أعلنت حركة النهضة التونسية المعارضة أنّ رئيسها راشد الغنوشي أوقف مساء الإثنين على أيدي وحدة أمنية دهمت منزله في العاصمة واقتادته إلى “جهة غير معلومة”.
وقال الحزب في بيان على صفحته في موقع فيسبوك إنّ “فرقة أمنية قامت مساء اليوم الإثنين بمداهمة منزل الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، واقتياده إلى جهة غير معلومة دون احترام لأبسط الإجراءات القانونية”.
وفي وقت لاحق، داهمت قوات الشرطة المقر الرئيسي للحركة بالعاصمة تونس وبدأت إخلاءه وتفتيشه اليوم الثلاثاء، بعد ساعات من إلقاء القبض على زعيم الحزب راشد الغنوشي.
وقال رياض الشعيبي القيادي بالحركة إن الشرطة أظهرت إذنا قضائيا وبدأت إخلاء المقر من كل من فيه.
واعتقلت الشرطة هذا العام شخصيات سياسية بارزة في تونس تعارض الرئيس قيس سعيد، بما في ذلك شخصيات كبيرة أخرى من حزب النهضة، وهو حزب إسلامي كان الأكبر في البرلمان الذي حله سعيد في عام 2021.
وقال القيادي بالحركة رفيق عبد السلام في تدوينة نشرها في صفحته على فيسبوك “دولة قطّاع الطرق الليلية تقتحم بيت رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان السابق) راشد الغنوشي، وتقتاده لثكنة العوينة”، وفق تعبيره.
وتابع: “كل الحريات والحقوق مضمونة في العهد الزقفوني السعيد” (يقصد الرئيس قيس سعيّد).
وحتى الساعة 18:00 توقيت غرينتش، لم يصدر تعليق من السلطات على توقيف الغنوشي.
وكان رياض الشعيبي، مستشار رئيس حركة النهضة، انتقد في وقت سابق أمس “الحملة الإعلامية” ضد الغنوشي بعد تحذيره من “حرب أهلية” في تونس، مؤكداً أن تصريحه أُخرج من سياقه.
وكان الغنوشي حذّر من أن إقصاء التيارات السياسية والفكرية كالإسلام السياسي واليسار قد يتسبب بحرب أهلية في البلاد.
وقال، خلال اجتماع لجبهة الخلاص الوطني، إن “استقبال الانقلاب في مهد الثورة بالورود من قبل عدد كبير من النخبة التونسية هو بمثابة فضيحة، ويفترض إدانة من فعل ذلك، فالانقلابات لا يُحتفى بها، بل تُرمى بالحجارة لأن الاستبداد هو من أشد المنكرات”.
وأشاد بالنجاح الذي حققته الجبهة في تجاوز “الإعاقة الفكرية والإيديولوجية في تونس، والتي تُؤسِس لحرب أهلية”.
وأوضح بقوله “إن تصوّر تونس بدون نهضة وبدون إسلام سياسي ويسار وبدون أي مكوّن من المكونات هو مشروع حرب أهلية. ولذلك الذين استقبلوا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، بل هم استئصاليون وإرهابيون ودُعاة لحرب أهلية”.
وأثار تصريح الغنوشي جدلاً واسعاً على مواقع التواصل حيث ذهب البعض لاتهامه بـ”التحريض” ضد الدولة والدعوة إلى الفوضى.
لكن الشعيبي تحدّث عن “محاولة لتوظيف كلام راشد بإطلاق حملة اعلامية تشوّش على القضايا الأساسية التي تواجه التونسيين من استبداد سياسي وانقلاب على مكاسبهم الاقتصادية والاجتماعية”.
وأوضح لـ”القدس العربي” بالقول “كلام الغنوشي كان واضحاً في الحديث عن أن الديمقراطية الانتقائية (أي التي تدمج قوى سياسية وتستثني أخرى) لا تستطيع أن تخلق استقراراً سياسياً واجتماعياً. وهذا الأمر يجعل السلم الأهلي معرضاً للتهديد وبالتالي استفحال مخاطر العنف السياسي والحرب الأهلية”.
وأضاف “أما وصف من يدعمون انقلاب قيس سعيد بالإرهابيين والاستئصاليين، فهذا أمر يكشف عنه منسوب العنف العالي في خطابهم ودعوتهم الصريحة للعنف ولتصفية قوى المجتمع المناهضة لتوجهاتهم. وكان من المفروض أن تتخذ الحكومة والنيابة العمومية إجراءات وملاحقة قضائية ضدهم بسبب ما يصدر عنهم باستمرار من تهديد ووعيد تجاه جميع الفرقاء السياسيين”.
“انتقام عشوائي”
وحركة النهضة تنتمي للائتلاف المعارض “جبهة الخلاص الوطني” التي تضمّ أحزاباً أخرى تعارض سعيّد وتعتبر ما يقوم به “انقلاباً على الثورة ودستور 2014”.
وقال أحمد نجيب الشابّي رئيس الجبهة إثر توقيف الغنوشي إنّ “ما يجري الآن مرحلة جديدة من الأزمة السياسية من خلال توقيف رئيس أهمّ حزب سياسي في البلاد والذي تمسّك بالعمل السلمي السياسي”.
وأضاف الشابّي “هذا يؤكد أنّه لا يوجد منطق سياسي في البلاد” وأنّ هناك “انتقاماً عشوائياً من المعارضين السياسيين” من قبل السلطة الحالية.
وفي تعليقه عن تصريحات الغنوشي الأحد، أكّد الشابّي أنّ ذلك “تعبير عن رأي سياسي ولا يمكن محاكمة الرأي”.
والغنوشي كان معارضاً شرساً للرئيس الراحل زين العابدين بن علي وقد عاد إلى تونس بعد سقوط نظامه إثر ثورة شعبية.
وقاد الغنوشي حركة النهضة في مختلف الفترات التي شارك فيها في الحكم في إطار سياسة توافق مع أحزاب أخرى.
ودعمت حركة النهضة سعيّد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2019 وفاز فيها بغالبية.
بدورها نشرت ابنة الغنوشي يسرى تغريدة على صفحتها في تويتر قالت فيها “كان بإمكان أمن سعيّد إيقاف والدي خلال الاستنطاقات العديدة التي حضرها خلال العام الماضي لتهم ملفّقة تثير السخرية، لكنّه اختار اعتقاله بعد مداهمة منزله بعد أذان المغرب في ليلة السابع والعشرين من رمضان”.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، مثُل الغنوشي أمام قاضي التحقيق المتخصّص بقضايا الإرهاب لاستجوابه في قضية تتعلّق بتهم “تسفير جهاديين” من تونس إلى سوريا والعراق.
واستُدعي الغنوشي أيضًا في 19 تموز/يوليو الفائت للتحقيق معه في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، في تهم نفاها حزب النهضة.
ومنذ بداية شباط/فبراير، أوقف ما لا يقلّ عن عشر شخصيات معظمهم من المعارضين المنتمين الى حزب النهضة وحلفائه، بالإضافة إلى نور الدين بوطار وهو مدير محطة إذاعية خاصة كبيرة ورجل أعمال نافذ.
ووصف الرئيس سعيّد الموقوفين بـ”الإرهابيين” واتّهمهم “بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
واعتبرت “منظمة العفو الدولية” الحقوقية غير الحكومية أنّ حملة الاعتقالات هذه هي “محاولة متعمّدة للتضييق على المعارضة ولا سيّما الانتقادات الموجّهة للرئيس” وحضّت سعيّد على “وقف هذه الحملة التي لها اعتبارات سياسية”.
ويسعى سعيّد إلى استكمال مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حدّ للنظام البرلماني الذي أُقرّ إثر ثورة 2011 التي أطاحت نظام بن علي ووضعت البلاد على طريق انتقال ديموقراطي فريد في المنطقة.
ومنذ 25 تمّوز/يوليو 2021 استأثر سعيّد بالسلطات وعدّل الدستور لإنشاء نظام رئاسي على حساب البرلمان الذي لم يعد يتمتّع بصلاحيات فعلية.
ومطلع 2023 نظّمت انتخابات برلمانية لم يشارك فيها نحو تسعين بالمئة من الناخبين، لانتخاب برلمان جديد محدود الصلاحيات.
المصدر: القدس العربي