في مصر: الاتفاق على نهاية السياسة

شادي لويس

من دون أن يجذب الأمر الكثير من الانتباه، انطلقت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر، لتحدد تشكيلة مجلس نواب ولاية السيسي الأخيرة، حسب الدستور. وتعود أهمية هذا الانتخابات إلى أن البرلمان الذي ستشكله سيقع عليه على الأرجح عبء تغيير الدستور ليسمح بتمديد الفترات الرئاسية. وعلى غرار انتخابات مجلس الشيوخ التي اكتملت في أغسطس الماضي، تخضع الانتخابات الحالية لهندسة مسبقة بحسب نظام ثنائي. نصف المقاعد المخصصة للقائمة المطلقة المغلقة يتم تقاسمها بالتراضي بين أحزاب الموالاة، وعلى رأسها حزبي “مستقبل وطن” و”حماة الوطن” وبعض من الأحزاب المحسوبة على المعارضة، حيث تخوض الانتخابات بقائمة موحدة تضم هذه الأحزاب كلها، من دون أن تواجه تلك القائمة أي منافسة، بعد أن استبعدت كل القوائم الأخرى.
بهذا، يشبه الفوز بمقعد القائمة نظام التعيين المباشر بحسب محاصصة تحددها الأجهزة الأمنية، وتتم خلف الأبواب المغلقة. أما نصف المقاعد الآخر والمخصص للمقاعد الفردية، فيخضع للمنافسة بين مرشحي أحزاب الموالاة والمتمردين عليها، أي من لم ينجحوا في الحصول على بطاقة الترشح باسم أحدها، وقرروا خوض الانتخابات بوصفهم مستقلين. في تلك المنافسة، تفوز الموالاة دائماً أو أحد مستقليها.

يولّد نظام النظام الانتخابي المختلط بين مقاعد القائمة والفردي آلية متعددة المستويات، لتشبيك الولاءات والعلاقة الزبائنية مع السلطة. على المستوى الأعلى، لا يحتكر حزب واحد تمثيل النظام الحاكم، بل ولا تستأثر حتى أحزاب الموالاة بهذا الحق، توزع الترضيات السيادية من أعلى على طيف واسع من الأحزاب، ويضم أحزاباً عريقة كانت محسوبة على المعارضة، يمينها ويسارها، مثل حزبي الوفد والتجمع. على خلاف نظام الحزب الواحد، الذي سقط بسقوط مبارك، تضمن المعادلة الحالية تأكيد تسامي السلطة عن الحزبي، بل وعن السياسي إجمالاً. فمسوغات نظام الحكم وشرعيته لا تقع في المجال السياسي على الإطلاق. أما دائرة الحزبي، فليست سوى بورصة للمضاربة على المقاعد البرلمانية والاقتراب من مدارات النفوذ.
على المستوى الأدنى، ليست مقاعد الفردي امتيازات خالصة مثل مقاعد القائمة، بل تدخل في حساباتها عوامل الاستحقاق. تحدد المنافسة بين الموالاة ومستقلي الموالاة من الأقدر على حشد الأصوات وتوزيع الرشاوى الانتخابية على المقترعين، ثم اختيار الأجدر على الالتحاق بالقلب الصلب للموالاة، من بين أصحاب النفوذ وأبناء العائلات الكبرى ورجال الأعمال. بهذا قد تكون صفة المستقل هي البوابة الخلفية للتمسح بأعتاب السلطة. فلا أحد خارج شبكتها. الجميع، موالاة ومعارضة ومستقلين، مجرد تنويعات على لون واحد.

وبينما تجري الانتخابات، يعلن عدد من الشخصيات العامة والسياسيون المعارضون والأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان عن تأسيس “لجنة الدفاع عن سجناء الرأي”، وذلك للعمل بشكل جماعي من أجل التصدي لقضية ألوف من السجناء السياسيين والمختفين قسرياً. يعبر البيان التأسيسي عن يأس الموقعين من مسار الحوار الوطني الذي أطلقته السلطة قبل أعوام ومعه لجان العفو وقوائمها الاعتباطية.
تشكيل اللجنة الذي يضم سبعة أحزاب معارضة ووجوه سياسية معروفة من بينها المرشحان الرئاسيان السابقان حمدين صباحي وأحمد الطنطاوي، بالإضافة إلى ليلى سويف وحسام بهجت وكمال أبو عيطة وماهينور المصري، يمنحها صفة تمثيل قطاع واسع من المعارضة بصورتها الحزبية والحقوقية والفردية. أما توقيت الإعلان ومضمونه فيجعل منه أعترافاً ضمنياً وواقعياً ومتأخراً جداً عن نهاية السياسة في مصر. فبدلاً من انشغال المعارضة وأحزابها بالانتخابات التشريعية الجارية، ينصب اهتمامها على قضية السجناء، وهي قضية حقوقية بالمعنى التقني الضيق للكلمة. هكذا، بعيداً عن المنافسة الحزبية الصورية، تقتصر طموحات الأصوات القليلة والمنهكة للمعارضة اليوم على الحد الأدنى من المطالب، تحت السياسية.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى