لقاء دمشق الأخير بين “قسد” والقيادة السورية وإمكانية إحياء اتفاق العاشر من آذار

 حسن النيفي

يجسّد وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كسلطة أمر واقع تسيطر على الجزيرة السورية، أحد أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة السورية في سعيها للسيطرة على كامل التراب السوري، ومن ثم إرساء الأمن والاستقرار وتفعيل مؤسسات الدولة. ولعلّ انحياز القيادة السورية إلى خيار التفاوض جاء انسجاماً مع رغبة عموم السوريين في تجنّب مظاهر العنف بعد سقوط الأسد، واللجوء إلى الحوار كوسيلة للتفاهم بين السوريين.
وإذا كان هذا الخيار يجسّد مظهراً من مظاهر حسن النية، فإن اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي عزّز بعض الأمل لدى كثير من السوريين بإمكانية الوصول إلى توافقات وطنية ترضي جميع الأطراف.

اللقاءات المتعددة بين الحكومة ووفود “قسد” خلال الأشهر الماضية لم تنجح في تأسيس مدخل فعّال للتفاوض أو بناء أرضية مشتركة للحوار.

غياب التطبيق العملي لاتفاق آذار

مرّ على اتفاق آذار سبعة أشهر، من دون أن يُترجم على الأرض أي أثر مادي، بما في ذلك وقف إطلاق النار، إذ لم تتوقف الخروقات الأمنية سواء على تخوم المواجهة في سد تشرين وما حوله من قرى وبلدات، أو في حيي الأشرفية والشيخ مقصود داخل مدينة حلب.
ويعكس ذلك انعدام الثقة بين الطرفين، كما أنّ اللقاءات المتعددة بين الحكومة ووفود “قسد” خلال الأشهر الماضية لم تنجح في تأسيس مدخل فعّال للتفاوض أو بناء أرضية مشتركة للحوار.

انسداد سياسي وقلق إقليمي

تحوّلت حالة الانسداد السياسي أو عقم التفاوض بين “قسد” والحكومة السورية إلى مصدر إحباط داخلي وقلق خارجي، سواء لدى القيادة السورية أو لدى بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
فوجود “قسد” ككيان سلطوي في شمال شرقي سوريا له تداعيات إقليمية، أبرزها الموقف التركي الرافض لأي كيان كردي على حدوده الجنوبية.
هذا القلق الدولي، والخشية من تحوّل الجمود إلى تصعيد عسكري، دفع الإدارة الأميركية إلى التحرّك لإحياء المسار التفاوضي بين دمشق و”قسد”.

وفي هذا السياق، جاء اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العسكري مظلوم عبدي في الحادي عشر من الشهر الجاري، بحضور المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك وقائد القيادة الأميركية الوسطى (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر، إضافة إلى وفد مرافق من “قسد”.
ويبدو أن اللقاء جاء ضمن التحرك الأميركي الرامي إلى دفع الأطراف نحو خطوات ملموسة تمهّد لتفاهمات أوسع في المستقبل القريب.

تصريحات مظلوم عبدي عقب اللقاء، خلال مقابلة مع قناة “روناهي”، كشفت عن نقاشات أمنية وسياسية واقتصادية شملت مواضيع اللامركزية والدمج العسكري، وانضمام “الأسايش” إلى قوى الأمن الداخلي التابعة للحكومة السورية، وعودة المهجّرين إلى مناطقهم. كما أشار عبدي إلى توافق مبدئي على تشكيل وحدات عسكرية مشتركة لمحاربة تنظيم “داعش” بناءً على المقترح الأميركي.
ومع ذلك، بقيت هذه التفاهمات شفهية وغير موثقة رسمياً، وإن كانت تحمل أهمية رمزية باعتبارها خطوة نحو إزالة الحواجز النفسية واستمرار الحوار.

موازين القوة ومعيقات التفاوض

تدرك كل من “قسد” والحكومة السورية أوراق القوة والضعف لدى الطرف الآخر.
فدمشق تستند إلى مشروعية الدولة السورية وسعيها لبسط سلطتها على كامل الأراضي، مدعومة برغبة غالبية سكان الجزيرة السورية – ومعظمهم من العرب – بالعودة إلى كنف الدولة، فضلاً عن المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة لهذا التوجّه.

في المقابل، تسعى “قسد” إلى التمسك بمسألتين أساسيتين:

  • التمسّك بالجغرافيا، إذ أكّد عبدي أنّ الانسحاب من الرقة ودير الزور “مسألة غير قابلة للنقاش”.
  • الحفاظ على الهيكلية العسكرية لقوات “قسد” حتى في حال اندماجها بالجيش السوري.

أما القضايا الأخرى مثل منابع النفط والمعابر والإدارة المدنية، فتبقيها “قسد” أوراقاً تفاوضية قابلة للنقاش عند الضرورة.

في إطار البناء الوطني المشترك، لا وجود لرابح وخاسر، بل يكون السوريون جميعاً رابحين متى ما تم تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الفئوية.

نقطتا الخلاف الجوهرية

  1. اللامركزية:
    لا يزال المفهوم محلّ خلاف جذري، فدمشق ترى أن اللامركزية السياسية كما تطرحها “قسد” تهدد وحدة الدولة وتؤسس لكيان موازٍ لها، في حين تؤكد “قسد” أن اللامركزية المطلوبة إدارية وشاملة لجميع المحافظات.
    واقترحت “قسد” تشكيل لجنة لشرح رؤيتها للمواطنين في المحافظات السورية الأخرى.
    ولتجنّب الغموض، ينبغي على “قسد” توضيح مطلبها بدقّة:
    إن كان المقصود اللامركزية الإدارية الموسعة، فهذا مطلب يلقى قبولاً واسعاً ولا يستدعي تحفظات، أما إذا كان الهدف اللامركزية السياسية فذلك يجعل التفاوض رهين المجهول.
  2. الاندماج العسكري:
    تخشى “قسد” أن يؤدي الاندماج الكامل إلى تفكّك بنيتها العسكرية وفقدانها لنقاط القوة.
    ويمكن تجاوز هذا العائق عبر برنامج مرحلي تدريجي متفق عليه بين الطرفين، بإشراف جهة دولية ضامنة يوافقان عليها.

خاتمة: التنازلات طريق للربح المشترك

على الرغم من وعورة المسار التفاوضي بين دمشق و”قسد”، فإن تحقيق النتائج المرجوة يبقى مرهوناً بإرادة الطرفين وجديتهما، وبقدرتهما على تقديم تنازلات متبادلة بعيداً عن عقلية الغالب والمغلوب.
ففي إطار البناء الوطني المشترك، لا وجود لرابح وخاسر، بل يكون السوريون جميعاً رابحين متى ما تم تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الفئوية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى