
لا يمكن للبنان أن ينظر بعين تبسيطية للزيارة التي أجراها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، والإعلان السعودي القطري المشترك عن دعم سوريا بمجالات مختلفة، ولا سيما لموظفي الإدارة العامة، إلى جانب الكثير من الاستثمارات التي تضطلع بها الدولتان مع اندفاعة أميركية كبيرة تجاه سوريا. فواشنطن التي تنظر إلى المنطقة بعين التحالف أو التشارك مع تركيا والسعودية، سلّمت الملف السوري إلى سفيرها في أنقرة توم باراك، وهو اللبناني الأصل. يأتي ذلك على وقع مفاجأة أميركية تتصل بإزاحة الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس، والاستعداد لتعيين شخصية بديلة عنها، وسط معلومات تفيد بإمكانية توسيع دور توم باراك.
“نهضة” سوريا
في سوريا، تسير التطورات بشكل متسارع. تتقدم دول الخليج، ولا سيما السعودية وقطر بالكثير من المشاريع في المجالات المختلفة: النفط، الاتصالات، الكهرباء، الزراعة، الصناعة، وفي البنى التحتية والاستثمارات السياحية. هذا من شأنه أن يضع سوريا على طريق نهضة سريعة. هذه النهضة لا تنفصل عن المسار السياسي الذي اختاره الرئيس السوري أحمد الشرع. في المقابل، فإن لبنان لا يزال يغرق في تفاصيل التفاصيل، وغير قادر على تحديد وجهته السياسية، ويسير ببطء في طريق إنجاز الإصلاحات المطلوبة.
تتدفق المساعدات والاستثمارات باتجاه سوريا، بينما تغيب عن لبنان، الذي لا تزال الشروط هي التي تتصدر ساحته، من دون إغفال بروز المزيد من الأزمات الداخلية. هنا تختلف المقاربة اللبنانية عن المقاربة السورية. ففي سوريا رجل واحد وقرار واحد. أما في لبنان فإن التوزانات السياسية وتعدد مراكز القرار وتصارعها، هي التي تحول دون وضع تصور واضح والعمل على إنجازه، خصوصاً في ظل تضارب كبير بالمصالح السياسية بين القوى المختلفة.
حكومة لبنان المطوَّقة
هذا التضارب بدأ ينعكس على أكثر من صعيد، سياسياً، اقتصادياً، ومعيشياً، لتبدو وكأن هناك محاولات كثيرة لتطويق الحكومة وتعطيل مسار الإصلاح الذي تصرّ على تنفيذه.
وقد بدأت مؤشرات تطويق الحكومة تبرز على أكثر من خط:
أولها، الانقسام حول ملف قانون إصلاح المصارف وربطه بقانون الفجوة المالية، علماً أن جهات دولية أوصلت رسائل واضحة إلى لبنان، بأن المدخل لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي هو إصلاح القطاع المصرفي بغض النظر عن تحديد الفجوة المالية.
ثانيها، افتعال إشكالية حول صلاحيات لجنة الرقابة على المصارف، وصولاً إلى الاختلاف على وجهة تعيين نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة الرقابة على المصارف.
ثالثها، التصعيد السياسي الذي اضطلع به حزب الله ضد رئيس الحكومة نواف سلام، علماً أن الأخير لم يقل شيئاً جديداً أو خارجاً عن نطاق البيان الوزاري أو خطاب القسم، مع الإشارة إلى محاولات حزب الله لتكريس صورة اختلاف في المقاربات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والاستثمار بذلك.
رابعها، الهجوم على الحكومة في مسألة التعيينات أو التشكيلات وبعض التأخر الذي يحصل بسبب اعتماد آلية التعيينات الإدارية إلى جانب الهجوم على هذه الآلية.
خامسها، التلويح بتحركات واحتجاجات شعبية من قبل روابط الموظفين والنقابات العمالية والسائقين العموميين، والتحضير لتنفيذ تظاهرات أو تحركات تصعيدية، إما لمطالبة الحكومة بالتراجع عن إعادة سعر المحروقات إلى ما كانت عليه في شهر شباط الفائت، على أن يحتسب الفارق من الموزعين والشركات، بينما تتجه هذه الشركات إلى تحميل المواطنين هذا العبء. وإما من خلال المطالبة برفع الرواتب أو تقديم منح مالية شهرية لكل القطاعات، إسوة بالعسكريين.
سياسة واقتصاد
تتجمع كل هذه التحديات في محاولة لتطويق عمل الحكومة، أو لتعطيل المسار الذي تسعى إلى سلوكه، وذلك من خلال تقاطع مصالح بين قوى عديدة ومتناقضة، تجتمع على أهداف سياسية واقتصادية مشتركة، وأبرز ما تجتمع حوله هو رفض الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لا سيما أن هذه القوى تسعى منذ سنوات إلى إعاقة الوصول إلى أي اتفاق مع الصندوق. هنا أيضاً لا بد من العودة إلى تصريح سابق أطلقته أورتاغوس عندما اعتبرت أن لبنان لا يحتاج إلى اتفاق مع الصندوق، بل يمكنه الرهان على الاستثمارات. هذا الموقف أدى إلى عاصفة داخل الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع بأورتاغوس لإعادة تصحيحه، وربما ذلك من بين الأسباب التي دفعت إلى إزاحتها.
المصدر: المدن
الإدارة السورية الجديدة بدمشق نتيجة إنتصار ثورة شعب، متحررة من كل القيود التي تكبلها، لذلك نجحت بتحقيق مطالب شعبها وتتقدم للأمام، أما الحكومة اللبنانية فهي ناتجة عن نظام محاصصة طائفية ينخرها المصالح لتكبلها عن تحقيق أي إجراءات للتقدم.