خلايا إيران في الجنوب السوري.. ورقة ضغط إسرائيلية أم تهديد أمني؟

  باسل المحمد

برز إلى الواجهة الأمنية جنوبي سوريا، إعلان جماعة مغمورة تُعرف باسم “المقاومة الوطنية في سوريا – كتيبة الشهيد أحمد مريود” تبنيها لعملية تفجير بعبوة ناسفة. وأوضحت الجماعة أن هجومها استهدف موقعاً عسكرياً تم استحداثه بريف القنيطرة، وهو ما يتزامن مع إعلان إسرائيلي رسمي عن إصابة جندي من الاحتلال في التاسع والعشرين من أيلول.

هذا الإعلان الذي حمل شعارات “النضال حتى تحرير كامل التراب السوري” ترافق مع تحذيرات وجهتها الجماعة للحكومة السورية، متهمة إياها بملاحقة “عناصر المقاومة” في الجنوب، ومعتبرة أن “العدو الحقيقي هو إسرائيل”. لكن سرعان ما ظهر بيان نفي قاطع من أهالي القنيطرة وعائلة مريود، أكدوا فيه أن لا علاقة لهم بالجماعة ولا ببيانها، ووصفوه بأنه محاولة من فلول النظام السابق لإثارة الفوضى وتضليل الرأي العام.

بين الروايتين، أعيد إلى الواجهة مجدداً ملف الخلايا الغامضة المرتبطة بإيران وحزب الله في الجنوب السوري؛ ملفٌ يتأرجح بين كونه تهديداً أمنياً فعلياً تسعى طهران إلى الحفاظ عليه كورقة نفوذ، وبين كونه مجرد ذريعة إسرائيلية لتبرير اعتداءاتها المتكررة داخل سوريا وإبقاء المنطقة في حالة توتر دائم.

ورغم أن الحكومة السورية أعلنت في وقت سابق اعتقال خلية تابعة لميليشيا حزب الله كانت تنشط في ريف دمشق، ما يعزز فرضية وجود نشاط فعلي لبعض المجموعات المرتبطة بإيران، إلا أن المشكلة تكمن في أن تل أبيب تبالغ وتهول في تصوير هذه الخلايا، لتوظفها كورقة ضغط تبرر من خلالها تدخلها العسكري وتعيد رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.

وفي حين تصف إسرائيل هذه الخلايا بأنها تهديد وجودي يستدعي الضربات المتواصلة في عمق الأراضي السورية، يشكك كثيرون في حجمها وتأثيرها، معتبرينها جزءاً من لعبة سياسية تستغلها تل أبيب لإدامة التوتر جنوبي سوريا وضمان شرعية تدخلاتها.

اعتقالات متباينة الدوافع

يبرز اختلاف الدوافع بين إسرائيل والحكومة السورية في التعامل مع ملف الخلايا المرتبطة بإيران وحزب الله، فإسرائيل ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها القومي وتستخدمها ذريعة لتبرير تدخلاتها العسكرية في سوريا، في حين تركز الحكومة السورية على جانب أمني داخلي يتمثل في ضبط الاستقرار وحماية المواطنين في مرحلة انتقالية حساسة.

وفي هذا السياق أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 11 أيلول الجاري عن تنفيذ عمليات خاصة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن اعتقال خلايا مقربة من فيلق القدس الإيراني، بزعم أنها كانت تحضّر لتنفيذ “عمليات إرهابية” ضد أهداف إسرائيلية.

وقال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي إن هذه الخلايا عملت تحت إشراف الوحدة 840، مشيراً إلى اعتقال ضابط سوري برتبة مقدم يُدعى حسين محمود علي كبر مع أربعة من عناصره، إضافة إلى عنصرين آخرين في عمليات منفصلة بريف القنيطرة. كما نفّذت قوات الاحتلال في تموز حملات مداهمة في عين الزيتون والدواية أسفرت عن اعتقال ستة أشخاص، في وقتٍ تحدثت فيه عن تفكيك خلية تابعة لفيلق القدس جنوب سوريا.

أما الحكومة السورية فقد أعلنت وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة اعتقال خلايا تابعة لحزب الله اللبناني، بينها خلية في بلدتي سعسع وكناكر بريف دمشق الغربي في 11 أيلول الجاري، قالت إنها كانت تخطط لعمليات تهدد أمن واستقرار المواطنين.

 وأكد العميد أحمد الدالاتي قائد الأمن الداخلي في ريف دمشق أن هذه الخلية تلقت تدريبات في معسكرات داخل لبنان.

وفي 7 تموز أعلنت وزارة الداخلية السورية عن تنفيذ عملية أمنية واسعة النطاق في مدينة البوكمال ومحيطها شرقي البلاد، أسفرت عن اعتقال أكثر من خمسين شخصا، بينهم عناصر قالت السلطات إنهم مرتبطون بالحرس الثوري الإيراني.

وفي آذار الماضي أطلقت الداخلية السورية، حملة أمنية في منطقة السيدة زينب، بريف دمشق، ضد خلايا تابعة لـ”حزب الله” اللبناني، وفي وقت لاحق أوقفت مشتبهين في حمص بحوزتهم عبوات ناسفة مرتبطة بخلايا تابعة لحزب الله، ضمن جهود وصفتها الحكومة بأنها “إجراءات لحماية الاستقرار ومنع عمليات إرهابية” داخل البلاد.

حقيقة وجود خلايا مرتبطة بإيران

يبقى ملف وجود خلايا أو مجموعات تابعة لإيران في الجنوب السوري موضع جدل كبير؛ ففي حين تعتبره إسرائيل تهديداً مباشراً وتستخدمه ذريعة لتبرير تدخلاتها العسكرية، تشير معطيات ميدانية وتصريحات مراقبين إلى أن نشاط طهران لم يختفِ تماماً بعد سقوط النظام، بل يعاود الظهور بأشكال مختلفة.

فخلال أسابيع قليلة من سقوط النظام، برزت دعوات لمقاومة “الاحتلال الإسرائيلي” في الجولان، وتشكّلت في كانون الأول/ديسمبر 2024 جماعة مسلحة باسم “جبهة تحرير الجنوب”، سرعان ما غيّرت اسمها إلى “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس”، متبنيةً شعارات ورموز قريبة من ميليشيا حزب الله.

وبحسب تقديرات المراقبين، وعلى رأسهم من يعملون لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومركز ألما للأبحاث والتعليم في إسرائيل، فإن مرد هذه الجماعة يعود إلى الجهود التي تبذلها إيران لتحافظ على نفوذها في هذا البلد الذي لطالما اعتبرته أهم حليف عربي لها في ظل حكم آل الأسد، وذلك بحسب تقرير نشرته مجلة نيوزويك الأميركية.

وفي هذا السياق يوضح الأكاديمي عبد الرحمن الحاج أن جذور الحديث عن الخلايا الإيرانية في الجنوب السوري تعود إلى عام 2018، حين أنشأ الحرس الثوري ما عُرف بـ”وحدة الجولان” المرتبطة بحزب الله وقوات الرضوان، وفق رواية إسرائيلية.

لكن الحاج ينوه في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى عدم وجود معلومات مؤكدة تثبت استمرار هذه الوحدة، خاصة بعد مقتل قائدها وسام الطويل مطلع 2024.

وفي أوائل آذار أعلن تنظيم “أولي البأس” مقتل أربعة من عناصره في ما وصفه بـ”اشتباكات” شهدتها بلدة كويا في ريف درعا قرب الجولان، إثر توغل “إسرائيلي”. ورغم تبنّي “أولي البأس” لما حدث، أكّد ناشطون محليون أن المواجهة كانت أقرب إلى ردّ فعل شعبي عفوي من الأهالي، وليس عملية عسكرية منسّقة يقودها أي تنظيم. هذا التباين في الروايات يُعزز الشك بالتنظيم ونواياه، وأنه قد يكون حالة إعلامية مضخَّمة أكثر منه قوة ميدانية منظمة.

أهداف إيران من دعم الخلايا

يثير تكرار إعلان قوات الأمن السورية عن ضبط خلايا ومجموعات مرتبطة بإيران، سواء في الجنوب أو في الوسط والشرق، تساؤلات حول دوافع طهران من وراء هذا النشاط، خاصة بعد أن شكّل سقوط النظام المخلوع ضربة قاسية لمشروعها في سوريا.

فمصادر صحفية متطابقة –منها صحيفة المجلة– كشفت أن إيران تبذل جهوداً لإعادة وصل قنواتها مع مجموعات عملت معها سابقاً في مناطق مثل درعا وحوض اليرموك والحدود السورية مع العراق ولبنان.

ويرى الأكاديمي عبد الرحمن الحاج أن تشكيل تنظيم “أولي البأس”، بما يحمله من رمزية مستمدة من شعارات الحرس الثوري، يعكس إصرار إيران على البقاء في الساحة السورية، ليس فقط لمضايقة إسرائيل، بل لتعطيل مسار الانتقال السياسي عبر خلايا متناثرة تمنح تل أبيب الذريعة لمواصلة تدخلها العسكري في الجنوب.

وفي السياق نفسه، يؤكد الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية لورانس الشمالي أن إيران وميليشياتها لا تزال تحتفظ بخلايا أمنية في مناطق نفوذها السابقة، سواء في الجنوب أو الشرق، لتستخدمها كأدوات احتياطية لسيناريوهات محتملة.

ويوضح الشمالي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن نشاط هذه الخلايا يقتصر حالياً على جمع المعلومات الاستخبارية والتسليح المحدود، في ظل غياب استراتيجية واضحة لإدارة العلاقة بين إيران والحكومة السورية.

وتأكيداً لذلك، صدر في 6 آذار/مارس 2025 بيان مشترك بين “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس” و”لواء درع الساحل”، أعلنا فيه تصديهما لما وصفاه بـ”عصابات الإرهاب التكفيري”، في إشارة مباشرة إلى القوات الحكومية. إلى جانب قرائن أخرى، يثبت ارتباط هذه التشكيلات بفلول النظام السابق وإيران، ومشاركتها المباشرة في التمرد الذي شهده الساحل السوري في الشهر نفسه، وذلك بحسب دراسة سابقة لمركز الحوار السوري عن نشاط الخلايا الإيرانية في سوريا بعد سقوط النظام.

الخلايا وتعقيد المشهد الأمني بين دمشق وتل أبيب

أضحى ملف الخلايا المرتبطة بإيران في الجنوب السوري نقطة اشتباك أساسية بين دمشق وتل أبيب. فإسرائيل تعتبر هذه المجموعات خطاً أحمر وتستند إليها لتبرير اعتداءاتها المتكررة، في حين تسعى الحكومة السورية إلى تجنّب الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد تهدد مسارها الدبلوماسي مع المجتمع الدولي.

ويرى مراقبون أن محاولات بعض المجموعات إعادة خلق أرضية مواجهة مع إسرائيل كانت متوقعة بعد خروج إيران من سوريا، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتحذير مرتين في شباط، على لسان القائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم لها في مجلس الأمن، دورثي شيا، التي حذّرت في 22 من شباط الماضي من محاولات طهران إعادة ترسيخ نفوذها في سوريا، وقالت: “إن مؤشرات تحذيرية لنفوذ إيران الخبيث وعزمها على إعادة ترسيخ وجودها في سوريا واضحة”.

كما قالت شيا أمام مجلس الأمن في 12 من الشهر نفسه: “نحن نشعر الآن بالقلق إزاء التقارير التي تتحدث عن تشكيل مجموعات جديدة في سوريا تحرض على العنف، بما في ذلك من خلال محاولة جر إسرائيل إلى صراع مباشر، وتتحدث التقارير عن أن هذه المجموعات تتلقى الدعم المالي واللوجستي من إيران، حتى بعد مغادرة هذه الأخيرة للبلاد”.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي يوضح أن سياسة دمشق تقوم على “تصفير العداء” مع الأطراف الإقليمية والدولية، وأنها تدرك خطورة التصعيد في الجنوب، خصوصاً في القنيطرة وأطراف دمشق، حيث قد يتحول أي اشتباك محدود إلى مواجهة واسعة تخدم إسرائيل بالدرجة الأولى.

ويشير النعيمي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الحكومة السورية تراعي هذا الملف بشكل كبير، بحيث أنها تعمل على تعزيز تموضعها في المنظومة الدولية من خلال الحراك الدبلوماسي الكبير، من أجل احتواء هذا الملف وعدم منح تل أبيب أي ذرائع إضافية.

أما الباحث لورانس الشمالي، فيشير إلى أن المقاربة الأمنية السورية تركز على تحييد التهديدات المحتملة ومعالجتها داخلياً، مشدداً على أن دمشق تفكك بالفعل خلايا مرتبطة بإيران في ريف دمشق والقنيطرة، في إطار سياسة واضحة لتجنّب أن تصبح سوريا جزءاً من أي استقطاب إقليمي يهدد أمنها واستقرارها.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى