قسد ولعبة حلف الأقليات

عبسي سميسم

 

لم تدّخر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) جهداً في استغلال تخبط الحكومة السورية والأخطاء التي ارتكبتها في التعاطي مع ملف السويداء، فشكّلت حلفاً جمع مكونات من الأقليات المناوئة للحكومة ضمن مؤتمر يبدو أن الهدف منه تقوية أوراقها التفاوضية مع دمشق، التي ردّت على هذا المؤتمر بتجميد اجتماعات باريس الخاصة بالتفاوض مع قسد، في محاولة للضغط على الأخيرة بدفعٍ، فيما يبدو، من أنقرة، التي تشكّل “قسد” تهديداً لأمنها القومي، ومستندة إلى إرادة دولية مجمعة على الانتقال إلى سورية آمنة وموحدة.

وكانت “قسد” قد خسرت الكثير من أوراق قوتها التفاوضية بعد توقيع قائدها مظلوم عبدي بضغط من الداعم الأساسي لها، أميركا، على اتفاق في مارس/آذار الماضي يقضي بدمج هذه القوات ضمن تشكيلة قوات الجيش السوري، وإلحاق المناطق التي تسيطر عليها بمؤسّسات الدولة السورية، وتلا هذا التوقيع إعلان حزب العمال الكردستاني في تركيا “الأب الروحي لقسد” حل نفسه، كما ساهم تقليص الدعم الأميركي لـ”قسد”، والتقارب الأميركي-التركي، في فقدان هذه القوات مزيداً من أوراقها التفاوضية، ما دفعها للاعتماد على أعداء الأمس من خصوم حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السياسية الرئيسية لقسد، فجمعت معظم الأحزاب الكردية، وخاصة أحزاب المجلس الوطني الكردي، في محاولة منها لتشكيل جبهة كردية تواجه بها الحكومة السورية لتحصيل أكبر قدر من المكاسب، ولكنها لم تنجح كثيراً في تحقيق أي خرق بهذا المجال؛ بسبب رفض تلك الأحزاب المطلب الأساسي لـ”قسد”، وهو بقاؤها كتلةً مستقلة ضمن تشكيلة وزارة الدفاع.

إلّا أنّ الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة السورية في ملف السويداء، وسماحها لمقاتلين من العشائر باقتحام المحافظة، لم تساهم في التفاف معظم فصائل المحافظة حول حكمت الهجري الذي يقود مشروعاً انفصالياً مدعوماً من دولة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل ساعدت “قسد” في جمع معظم المكونات الطائفية التي تتخذ موقفاً عدائياً من حكومة دمشق ضمن “حلف أقليات”، للضغط على حكومة دمشق في ملف التفاوض معها، والذي قد يفضي فشله إلى مواجهة عسكرية غير معروفة النتائج.

وتنطوي مطالب المكونات التي جمعتها “قسد” على إقامة حكم فيدرالي لا مركزي، على الكثير من المخاطر، فهي تبدو مطالب منطقية في حالة الدول المستقرة، أما في الحالة السورية، وبالطريقة التي تُطرَح من خلالها، فهي تسعى إلى تأسيس كانتونات طائفية، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في إشعال حرب أهلية تذهب بكل ما تحقق من مكتسبات نتجت عن إسقاط نظام بشار الأسد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى