تشويه المعارضين في هذا الاتجاه و لذلك فإن المؤشرات توحي بما ذهب إليه سؤالك و لكن هناك مقاومة شعبية لإفشال المخططات الرامية إلى العودة إلى المربع الصفر على الأقل في مجال الحريات الخاصة و العامة أما في ما يخص النواحي الاقتصادية و الاجتماعية فإن البلاد تشهد فشلا ذريعا بسبب الخيارات الخاطئة للحكومات المتعاقبة التي تعاملت مع بلادنا على أساس إنها كعكة يتقاسمها المتنفذون و تسببت في انهيار اقتصادي و تضرر المقدرة الشرائية للمواطنين قد لا تتعافى منها بلادنا إلا بعد مدة طويلة إذا توفرت حكومة تكون أولوياتها مصلحة البلاد و الشعب…
س 10 : هل قويت أم ضعفت الأحزاب والتيارات التي تتبنى القومية العربية في تونس بين طرفي الاستقطاب الإسلامي والليبرالي ..؟
ج10: أولا :ليس هناك شك بأن التيارات القومية تعبر عن وجدان و نبض الشارع التونسي كما هو العربي و لكن نظرا لضعف الأحزاب القومية و عدم انتشارها أفقيا بسبب القمع و التضييق في الماضي و التعتيم الإعلامي في الحاضر خاصة ضد البعثيين المتواجدين في تونس منذ سنة 1955و قلة الإمكانيات المادية إضافة إلى الخلافات التاريخية التي تشقها ( بعثيين – ناصريين )و كذلك التباين الحاصل في قراءة الواقع العربي بين الطرفين خصوصا في ما يتعلق بالأحداث التي تدور حاليا في المنطقة خاصة في ما يتعلق بالنظام الإيراني الصفوي و ما يقوم به من مخططات و أعمال معادية للعرب و كذلك بخصوص التعامل مع الأحزاب الطائفية التي تدعي المقاومة و هي في الواقع أبواق دعاية لولاية الفقيه حالت دون التقاء هذه العائلة للتنسيق و العمل المشترك في إطار حالة قومية لها نفس المبادئ و الأهداف ..
ثانيا : التصحر السياسي في تونس لمدة 60 سنة اثر على الوعي السياسي للمواطن التونسي الذي لا يميز بين الأحزاب العقائدية المبدئية التي لها أهداف واضحة تعمل على تحقيقها و يتعاملون بصدق مع المواطن و بين الأحزاب الإسلامية و الليبرالية التي تتوخى الكذب و الخداع و المتاجرة بالدين لاستمالة الرأي العام من أبناء الشعب التونسي و الذين سرعان ما يكتشفون زيف ادعاءاتهم و كذلك استمالة المواطنين من خلال شراء ذممهم بالأموال..
و في كل الأحوال فإن المستقبل للأحزاب القومية في تونس و ستشهد تطورا في انتشارها إذا دخلت للعمق الشعبي و أقنعت بتوجهاتها التي هي التي هي في وجدان كل مواطن العربي و تتماشى مع تطلعاته في تحقيق الوحدة و الحرية و العدالة الاجتماعية …
س 11 : لماذا ظهرت كتلة كبيرة من الشباب التونسي تتبنى فكرا دينيا متطرفا أكثر من غيرها رغم أن فيها هامشا واسعا نسبيا للحريات ..؟؟
ج11 :تاثر الشباب بالأفكار المتطرفة له عدة عوامل تربوية و اجتماعية و ثقافية و اقتصادية و سياسية
المسألة التربوية و الثقافية تنطلق أساسا من الأسرة ثم المدرسة ثم الشارع ، فإذا كان هناك انغلاق في الأسرة و غياب الحوار مع الشباب و لم يكن احتضان له في المدرسة من اجل تنويره و التوضيح له أن الإسلام دين تسامح و قيم حضارية و أن التطرف و التكفير و الاعتداءات التي لا تمت بصلة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف فسيجد ضالته خارج الأسرة و خارج المدرسة أي على مستوى الشارع ليجد المتربصون به فيحتضنوه لتطويعه لأفكارهم خاصة إذا كان وضعه الاجتماعي و الاقتصادي مترديا و مستواه الثقافي متواضعا و تلاحقه الخصاصة و الحرمان و الفقر فيصبح صيدا سهلا للتكفيريين فيتم غسل دماغه أولا حتى يسدّوا عليه كل أبواب الرجوع إلى وضعه الطبيعي و بذلك يتحول إلى أداة طيعة في أيديهم يفعلون به ما يشاءون و عليه لا بد من مقاربات تربوية و ثقافية و اجتماعية و سياسية و مجتمعية و معالجة المظالم الاقتصادية التي يعيشها الشاب واحتضانه لتجنيبه الوقوع في هذه المطيات التي تحول شخصيته إلى أداة مبرمجة تخضع لإرادة الآخرين و هذا ينطبق على شباب تونس كما على الشباب في أقطارنا العربية .
المصدر: المدار نت