في ظل التحولات الاستراتيجية.. سوريا أمام التزامات أمنية وتحديات إقليمية

أحمد العكلة

تشهد سوريا مرحلة انتقالية حاسمة تتسم بتحولات استراتيجية عميقة خصوصًا بعد لقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض.

وأكد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، في تصريحاته الأخيرة، أن دمشق ستساعد بنشاط في مواجهة وتفكيك بقايا تنظيم “داعش”. كما أشار إلى أن المرحلة التالية تشمل دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الهيكل الاقتصادي والدفاعي والمدني السوري الجديد.

هذه التصريحات تعكس استراتيجية أميركية متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة حول مكافحة الإرهاب بقيادة واشنطن ودعم عربي ودولي.

التزامات تجاه التحالف الدولي

أكد الصحفي السوري أحمد مظهر سعدو، في حديث لموقع “الترا سوريا”، أن الحكومة السورية ستلتزم بالكامل بالاتفاقيات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب كدولة رقم 90. يترتب على هذا الالتزام واجبات أساسية، أبرزها ملاحقة بقايا “داعش” في الساحة السورية.

وأشار سعدو إلى أن هيئة تحرير الشام، أثناء سيطرتها على إدلب، عملت على ملاحقة التنظيم في مناسبات عديدة، معتبرًا “داعش” تهديدًا حقيقيًا لاستقرار سوريا. وأن التصدي للتنظيم أمنيًا واستخباراتيًا، بالتعاون مع الإدارة الأميركية، أمر مُنجز سابقًا وسيستمر.

في السياق نفسه، يرى الباحث السياسي عبد الله الخير أن التزام سوريا بتفكيك شبكات الحرس الثوري ليس إعلانًا سياسيًا فحسب، بل تحولًا استراتيجيًا. مؤكدًا أنه كلما قويت الدولة السورية، أصبحت إيران مجبرة على التعامل مع سوريا كشريك متساوٍ لا كقاعدة عسكرية.

وأضاف الخير أن دمشق قادرة على بناء علاقات متوازنة مع إيران دون السماح بعودة نفوذ الحرس الثوري. هذه الالتزامات تكتسب أهمية إضافية مع الدعم الأميركي المتوقع.

وأعرب سعدو عن اعتقاده بأن الدعم الاستخباراتي والجوي من واشنطن سيكون فعالًا، مما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التهديدات.

تراجع النفوذ الإيراني

بعد سقوط نظام الأسد، انسحب الحرس الثوري الإيراني من سوريا إلى العراق، بالتزامن مع هروب ميليشيات “الحشد الشعبي” و”حزب الله”، كما أكد سعدو.

التحديات الأمنية الناتجة تتمثل في الدعم الإيراني لفلول النظام السابق، كما تظهر في عمليات متفرقة في الساحل السوري.

ومع ذلك، شدد سعدو على أن إيران تفتقر إلى القدرة على اختراق الدولة السورية أو خوض معارك كبرى، مفسرًا ذلك بميل السياسة الإيرانية نحو “التقوقع على الذات”، خاصة مع تهديد وجودها في العراق نفسه.

يرى الخير أن التزامن بين تصريحات واشنطن وتحذيرات بغداد من ضربة قاصمة ليس صدفة، بل استراتيجية أميركية متكاملة لتفكيك شبكات إيران الإقليمية. هذا يُضعف المحور داخليًا، يعزل طهران، ويُعيد تشكيل المنطقة، وتوقع الخير تراجع النفوذ الإيراني بنسبة 40% خلال السنوات القادمة.

على الحدود مع لبنان، يتمثل الخطر في تجارة “الكبتاغون”، لكن وزارة الداخلية السورية الجديدة تتابعها بفعالية، وينفي سعدو وجود مخاوف كبيرة.

أما على الحدود مع فلسطين المحتلة، فالإرهاب الأبرز هو التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة، وتوقع سعدو حلًا عبر اتفاق أمني برعاية أميركية.

يقرأ الجانب التركي تصريح براك حول دمج قسد من زاوية المصالح المشتركة مع واشنطن، خاصة بعد اصطفاف دولي أعقب وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كما أوضح الدكتور قتيبة فرحات، أستاذ في جامعة كارتكن والباحث في الشأن التركي. أميركا في عهد ترامب ستفعل ما يطلبه الأتراك للحفاظ على الحليف في المنطقة.

وأكد فرحات في حديث لموقع “الترا سوريا” أن أنقرة لن تسمح بعودة النفوذ الإيراني مهما كلف الأمر، خاصة بعد سقوط نظام الأسد الذي ناصب العداء لتركيا طيلة سنوات الثورة.

ضبط الحدود والتنسيق الأمني والعسكري بين أنقرة ودمشق كفيل بمنع تقدم الميليشيات الإيرانية من دول الجوار، حسب فرحات. هذا التنسيق يعزز الاستقرار، خاصة مع دمج قسد في الهيكل السوري الجديد، مما يقلل من التوترات الكردية-التركية ويفتح أبواب التعاون الاقتصادي.

بدوره، شدد الخير على أن التعاون الأميركي ــ السوري فتح الباب لشراكات اقتصادية ضخمة مع دول الخليج. لقاء الشرع وترامب، رفع العقوبات، وقمة الرياض إشارات واضحة. السعودية تخصص 10 مليارات دولار لإعادة الإعمار، وقطر وتركيا تخصصان 5 مليارات للبنية التحتية. يجب استغلال ذلك عبر مناطق اقتصادية حرة في دمشق وحلب، شراكات نفطية مع أرامكو، وتحويل موانئ طرطوس واللاذقية إلى مراكز تجارية إقليمية. هذه استثمارات تحقق نموًا بنسبة 5-7% سنويًا، بشرط ضمانات أمنية متبادلة. سوريا الجديدة ليست في مرحلة إعادة بناء فقط، بل إعادة تعريف دورها الإقليمي، كما اختتم الخير حديثه.

ورغم التحديات المتبقية مثل فلول “داعش” والتوغلات الإسرائيلية، فإن الدعم الأميركي والاستثمارات الخليجية تمهد لنمو اقتصادي وأمني. سوريا الجديدة الملتزمة بالسيادة، قادرة على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، محولة الدمار إلى فرصة ازدهار. هذا التحول يتطلب استمرار التنسيق الدولي والإقليمي لضمان عدم عودة التهديدات القديمة.

المصدر: ألترا سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى