جديد لعبة السلطة في العراق

عبد اللطيف السعدون

                                                                   

ثلاثة أسابيع فقط ويبدأ “عرس” الانتخابات البرلمانية العراقية وسط حمّى عارمة مرتبطة على نحو أو آخر بما يجري من حول العراق من انعطافات وتحوّلات متسارعة ابتداء من انتهاء حرب إبادة أهل غزّة التي أتقن صنعها الإسرائيليون، ودامت عامين (هل انتهت الحرب حقا؟)، ومروراً بأكثر من واقعة في المنطقة لها دلالاتها ومآلاتها. ووسط كل هذه التداعيات، يبدو الميدان السياسي في العراق محكوماً بتبادل الشتائم والاتهامات، ومشحوناً بنسق طائفي لا تخطئه الحواسّ، يجري تداوله بلغة “الأزقة الخلفية” التي أتقن استخدامها بعضٌ من سياسيي العراق الذين وضعتهم مصادفة شرّيرة على قمّة السلطة.

أخطر من ذلك تصاعد ظاهرة غير مسبوقة من حيث حجمها وفاعليتها، استخدام “المال السياسي” الذي سيكون له تأثيره الوسخ في صياغة نتائج الانتخابات، والتحكم في حظوظ الفائزين والخاسرين. وفي هذا المجال، يشار إلى صفقات أوصلت كلفة المقعد البرلماني الواحد إلى خمسة مليارات دينار (بحدود أربعة ملايين دولار)، ودعك من عمليات شراء أصوات الناخبين التي بلغت في بعض الحالات نصف مليون دينار للصوت الواحد!

ومن الظواهر المرضية الأخرى حالة استقطاب عشائري لدى بعض المرشّحين، واستناد المرشّح الى عشيرته في طرح نفسه أكثر من استناده إلى جمهور مفتوح يتخطّى “هوية العشيرة”، وهنا قد يعمد شيخ العشيرة إلى إلزام أفراد عشيرته بالتصويت لمرشح معين دون غيره.

ما هو مرصود أيضا اهتمام دول معينة بالحصول على حصّة في مقاعد البرلمان المقبل، بما يخدم مصالحها، ويحقق لها نوعا من التأثير على القرار مستقبلا. ويُشار، في هذا الصدد، بإصبع الاتهام إلى حكومة “الجمهورية الإسلامية” التي شكلت “خلية عمل” في سفارتها في بغداد لدعم “وكلائها” المرشّحين سعياً لإيصالهم إلى قبة البرلمان، وهذا ما اعتادت فعله في الدورات الانتخابية السابقة.

وضمن مجريات “العرس” الانتخابي المنتظر، أفتت مفوضية الانتخابات باستبعاد أزيد من 500 مرشّح تحت عنوان “اجتثاث البعث”، أو مخالفة قواعد السلوك، أو عدم استكمال الوثائق، وبدت المبرّرات غير مقنعة، وخصوصاً أن بعض من استبعدوا كانوا يشغلون مناصب ووظائف مرموقة إلى ما قبل أسابيع، وبينهم أعضاء في البرلمان الحالي. أما لماذا لم تجر مساءلتهم من قبل، فذلك سؤال لا نجد إجابة له، لكن ما تقوله المجالس أن بعض من جرى استبعادهم هم أصحاب “صوت عال”، وقد ينغّصون على زعماء المليشيات و”حيتان” الفساد عيشهم إذا ما قدّر لهم أن يصلوا إلى البرلمان.

يرى كثيرون أن البرلمان العراقي المقبل لن يكون أكثر من نسخة منقّحة قليلا من برلمانات الدورات السابقة

وحدهم الشيوعيون اختطّوا طريقا آخر في مشاركتهم في العملية الانتخابية، إذ وضعوا برنامجا وطنيا يركّز على معالجة القضايا الأساسية التي تهم المواطن، وعلى تبنّي سياسات إصلاحية في إدارة الدولة والمال العام، واعتمدوا على كسر النمط التقليدي في الدعاية لمرشّحيهم بتنظيم زياراتٍ إلى منازل المواطنين، والحوار معهم مباشرة، لكن العقدة تظل، بالنسبة لهم، أكبر من ذلك، حيث إنهم كانوا قد خسروا الجزء الأكبر من حضورهم الجماهيري الذي كانوا عليه أيام زمان بسبب السياسة الخاطئة التي اتبعتها قيادة الحزب، بقبولها الدخول في مجلس الحكم الذي أسّسه بعد الاحتلال الحاكم الأميركي بول بريمر على قاعدة التمثيل الطائفي، وهذه مسألة لا تزال تفعل فعلها في الذاكرة الشعبية، حيث لا يتوقع أن يحظى الشيوعيون بفوز أكثر من مرشح واحد في أحسن الأحوال.

نتيجة هذا كله، يرى كثيرون أن البرلمان المقبل لن يكون أكثر من نسخة منقّحة قليلا من برلمانات الدورات السابقة. ولذلك، رفع هؤلاء راية المقاطعة، ولم يعودوا يعبأون بالحملات الانتخابية. وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هو الآخر، قد طرح فكرة “المقاطعة” منذ أن سحب نوابه من البرلمان في أغسطس/ آب 2022، وقد سعى رجال “الإطار التنسيقي” إلى إقناعه بالعدول عن موقفه، والمشاركة في الانتخابات الحالية إدراكاً منهم لتأثيره على الشارع الشيعي، لكنه أصرّ على موقفه مكرّرا ما كان قد قاله عن عدم استعداده للتوافق مع “الفاسدين”، وأنه لن يكون طرفاً في عملية سياسية لا تؤدّي إلى تغيير حقيقي.

وعبر هذا الخليط من الشد والجذب، ليس ثمّة أمل في أن يحظى العراقيون بفرصةٍ عريضةٍ للتغيير، لكننا قد نشهد فصلاً جديداً في لعبة السلطة، الجديد فيه ازاحة “المليشيات” عن المشهد، وغياب أسماء كبيرة بفعل ضغوط واشنطن التي بعثت رسائل عدة إلى حكومة بغداد، جديدها أخيراً رسالة قيل إنها تضمّنت إنذاراً نهائياً بما عليها فعله بهذا الخصوص.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى