
لم يكن فقيدنا الكبير شخصًا عاديًا، كما لم يكن مثل أي رجل عابر في الحياة، لقد ترك الراحل حسن النيفي / أبو عبد الله لدى كل من عرفه حالة جديدة ومتميزة من الكفاح والوطنية السورية والعروبة المتجددة، كان يمتلك إرثًا ثقافيًا وعقلًا مستنيرًا وعميقًا قل نطيره، وهو الذي كافح وناضل ضد الطغيان الأسدي طيلة حياته، اعتقل وعذب في سجون الفاشيست الأسدي من سجن تدمر إلى سواه، ليخرج رجلًا لا تنحني له هامة، وإنسانًا يعرف طريقه، ويمتلك أدواته.
كان حسن النيفي صديقًا صدوقًا مختلفًا وهو بعدًا أخلاقيًا لا نظير له، مهذبًا دمث الخلق وعالي الإحساس بالكرامة، ومنافحًا على طول المدى من أجل سورية حرة وكريمة، وعندما يرحل مثل هؤلاء الأشخاص يفتقد المرء برحيلهم الكثير مما لا يمكن تعويضه، لذلك فإن أصدقاؤه كثر، ومن وقفوا اليوم ليتحدثوا عنه ملء العين والبصر، وموقع ملتقى العروبيين الذي كان الراحل من هيئة مستشاريه، يستوقف أصدقاءه ليتكلموا عنه، وفي العين دمعة، وفي القلب غصة.
فقد قال عنه صديقه الأستاذ عبد الرحيم خليفة رئيس ملتقى العروبيين السوريين: “يشكّل رحيل الأستاذ حسن النيفي صدمةً لكلّ من عرفوه، والتقوا به، وتعاملوا معه في مختلف مجالات الحياة ومستوياتها، وهو خسارة حقيقية وكبرى، لأنه مثّل، قولاً وفعلاً، قيم الصدق والطهر والشفافية والوضوح والنبل. وليس لي في هذه الكلمات السريعة إلا أن أقتبس وأستعير ما كتبه راحلُنا الأخ حسن النيفي عقب وفاة شقيقي الراحل محمد خليفة: إنها محنة المثقف القومي. وهو اليوم حسن النيفي، كما كان بالأمس محمد خليفة، وقبل ذلك كثيرون غادرونا، وبعد ذلك — وأرجو من العليّ القدير — ألّا يكونوا كثيرين.
رحل حسن النيفي واقفاً، صلباً، رغم غدر الأيام وظلمها، تاركاً خلفه سيرةً عطرةً ونموذجاً يُحتذى به في الثبات والنزاهة والالتزام.
شخصياً، أشعر بفقده عميقاً، ولا شكّ أن غيابه سيترك أثراً واضحاً في حياتي، فقد وقف إلى جانبي في لحظاتٍ وساعاتٍ عصيبة مررتُ بها إثر رحيل شقيقي، وصديقي، وأستاذي محمد خليفة، الذي سبقنا إلى ديار الحق عند ربٍ كريم.
وداعاً أيها الوطني السوري، والعروبي الشهم. لن تفيك الكلمات حقك، ولن تنصفك مهما بلغت قدراتي اللغوية. إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وإنّا على فراقك لمحزونون.”
أما العروبي الدكتور عبد الناصر سكرية فقد كتب يقول:” لا أدري كيف يسجن إنسان ظلمًا وقهرًا لمدة خمسة عشر عاما ويخرج منها ولا يزال متوازنا محتفظا بالقيم والمبادئ والأفكار التي أدخل السجن بسببها.
لا أدري كيف يحتفظ إنسان بكامل قدراته الذهنية بعد أن يكون قد فقد خمسة عشر عاما من عمره مقهورا مقيدا مكبلا معذبا..
لا أدري كيف يحافظ شاب يافع على إنسانيته النبيلة ومشاعره الإنسانية بعد سجن لمدة خمسة عشر عاما ظلما وعدوانا.. يخرج محتفظا بسعة صدر ونبل إنساني يحميه من مشاعر الحقد ورغبات الثأر والانتقام. فيبقى إنسانا نبيلا طيبا نقيا يتسامى فوق كل مشاعر الاضطراب والحقد والانغلاق العقلي والتعصب الذاتي والتقوقع الفكري والرهاب النفسي والعصبي.
كيف يفقد خمسة عشر عاما من عمره هي زهرة شبابه لمجرد إيمانه بجملة من المبادئ والقيم ثم يخرج من السجن متمسكا بها لا بل أكثر إصرارا عليها متابعا عملا دؤوبا في سبيلها ونضالا مستمرا دفاعا عنها وتضحية من أجلها..
كيف لا يفقد توازنه واتزانه ليخرج مجددا عهده لوطنه وولاءه لشعبه ومستقبله المتحرر من القهر والعدوان..
فهل هذا كل ما تميز به الشاعر والأديب حسن النيفي ابن منبج مدينة الشعر والثقافة؛ رحمه الله!!!
من يعرف المناضل حسن النيفي يدرك مدى أصالة انتمائه إلى وطنه سورية ومدى عمق محبته لهذا الوطن الذي بقي متمسكا بمحبته إلى آخر يوم في حياته..
يدرك من يعرف حسن النيفي مثقفا عروبيا يدرك مدى أصالة التزامه بعروبته كهوية وانتماء وثقافة وتطلعا مستقبليا..
من يعرفه وتعامل معه كإنسان؛ أدرك فيه ذلك القلب الطيب الهادئ والنفس الأبية التي تعتز بحريتها وكرامتها وتصون قيمها الأخلاقية النبيلة..
لم تكن للمساومة أية آثار أو حتى أية ملامح ولو من بعيد في عقل حسن النيفي أو في ضميره ووجدانه..وهو الذي أسمى أبنته ” وجدان “.. ليس لجماله بل لجمال معناه ورمزية مضمونه ومدى التصاقه بروحية حسن النيفي..
كيف يسجن ويعذب ويتشرد ويهجر من بيته وأهله ووطنه ويبقى محبا لأهله ووطنه ومنبته.. يا لها من أصالة تعبر عن معدن جوهري نقي من نوع ثقيل كثيف الصفاء جميل المقام بهي الوجه والسريرة..
كان النقاء في النفس رفيق البهاء في الروح والأصالة في الانتماء والالتزام في السلوك والحياة؛ وكان كل هذا هو الإنسان المرهف الهادئ البشوش حسن النيفي أو بعضا منه. المناضل الذي يضحي في سبيل مبادئه ووطنه وهويته العروبية رغما عن كل التحديات والحصار والاستهداف والتهميش؛ هو إنسان من نوع خاص. متميز بنقاء النفس وصدق الولاء وعفوية الالتزام وفطرية النبل والشهامة”.
الدكتور زكريا ملاحفجي رئيس (الحركة الوطنية السورية) قال: ” في وداع الشاعر والسياسي الصديق العزيز الراحل حسن النيفي، تتقاطع الكلمات كما تتقاطع مسارات الشعر والسياسة في حياته، ليبدو الحديث عنه أقرب إلى شهادة في حضرة الالتزام والصدق. قالوا عنه إنّه شاعرٌ لم يتخذ من القصيدة زينة لغوية، بل جعلها موقفاً أخلاقياً، وصوتاً للإنسان السوري في أوج محنته. كانت كلماته، كما يصفه محبّوه، تمشي على حدٍّ دقيق بين الحلم والوجع، بين الإيمان بالحياة والإحساس العميق بثقل الفقد.
ويرى كثيرون أنّ حسن نيفي لم يكن سياسياً تقليدياً، بل مثقفاً سياسياً بالمعنى الأوسع؛ رجل فكرة قبل أن يكون رجل موقع. قالوا إنّه دخل السياسة من باب القيم، لا من باب المصالح، فبقي منحازاً للحرية والكرامة والعدالة، حتى حين كانت هذه الانحيازات مكلفة. لم يساوم على قناعاته، ولم يبدّل لغته بحسب تبدّل الرياح، فحفظ لنفسه احترام خصومه قبل أصدقائه.
أما في الشعر، فيجمع من عرفه أنّه كتب كما عاش: بصدقٍ عارٍ من الادعاء. كانت قصيدته قريبة من الناس، مشبعة بروح المكان السوري، ومفتوحة على أسئلة الوجود والمنفى والهوية. قالوا إنّ شعره لا يُقرأ فقط، بل يُصغى إليه، لأن فيه نبرة إنسان يعرف الخسارة، لكنه يصرّ على الأمل.
فالصديق حسن الهادئ الصلب؛ ذلك الذي لا يرفع صوته، لكن أثره يبقى. قالوا إنّ حسن النيفي غادر الحياة جسداً، لكنه ترك أثراً يتجاوز الغياب: كلماتٍ تواصل الدفاع عن الإنسان، وموقفاً أخلاقياً يصعب نسيانه. هكذا يودّعه محبّوه: شاعراً ظلّ وفياً للقصيدة، وسياسياً ظلّ وفياً لسوريا التي حلم بها، حرةً وعادلة. رحمك الله أستاذ حسن وذكراك ستبقى بيننا عطرة كروحك الطيبة”.
رفيق درب الراحل الأستاذ زياد المنجد كتب عنه قائلًا: وداعاً حسن النيفي، انتصار الكرامة على القهر. اليوم، 2025/12/18، يومُ حزنٍ سيلازم كلَّ الأحرار الذين عرفوا فقيدنا الراحل حسن النيفي. في وداع حسن النيفي، الذي رحل اليوم في منفاه الفرنسي بعيداً عن سورية التي أحبّها ودفع من عمره ثمناً للحرية، نستعيد سيرة رجلٍ اختصر في حياته معنى المثقف الحر، والمناضل الصلب، والإنسان الذي لم تنكسر روحه رغم قسوة السجون.
لقد كان الراحل واحداً من الأصوات الوطنية التي رفضت، منذ وقت مبكر، نهج القمع والتسلّط الذي فرضه نظام حافظ الأسد، وتمسّك بخيار مقاومة الاستبداد انطلاقاً من إيمانه العميق بالعروبة كهوية جامعة، وبالحرية والكرامة بوصفهما أساس أي مشروع وطني حقيقي. ولم تكن مواقفه يوماً موضع مساومة أو تراجع، بل ظل ثابتاً على خطه رغم ما تعرّض له من تضييق واضطهاد.
وُلد حسن النيفي في مدينة منبج، في بيئة ريفية بسيطة، تشكّل وعيه فيها على التنوع الاجتماعي والثقافي. ومنذ شبابه المبكر انجذب إلى الشعر والأدب العربي، فدرس اللغة العربية في جامعة حلب، وأصدر ديوانه الأول «هواجس وأشواق» وهو ما يزال طالباً. لم يكن الأدب عنده ترفاً، بل أداة وعي وموقف؛ إذ انخرط في النشاط الثقافي والسياسي في واحدة من أكثر المراحل ظلمة في تاريخ سورية، مرحلة الثمانينات، التي واجه فيها النظام السوري المجتمع بأقصى درجات العنف.
آمن حسن، مثل كثيرين من أبناء جيله، بأن الاستبداد لا يُهادن، وأن مقاومته واجب أخلاقي. ولهذا دفع ثمناً باهظاً حين اعتُقل عام 1986، ليبدأ فصلٌ طويل من العذاب استمر خمسة عشر عاماً في سجون النظام. تنقّل بين فروع الأمن والسجون: من الأمن السياسي إلى سجن حلب المركزي، ثم عدرا، وصولاً إلى تدمر، الاسم الذي اقترن بالموت البطيء والتعذيب اليومي. ومع ذلك، لم يوقّع حسن على وثائق الإذعان التي طُلبت منه مقابل الإفراج، رافضاً أن يشتري حريته بالتنازل عن كرامته أو خيانة قناعاته.
في السجن، لم يُهزم. حوّل سنوات الاعتقال إلى مدرسة معرفة وملاذٍ داخلي للإبداع، فنظم الشعر في ذاكرته وحفظه، ليخرج لاحقاً بديوان «رماد السنين»، شاهداً على أن الكلمة يمكن أن تولد حتى من قلب الجحيم. وكان صموده الأخلاقي، قبل جسده، هو الانتصار الحقيقي.
لم يكن الراحل من هواة الأضواء أو الباحثين عن مكاسب شخصية، بل كان من أولئك المناضلين الصامتين الذين صنعوا حضورهم بالفعل والتضحية، وتركوا أثرهم في وجدان من عرفهم وشاركهم درب المواجهة مع الطغيان.
رحل حسن النيفي اليوم مغترباً، كما عاش قسماً كبيراً من حياته، لكن سيرته ستبقى حاضرة بوصفه رمزاً للمثقف الذي لم يساوم، وللسجين الذي انتصر على القهر بالكرامة، وللشاعر الذي جعل من الألم معنى، ومن الحرية وصية.
رحم الله حسن النيفي، الذي شكّل غيابه اليوم خسارة حقيقية للحركة الوطنية، ولجيلٍ من المناضلين الذين ظلوا أوفياء لفكرة الحرية رغم كل الانكسارات.
نسأل الله أن يتغمّد الفقيد برحمته الواسعة، وأن يجعل ما تحمّله من معاناة في ميزان حسناته، وأن يُلهم أهله ورفاقه ومحبيه الصبر والسلوان”.
الأستاذ مروان غازي أحد رفاق سجن الراحل قال عنه:” تعرفت عليه في سجن عدرا وكان قد سبقنا اليه في اعتقالات سابقة وكان يتمتع بالهدوء والصلابة ولا يضيع وقت من أوقاته الا بالحصول على فائدة معرفية او علمية او حوارا سياسيا وكان قريب من كافة القوى السياسية المتواجدة معه بالسجن من ناصريين وبعث العراق وشيوعيين وأكراد.
كان يتمتع باحترام الجميع وهو أيضا يحترم الجميع سواء من اتفق معه بالرأي او من خالفه رحمه الله وتقبله من شهداء الثورة السورية واسكنه فسيح جنانه والعزاء لأهله ومحبيه”.
أحد أصدقاء الفقيد الروائي الأستاذ علاء الدين حسو كتب عنه تحت عنوان: رحيل (رهين الغربتين”.. حسن النيفي شاعراً وإنساناً) ” ببالغ الأسى وبقلب يعتصره الألم، نعزي أنفسنا ونعزي الصديق الغالي أحمد مظهر سعدو في رحيل قامة وطنية وأدبية فذة؛ الصديق الراحل حسن النيفي. لقد غادرنا حسن وهو يحمل في قلبه غصة الوطن الذي لم تكتحل عيناه برؤيته محرراً، لكنه بقي حتى الرمق الأخير وفياً للمبادئ التي سُجن من أجلها عقد ونصف من عمره. وإذا كان النيفي قد عُرف سياسياً ضليعاً وأكاديمياً محترماً يقدس الحوار ويحترم منافسيه قبل أصدقائه، فإننا اليوم نقف أمام “حسن الشاعر”.
شاعر الزوايا الهادئة..لقد كان حسن النيفي نموذجاً حياً لما وصفته الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي؛ ذاك النمط من المبدعين الذين لا تغريهم الأضواء المزيفة، ولا يلهثون خلف “مديح الظل”. آثر الزوايا الهادئة، بعيداً عن ضجيج المهرجين، ليتفرغ للتفكير في هموم الإنسان والوطن.
أدب الغربة والبراءة..عاش النيفي “رهين غربتين”: غربة المكان بعيداً عن دمشق ومنبج، وغربة الروح التي تأبى المهادنة. في شعره، تجد: براءة الكلمة: لغة بيضاء لا تعرف التملق..
إنسانية طاغية: فلا تقرأ له بيتاً إلا وتلمس فيه الغيرة على كرامة الإنسان.
الزهد في المظاهر: كان يرفض كل الظواهر البراقة التي تخلو من الجوهر، وهي ذات القيم التي ثار من أجلها ودفع ثمنها سنوات من حريته.
رحل حسن النيفي بجسده، لكن أعماله الشعرية ورؤاه السياسية ستبقى منارات حاضرة بيننا، تشهد على رجل لم يبع مبدأه، وشاعر لم يخُن براءته. رحم الله أبا عبد الله ، وألهمكم الصبر والسلوان”.
الأخ العروبي الأستاذ عدنان حاج علي قال عنه: :” رحم الله الفقيد حسن النيفي ..بداية فإن علاقتي معه كانت في سجن المسلمية بحلب أيام المقبور لمدة اربع سنوات وفي عام 1990 تم ترحيلنا لدمشق /سجن عدرا بينما الصديق حسن النيفي ومعه آخرين تم ترحيلهم لسجن تدمر وبعد عدة سنوات تم الافراج عن بعض المعتقلين السياسيين وكنت على تواصل معه وبعد انتقالي لمدينة غازي عنتاب تعززت علاقتي به اكثر من خلال اللقاءات العامة والمشاركة ببعض الفعاليات والنشاطات مع كوكبة من الشباب المتميزين والمهتمين بالثورة السورية كان من ابرزهم، وبعض اللقاءات حصلت في بيتي بحضور اخوة آخرين على سبيل المثال لا الحصر الاستاذ احمد مظهر سعدو والاستاذ ايمن فهمي ابو هاشم والدكتور مروان الخطيب. رحم الله اخانا حسن النيفي كان مثالا للمناضل الذي دفع ثمنا باهظا في وقوفه ضد طغيان المجرم الأب والمجرم الهارب … الحمد لله انه عاش فرحة النصر والتحرير لكن القدر حال بينه وبين رجوعه لبلده … لا شك فإنه برحيله تخسر ساحة العمل الوطني احد فرسانها العروبيين الاحرار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
الأكاديمي الدكتور مروان الخطيب صديق الراحل قال عنه:” فقدنا يوم أمس قامة وطنية عاركت الظلم بدءاً من المعتقل وصولاً إلى التهجير واللجوء، لم يكن فقداننا للأخ حسن النيفي فقدان أخ ومناضل رافقنا منذ بداية الثورة إلى مرحلة تشكيل مجلس محافظة حلب الحرة ليدير مكتبها السياسي. لحين انتقاله إلى مدينة غازي عنتاب حيث تنقل بين عدة نشاطات وهيئات ضمن محاولات لتفعيل العمل الثوري وإبقاء جذوة الثورة في وجدان السوريين في بلاد المهجر وعلى حدود الوطن.
لقد كانت مرافقة أبو عبد اللــه في غازي عنتاب عملية شد عضد لإبقاء جذوة الثورة مشتعلة، نستلهم من خلال أشعاره وتحليلاته السياسية الأمل بالنصر القادم والعودة الميمونة إلى الوطن بعد تحقيق أهداف الثورة بالحرية والكرامة.
لم يتخلف حسن النيفي عن أي مبادرة للعمل الثوري، ولم يتوان عن المساهمة في أي مجهود في التفاعل مع أي نشاط يساهم في رفع تعاضد السوريين في تركيا لدعم العمل الإنساني والسياسي والثوري، وكان الأمل قد بدأ يسطع مع مبادرة إعادة مدينة منبج إلى الجيش الحر، حيث كان أحد ممثلي المدينة مع الجهات الدولية الراعية لتلك المبادرة التي عنت في حينها بداية أفول الدعم الدولي لاستمرارية عصابات الأسد في السيطرة على ريف حلب الشرقي، وبداية إعادة التوازن للمناطق المحررة.
ولم تكن مغادرة حسن النيفي لتركيا باتجاه منفاه الأخير في فرنسا سوى محاولة للتخلص من بعض مستلزمات الحياة المعيشية لتأمين وقت أكبر وتفريغ مجهود أوسع للمهام الوطنية التي بدا أن استحقاقاتها بدأت تكبر بعد محاولات بعض الأنظمة العربية إعادة تعويم عصابات الأسد.
لقد فقدنا فارساً قاوم الطغيان وقارع الاستبداد، وناضل في سبيل وطن يتمتع أبناءه بالحرية والكرامة، ولكنه ترجل قبل أن تطأ قدماه أرضاً قدم سنوات شبابه فداء لحريتها، سيبقى أبا عبد اللــه أحد مشاعل الحرية التي أضاءت لأجيال سورية الحرة طريق المستقبل، لقد كان رفيقاً وأخا تعلمنا منه كيف نشد عضد بعضنا في لحظات الضعف واليأس من تحقيق النصر، رحمه اللــه وطيب ثراه وأسكنه فسيح جناته.”.
الأستاذ صفوان جمو أحد أصدقاء الراحل كتب يقول: ” رحل الشاعر والكاتب السوري حسن النيفي، فرحل معه صوتٌ ثقافيٌّ صادق، تشكّل على الحافة بين الشعر والوجع، وبين السجن والمنفى، وبين الحلم السوري والواقع القاسي. لم يكن شاعرًا معزولًا عن زمنه، بل كان ابنًا وفيًّا لأسئلته الثقيلة، يكتب وهو يعرف أن الكلمة قد تكون خلاصًا، وقد تكون قدرًا.
وُلد عام 1963 في منبج، المدينة التي تختلط فيها البداوة بالحضر، فانعكس هذا التنوّع على لغته وحساسيته الشعرية المبكرة. هناك، وفي أسرة ريفية بسيطة، بدأ تشكّل وعيه الأول، قبل أن ينتقل إلى جامعة حلب لدراسة اللغة العربية، حيث أعلن انحيازه النهائي للكلمة، وأصدر مجموعته الأولى «هواجس وأشواق» عام 1985، وهو لا يزال طالبًا، كأن الشعر كان يلحّ عليه بوصفه مصيرًا لا اختيارًا.
في تجربته الشعرية، لم يكن معنيًا بالزخرفة أو الادعاء، بل بالصدق الداخلي، وبالإنسان المكسور تحت ثقل السلطة والخوف. كثيرًا ما دارت قصائده حول الحرية، والخذلان، والمنفى، والذات المحاصرة، وكأنها اعترافات شاعر يرى العالم من خلف قضبان غير مرئية. وكان يؤمن، كما تفصح نصوصه، أن الشعر ليس ترفًا جماليًا، بل شكلٌ من أشكال المقاومة الهادئة.
وفي أحد معانيه الشعرية المتكررة، كان يكتب عن الإنسان السوري بوصفه كائنًا «يمشي مثقلاً بالخسارات، لكنه لا يتخلى عن حلمه الأخير»، وعن الوطن كجرحٍ مفتوح «كلما حاول أن يلتئم، أعادت الذاكرة نزفه». هذه الروح، التي تزاوج بين الألم والأمل، منحت شعره نبرة إنسانية عميقة، بعيدة عن الشعارات وقريبة من القلب.
لم يكن حسن النيفي شاعرًا فقط، بل مثقفًا ذا موقف، دفع ثمنه سجنًا ونفيًا، دون أن يتحول إلى كراهية أو ضجيج. ظلّ وفيًا لفكرة أن الكتابة موقف أخلاقي قبل أن تكون إنجازًا أدبيًا، وأن الكلمة الصادقة قد تتأخر، لكنها لا تموت.
برحيله في المنفى الفرنسي، يكتمل المشهد السوري الحزين: مبدعون يرحلون بعيدًا عن مدنهم الأولى، لكنهم يتركون فيها أصواتهم. سيبقى حسن النيفي حاضرًا في نصوصه، وفي ذاكرة من آمنوا بأن الشعر يمكن أن يكون شهادة، وأن الكاتب الحقيقي هو من يكتب وهو يعرف أن الطريق مؤلم… لكنه ضروري. رحمه الله، وأبقى أثره حيًا في الثقافة السورية والعربية.”.






