سورية بين القرارين 242 و2254،      58 عاماً من القرارات المعطّلة وعجز الإرادة الدولية

علي بكر الحسيني

 

‏‎منذ أن دوى صوت المدافع في حرب حزيران/يونيو 1967 وحتى اليوم، ظلّ الشرق الأوسط ساحة مفتوحة للصراعات، رهينة قرارات أممية وُلدت على الورق ولم ترَ النور على الأرض. بين القرار 242 الصادر منذ 58 عاماً والقرار 2254 الصادر قبل عشر سنوات، تتكرر القصة: نصوص واضحة، إجماع دولي مُعلن، لكن المصالح السياسية تغلب على القانون، والإرادة الدولية تغيب حين تصطدم بموازين القوى.

‏‎القرار 242، وضوح في النص وغموض في المصير..

‏‎في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967، أصدر مجلس الأمن قراراً شهيراً عقب حرب الأيام الستة، التي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان السوري والضفة الغربية وغزة وسيناء المصرية. نص القرار على:

1- انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتُلت عام 1967.

2- الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

‏‎ولكن إسرائيل تمسكت منذ البداية بتفسير لغوي يخفف الإلتزام بالإنسحاب الكامل، فيما إكتفى مجلس الأمن بمبادئ بلا آليات تنفيذ أو جداول زمنية، ليبقى القرار معلقاً حتى اليوم.

‏‎القرار 2254 خريطة طريق معلقة منذ الولادة..

‏‎بعد عقود، وجدت سوريا نفسها في قلب أزمة دموية، بدأت الثورة فيها على نظام بشار الأسد عام 2011 نتيجة تراكمات ومظالم وإقصاء وإستبداد لعشرات السنوات. وفي 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، أقر مجلس الأمن القرار 2254، محدداً خطة لحل سياسي: وقف شامل لإطلاق النار، مفاوضات بين الحكومة والمعارضة، دستور جديد، وإنتخابات بإشراف أممي خلال 18 شهراً. لكن الخطة لم تتجاوز الورق “مثل كل قرارات مجلس الأمن”، انهار وقف إطلاق النار وتعطلت المفاوضات وتحولت اللجنة الدستورية إلى إجتماعات شكلية بلا نتائج، وبات الإنتقال السياسي مجرد شعار في المؤتمرات الدولية بغياب التنفيذ الفعلي.

‏‎تغيّر السياقات الدولية، والرابح هو الجمود.!

‏‎في عام 1967، كان العالم منقسماً بين واشنطن وموسكو، وإسرائيل تموضعت داخل إستراتيجية الغرب بدعم أميركي قوي جعل فرض الانسحاب مستحيلاً بفيتو أمريكي، بينما اكتفى الإتحاد السوفييتي بدعم العرب سياسياً دون مواجهة مباشرة. أما في الأزمة السورية، فقد تعقدت الصورة العالمية بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والسعودية وقطر، وكل طرف يمتلك القدرة على تعطيل أي مسار لا يخدم أهدافه. وهكذا تعطل القرار 2254 قبل أن يبدأ فعلياً.

غياب الإرادة ..

‏‎رغم اختلاف الأزمنة، تشترك الحالتان في غياب الآلية الإلزامية، ووجود أطراف مستفيدة من الركود، وتحويل القرارات الدولية إلى أوراق تفاوضية بدل أن تكون أدوات تنفيذ.

‏‎

الانقسام العربي: الحلقة الأضعف

‏‎في العام 1967، اختلفت استراتيجيات الدول العربية بين المواجهة والمساومة، وأضعفت الموقف الجماعي، وفي الأزمة السورية تكررت الصورة بانقسام الدول العربية بين داعم للنظام وداعم للمعارضة، ما أفقدها القدرة على دفع القرار 2254 للأمام.

‏‎مجلس الأمن، منصة خطابات ولا يحل النزاعات.

‏‎في كلا القرارين ظهر مجلس الأمن عاجزاً عن فرض إرادته. هيكلية المجلس وحق النقض بيد الدول الكبرى جعلت مخرجاته رهينة للمصالح السياسية للقوى المؤثرة، فتحول من أداة فرض للسلام إلى ساحة خطابات سياسية.

‏‎الحكومة الجديدة في دمشق بين الرهان والإفشال.

‏‎اليوم، وبعد 8.12.2024، ومع تشكيل حكومة جديدة في دمشق تطمح للخروج من رحم الأزمات المتلاحقة، برز خطاب واقعي يراهن على إصلاح المسار السياسي والمعيشي، وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة وسيادتها، رغم الشكوك العميقة لدى السوريين بشأن جدية التنفيذ.

‏‎لكن على الأرض، تواجه الحكومة تحديات جمة، أبرزها تحركات الفلول، وميليشيات رجل الدين الدرزي حكمت الهجري التي استثمرت الفراغ الأمني في بعض المناطق لنشر الفوضى، إلى جانب ميليشيا قسد في شمال وشرق سوريا، الذين يحاولون مجتمِعين تقويض الاستقرار وإفشال جهود الحكومة في الشرق والشمال بهدف الإبقاء على حالة الانقسام والسيطرة على الثروات وحسم النفوذ لصالح أجندات خارجية. ‏‎ورغم المبادرات الحكومية لحل الأزمات المعيشية والبدء بانفتاح محدود على محيطها العربي، إلا أن محاولات فرض الاستقرار تواجه عبث هؤلاء الممتنعين عن أي حل وطني أو مصالحة، متسلحين بسياسات التدخل الخارجي والسلاح والإعلام.

‏‎

خاتمة: الشرعية الدولية بين القوة والسياسة.

‏‎تؤكد التجربتان أن قوة النصوص القانونية وحدها لا تكفي إذا غابت إرادة التنفيذ. وبينما مضت 58 سنة على احتلال الجولان بلا حل، تدخل سوريا عامها الخامس عشر من الأزمة بلا أفق واضح، في مشهد يلخص عجز النظام الدولي عن فرض القانون حين يتعارض مع موازين القوة ومصالح الدول الكبرى. واليوم، تقف الحكومة الجديدة في دمشق وجهاً لوجه أمام امتحان الإرادة: إما كسر دائرة القرارات المعطلة، أو الاتكاء مجدداً على عبارة بروتوكولية في تقارير المؤتمرات الدولية كما شهدناه في جلسة مجلس الأمن الاخيرة حول سورية في 10 آب/ أغسطس 2025، فيما يواصل الفلول والمتطرفون بكل مسمياتهم محاولاتهم لإبقاء سوريا أسيرة لمصالحهم الضيقة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إن القرارات الأممية ونصوصها القانونية لا تكفي لإحقاق الحقوق ، إذا غابت إرادة التنفيذ. مضت 58 سنة القرار الأممي 242 واحتلال الجولان بلا حل، وبعد 15 عاماً من الثورة السورية وقرارات أممية للحل بسورية وأهمها 2015/2254 لم ترى نور التنفيذ، ليتم نبشه الآن، النظام الدولي يعجز عن فرض قراراته حين تعارضها مع موازين القوة ومصالح الدول الكبرى.

اترك رداً على khatib yehya إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى