
تدخل سورية، اليوم، مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي، حيث أنها تقف أمام مفترق طرق فيما بين ترسيخ ملامح الدولة الحديثة، أو الوقوع في فخ التكرار والجمود، و لستُ أبالغ إن قلت حتى “التقسيم”، وذلك بسبب ضغط التعقيدات الداخلية، والإرث الثقيل من الحرب و العقوبات، والإنقسام، ففي هذا الظرف الحساس لا يملك السوريون ترف الانتظار إنما عليهم “مواطنين وحكومةً” أن يدركوا أن الدولة لا تُبنى بالشعارات بل بالمشاركة الحقيقية لا الصورية، وأن السيادة لا تُصان بالعزلة بل بالشرعية المستندة إلى وعي جماعي مشترك من كل الأطراف.
الديمقراطية ليست حاجة زائدة بل ضرورة بقاء، وليست شعاراً مستورداً، أو وصفة جاهزة، بل هي اليوم ضرورة وطنية لضمان وحدة سورية أرضاً وشعباً، و لحماية الحكم نفسه من الإستنزاف والإنغلاق، ولتأمين تمثيل حقيقي يواجه التحديات، الداخلية والخارجية، بثقة واقعية لا إستعراضية.
وفي هذا السياق فإن أي عملية سياسية لا تفتح الباب أمام مشاركة واسعة ومسؤولة للشعب في إدارة شؤونه، ومراقبة مؤسساته، و إقتراح الحلول، لن تكون سوى جولة أخرى من إنتاج العجز والإستقطاب.
رسالة إلى الحكم الجديد: الإصغاء قبل السيطرة.
الشرعية اليوم لا تُكتسب بالقوة بل بالثقة، و الثقة تُبنى على أساسات عدة أهمها: الشفافية، والمؤسسات الفاعلة، والإرادة الصادقة للإنفتاح على كل القوى الوطنية، وليس مجرد “تضمينها” تحت سقف معدّ سلفاً.
فالمطلوب من الحكم الجديد أن يتعامل مع الدولة كمسؤولية وطنية، لا كميراث سياسي، و أن يدرك أن المشاركة ليست منّة بل حق، وأن النقد البنّاء لا يهدد الإستقرار بل يحميه من الداخل، و هذا ما أكرره منذ إسقاط نظام بشار الأسد .
رسالة إلى الشعب السوري:
لا تنتظروا الدولة بل كونوا شركاء في صنعها.
فالدولة لا تنهض فقط بمن يجلس على الكرسي بل بمن يقف على الأرض، و على كل مواطن سوري أن يدرك أن المرحلة الحالية لا تحتمل الحياد ولا التراخي والكسل، أو الإكتفاء بالنقد عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فوحدة التراب السوري مهددة، ومشروع الدولة الوطنية معرض للإختطاف، من أكثر من جهة، فإن لم يكن للمواطن السوري رأي و صوت، وموقف، ليس بردّات الفعل، بل بالفعل الإيجابي الواعي، فإن مسار البناء سيبقى منقوصًا هشًا وعرضة للإختراق.
الوعي هو الحصانة الأقوى.
نعم، الوعي والمشاركة هما الحصانة الحقيقية للوطن و هما الجدار الذي يحمي البلاد من المتآمرين في الخارج والمغامرين في الداخل فكلما اتسعت دائرة المشاركة ضاقت مساحة المؤامرة، وكلما تجذر الشعور بالمسؤولية تراجعت الأصوات التي تعوّل على الفوضى أو الفراغ.
بناء الدولة يبدأ الآن بكل من فيها، ولايوجد فرصة مثالية أكثر من هذه المرحلة لبدء مسار وطني جديد بمعناه الحقيقي، حيث تُعيد فيه سوريا الإعتبار لمفهوم الدولة، لا بوصفها سلطة فقط، بل كعقد إجتماعي حي يربط بين المواطن والمؤسسة، بين الحرية والمسؤولية، بين السيادة والمشاركة.
إن مستقبل سورية لن يُرسم في الغرف المغلقة بل على يد شعبها إن أراد، وعلى يد قيادتها إن اختارت الشجاعة السياسية بدل الرضا بالإرث الثقيل.
فالدولة التي لا تفتح أبوابها لمواطنيها ستُفتح أبوابها على الخارج، والديمقراطية ليست رفاهيةً في زمن الأزمات بل هي طريق الخلاص منها.