“شحنات معلقة”.. سوريون في مصر بانتظار أغراضهم منذ أكثر من أربعة أشهر

لم يكن خيار شحن الأغراض من مصر إلى سوريا خطوة لوجستية عادية بالنسبة لكثير من السوريين، بل خطوة محملة بالرهان على بداية جديدة.
فبعد سنوات من اللجوء والعمل، وبعد سقوط النظام، قررت عائلات سورية إرسال أثاث منازلها وأغراضها الشخصية إلى الداخل السوري، مستعينة بشركات شحن سورية تعمل في مصر، وتقدم نفسها “كحل آمن وأسرع وأقرب للناس”.
لكن ما بدأ كخيار عملي، تحول إلى أزمة مفتوحة، عنوانها: انتظار تجاوز أربعة أشهر، من دون وصول الشحنات، ومن دون إجابات مقنعة.
دفعنا كامل المبلغ.. ثم اختفى كل شيء
يقول محمد معروف، وهو رب أسرة سوري مقيم في مصر، إنه شحن أثاث منزله وأجهزة كهربائية في أواخر الصيف الماضي، بعد أن قرر العودة إلى سوريا.
يضيف: “قالوا لنا إن الشحنة ستصل خلال شهر ونصف كحد أقصى، دفعنا المبلغ بالكامل، وأعطونا إيصالاً، وبعد شهرين بدأنا نسأل، فكانت الإجابة دائماً: قريباً”.
يقول محمد: “مرة يقولون في الميناء، ومرة يقولون في الطريق، ومرة لا يردون أصلاً، نحن الآن في سوريا ونعيش من دون أغراض، ولا نملك المال لنشتري أي شيء جديد”.
لا تقتصر الشحنات المتأخرة على الأثاث فقط، بل تشمل ملابس، وكتباً جامعية، وأدوات عمل، وأحياناً وثائق شخصية، بالنسبة للكثيرين، هذه الأغراض ليست بدائل يمكن تعويضها بسهولة.
تقول هناء العلي، سورية وأم لثلاثة أطفال: “شحنت ملابس أولادي الشتوية وألعابهم وأثاث المنزل، قلت لن أشتري من جديد، التأخير أجبرني على الاستدانة لتأمين الاحتياجات الأساسية، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة داخل سوريا”.
تضارب التبريرات.. ولا إجابة مقنعة
عند التواصل مع شركات الشحن، يحصل الزبائن على تفسيرات متناقضة، مرة يتم الحديث عن تعقيدات جمركية داخل سوريا، ومرة عن مشكلات داخل مصر، وأحياناً عن انتظار تجميع الشحنات لتقليل الكلفة.
لكن اللافت أن هذه الأسباب لم تكن مطروحة بوضوح عند توقيع العقود أو دفع المبالغ، كما لم يتم تحديد سقف زمني واضح للتسليم، ما يضع الزبائن في حالة ضبابية قانونية، من دون معرفة إن كان من حقهم المطالبة بتعويض أو استرداد أموالهم.
يشير مختصون قانونيون إلى أن معظم شركات الشحن العاملة في هذا المجال تعتمد على عقود غير مفصلة، أو إيصالات عامة لا تتضمن تاريخ تسليم ملزماً، أو شروط تعويض واضحة في حال التأخير أو الفقدان.
هذا الواقع يجعل المتضررين في موقف ضعيف، خصوصاً أن بعض الشركات مسجلة خارج مصر، أو في مصر، بينما الزبائن في سوريا ولا يستطيعون العودة، ما يصعب تقديم شكاوى رسمية أو تتبع المسار القانوني للشحنة.
خسائر نفسية ومادية
لا تقتصر الأضرار على الجانب المادي فقط، بل تمتد إلى الجانب النفسي، فالكثير من السوريين يعتبرون هذه الأغراض ذاكرة لسنوات من الغربة، أو ثمرة تعب طويل، أو تجهيزاً لبداية جديدة في بلد لم يتعاف بعد.
تقول سلمى الحلبي سورية شحنت جهاز غسيل وثلاجة وأثاثاً بسيطاً: “كنت أعتمد على وصول الأغراض لأستقر قليلاً، الآن أدفع الإيجار وأستدين لأشتري أثاثيات، أنا تحملت فوق طاقتي لأدفع تكاليف الشحن”.
في حالات أخرى، تحدث متضررون عن تلف محتمل للأغراض بسبب التخزين الطويل، أو القلق من ضياع الشحنات كلياً من دون أي إثبات رسمي.
ومع تزايد الشكاوى على مجموعات السوريين في مصر ووسائل التواصل الاجتماعي، يتضح أن المشكلة ليست حالات فردية، بل ظاهرة آخذة بالاتساع.
منشورات متكررة تحذر من أسماء شركات بعينها، وأخرى تطالب بتدخل جماعي أو رفع شكاوى مشتركة.
لكن حتى الآن، لم يصدر أي بيان توضيحي شامل من شركات الشحن، ولا توضيح رسمي يشرح أسباب التأخير وآجال الحل، ما يعمق فقدان الثقة ويزيد من حالة الاحتقان.

بين الحاجة والابتزاز غير المعلن
يرى بعض السوريين أن بعض الشركات تستغل حاجة السوريين، واندفاعهم لشحن أغراضهم بسرعة، في ظل غياب بدائل حقيقية، لتفرض واقع غير عادل: تأخير طويل، وغياب الشفافية، وانعدام المسؤولية.
ويؤكد آخرون أن المشكلة لا تكمن فقط في الظروف اللوجستية، بل في سوء الإدارة والتسويق المضلل، حيث يتم الإعلان عن مواعيد تسليم غير واقعية لجذب الزبائن.
يقول رشيد عبد الهادي، سوري شحن أغراضه عبر إحدى الشركات: “أوهمتنا الشركة بأن أغراضنا ستصل بسرعة، حتى أننا أجلنا سفرنا فترة كي لا ننتظر كثيراً، وعندما عدنا وجدنا أننا على الأرض، اشترينا بعض الأغراض والشتاء والبرد شديد، وما زلنا ننتظر”.
بين مصر وسوريا، تقف شحنات معلقة، كما يقف أصحابها في حالة انتظار مفتوح، لا يعرفون إن كانت أغراضهم ستصل، أم ستظل حبيسة المستودعات والوعود المؤجلة.
وفي ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحاً: من يحمي السوريين من استغلال حاجتهم، ومن يحاسب شركات الشحن على وعود لم تتحقق؟

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى