تناقلت وسائل إعلام كردية خلال الأيام القليلة الماضية معلومات على لسان “مصدر سوري مطلع”، مفادها بأن “الولايات المتحدة وبالتنسيق مع العشائر العربية وممثلي الأحزاب الكردية السورية والقوى المسيحية تتجه لإعلان إقليم الجزيرة في شرقي الفرات”. وأشار المصدر إلى أن “مسؤولين أميركيين التقوا بشيوخ العشائر العربية التي تمثل المنطقة ولها نفوذ على الأرض، وممثلي الأحزاب الكردية السورية والمسيحية أخيراً، واتفقوا معهم على إعلان إقليم الجزيرة في شرقي الفرات، تشارك فيه كافة مكونات المنطقة”. وأوضح المصدر أن كل مكون من مكونات إقليم الجزيرة (المناطق الواقعة شرقي الفرات) سوف يدير منطقته بنفسه بدعم أميركي وعربي (سعودي إماراتي مصري). وتسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، على معظم منطقة شرقي الفرات التي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، وتتميز بغناها بثروتين بترولية وزراعية ويشكل العرب غالبية سكانها على الرغم من الحضور السكاني الكردي في جزء منها.
وعن إمكان إعلان إقليم شرقي الفرات، جزم رياض درار، في تصريح لـ”العربي الجديد”، وهو الرئيس المشترك لـ”مجلس سورية الديمقراطية، (مسد) الجناح السياسي لـ”قسد”، أنه “لا يوجد شيء بهذا الاتجاه ولا حديث”. من جهته، أشار مصدر سوري مطلع في واشنطن، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “ليس هناك توجه أميركي لتحويل منطقة شرقي نهر الفرات إلى إقليم”. وقال إن “الأميركيين يصرّون حتى اللحظة على وحدة سورية، ويرفضون أي خطوات خلاف ذلك من القوى السياسية السورية التي يدعمونها”. غير أن المصدر أوضح أن اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية (USCIRF) والمقربة من الإدارة الأميركية طالبت في تقرير لها أخيراً بالاعتراف الأميركي بمنطقة شرقي الفرات إقليماَ مستقلاً إلى حين التوصل لحل سياسي يشمل القضية السورية ككل.
من جهته، نفى عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، المنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي”، فيصل يوسف، في حديث لـ”العربي الجديد”، ما أوردته مواقع إخبارية كردية عن نيّة واشنطن إعلان الجزيرة إقليماً مستقلاً. وأضاف: “هذا كلام بعيد عن الحقيقة لأنهم (الأميركيون) يركزون دوماً على القرار الدولي 2254، وغايتهم وحدة قوى المعارضة السورية والضغط على النظام”. واعتبر يوسف رعاية واشنطن للحوار القائم بين “المجلس الوطني الكردي” وأحزاب “الإدارة الذاتية” منذ إبريل/نيسان الماضي، لحل الخلافات القائمة، تأتي في سياق مساعٍ أميركية للوصول إلى وحدة قوى المعارضة السورية كافة. وعن نظرة “المجلس الوطني الكردي” لمستقبل منطقة شرقي نهر الفرات، أكد يوسف أن المجلس “يعمل على حل الخلافات مع أحزاب الإدارة الذاتية على أرضية اتفاق دهوك (أبرم في عام 2014 بين الطرفين برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق، ولم يطبق)”، مضيفاً: “نسعى لتنفيذ القرار الدولي 2254 من خلال عضويتنا بهيئة التفاوض (التابعة للمعارضة السورية)، ومستقبل منطقة شرقي نهر الفرات، مرهون بالحل السياسي العام في البلاد”.
وتشكل عدة محافظات منطقة الجزيرة السورية (يطلق عليها هذا الاسم لكونها محصورة بين نهري دجلة والفرات)، أو ما بات يُعرف بـ”شرقي الفرات”، إذ تضم كامل محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، والجزء الأكبر من محافظة الرقة، والجزء الذي يقع شمال نهر الفرات من محافظة دير الزور، وقسما من ريف حلب الشمالي الشرقي. ولا توجد إحصائيات دقيقة لنسب سكان المنطقة، ولكن العرب يشكلون الغالبية الساحقة من السكان. ففي دير الزور يشكل العرب كل السكان، وفي محافظة الرقة أيضاً ما خلا بضع قرى غربي مدينة تل أبيض، بينما يوجد عدد كبير من أكراد سورية في محافظة الحسكة لكنهم أقلية في المحافظة. وفي ريف حلب ينتشر الأكراد في مدينة عين العرب ومحيطها، بينما يشكل العرب غالبية سكان منطقة منبج.
ومرت منطقة شرقي نهر الفرات بتحوّلات سياسية مهمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، حتى باتت تحت سيطرة “قسد” التي تتلقى دعماً كبيراً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تنشر قوات لها في شرقي وشمال شرقي سورية لحماية آبار وحقول النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور. وشهدت الأيام القليلة الماضية تحركات أميركية مكثفة غايتها ردم الهوة ما بين الائتلاف الوطني السوري المعارض وبين حزب “الاتحاد الديمقراطي”، أكبر أحزاب “الإدارة الذاتية” والمسيطر فعلياً على شرقي الفرات من خلال الوحدات الكردية ذراعه العسكرية. ووفق مصادر في الائتلاف الوطني، فإن هناك توجهاً أميركياً لتوزيع السيطرة على منطقة شرقي الفرات بين المعارضة و”الإدارة الذاتية” الكردية، ولكن هناك معوقات كبرى تحول دون ذلك، لا سيما في ظل رفض تركي لهذا التوجه. وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية الذراع السورية لحزب “العمال الكردستاني”، لذا ترفض أي توجّه يعطي شرعية سياسية لهذا الحزب في الشمال الشرقي من سورية.
المصدر: العربي الجديد