
يقبع سكّان الأراضي الفلسطينية المحتلة في سجن كبير يحتفظ الاحتلال الإسرائيلي بمفتاحه. ينطبق هذا الكلام على 5.5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزّة. السجن في غزّة، حيث يقطن 2.3 مليون فلسطيني، أكثر شدّةً بسبب حصار خانق منذ عام 2008، وقد ساء بعد احتلال إسرائيل في سبتمبر/ أيلول عام 2024 ممرّ صلاح الدين (فيلادلفي)، ما أوقف المحاولات القليلة للسفر بالاتجاهين، والرشى المكلفة جداً التي يتوجّب أن يدفعها الراغبون في السفر. أمّا سكّان الضفة الغربية (3.3 ملايين)، فالمعبر الوحيد الذي يُسمح لهم بالمرور منه يحمل ثلاثة أسماء، ويسمّى تقليدياً “جسر اللنبي” أو “جسر الملك حسين” (يتفق الأردن وإسرائيل على هذه التسمية)، و”معبر الكرامة” وهو تسمية للمنطقة تحت السيطرة الفلسطينية في أريحا، التي يضطرّ الفلسطينيون للمرور رسمياً منها في كلا الاتجاهين.
أُجريت، خلال 58 سنة مضت، تغييراتٌ على ظروف التنقّل عبر الجسر، وكلّها من دون السماح باستخدام الفلسطيني سيارته الخاصّة أو التنقّل في السيارة نفسها من بيته إلى مطار عمّان أو أي موقع آخر. وحتى 1995، كانت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي على المعبر، ولكن لفترة قصيرة، على إثر اتفاقات أوسلو، بقيت إسرائيل محافظةً على موقعها الأمني، وصاحب القرار النهائي في من يخرج ويدخل، ولكن وراء زجاج غامض، في حين كان المسافرون يتعاملون مع الشرطة الفلسطينية التي كان عليها الحصول على الموافقات خلف الكواليس.
كان المواطن الفلسطيني يصل إلى الجسر مباشرةً من دون التوقّف في أريحا، ومن المعبر نفسه، كان يسمح له بالذهاب إلى أيّ منطقة في الأراضي المحتلّة. بعد اندلاع “انتفاضة الأقصى”، أو ما تسمّى “الانتفاضة الثانية” في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، طُرِدت الشرطة الفلسطينية، وأعادت إسرائيل السيطرة الوجاهية على الجسر، إضافة إلى تحديد ساعات الدوام وغيره، بما في ذلك الإغلاق المبكّر أيام الجمعة، والإغلاق الكامل أيام السبت، وذلك عكس كل المعابر التي تديرها إسرائيل مع الأردن في الشمال (جسر الشيخ حسين)، وفي الجنوب في وادي عربة، التي تعمل على مدار الأسبوع ساعات طويلة.
يتعامل المسافرون عبر جسر الملك حسين مع الشرطة الفلسطينية، التي عليها الحصول على موافقات من السلطات الإسرائيلية خلف الكواليس
لفترة قصيرة في أواخر مارس/ آذار 2023، بدأت إسرائيل بالسماح لجسر الملك حسين بالعمل 24 ساعة. وبعد أحداث 7 أكتوبر (2023) قلّصت ساعات عمل الجسر، وهي تتحكم بصورة كاملة بأوقات فتح الجسر وإغلاقه، غالباً من دون التنسيق مع الجانب الأردني، ولكن أحياناً تنسّق في الأعياد اليهودية مع الطرفين الأردني والفلسطيني. ففي السنتَين الماضيتَين، قرّرت إسرائيل إغلاق الجسر لأسباب مختلفة، وأحياناً من دون سابق إنذار. وهو ما حدث صباح الجمعة 19 سبتمبر/ أيلول، إذ وصلت أول حافلة من الجانب الأردني إلى الجانب الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية في تمام الساعة 8:30، إلا أن الجانب الإسرائيلي قرّر بصورة أحادية عدم السماح للركاب بالدخول، كما رفض السماح للحافلة القادمة من أريحا في الوقت نفسه بالعبور، والتي تحمل راغبين في السفر إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ليست سيطرة دولة الاحتلال الإسرائيلي على حركة المواطنين الفلسطينيين محصورةً في فتح وإغلاق الجسر، ولكن أيضاً في منع التنقّل بين الضفة والقدس وبين الضفة الغربية وغزّة. وأخيراً وضعت مئات الحواجز والموانع الحديدية بين القرى، وفي أنحاء مختلفة من الضفة المحتلة، فيما يعتقد بعضهم أنه تحسّب إسرائيلي مسبق لما سيحدث في الأسابيع والأشهر المقبلة، مع وصول الاعترافات بالدولة الفلسطينية إلى نسبة 80% من دول العالم، وأربعة أخماس الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن.
من حقّ الشعب الفلسطيني العيش بكرامة في وطنه، وفي الوقت نفسه، له الحقّ في التنقّل داخله، ومن وطنه إلى العالم، والعودة إلى بلده من دون أيّ حواجز أو إجراءاتٍ تحدّ من حرّيته وتهين كرامته.
المصدر: العربي الجديد