مع اقتراب انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار.. هل تتجه قسد للمواجهة أم للاندماج؟

سامر العاني

يتصاعد الضخُّ الإعلامي تجاه قوّات سوريا الديمقراطيّة وسط تساؤلات عن إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مع قرب نهاية المهلة المحدّدة لتنفيذ اتفاق 10 آذار، وفي المقابل يبرز سؤال مهم عن الأسباب التي يمكن أن تدفع “قسد” للتنازل عن مناطق سيطرتها، وهل يمكن أن تندلع معركة في ظل المفاوضات التركيّة التي يعتقد أن تستمر لوقت طويل مع حزب العمال الكردستاني PKK.

وهنا، يبرز السؤال الأهم، لو كانت الولايات المتّحدة الأميركيّة جادّةً في الضغط على قوّات سوريا من أجل تنفيذ بنود الاتفاق والوصول إلى الاندماج الكامل فلماذا تضمنت الموازنة العامة لوزارة الدفاع الأميركية، لعام 2026، تخصيص 130 مليون دولار أميركي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”جيش سوريا الحرة”.

التزام مشروط أم تعطيل مقنّع

في بيانها الأخير، أكدت قسد أنه “رغم استمرار الحوار مع الحكومة السورية، لم يتم تحقيق أي تقدم حقيقي حتى الآن على صعيد التفاهمات السياسية والعسكرية بين الطرفين”، مشددة في الوقت نفسه على التزامها بمبدأ “الاندماج ضمن إطار الدولة السورية”، غير أن البيان يضع شرطاً جوهرياً لهذا الاندماج، يتمثل في “الحفاظ على بنيتها التنظيمية ودورها القتالي”، بما يضمن استمرار قدرتها – وفق توصيفها – على مواجهة التحديات الأمنية.

هذا الطرح يعكس جوهر الإشكالية القائمة، فالدولة السورية تتحدث عن اندماج مؤسساتي كامل، يخضع لمنطق السيادة المركزية، في حين تطرح قسد نموذجاً أقرب إلى إعادة التموضع داخل الدولة مع الاحتفاظ بالقدرات العسكرية والهيكلية المستقلة، عملياً، لا يمثل ذلك اندماجاً بقدر ما هو إعادة توصيف لوضع قائم، يهدف إلى شرعنته سياسياً.

يقول الباحث مروان سويد، لموقع تلفزيون سوريا، إنّه من خلال هذا البيان، تحاول قسد تقديم نفسها كطرف مرن وغير رافض من حيث المبدأ، لكنها في الوقت ذاته ترسم خطوطاً حمراء تجعل أي اتفاق فعلي مع دمشق بالغ الصعوبة، فالإصرار على البنية التنظيمية والدور القتالي المستقل يعني الإبقاء على سلطة الأمر الواقع، وهو ما يتناقض مع طبيعة الدولة المركزية التي تسعى دمشق إلى إعادة ترسيخها بعد سنوات الحرب.

المكاسب عامل تعطيل أساسي

تشير تحليلات لعدد من الباحثين إلى أن أحد أبرز أسباب تعثر الاندماج يعود إلى حجم المكاسب التي راكمتها «قسد» خلال السنوات الماضية، فسيطرتها على مناطق غنية بالثروات النفطية والزراعية، إضافة إلى تحكمها بمعابر وموارد محلية، وفرت لها إمكانات مالية وعسكرية لم تكن متاحة سابقاً لمنظومة حزب العمال الكردستاني بمسمياتها المختلفة.

وتخلص التحليلات إلى أنّ الاندماج الكامل ضمن مؤسسات الدولة، وفق الصيغة التي تطرحها دمشق، يعني عملياً فقدان هذه الامتيازات، وتحويل الموارد إلى الخزينة المركزية، وإعادة هيكلة القوى العسكرية ضمن الجيش السوري، وهو سيناريو ترى فيه القيادات الفاعلة داخل قسد – ولا سيما القيادات المرتبطة بقنديل – نهايةً لدورها ونفوذها، وليس مجرد تغيير إداري.

وفي هذا السياق، يقول الباحث مهند الكاطع، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ منظومة حزب العمال الكردستاني بمسمياتها المختلفة استفادت كثيراً من ثروات المنطقة والإيرادات التي لم تكن تحلم بتحقيقها يوماً ما، وبالتالي لا يوجد أي دافع منطقي يجعلها تتنازل عن مكاسبها باتجاه مسالة الاندماج مع دمشق، لأن هذه المنظومة تدرك أن الاندماج بالشكل المؤسساتي الذي تريده الدولة السورية والخالي من المحاصصات، سيجعل قسد تنتهي فوراً، وتنتهي بذلك كل مكاسبها وامتيازاتها، لذلك من المنطقي أن تكون قيادات قسد وخاصة القنديلية الأجنبية منها معطّلة للاندماج وهي التي منعت فعليا الاندماج حتى هذه اللحظة.

ضغط تركي من دون حسم بري

على الضفة الأخرى، يظل العامل التركي حاضراً بقوة في معادلة الشمال السوري، فأنقرة تراقب مسار المفاوضات بين دمشق وقسد بحذر، خصوصاً في ظل استمرار اتصالاتها الخاصة مع حزب العمال الكردستاني، والتي يُعتقد أنها قد تمتد لفترة طويلة من دون نتائج حاسمة.

في هذا السياق، يرجّح أن تقدم تركيا دعماً لوجستياً وعسكرياً، وربما إسناداً جوياً، لأي مسار يحدّ من نفوذ قسد، لكنها في المقابل تستبعد خيار التدخل البري الواسع، ما لم يتضح أن الطرف السوري غير قادر وحده على فرض وقائع ميدانية حاسمة، هذا الموقف يعكس رغبة تركية في تقليص المخاطر المباشرة، وتجنب التورط في مواجهة مفتوحة قد تتداخل فيها الحسابات الأميركية والروسية.

يقول الباحث محمّد سليمان، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ ملف قسد بالنسبة لتركيا مرتبط بشكل مباشر بأمنها القومي وهو ملف غير قابل للتفاوض أو التنازل، والمسار التفاوضي الجاري مع حزب العمال الكردستاني داخل تركيا غير مرتبط بشكل مباشر بقسد في سوريا وإنما هو يسهم في إضعاف تحالفات قسد وارتباطاتها مع الجهات الخارجية، وأي نتائج إيجابية محتملة لا تعني بالضرورة تطبيقها أو نجاحها داخل الأراضي السورية، وإذا أصرّت قسد على البقاء بشكل فصيل مسلح خارج إطار الدولة، فقد تضطر تركيا للتدخل عسكرياً مع الحكومة السورية لإنهاء هذا التهديد المباشر.

واشنطن بين الاندماج والوظيفة السياسية

الموقف الأميركي يبدو أكثر تعقيداً، فمن جهة، تعلن واشنطن دعمها لمبدأ اندماج قسد ضمن الدولة السورية، بما يحقق – وفق خطابها – الاستقرار ووحدة الأراضي السورية، ومن جهة أخرى، تواصل تخصيص موارد مالية وعسكرية ضمن موازنتها الدفاعية، بما في ذلك 130 مليون دولار أُدرجت في موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، لصالح قسد وجيش سوريا الحرة.

هذا التناقض الظاهري يمكن فهمه في إطار أوسع، فجزء من هذه المخصصات يندرج ضمن ميزانية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ولا يعني بالضرورة دعماً دائماً لبقاء قسد بصيغتها الحالية، إلا أن استمرار هذا الدعم يمنح قسد هامشَ مناورة إضافياً، ويضعف فعالية أي ضغط حاسم لدفعها نحو اندماج غير مشروط.

ويرى الباحث مهنّد الكاطع أنّ أميركا تريد اندماج قسد لكنها لا تضغط بشكل كامل لتحقيق هذا الاندماج، لاستخدام ورقة قسد كجزء من سياسة الضغط على دمشق فيما يتعلق بملف الاتفاق الأمني مع إسرائيل، لكن بالمقابل فإنَّ موضوع 130 مليون دولار يجب أن يُفهَم على أنها ميزانية التحالف، وليست مخصصةً لقسد بالكامل، وتخصيص الميزانية هذه لا يعني بالضرورة بقاءَ وجود قسد والاحتفاظ بها بشكلها الراهن.

توظيف أمني في لحظة سياسية

في هذا السياق، تبرز حادثة تدمر، المتمثلة بهجوم نفذه عنصر من تنظيم الدولة استهدف وفداً أميركياً، كحدث أمني تجاوز أبعاده الميدانية المحدودة، ليأخذ بعداً سياسياً وإعلامياً أوسع، فرغم أن الهجوم لم يؤدِّ إلى تغييرات عسكرية كبيرة، فإنَّ توقيته جاء في لحظة تفاوضية حساسة، ما جعله مادة جاهزة لإعادة تفعيل سردية التهديد الداعشي.

استفادت قسد من هذه الحادثة لتأكيد خطابها القائم على أن وجودها العسكري المنظّم والمستقلّ يشكّل ضرورة أمنية، ليس فقط لمناطق سيطرتها، بل للمصالح الأميركية نفسها، وبذلك، تحولت حادثة تدمر إلى دليل عملي – في الخطاب السياسي – على أن أي تفكيك سريع لبنيتها القتالية قد يفتح الباب أمام عودة التنظيمات المتطرفة.

ويرى مروان سويد أنّ هذا التوظيف لا يعني بالضرورة أن قسد تقف خلف الحادثة أو تديرها، لكنه يكشف عن قدرة عالية على استثمار الوقائع الأمنية لتدعيم موقفها التفاوضي، وإقناع واشنطن بضرورة التريث في ممارسة الضغط، بحجة أولوية محاربة الإرهاب.

بين الاندماج المؤجل والتصعيد المضبوط

حتى الآن، لا تشير المعطيات إلى اقتراب مواجهة عسكرية شاملة، فالأطراف كافة تدرك كلفة التصعيد، وتفضّل إدارة الخلاف ضمن حدود يمكن التحكم بها، غير أن استمرار حالة الجمود، مقرونة بحوادث أمنية متفرقة، يفتح المجال أمام سيناريو “التصعيد المضبوط”، الذي يُستخدم فيه الضغط العسكري المحدود كأداة لتحسين شروط التفاوض، لا كخيار للحسم النهائي.

في المحصلة، يبدو أن فرضية استفادة قسد من حادثة تدمر لتعزيز سرديتها الأمنية ليست بعيدة عن الواقع، فالحادثة جاءت في توقيت يخدم خطابها، وساعدت في إعادة ترتيب الأولويات الأميركية، ولو مرحلياً، وبينما يستمر الحديث عن الاندماج، يبقى السؤال الأساسي معلّقاً، هل هو اندماج فعلي ضمن الدولة، أم إعادة إنتاج لوضع استثنائي، مؤجّل الحسم، ومفتوح على احتمالات متعددة؟

المصدر:تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى