ما بعد مَغربة الصحراء

عائشة بلحاج

يُثير قرار الأمم المتحدة التاريخي أنّ الحكم الذاتي هو الحل الأمثل لمشكلة الصّحراء المغربية، أسئلة كثيرة، لأنّ الاحتفاء الكبير به، وهو ليس بالضرورة أمراً سلبياً، يُخفي صورةً ضبابيةً عن واقع شائك. إذ عرف ملف الصّحراء كثيراً من الارتجال الذي أضرّ بالقضية أكثر من غيره. فخلال الفترة الأولى له على طاولات الترافع الدولي، خلّفت بعض الخطوات الدبلوماسية الخاطئة أثراً ورقياً كان يمكن تجنّبه في قرارات مؤسّسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما قوّى ملفّ جبهة بوليساريو، ومكّنها من مراكمة وثائق قانونية صعّبت حسم الموضوع لمصلحة المغرب طوال الفترة الماضية. لذا لم تكن الجزائر العائق الوحيد أمام القضية، رغم أن لها دوراً كبيراً في ذلك، فلا يمكن لحركة مسلّحة أن تستمرّ من دون دعمٍ دولي، كما لا يمكن للجبهة أن تشنّ هجمات مسلّحة على الحدود، لولا توفّر مركز عسكري مجاور. وكان يمكن أن تتلاشى الحركة، لولا الجزائر، إلى أن تصبح مجموعةً قليلةً من الساخطين على الدولة.
لكنّها مسألة معروفة ولا تحتاج توضيحاً أو تلميحاً، إنما الجزء غير المعروف في القضية هو المتعلّق بالهفوات الدبلوماسية المغربية، فإذا ذهب الجميع إلى الثناء على جهود الدبلوماسية الحالية، فمن الواجب الإشارة إلى إخفاقات سابقة، وإلى الثقة العمياء التي تصرّفت بها هذه الدبلوماسية خلال العقود التالية لاسترجاع بقية الأقاليم الصحراوية بين عامي 1975 و1979، لأن الحيازة الفعلية للأقاليم دفعت إلى إغفال الترافع في الجانب القانوني أمام المؤسّسات الدولية، ما يستوجب الآن الحذر من الانتشاء الأعمى بالانتصار الأممي للمقترح المغربي، فالقرار يقتضي تنفيذ الحكم الذاتي بكامل شروطه، بإعداد خطةٍ جدّية ومسارٍ يستجيب لمقوماته.
تصحيح الأمم المتحدة موقفها تجاه وضعية الأقاليم يضع الدولة المغربية أمام واجباتها المتضمّنة في نصّ القرار الأممي، ومنها الإفراج عن المعتقلين الموقوفين على خلفية الصراع. فكيف تُفرج الدولة عن معتقلي الصحراء وتُبقي معتقلي حراك الريف ومعتقلي الرأي الآخرين؟ بل كيف تفعل وهي تدسّ من جديد شباباً في المعتقلات خلال حراك جيل زد عقاباً لهم على احتجاجهم؟
كيف ينفّذ الحكم الذاتي الذي يتطلّب قدراً كبيراً من احترام الحريات والديمقراطية، في ظلّ التضييق على الحرّيات العامة وتفريغ الساحة السياسية من شخصيات أو مؤسّسات قادرة على تقديم مشاريع سياسية محترمة، في إطار حكم مركزي أو ذاتي؟
لذا العودة إلى الأخطاء الماضية، ليس الهدف منها الاختلاف من أجل الاختلاف، بل التذكير بكُلفة الأخطاء داخلياً وخارجياً. وبأنّ تحدي الصحراء لم ينته بالقرار الأممي، لكن الطريق طويل. وأن من بين أصعب ما يواجه الدولة من تحدّيات هو إقناع فئات من أهل المنطقة بالحكم الذاتي، في غياب الهاجس الديمقراطي الذي لا يمكن لأيّ حكم ذاتي أن ينشأ من دونه، ومن دون أن تُتاح للناس فرصة انتخاب من يريدون، وذلك لن يتحقّق من دون حرية رأي، ومن دون حقّ انتقاد الدولة وقراراتها، من دون مواجهة تهم التّخوين أو الزّج في السجون، والسماح لجميع الفئات ولكلّ الخطابات، حتى غير المتناغمة مع الحكم الذاتي، بالتعبير بكل حرية، فأقلّ حقّ في أيّ وطن هو الرأي، وإذا لم يملك الإنسان ذلك، فأيّ وطن هو؟
مغربة الصحراء دولياً بقرار الأمم المتحدة تعني إعادة النظر في إدارة كل جهات البلاد، لتكون الصحراء حقّاً جزءاً من البلاد. فالحكم الذاتي يتطلّب حكماً ديمقراطياً، وبيئةً سياسيةً صالحةً للعيش، وسجوناً خالية من أصحاب الرأي، وإرادةً سياسيةً في التغيير. غير ذلك، سيبقى الحكم الذاتي محطةً صعبةً قد تفشل، ما قد يعيد الصراع إلى أوله، وهو ما لا يريده المغاربة شعباً ودولة.
الإنجاز الخارجي عليه أن يُرافَق بإنجاز داخلي، وبأداء المؤسّسات لأدوارها، وبمحاربة الفساد، وبإطلاق سراح الحريات… وبتعديل دستوري ينظّم الحكم الذاتي مؤسّساتياً. هي أمور لا تتحقق في فترة “الإمساك الديمقراطي” الحالي التي تلت فترةَ انفراجٍ خفيفة.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى