
في تطور يضع سوريا وإسرائيل أمام لحظة سياسية غير مسبوقة منذ نصف قرن، يستضيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، في محاولة لانتزاع توقيع اتفاق أمني بين الجانبين، يشمل إنشاء قاعدة جوية أميركية قرب دمشق لمراقبة تنفيذ التفاهمات، وفق مصادر دبلوماسية إسرائيلية.
ويرى الشرع في هذه الخطوة بوابة لاستعادة الشرعية الدولية ورفع العزلة عن بلاده، في مقابل حسابات أمنية إسرائيلية معقدة تخشى عودة تهديدات ما بعد الحرب السورية.
اتفاق على طريقة “غزة”
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لموقع “المونيتور”: “سيُذكّر هذا الاتفاق باتفاق ترامب بين إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب في غزة”. وأضاف: “لا تزال هناك عقبات كثيرة، ولم يُبدِ أي من الطرفين وداً للآخر، ولكن على الأقل سيكون هناك توقيع.”
وتستند المقارنة إلى النموذج الذي اعتمده ترامب في غزة لإنهاء الحرب، عبر تفاهمات أمنية تشرف عليها قوة دولية بقيادة أميركية. ويحاول ترامب اليوم استنساخ الآلية ذاتها بين سوريا وإسرائيل، ولكن عبر وجود رقابي أميركي داخل الأراضي السورية، يتولّى متابعة تنفيذ الاتفاق على الأرض.
قاعدة أميركية جنوب دمشق
وحسب وكالة “رويترز”، تستعد القيادة المركزية للجيش الأميركي “CENTCOM” لإقامة قاعدة جوية جنوب دمشق “لدعم جهود حكومة الشرع في فرض سيطرتها على البلاد”. وترجح مصادر مطلعة أن تشرف القاعدة أيضاً على ترتيبات نزع السلاح بين دمشق والحدود الإسرائيلية، وإنشاء منطقة شبه مستقلة للأقلية الدرزية المتاخمة للجولان، وتأمين مرور حر بينها وبين العاصمة.
ورغم عدم إعلان واشنطن رسمياً نيتها نشر قوات لمراقبة اتفاق سوري–إسرائيلي، فإن هذا الانتشار سيكون ثالث وجود عسكري أميركي من نوعه في المنطقة خلال عام واحد، بعد مركز المراقبة الأميركي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس” في غزة، والقوات الأميركية جنوب لبنان لمراقبة وقف النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وقال مصدر أمني إسرائيلي كبير لـ”المونيتور”: “إن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الذي كان من المفترض أن يتراجع ويختفي، وفقاً لسياسة ترامب الأصلية، يتزايد في الواقع.”
انسحاب إسرائيلي مقابل نفوذ أميركي
ومنذ إطاحة الشرع بنظام بشار الأسد، سيطرت إسرائيل على أراضٍ سورية استراتيجية، بينها المنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاق فك الاشتباك عام 1974 وجبل الشيخ، تحت ذرائع “مخاوف إسرائيلية من خلفية الشرع الإسلامية”، حسب ما أفادت به مصادر سياسية إسرائيلية لـ”المونيتور”. وتشير المصادر إلى أن الجانبين يناقشان حالياً انسحاباً إسرائيلياً جزئياً من بعض هذه المواقع، على أن يتم استبدال القوات الإسرائيلية بوجود عسكري أميركي.
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع: “قد يجد الشرع صعوبة في تقبّل هذا، لكنه في المقابل يحصل على دعم أميركي قوي، وشرعية دولية، ورفع جميع العقوبات عن بلاده، ومليارات من السعودية لإعادة إعمار سوريا… يحصل على السلطة في البلاد على طبق من فضة.”
اتفاقيات إبراهام… لاحقاً؟
ورغم الدفع الأميركي، لا يزال انضمام سوريا إلى “اتفاقيات إبراهام” غير محسوم. وقال المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي إن الشرع قد يُصدر إعلاناً مبهماً في البيت الأبيض: “قد يكون الشرع مستعداً لإصدار إعلان مبهم في البيت الأبيض بشأن الانضمام لاتفاقيات أبراهام مستقبلاً، إرضاءً لترامب”. غير أن السلام الرسمي بين سوريا وإسرائيل لا يزال بعيداً، في ظل غياب أي إشارة إلى استعداد دمشق للتخلي عن مطلبها باستعادة الجولان المحتل منذ عام 1967، والذي ضمّته إسرائيل عام 1981 من طرف واحد.
قلق إسرائيلي من تراجع حرية العمل
ويتزايد القلق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشأن تنامي الوجود العسكري الأميركي في إسرائيل ولبنان وسوريا، خوفاً من أن يحد ذلك من قدرة تل أبيب على اتخاذ قرارات عسكرية أحادية داخل المنطقة.
وقال المصدر العسكري الإسرائيلي: “إن وجود قاعدة عسكرية أميركية هنا في إسرائيل سيكون ممتازاً لنا. لكن يجب ألا ننسى أننا نفقد احتكارنا الدائم للقرارات المتعلقة بأمننا ومصيرنا”. وأضاف المصدر أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ من تنامي النفوذ الإقليمي الذي قد يمنحه ترامب لتركيا، بما يعزز حضورها في شمال سوريا، ويؤثر على ترتيبات ما بعد غزة، وسط توتر العلاقات الثنائية منذ حرب غزة وسحب السفراء وتبادل الاتهامات بين تل أبيب وأنقرة.
مسودات دون تفاصيل
ويكشف تقرير “المونيتور” نهج إدارة ترامب في الدفع نحو سلسلة اتفاقات سريعة وغير مفصّلة. وقال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى: “ما نراه هنا “في غزة وسوريا” هو جهد هائل لإبرام اتفاقيات أولية تذكرنا إلى حد ما بمسودات مذكرات التفاهم، أي دون الخوض في التفاصيل، ودون صياغة اتفاقية شاملة وطويلة الأمد. مجرد توقيع النص والمضي قدماً.”
وأضاف: “الإدارة تستخدم أدوات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية كبيرة لتحقيق أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات في أقل وقت ممكن. السؤال هو ما إذا كان كل هذا يمكن أن ينهار في مرحلة ما، أو ما إذا كان في الواقع وسيلة بارعة لتجاوز العقبات والوصول إلى الأهداف، أو على الأقل الاقتراب منها.”
المصدر: المدن





