
تصرّ الولايات المتحدة، ولو نظرياً، وتحت عنوان “وعد” قطعه الرئيس ترامب للعرب بـ”تطبيق قرار وقف النار في غزّة ومنع ضمّ الضفة الغربية”، على أن تراقب من الجو سلامة التنفيذ ومدى التزام الطرفَين. ورغم اتهامات نتنياهو حركة حماس بخرق وقف النار، قال الرئيس الأميركي: “أعتقد أن قيادة حماس ربما لم تكن متورّطة في خرق الاتفاق”، و”أدرس قراراً يتعلّق بإطلاق سراح مروان البرغوثي. يقال إنه الوحيد القادر على جمع الفلسطينيين تحت قيادته”. يقولها علناً: “نحن من يقرّر”، فيردّ إيتمار بن غفير: “لن نطلق سراح البرغوثي. ترامب لا يعرف من هو، من المفيد أن يشرحوا له من يكون، وإسرائيل دولة ذات سيادة”.
أكدت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل ملزمة بالسماح بجهود الإغاثة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
أمّا بتسلئيل سموتريتش فيهاجم السعودية ويقول: “يريدون التطبيع مقابل دولة فلسطينية، فليواصلوا ركوب الجمال في الصحراء. إذا قالت لنا السعودية تطبيع مقابل دولة فلسطينية فجوابنا: لا. شكراً”، ثمّ أبدى أسفه معلناً أن التصريح لم يكن موفّقاً، ولكنّه أكّد “أتوقع من السعوديين ألا يسيئوا إلينا ولا يتنكّروا للحقوق التاريخية للشعب اليهودي في يهودا والسامرة”. يعني أنه أكّد الالتزام بالأهداف والغايات الإسرائيلية الاستراتيجية، والأسف الذي أبداه هو لتمرير الوقت، فأجاب ترامب: “إسرائيل ستفقد كل دعمنا إذا أقدمت على ضمّ الضفة”، فردّ بن غفير بزيارة الضفة والوقوف قبالة منازل فيها قائلاً: “نحن أصحاب المنازل. هذا منزل سيكون لي. تذكّروا كلامي. كل منزل هنا ملك لنا”. يعني أيضاً تأكيد المؤكّد في نهجه وقناعاته وشراكته مع سموتريتش. فماذا ردّ حزب نتنياهو (ليكود)؟… “نعزّز الاستيطان في الضفة بالفعل وليس بقوانين استعراضية (قانون الكنيست بفرض السيادة)”. إذاً الخلاف قائم حول: هل نضمّ الضفة كاملةً الآن وفق قرار الكنيست ونلحق ضرراً بالعلاقة مع ترامب، أم نستمرّ في عملية القضم والخطوة الخطوة لتمرير المرحلة والانتخابات التي قُدّمت إلى مايو/ أيار المقبل بدلاً من أكتوبر/ تشرين الثاني من العام 2026؟ أي الاتفاق على الهدف قائم ولا مزايدات في هذا الاتجاه.
إدارة معركة الضمّ هي موضوع خلاف. ترامب يريد تخليص نتنياهو من المحاكمة واستصدار قرار عفو من الرئيس الإسرائيلي، ويسعى إلى ترتيبات “إبراهيمية” مع السعودية تخدم نتنياهو وإسرائيل، ويريد استكمال خطوات الاتفاق في غزّة لتحقيق ذلك. في هذا الاتجاه، كان نتنياهو تاريخياً يرفض أيَّ وجود غير إسرائيلي في أيّ منطقة، مكرّراً: “لا يحمي أمن إسرائيل إلا الجيش الإسرائيلي”، واليوم يقبل بوجود أميركي، مصري، إماراتي، إندونيسي، وربّما سعودي، لتمرير “الإبراهيمية” الجديدة، غير أنه لا يقبل الوجود التركي. تركيا الدولة التي لا تزال قويةً ولها دور في غزّة، ولها في سورية عمق استراتيجي، وعلاقتها جيّدة بترامب، لكنّ نتنياهو يريد تقليص طموحات تركيا ودورها.
ليس ثمّة شيء ثابت، ولم ينته تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق غزّة، وإسرائيل قتلت أكثر من 50 فلسطينياً، ولا تزال تمنع دخول المساعدات إلى القطاع. والمرحلة الثانية الأكثر تعقيداً، ولن تحيد إسرائيل عن أهدافها وأبعادها. والمسألة مسألة وقت، وهي لا تزال تواجه تحدّيات سياسية وقانونية وشعبية في الخارج، وحتى في الداخل الأميركي، حيث ترتفع الأصوات ضدّ “النازية الإسرائيلية” و”الإبادة الجماعية الإسرائيلية”، وتنهال الإدانات ضدّ إسرائيل من جهات يهودية وأميركية متنوّعة، وهذا يقلق إدارة ترامب أيضاً. إذن، هم بحاجة إلى وقت لاستيعاب هذه المرحلة والانتقال إلى مرحلة جديدة تستعيد فيها إسرائيل مكانتها، وتتحرّر من أحكام المحكمة الجنائية الدولية التي رفضت إلغاء مذكّرتي اعتقال بحقّ نتنياهو ويوآف غالانت بتهم جرائم حرب وإبادة ضدّ الإنسانية. كما أن محكمة العدل الدولية أكّدت أن ألفاً ومائة فلسطيني قتلوا في مراكز توزيع المساعدات في غزّة، وأن على إسرائيل ضمان تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للسكّان، وهي ملزمة بالسماح بجهود الإغاثة الأممية في الأراضي الفلسطينية، ولا يمكن في الوقت الراهن أن تؤدّي أيُّ جهة دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإسرائيل لم تثبت أن قطاعاً كبيراً من موظّفي المنظمة أعضاء في “حماس”، فردّ مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة: “هذا موقف مُخزٍ”، وأكّدت كندا: “سنعتقل نتنياهو في المطار إذا وصل الى بلدنا تنفيذاً لأوامر المحكمة الجنائية الدولية”.
ليس ثمّة عمل عربي جدّي لحماية غزّة وأهلها والضفة
تدرك إدارة ترامب ذلك، تريد معالجة مفاعيله وتأثيراته، وإنقاذ نتنياهو في الداخل والخارج، وإنقاذ إسرائيل وتبييض صفحتها أيضاً. وهذا كلّه مُوثَّق. لكن مع الإصرار على مشروع استثمار غزّة، واستهداف الضفة، واستكمال أهداف حرب نتنياهو، لا شيء يبشّر بخير، وثمّة في أوروبا من لا يزال يغطّي إرهاب إسرائيل، وعلى وجه التحديد ألمانيا، التي رفض مستشارها طلب مدينة هانوفر الموافقة على استقبال أطفال من غزّة لمعالجتهم هناك، وكانت الذريعة “عدم الاستقرار في غزّة”، والكلفة المالية لهذه العملية.
لن تتراجع إسرائيل عن أهدافها، آمل أن أكون مخطئاً. وليس ثمّة عمل عربي جدّي لحماية غزّة وأهلها والضفة، ولا لضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم وممارسة حقّهم في تقرير مصيرهم.
المصدر: العربي الجديد





