مهند الكاطع في حوار حول منطقة الجزيرة السورية: خطر الانفصال الكردي منعدم.. والموساد موجود بحماية الميليشيات

عبد الرحيم خليفة 

 مهند الكاطع باحث في شؤون منطقة (الجزيرة والفرات السورية)، يمتاز بالرصانة، أبحاثه منشورة في دوريات عديدة، وله مؤلفات تبحث شؤون المنطقة وتركيبها الديمغرافي، في طريقها للنشر، وهو أيضا سياسي مستقل، انتخبه مؤتمر الرياض، الذي انعقد نهاية العام المنصرم، رئيسا لكتلة الثمانية الذين انتخبوا ل(الهيئة العليا للمفاوضات) وناطقا رسميا باسمهم.

معارض قديم، وناشط مستقل في أوساط القوى الديمقراطية، وساهم مؤخراً في تأسيس (التحالف العربي الديمقراطي في منطقة الجزيرة).

 س1 – ماذا يجري في منطقة الجزيرة السورية، ما هي آخر التطورات البعيدة عن الأضواء.؟ 

ج١- منطقة الجزيرة ما زالت خاضعة لسيطرة قوات الأمر الواقع الممثلة بما يسمى “قوات قسد”، وما زالت هذه الميليشيات مستمرة بالهيمنة على مقدرات المنطقة، وتقوم بفرض التجنيد الإجباري، وعمليات اعتقال، وفرض منهاج تعليمي في المدارس يحمل إيديولوجية حزب العمال الكردستاني على أبناء المنطقة، الأمر الذي أثار ردود أفعال احتجاجية آخذة بالتفاقم، وتواجه برفض من سكان المنطقة، إلى الحد الذي جعل المنطقة قابلة للانفجار، خاصة بعد عمليات اغتيال طالت شخصيات اجتماعية عشائرية لم تقبل سياسات (قسد)، الأمر الذي زاد من شدة الاحتقان ضدّها، ودفع بعض أهالي ريف دير الزور لمواجهات عنيفة معها، ودفع (قسد) لفرض حصار على الريف الشرقي من دير الزور، ما زال مستمراً حتى الآن.

س2 – وقعت “الادارة الذاتية” مؤخرا اتفاقا مع شركة أميركية لاستثمار النفط السوري، ما معلوماتكم عنه وكيف تنظرون له.؟ 

ج٢- الاتفاق لم يتم توقيعه بين مؤسسات مدنية أو سياسية في ما يسمى “الإدارة الذاتية”، بل جرى توقيعه بين شركة أمريكية وبين قوات الأمر الواقع العسكرية “قسد”، وهو اتفاق غير شرعي لعدم وجود طرف سوري شرعي فيه، إذ جرى بين طرفين غير سوريين وغير شرعيين هما شركة أجنبية وميليشيات أجنبيةً تابعة لحزب العمال الكردستاني “التركي” المصنف ارهابيا من المجتمع الدولي.

وبرأيي إن الأمر يندرج في إطار رسالة ضغط أميركية موجهة الى تركيا، وعلينا ملاحظة أن عدم توقيعه من جهة سياسية يعني عدم اعتراف الولايات المتحدة بما يسمى “الإدارة الذاتية”، وإبقاء العلاقة الأميركية مع الميليشيات في الإطار العسكري الذي حددته الولايات المتحدة.

س3 – سنت سلطة الأمر الواقع “قانونا” جديداً أسمته قانون (تنمية المجتمع) ما هذا “القانون” وفي أي سياق يأتي.؟ 

ج٣- هذا “القانون” الذي أصدرته سلطات الأمر الواقع واضعة إياه في خانة “تنمية المجتمع”، هو سرقة موصوفة، واعتداء على حق الملكية الذي كفلته كل الدساتير السورية، إذ يقضي هذا “القانون” تخويل ما يسمى “الإدارة الذاتية” سلطة الاستيلاء على الأملاك والأموال المنقولة وغير المنقولة للسوريين الغائبين عن أرضهم بسبب الصراع لمدة تزيد عن سنة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بغرض ادارتها واستثمارها “مؤقتاً”، وبحجة تنمية المجتمع، وهذا القانون غير المشروع يحرم صاحب الأملاك الغائب، من حقه الطبيعي بالتصرف بأملاكه أو رعايتها إذا لم يحضر هو، أو أحد أقربائه من الدرجة الأولى، أو الثانية، خلال مدة أقصاها سنة متواصلة، ولا تسلم الأموال إلا بموافقة المجلس التنفيذي في دائرة أملاك الغائب.

في الواقع يأتي هذا القانون في سياق مخططات استيطانية تمارسها قوات الأمر الواقع بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية، عبر تجريد سكان المنطقة الشرعيين والأصليين من أملاكهم، واغتصابها في خطوة تذكر بسياسات الاستعمار الاستيطاني إلاحلالية، تستهدف بالدرجة الأولى المواطنين العرب المهجّرين.

س4 – تشكلت مؤخرا جبهة (الحرية والسلام) تحت سلطة الأمر الواقع في الجزيرة.. ما هذه الجبهة وما أهدافها الحقيقية.؟ 

ج٤- جبهة “الحرية والسلام” تشكلت بعد الرفض السوري والشعبي للرعاية الأمريكية للتفاهمات بين المجلس الوطني الكردي وميليشيات الأمر الواقع التابعة للعمال الكردستاني، بهدف تسويق الأخيرة كطرف سوري، مع إهمال مكونات تركيبة المحافظات الشرقية الخاضعة لسيطرة (قسد) والتي يشكل فيها العرب أكثر من ٨٥٪ من السكان، فجاءت الخطوة الثانية بتشكيل جبهة “الحرية والسلام” من المجلس الوطني الكردي الذي يتفاوض مع قسد لتقاسم النفوذ في المنطقة، وفق (اتفاقية دهوك) التي رعاها مسعود البرزاني سنة ٢٠١٤، وبين الأطراف التي سبق وأن تحالفت مع قسد وما يسمى الإدارة الذاتية مثل (المنظمة الآثورامية، وتيار الغد الذي يرأسه أحمد الجربا)، وهذه محاولة للالتفاف على الرفض الشعبي للمشاريع الكردية الأحادية في المنطقة، ومراجعة بنود الرؤية السياسية الصادرة عن هذا التحالف، تظهر إلى أي مدى تعتبر خارجة عن أي إطار وطني، وتهدد المصالح المشتركة للشعب السوري، وتمهد للانفصال، وتعويم الهوية السورية، وإخراجها من بعدها التاريخي والثقافي والحضاري العربي، وتعريف سورية بأنها عبارة عن مزيج من القوميات والثقافات والديانات، بتجاهل صريح لحقيقة أن العروبة تشكل الثقافة المشتركة لجميع سكان سورية، رغم وجود أقليات لغوية لا تتجاوز نسبتها ٧٪ من مجمل السكان.

س5 – ساهمتم مؤخرًا في تشكيل “التحالف العربي الديمقراطي”، ماهي أهدافه والى ماذا تتطلعون.؟ 

ج٥ – (التحالف العربي الديمقراطي في الجزيرة والفرات) هو تجمع واسع يضم، دون تمييز، جميع المؤمنين بأن الهوية العربية تمثلهم، وأن الديمقراطية خيارهم النهائي، وأن الدولة المدنية ذات السيادة التي تحترم القانون والدستور هي مآل طموحهم الأخير.

رسالة التحالف إلى السوريين، تتمثل في الإصرار على استكمال طريق ثورتهم بشعاراتها الأولى في الحرية والكرامة والمساواة، وللوصول إلى دولة ديمقراطية مدنية لمواطنيها جميعاً، دون استثناء، دولة المواطنة والعدالة والحريات والحقوق، دولة تعيد سورية إلى دورها الحضاري ومسارها الصحيح، كما يهدف تحالفنا إلى تقديم رؤية سورية عربية لـلبلاد بـأسـرهـا، دون طمس لثقافات الأطياف السورية كافة، وحقوقها الأولية التي تتساوى فيها مـع بقية السوريين، معتمداً في ذلك عـلى الحقائق العلمية، وأخذاً بعين الاعتبار جميع الثوابت الأخلاقية الوطنية والثقافية للمجتمع السوري.

س6 – هناك حراك مدني قوي في محافظة دير الزور، مناهض لسلطة الأمر الواقع، لماذا لم يمتد إلى باقي مناطق الجزيرة والفرات.؟ 

ج٦- لم تتوقف المواجهات ومظاهر الرفض لقوات الأمر الواقع في أنحاء المنطقة الشرقية كافة، في محافظة الحسكة انطلقت خلال هذا العام عدة مظاهرات، وحتى خلال الأعوام السابقة كانت تحدث صدامات في العديد من القرى والبلدات بين السكان العرب وبين قوات الأمر الواقع، لكنها لا تأخذ نصيبها في الإعلام، من ناحية أخرى، محافظة دير الزور جميع سكانها عرب، هذا يجعل شكل الانتفاضة ضد (قسد) واضح دون مخاوف من تحوله لصراع قومي، في حين يختلف واقع محافظة الحسكة التي تشهد تعايشا راسخا بين العرب “بمسلميهم ومسيحيهم” مع الأكراد وباقي الأقليات، وبالتالي تكون ردود الأفعال والانتفاضات محدودة، خشية أن يستغل لصالح صراع أهلي يكون الجميع خاسراً فيه، وهذا يعكس حرص أهالي المنطقة جميعاً على التعايش المشترك، وكذلك خطر تهديد قوات الأمر الواقع لهذا التعايش.

س7 – أنت رئيس (كتلة المستقلين الثمانية)، والناطق الرسمي باسمها، التي انتخبها مؤتمر الرياض الذي جرى نهاية العام الماضي، أين وصلت قضية انضمامكم لهيئة المفاوضات.؟ 

ج٧ _ لا تزال للأسف مسألة انضمام المستقلين وممارسة استحقاقهم الانتخابي ضمن هيئة التفاوض معلقة، بسبب تعنت (الائتلاف) بمواقفه السلبية منها، نظراً لأن المستقلين الذين اجتمعوا في الدولة الراعية لهيئة التفاوض(عددهم ٦٧ شخصية سورية) لم يأتوا عن طريق (الائتلاف)، وبالتالي ذهب الائتلاف باتجاه تعطيل هيئة التفاوض بالكامل منذ أواخر كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٩ وحتى يومنا هذا، دون التوصل لاتفاق بخصوص انضمام المستقلين المنتخبين والشرعيين إلى (الهيئة) محل المستقلين المنتهية ولايتهم، بموجب النظام الداخلي منذ أكثر من سبعة شهور، وهذا بلا شك يعكس حالة التشتت والترهل التي تعانيها مؤسسات المعارضة، وانعكاساتها السلبية على مستقبل العملية السياسية والثورة السورية برمتها.

س8 – أعلن مؤخرا عن اجتماع قريب للهيئة الدستورية، بعد فترة تعطيل متعمد من النظام تقارب عاما كاملا، هل اقتربت لحظة الحل السياسي في سورية.؟ 

ج٨ _ لا أعتقد ان لحظة الحل السياسي في سورية قد اقتربت، فلا تزال العملية السياسية معطلة، وهيئة التفاوض المخولة بالتفاوض للوصول لحل سياسي تعاني من الشلل، وبالتالي اجتماع اللجنة الدستورية المهتمة ببحث إحدى السلال التفاوضية، لن تفضي منفردة لحل سياسي حتى لو تفاءلنا بقدرتها على انجاز شيء مع نظام يحاول إضاعة الوقت، ودون وجود إرادة دولية حقيقية، تجبره على الالتزام بقراراتها بهذا الخصوص.

س9 – أنت ابن مدينة القامشلي ومتابع بدقة لما يجري على أرضها، ما حقيقة وجود (إسرائيل) استخباريا وإعلاميا فيها بلا تهويل، وما علاقاتها بالطرف الكردي.؟

ج٩- إسرائيل موجودة على الأرض، وتحديداً في القامشلي، فقد سبق أن عرضت قناة اسرائيلية تقريراً قام مراسلها بتصويره من مدينة القامشلي، كما قام مظلوم عبدي مؤخراً بإجراء لقاء مع قناة اسرائيلية، ناهيكم عن مقاتلين إسرائيليين ظهروا في المنطقة في فترة الحرب المعلنة، وقاموا بنشر صورهم، كما تشير المعلومات المحلية إلى وجود مكتب للموساد في مدينة القامشلي أيضاً، علينا ان نتذكر أن الموساد الاسرائيلي سبق وأن تواجد فعليا ورسميا منذ سنة ١٩٦٧ في شمال العراق برفقة الملا مصطفى البرزاني، وهم لن يفوتوا فرصة دعم وتدريب عناصر (العمال الكردستاني) في سورية ورسم مشاريعهم، بما يعود بالفائدة على إسرائيل في نهاية المطاف.

س10 – هل هناك بتقديركم مخاطر على وحدة سورية، وهل هناك فرصة لقيام كيان كردي انفصالي، أقله على النموذج العراقي.؟

ج١٠_ هناك مخاطر على استقرار سورية، وعلى السلم الأهلي بالدرجة الأولى، وعلى تجهيل الأجيال، بما يؤثر على احتمال ارتفاع نسبة الأمية، ومستوى الجريمة، أما خطر إقامة كيان كردي في سورية فهو احتمال ضعيف جداً، لانعدام المقومات لقيام كيان كردي انفصالي، أو حتى وفق النموذج العراقي، فالظروف الجيوسياسية والتاريخية والجغرافية والديموغرافية للمناطق التي يتواجد فيها الأكراد في سورية، مختلفة بشكل كامل عن نظيرتها في العراق، ولن يستطيع الأكراد مهما كانت الظروف، إقامة كيان لهم في سورية، إلا اذا افترضنا إمكانية تقسيم تركيا وتحقيق أكراد تركيا دولة مستقلة ، وهذا مستبعد، بل وشبه مستحيل، والافتراض الثاني هو القضاء تماماً على أكثر من ٨٥٪ من سكان المحافظات الشرقية من العرب المسلمين والمسيحيين، ودعم أميركا للقوى الكردية بقواعد دائمة لإقامة كيان لهم إلى جانب كيان كردي مفترض في تركيا، وهما شرطان مستحيلان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى