
تعكس حالة الانكار للمثقفين الدروز الموالين للهجري لما جاء في تقرير ” الواشنطن بوست ” حول العلاقة المالية والعسكرية والسياسية للهجري وما يسمى بالمجلس العسكري الذي تحول للحرس الوطني، أقول تعكس صفة سلبية ملازمة للعقل العربي وهي إنكار ما لا نحب الاعتراف به والتحايل على الحقائق، فحين تنشر جريدة غربية تقريرا مفيدا لتيار سياسي يصبح ذلك التقرير صادقا ومرجعية , أما حين تنشر تقريرا ليس من صالحه يصبح تقريرا كاذبا وبعيدا عن الموضوعية بل ومدفوع الثمن .
هناك جهل أو تجاهل لحقيقة وجود هامش واسع من حرية الصحافة في الغرب يصل لدرجة الاصطدام مع السلطة السياسية هذا يبدو غير مألوف بالنسبة لنا , أيضا مهما كانت الغاية من نشر تقرير صحفي في الجرائد الكبرى مثل الواشنطن بوست أو التايمز البريطانية فهو يخضع لمعايير مهنية صارمة ولا بد أن يستند إلى مراجع كافية وموثوقة , وليس مجرد ادعاءات أو التقاط خبر بدون تدقيقه والتأكد منه .
فوكالة رويتر مثلا لاتنشر أي خبر بدون مقاطعته من عدة مصادر ذات مصداقية , وفي حالة تقرير الواشنطن بوست حول السويداء وتيار الهجري وعلاقاته باسرائيل وقسد فقد ذكرت الجريدة أن ضباطا اسرائيليين وكوادر من قسد قدموا لها المعلومات التي استندت إليها , وطالما أن ضباطا اسرائيليين كانوا ضمن مصادر الأخبار الخطيرة التي ذكرتها عن علاقة سياسية – عسكرية – مالية بين تيار الهجري واسرائيل حتى قبل سقوط النظام البائد , وعن رواتب تدفع لمايسمى بالحرس الوطني من قبل اسرائيل وعن أسلحة وذخائر جرى البدء بإنزالها في السويداء لصالح ذلك التيار بعد أيام من سقوط النظام فذلك يسقط تماما الادعاءات بأن تدخل الجيش السوري في السويداء هو سبب التوجه لاسرائيل لانقاذ الدروز من إبادة مزعومة , ولا نية هنا لانكار المجازر التي حصلت ضد المدنيين الأبرياء لكن لتثبيت حقيقة أن الأمر بعيد عن أن يكون رد فعل وليس مشروعا لتقسيم سورية موضوعا مسبقا من قبل اسرائيل ولايمكن تفسير كل ماجرى في السويداء بدون تلك الحقيقة التي أصبحت مكشوفة تماما .
على الغالب فإن تسريب تلك المعلومات الخطيرة من قبل ضباط اسرائيليين يعني أن اسرائيل ليست راضية عن طروحات الهجري المتطرفة والتي ذهبت بعيدا في التنكر للسوريين وللعالمين العربي والاسلامي ضمن إدراك بأن مثل ذلك التوجه هو توجه انتحاري يورط اسرائيل وأنه يفتقر للحد الأدنى من العقلانية وهذا ما حاول موفق طريف لفت نظر الهجري له بدون جدوى . بالتالي جاء تسريب المعلومات من قبل الضباط الاسرائيليين وبعلم وموافقة الادارة العسكرية والسياسية بالتأكيد تعبيرا عن ضيق اسرائيل بخط الهجري وعناده الذي لايمكن تبريره .
يمكن لإسرائيل بسهولة نفي المعلومات التي وردت في التقرير والتنصل منها , لكنها لم تفعل ذلك , وهذا يؤكد أن ذلك التسريب جرى عن قصد وليس بصورة عفوية , وحتى لو تنصلت اسرائيل رسميا من تلك المعلومات فمجرد السماح بتمريرها للواشنطن بوست يعني الشيء الكثير .
لايمكن لأي كان الطعن في صحة ماجاء في الواشنطن بوست عن علاقة تيار الهجري مع اسرائيل لسبب بسيط هو أن ضباطا اسرائيليين هم من نقلوا تلك المعلومات للواشنطن بوست وليس أي مصدر آخر .


