شهدت وتشهد الحالة الثورية السورية الكثير من التخلي العربي عنها وعن مناصرتها، والأهم من ذلك ما نراه من تخلٍ شعبي في بعض الأحيان من قبل العديد من الشعوب العربية. في وقت لم يتردد الشعب السوري يومًا، عن مناصرة كل ثورات الشعوب العربية، بل وكل قضايا العرب من قضية فلسطين كقضية مركزية للأمة، مرورًا بقضية الشعب العراقي والمصري، وكل الساحات العربية التي شهدت حراكًا جماهيريًا من أجل إنهاء الطغاة.
إذًا لماذا يا ترى كل هذا النسيان؟ وكيف يمكن تفسير كل هذه الحالات من التخلي والعزوف عن مناصرة ثورة الحرية والكرامة السورية على المستوى العربي.؟ ليس على مستوى الأنظمة فحسب بل أيضًا الشعوب.؟ ولماذا نشهد مواقف بائسة في غير حالة عربية بما يخص نصرة الثورة السورية.؟ وهل من تفسير لانحياز بعض القوى السياسية العربية إلى جانب إيران والطاغية الأسد؟ صحيفة إشراق حملت هذا السؤال إلى العديد من أهل السياسة والثقافة فكانت الإجابات كما يلي:
الكاتب الصحافي ومدير راديو فجر الأستاذ علاء الدين حسو يرى أن: ” العرب، كحكام ونخب عاجزين ولا يمكن لهم مساعدة أحد. والتخلي يعني أن تدع الانسان وشأنه. ولا تستطيع مساعدته. كيف لمن لا يعرف أصول الانقاذ أن ينقذ من يخوض الأمواج العاتية. سابقًا كان للحكام دور كبير في ذلك.. لهم قوة. اي ثائر او معارض لبلد عربي ما يجد ملاذًا له في دولة مجاورة. وذلك في مستوى أفراد أو جماعات. ولكن في الحالة السورية تغيرت الأمور.. حيث الشعب يثور وهذه الثورة، ليست كتونس أو حتى مصر. والنظام الدولي يرى أن سورية مربطًا من مرابطه. وسورية بلد تم تصنيعه وفق نظام دولي، وانتزع منه العراق وفلسطين ولبنان والأردن والكويت وقبرص. لذلك فالعرب كحكام غير قادرين. أما النخب فهم ثلاثة أقسام وتلك حكاية أخرى. قسم مرتبط مع السلطات، وهذا خارج الدعم، وقسم مرتبط بدول إقليمية ووضعه مثل الأول، أما القسم الذي معنا، فإما مثلنا لاجئ أو معتقل أو مقموع”.
الناشطة والمعارضة السورية السيدة ندى الخش قالت:” مع حرق البوعزيزي لنفسه وانطلاق الثورة في تونس كانت الأحلام بذروتها في سورية، حيث انطلقت مظاهرات تأييد لها ولمصر وليبيا فيما بعد وما يزال شعار (خاين يللي بيقتل شعبه) في ذاكرتنا أمام السفارة الليبية. ذات هؤلاء الشباب من انطلق في الثورة السورية يهتف في المظاهرات ثورة ثورة سورية ثورة عز وحرية، إضافة لشعارات كثيرة وترداد الشعار الذي تضامنوا به مع الليبيين (خاين يللي بيقتل شعبه) في بداية الثورة كانت المظاهرات عامة وتشمل أعدادًا كبيرة من السوريين وبتنوعهم القومي والديني والطائفي والمناطقي، كان الفرح كبيرًا ويغمر الجميع للدرجة التي لم ينتبهوا به لخطورة الدور الوظيفي لآل الأسد وارتباطاته العربية والاقليمية والدولية نسينا((الشعب السوري أن انتصار أي قضية لا تكون فقط لأنها تملك الحق في المطالب)) لم نتوجه بالخطاب سياسيًا للشعوب العربية وقبل بدايات العسكرة، والتي كانت في بدايتها لتأمين حماية المتظاهرين وأماكن التظاهرات، وتحولت فيما بعد لتشكيل فصائل مسلحة ممولة من دول عربية وأجنبية ولا فرق بينها، كل منها كان يخدم أجندات الممولين ولهذا الحديث شجون خاصة لن نتحدث عنها حاليًا، أمام هذه التحولات بدأ الانقسام عموديًا وأفقيًا في الداخل السوري، وعند كل الشعوب العربية، ولهذا أسباب كثيرة أولها وأهمها غياب قناة إعلامية ثورية سورية تكون هي مصدر الأخبار للشعب السوري، ولكل الشعوب العربية وحتى ناطقة بلغات تصل إلى الرأي العام العالمي”. وأضافت:” تشكلت تنسيقيات ولجان وهيئات معارضة وكل منها يخاطب بطريقته، والتي قد تتضارب بالمعلومات حينًا عبر اللجوء للمبالغة وكأن همجية الدولة المتوحشة تحتاج لمبالغة!! في الوقت ذاته كان النظام موحدًا في الخطاب والإدارة وله أدواته الإعلامية والسياسية والأمنية والتي تعمل بخطة واحدة، سورية الأسد تواجه التكفيريين الاسلاميين المتطرفين!!! وكانت الآلة الإعلامية قوية إضافة إلى تغلغل إيراني في الأحزاب العربية، ومنذ عقود من السنوات تجهيزًا للحظة قد تحتاجها، وهذا ما حصل ولا يخفى علينا توغل إيران في المؤتمر القومي العربي مثلًا والبيانات التي كانت تتحدث عن مؤامرات على سورية مع إغفال حجم القتل والتهجير الذي يتعرض له الشعب السوري، وهذا مثال وليس استثناء غياب المشروع العربي، وغياب التنسيق بين الثوار على مستوي الوطن السوري، وفي كل الساحات التي انطلقت بها الثورات سمح للأنظمة بتنسيق أمني كبير فيما بينها وإن كانت على خلاف سياسي وتركت الشعوب وحيدة ضعيفة متصارعة فيما بينها، ثم وجود المشروع الايراني (الملالي)) الواضح وتغلغله أضعف كل الأحزاب وحال دون توحدها على رؤية، حين هبت الجماهير ونزلت إلى الشوارع ، تتحمل المعارضة الرسمية والنخب السورية مسؤولية في عدم تفاعل الشعوب العربية مع قضيتنا، والتي طالت وتشعبت وبدأت تأخذ مآلات موجعة وخطيرة، شخصيًا كنت أتمنى وما أزال تضامنًا من كل العرب، ولكن ما يزال بعض السوريين يقف ضد الثورة ((أنا أتحدث عن الشعب)) فكيف سنحصل على تضامن الشعوب العربية أو حتى شعوب العالم ونحن نفتقد أداة مخاطبتهم والتوضيح لهم، لا تكفي عدالة القضايا لانتصارها مانزال نحتاج إلى مشروع وطني حر مستقل سياسيًا وماليًا وحينها ستتغير مواقف الشعوب، ما تزال ثقتي كبيرة بها، وإن كانت في أضعف حالاتها هذه الفترة”.
أما المحامي محمد علي الصايغ عضو اللجنة الدستورية فقال” ثورة تونس وما لحقها من ثورات الربيع العربي كان من المفترض أن تشكل نهضة لشعوبها في إنهاء نظم الاستبداد، واستبدالها بنظم ديمقراطية خطوة متقدمة في أن تكون مفصلاً جديدًا وجديًا ومهمًا في ائتلاف واسع لنهوض شعبي عام يدعم التغيير الثوري في الدول العربية. ولكن ما جرى أن القوى الدولية وخلفهم إسرائيل رأت أن ما يجري يهدد مستقبل وجودها. فعملت التفافًا على تلك الثورات وحرف مساراتها في كل دول ثورات الربيع العربي. ويمكن تلخيص أسباب التخلي العربي والدولي عن الثورة السورية بما يلي: 1- الموقع الجيوسياسي لسورية، وشبكة المصالح الإقليمية والدولية التي تنازعت في الحصول على حصة من الكعكة السورية في النفوذ، وعدم وجود مصلحة دولية في إنجاز تغيير حقيقي يهدد مصالحها ومصالح العدو الإسرائيلي كان عاملًا دوليًا في التخلي عن الدعم الفعلي غير اللفظي، وإدارة الصراع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ومنع حصول انتصار لأي طرف من طرفي الصراع. 2- الأنظمة العربية متشابهة في التكوين وفي بناها الأمنية، وتحويل دولها الى مزارع لتلك الأنظمة، واختزال الدولة بفرد أو أسرة حاكمة. ومن الطبيعي في هذا النوع من الأنظمة – بعد فشل ثورات الربيع العربي في إنجاز التغيير – أن تدعم بقاء الأنظمة المشابهة لها، فانتصار الثورة السورية يعني امتداد رياح التغيير لتلك الأنظمة الاستبدادية المملوكية في الجوار العربي وما بعد هذا الجوار، فعملت هذه الأنظمة – بعكس المعلن إعلاميًا – على إجهاض الثورة السورية بدفعها للعنف وعسكرتها ثم تطييفها وتحويلها إلى حرب واحتراب داخلي عن طريق توليد منظمات وفصائل لا حصر لها مقابل فصائل ومنظمات داعمة للنظام، تحت رايات وأعلام مختلفة الألوان والأجندات والارتباطات الخارجية . 3- النظام استطاع إيقاع قوى الثورة في فخ العسكرة، ولكن قوى الثورة عندما حققت في بداية انطلاقها خطوات على طريق الانتصار فإنها بفعلها وسلوكها، خسرت الحاضنة الشعبية التي أدارت ظهرها لها يومًا بعد آخر، بل وسلكت ما يطلق عليه ” قوى الثورة والمعارضة ” سلوكًا يتطابق مع سلوك النظام تجاه الحاضنة الشعبية في التشبيح والتشليح وفرض الأتاوات وكم الأفواه والاعتقالات. فخسرت الداعم الأساسي الداخلي الذي يمكن أن تتمسك به في فرض موقفها تجاه الدول الاقليمية والدولية. وفرض احترامها من قبل شعوب العالم لتعطي في المحصلة انطباعًا مدعومًا من وكالات إعلام دولية وإقليمية بأن الصراع في سورية صراع على السلطة، بين نظام استبدادي، وقوى متطرفة إرهابية وظلامية. 4- الجماهير العربية أو الشعب العربي محكوم ضمن منظومة الاستبداد وثقافة الخوف التي تحولت إلى ثقافة الرعب، هذه الأنظمة جرفت مجتمعاتها وأفقدتها القدرة على الانتفاض بعد أن كسرت روح الثورة داخلها، وحولتها إلى مجتمعات كسيحة لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها داخل أوطانها، فكيف يمكن لها أن تدعم أو تدافع عن غيرها خارج أوطانها.” ثم أردف قائلًا ” أما ما يخص انحيازات القوى السياسية العربية إلى إيران أو غيرها، فعلى الأغلب هذه القوى السياسية نوعين: إما أنها تغلب الايديولوجيا على السياسة، ولكن بمعطى أيديولوجي ثابت ومحدود الرؤية السياسية، وتحت مقولات المقاومة والممانعة لإيران أو تحت مقولات الأمة الإسلامية، أو أن تلك القوى السياسية العربية محكومة بسياسة دولها وانحيازات أنظمتها، وبالتالي لا تستطيع الانفكاك في مواقفها وتأييدها عن سياسات أنظمتها. ومن هنا فإن الثورة السورية – لهذين السببين – حرمت من الدعم والتأييد المتوقع من القوى السياسية العربية. ومن تأييد ودعم منظمات المجتمع المدني والقوى الشعبية في المجتمعات الدولية. فباتت الثورة السورية وفق ما أطلق عليها بحق (الثورة اليتيمة) “.
من جهته فقد أكد الدكتور أحمد ليلى قائلا ” الأنظمة العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني هي فقط التي تحكم دون سند ولا شرعية، ومع التجربة الديمقراطية الأفضل حتى الآن في الوطن العربي؛ وأقصد هنا التجربة التونسية طبعًا. أسأل نفسي وأشارككم التساؤل، هل تتصورون يومًا أن يقوم الرئيس التونسي (الذي وصل إلى كرسي الحكم بصناديق الاقتراع الصحيحة) بعقد معاهدة التطبيع مع الصهاينة. وبمراجعة وتدقيق بسيطين سنعرف أن الجواب هو حتمًا لا. والسبب طبعًا أنه يستند إلى شعبه العربي في تونس والذي تأبى فطرته العربية السليمة أية علاقات مهما كان نوعها مع الكيان المغتصب، بينما يسارع الحكام العرب الذين يبحثون عن غطاء لهم يضمن بقاءهم على كراسي السلطة إلى استجداء أية عقود ومعاهدات مع من يعتقدون أن لهم السطوة والكلمة العليا في المجتمع الدولي مهما كان لتلك الجهات( التي يتحالفون ويتعاقدون معها) أطماع وتآمر على الشعب العربي، ولا يختلف النظام الحاكم في دمشق عن تلك الشرذمة الأفّاقة التي ذكرناها وتكاد أخبار التنسيق والتواصل بينه و بين الكيان الصهيوني تبلغ حد التواتر( هذا إن نحّينا جانبًا قصة وصول حافظ الأسد وعبوره للسلطة عبر اتفاقية بيع الجولان) بالتالي أنا لا أوافق على أن الشعوب العربية ( المغلوب على أمرها ) قصّرت في دعم القضية السورية الحقّة. ففاقد الشيء لا يعطيه”.
الناشط والطبيب البيطري الدكتور خليل سيد خليل تحدث لإشراق بقوله:” إن التخلي العربي عن القضية السورية من قبل الأنظمة العربية والشعوب العربية ليس وليد اللحظة، بل هو غياب مستمر منذ سنوات وفي كل المراحل وهو ما نتصوره خذلان للسوريين وثورتهم ،وخاصة مع تكرار عمليات التهجير القسري للسوريين من ديارهم الواحدة تلو الأخرى والمجازر التي ارتكبت بحق الشعب السوري ومنها مجزرة الكيماوي التي مرت ذكراها منذ أيام والتي جرت في ٢١/٨/٢٠١٣ ومنذ بداية الثورة كان شعار الثورة مالنا غيرك يا الله وفعلاً تخلى العرب والمجتمع الدولي عن القضية السورية والشعب السوري وأصبح الصراع قوى دولية على الأرض السورية يدفع ثمنه السوريين دون أن يكون لهم أي موقف ورأي حقيقي فيما يجري في بلدهم ودون دعم وإسناد عربي لهم ومن خلال التنافس العربي ووقوف الأنظمة العربية مع النظام وإيران ومنهم مع تنظيمات ضد طموح الثورة السورية أدت جميعها إلى تقليص الدور العربي حتى أصبح شبه منعدم”.
المصدر: صحيفة اشراق