قراءة في رواية: ويزهر الربيع

عبد المجيد عرفة

ابراهيم ابو الندى اختصاصي تخدير ومسعف ميداني سوري كان قد عمل في مشافي المناطق المحررة في الشمال السوري في سنوات الثورة الأولى.

ويزهر الربيع رواية كتبها ابراهيم ابو الندى واضعا فيها بعضا مما عايشه في تلك المرحلة. وهي كما قال إن الشخصيات مختلقة لكن الأحداث حقيقية. وكلها تتعلق بالثورة السورية وتداعياتها عالميا وفي الداخل السوري . لذلك نعتبر الرواية اقرب لان تكون شهادة ذاتية للكاتب (الطبيب) تطال المرحلة التي تحدث عنها .

تعتمد رواية ويزهر الربيع أسلوب التعبير متعدد الأصوات على لسان شخصيات روايته وهم : د.نور الدين الطبيب الدمشقي وخديجة الفتاة التي كانت خطيبته وعمر الشاب الحلبي الذي عمل في الامارات ودرس العلوم الشرعية فيها وانتقل بعد ذلك الى اليمن وتعمق في الفكر السلفي الجهادي ومن هناك عاد ليكون أحد الشباب الذين التحقوا في العمل الجهادي قريبا من التنظيمات الجهادية النصرة وداعش (تنظيم الدولة في العراق والشام) وأحرار الشام وغيرهم من الجماعات التي اسميت بالجيش الحر. كذلك عادل الشاب المغربي الذي التحق ايضا بالعمل الجهادي في سورية.

أعطت الرواية للشخصيات هذه ميزة العودة الى سياق التحدث ومتابعة أوضاعهم بالتسلسل عبر صفحات الرواية كلها التي وصلت إلى (٤٦٣) صفحة.

نحن في هذه القراءة نجمل الأحداث بتركيز وبعد ذلك نقول رأينا في الختام.

تبدأ الرواية عندما تحضر دورية امنية كبيرة الى عيادة د نور الدين لاعتقاله وذلك لدوره بعلاج شباب الثورة السورية الذين يصابون في مظاهراتهم السلمية من قبل النظام السوري الذي يواجههم بأسلحته الحربية بكل أنواعها  ومن ثم استطاع د نور الهروب ومغادرة دمشق وصولا الى الشمال السوري المحرر ليكون من الأطباء الذين يقومون بعلاج المصابين من جراء عنف النظام بحق الشعب السوري في جميع المناطق الثائرة وحتى الشباب الثائر .

د نور الدين يحب خديجة التي يعرفها ويحبها. يخطبها من اهلها ولكن الخطبة تفشل لأن اخاها خطب اخت د نور وفشلت خطبة أخاها ولذلك تم إلغاء خطبتهم تعسفا بها وخطيبها د نور حيث كان يجمعها حب لم يستطع أن ينتصر في مواجهة هذا الظرف الاجتماعي .

بقي حب خديجة ود نور في أنفسهم. د نور تتقلب به الحياة ويتزوج وينجب ويضطره ظرف الثورة والملاحقة الامنية لمغادرة عائلته هاربا الى الشمال المحرر، وتنفصل عنه زوجته. وخديجة تمر بظروف حياة صعبة أكثر من خطبة فاشلة ثم إصابة بسرطان الثدي ثم معالجتها وشفائها وزواجها ووقوعها تحت الحصار مع أهل الغوطة حيث تسكن مع اهلها وعائلتها وانتقالهم بالتهجير إلى الشمال السوري ووصولها الى الشمال السوري المحرر لتعود أقدارها بالتواصل مع د نور و ليتابعوا بداية رحلة حياة مشتركة بعد مضي سنوات قاسية عليه وعليها.

أما عادل الشاب المغربي العادي والغير متدين الذي يتم اعتقاله بسبب حيازته سيارة وجدت قريبة من مكان تفجير ارهابي في مدينته ويتهم بانتمائه للجماعات الجهادية ليدخل السجن وهناك يقرأ الكتب السلفية ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب والجهادية سيد قطب وغيره. ليخرج من السجن وقد تشبع بالفكر الجهادي ويجد نفسه مندفعا للذهاب الى سورية لنصرة المجاهدين ضد النظام المستبد الطائفي في سورية. ليصل الى سورية مارا من تركيا عبر سلسلة دقيقة من العلاقات والترابطات ليلتحق بتنظيم الدولة الإسلامية داعش. ومن وصوله الى هناك سيدخل بتفاعلات فكرية مع د نور وغيره ومن متابعته الميدانية واعادة قراءة الفكر الإسلامي بتنوعه سيكتشف تطرف داعش وخطأها. وعمل على مغادرة داعش وقرر العودة الى المغرب عبر الانتقال إلى تركيا ومن هناك لأوروبا إلى فرنسا ومنها إلى المغرب مغطيا على ماضيه في سورية خوفا من الاعتقال والمحاكمة والسجن في المغرب.

أما عمر الشاب الحلبي السوري الذي عمل في الامارات ودرس فيها الشريعة وتم إرساله من شيخه إلى اليمن ليتعمق في الدراسة الدينية وهناك اطلع في الفكر الجهادي بكل تنوعه. ومن هناك تم ارساله بتوجيه من شيوخه أن عليه واجب الذهاب الى الشام للمشاركة بالجهاد هناك. بالفعل سيذهب وسيكون من المقاتلين بصفوف جبهة النصرة وأحرار الشام. ويلتقي ب د نور الدين وتكن بينهم علاقة جيدة. سيصاب في إحدى المعارك ويستشهد.

سنتابع بالرواية حالات مرّ بها د نور في أثناء تواجده في الشمال السوري وتطورات الصراع السوري في مراحله المتتابعة. فتارة نراه مصاب في إحدى جولات القصف من النظام ونجاته بأعجوبة. ووقوعه بيد داعش التي احتفظت بها لتستفيد من اختصاصه كطبيب جراحة في معالجة مقاتليه لزمن وتتركه بعد ذلك. كذلك وقوعه بيد قوات ال ب ي د الكردية  التي كانت تسيطر على مدن في الشمال الشرقي السوري.

كذلك نتابع واقع التواصل للإمداد بالمقاتلين الأجانب (الجهاديين) وتنقلهم للعلاج ومتابعة شؤونهم بين سورية وتركيا في تلك الفترة.

تنتهي الرواية بلقاء د نور الدين وخديجة حبيبته السابقة وتجاوزهم لكل ما حصل معهم وقرارهم بالارتباط والزواج.

في التعقيب على الرواية اقول:

اقول بعد قراءتي لكثير من الروايات والسير الذاتية المتعلقة بالثورة السورية طيلة سنوات الثورة : انني امام رواية متميزة وفيها الكثير من الجديد الذي اطلعت عليه فيها.

فهي تضعنا أمام حالة الثورة السورية في المرحلة السلمية وعنف النظام والتشرد وضرب النظام الشعب السوري بالكيماوي في اكثر من موقع وكذلك الحصار في الغوطة وغيرها والتهجير في أغلب المناطق السورية.

 نجحت الرواية في عدم الخوض في الظروف الدولية والإقليمية التي صنعت وأنتجت الاندفاع والإمداد الجهادي الذي تدفق الى سورية وانتج الجماعات الجهادية بشكل اساسي والتحقت بتنظيم الدولة الاسلامية داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهم، ومع ذلك جعلتنا نتلمس وكأن هناك توجه عام نموذجه في الرواية المغرب واليمن ولكنه طال أغلب البلاد العربية وحتى كثير من الدول الاسلامية التي التحق الآلاف منها  للجهاد في سورية.

الاهم في ذلك الخوض بعمق في التنظيرات الفكرية الدينية السلفية والجهادية والتشعب في مناقشتها ومتابعة تنوعاتها وحججها وتفنيدها لبعضها البعض والكشف عن المبررات (الشرعية) لفعل الأطراف لما فعلوه من تكفير وقتل وأعمال إرهاب طال كل مختلف وهذا ينطبق بشكل أساسي على داعش التي لم يكن أمام جميع المكونات الأخرى النصرة وأحرار الشام والجيش الحر الّا أن يتكتلوا و يوحدوا جهودهم للقضاء عليها. وهكذا حصل ولو بعد زمن من زمن الرواية بالتعاون مع تحالف دولي قادته امريكا لأجل ذلك.

الرواية لا تتحدث عن حشد دولي للاستثمار في البعد الديني في تأجيج الصراع لدواعي مختلفة ولمواجهة النظام السوري المجرم وقتها. لكن الرواية توحي بذلك عبر الدفع بالمجاهدين للذهاب إلى بلاد الشام للجهاد ضد النظام الطائفي هناك.

نقول نحن هنا وبعد انتصار ثورتنا ثورة الشعب السوري وبناء دولة الثورة السورية. ان اغلب الدول عربيا وإقليميا ودوليا استثمرت في الصراع مستغلة ثورة الشعب السوري المطالب بالحرية والعدالة واسترداد الكرامة والديمقراطية وبناء الحياة الأفضل.

 روسيا وإيران وادواتها حزب الله وغيره دعموا النظام لقتل الشعب السوري ومنعه من تحقيق أهدافه.

اما تركيا ودول عربية عدة قامت بأدوار متنوعة بعضها دعم الثورة حتى انتصرت نموذجها تركيا وقطر والسعودية، ودول  خليجية أخرى دعمت النظام حتى سقط وبعد سقوطه تنصلت منه وبدأت تلعب على وتر دعم الصراع الداخلي السوري في دعم بعض المكونات السورية في لعبة تبادل أدوار مع (اسرائيل). لكنها فشلت.

نحن الان في بلد الثورة التي انتصرت وتبني استحقاقاتها مجالس محلية ومجلس شعب منتخب ؛ نسبيا، والقادم أفضل للشعب السوري بعون الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى