هو حديث عن الماضي .. هذا صحيح … لكن : عندما نتحدث عن الماضي ، فليس حنيناً ولا تقديساً .. إنما لكشف الحقيقة أولاً وقبل كل شيء .. والحقيقة تستحق عناء البحث والدراسة والتحقق .. رداً على افتراءات من لازال يسعى / جاهلاً .. أو عامداً متعمداً / لتشويه الحقيقة …لن نرد عليهم بذات المنهج وذات المنطق الذي يتبعون .. منهج الإنشاء الأدبي ومنطق القال والقيل .. نعتمد منهج البحث العلمي فقط .. ليس من مصادر ناصرية .. إنما اعتماداً على أبحاث ودراسات وكتب بعض معارضي التجربة الناصرية من أصحاب الضمائر ممن يحترمون أنفسهم وعلومهم من أولي العلم والاختصاص ، بلغة الأرقام لا بلغة الإنشاء الأدبي .. بعيداً عن الأهواء الخاصة والمواقف المسبقة ..
وحفاظاً على الموضوعية والأمانة العلمية .. لن أتجاهل السلبيات والأخطاء التي وقعت فيها التجربة ، سوف أنقلها كما وردت تماماً بمراجع البحث …
الجزء الأول :
بداية .. لا بد من تشخيص مختصر لواقع مصر الاقتصادي قبل ثورة يوليو 1952 ، وذلك بشهادة خبير اقتصادي لم يكن ناصرياً ، ولم يكن قومياً ، ولم يكن اشتراكياً . كان ليبرالياً معارضاً للنظام الناصري .. تولى وزارة الاقتصاد والمالية بأول وزارة شكلتها قيادة ثورة يوليو .. اختلف مع قيادة الثورة .. استقال من الوزارة وخرج من مصر في عهد عبدالناصر ولم يرجع إليها إلا بزمن أنور السادات ، وهو الدكتور علي الجريتلي : (( في مصر ، وعند انتقال مقاليد الأمور إلى المصريين ، بدأ المفكرون في المطالبة بجهود حكومية أكثر جدية وشمولاً ، لانتشال مصر من ثالوث الفقر والجهل والمرض ، حيث لم تزد نسبة من يقرأون ويكتبون عن 20% من السكان ، وكانت الطبقات الفقيرة تتعرض للأمراض المستوطنة والأوبئة الوافدة وأمراض نقص التغذية …. )) .
شهادة أخرى من ألد خصوم عبدالناصر في المرحلة الناصرية .. اللواء محمد نجيب في مذكراته.. وتعتبر مذكراته من المراجع المقدسة لدى معظم خصوم عبدالناصر المعاصرين ، خاصة ورثة طبقة الإقطاع وفلول النظام الملكي وأنصار جماعة الإخوان المسلمين : (( عندما قامت الثورة ، كان يقطن مصر حوالي 22 مليون نسمة ، يعيشون على إنتاج ومحاصيل 6 ملايين فدان ، وباستثناء حوالي 3 ملايين شخص كانوا يعيشون حياة معقولة في مصر ، فإن باقي السكان كانوا يعيشون عند ادنى مستوى من مستويات المعيشة في العالم كله ، وكان ملاك الأراضي قبل الثورة يدفعون للفلاح الأجير 8.5 قرشاً يومياً ، في حين أن التكاليف اليومية للحيوانات كانت أكثر من ذلك ، كانت تكاليف البغل 12 قرشاً ، والجاموسة 22 قرشاً ، والحمار 9 قروش )) مذكرات محمد نجيب / كنت رئيساً لمصر / ص 157 .
هذا باختصار شديد جزءٌ من الأوضاع الاقتصادية في مصر قبل الثورة .. وهذا حال الغالبية الساحقة من ابناء الشعب المصري تحت سيطرة طبقة الإقطاع ورجال المال والأعمال وتجار السياسة .
لانتشال مصر من هذا الواقع البائس قامت ثورة 23 تموز 1952 .. وإن كانت الثورة قد انطلقت بالمبادئ الستة المعروفة للثورة ، فإنها أولت عملية التنمية الاقتصادية القسط الأكبر من اهتماماتها ، فالتنمية الاقتصادية هي السبيل الوحيد لتحقيق أي مبدأ من المبادئ الستة ، بالتالي هي السبيل الوحيد لوضع مصر على مسار التطورالاقتصادي المطلوب .
وبهذا الاتجاه .. أدرك عبدالناصر أن البوابة الرئيسية هي الصناعة والتصنيع ، وكل ما هو دون الصناعة فإلى الهامش في عالم الاقتصاد المعاصر ، لهذا كان الشعار الاقتصادي للثورة ( إنتاجنا يبدأ من إبرة الخياطة إلى الصاروخ ) .
لتحقيق الشعار فعلاً على أرض الواقع ، عملت قيادة الثورة على إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي في أيلول 1952 ، أي بعد شهرين فقط من انطلاق الثورة .. ضم المجلس خيرة الخبراء التكنوقراط بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية .
وضع المجلس خطة تنموية شاملة ، تعتمد على مبدأ التكامل الاقتصادي فيما بين القطاعات الاقتصادية المختلفة ، القطاع الصناعي والزراعي وباقي القطاعات ، وعهدَ للقطاع الخاص المساهمة بتنفيذ 60 % من مشاريع الخطة ، أما الـ 40 % الباقية فيتولاها القطاع الحكومي العام .
عام 1960 ، أقرت الدولة الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية ( 1960- 1965 ) ، وذلك إقراراً وتنفيذاً لنهج التخطيط الاقتصادي الشامل على مستوى القطر لأول مرة في مصر .
كان الهدف العام من الخطة هو زيادة الدخل القومي في نهاية الخطة بنسبة تم تحديدها بـ ( 40% ) مما كان عليه في سنة الاساس ، وقدرت دراسة الخطة حجم الاستثمارات الاقتصادية اللازمة لتحقيق هذه النسبة بحوالي ( 1577 ) مليون جنيه .
في نهاية الخطة بنهاية عام 1965 ، كانت واضحة تماماً مؤشرات التطور التي تحققت ، وكل الأبحاث والدراسات الاقتصادية التي تناولت المرحلة ، تؤكد أن ما تم تنفيذه خلال سنوات الخطة كان يمثل العصر الذهبي في مسار التنمية الاقتصادية في مصر ، ( وأن فترة الخطة تعتبر اكثر سنوات الثورة تمثيلاً للاقتصاد الناصري منذ بداية الثورة لغاية وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ) .
(( فقد بلغ مجموع الاستثمار خلالها نحو / 1500 / مليون جنيه ، نفذ القطاع العام ( 10% ) منها فقط .. ونتيجة لزيادة الاستثمار زاد الإنتاج خلال النصف الأول من الستينات ، ونفذت مشروعات ضخمة في مجال الاستثمار الأساسي في المرافق وفي الري ، اهمها السد العالي وملحقاته ، والتوسع في الاستصلاح والاستزراع ، وبدأ التوسع في التصنيع منذ سنة 1957 بمعدلات متزايدة ، ونتيجة لذلك زاد الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بمعدل ( 6% ) سنوياً خلال فترة الخطة التي اتسمت بدرجة ملحوظة من الاستقرار الاقتصادي )) ص / 18 من كتاب ( 25 عاماً ، دراسة تحليلية للاقتصاد المصري ) للدكتور علي الجريتلي .
في القطاع الصناعي :
( ظلت الأهمية النسبية ضئيلة جداً لقطاع الصناعة في البنيان الاقتصادي المصري قبل ثورة يوليو ، ولم يزد نصيبه في الدخل القومي .. وفي إحصائيات ما قبل 1952 لم يتجاوز عدد المنشآت التي تشغل 50 عاملاً أو أكثر 400 منشأة ، بينما كان السواد الأعظم من الباقي ورشاً صغيرة يقتصر العمل فيها على صاحبها وأسرته ، ولا تستخدم قوة محركة ميكانيكية تستحق الذكر ، غالبيتها تشتغل بالتصليح والصيانة وإنتاج سلع الاستهلاك البسيطة للطبقات محدودة الدخل ، .. وفي أوائل الخمسينات كانت قيمة الإنتاج في 60% من المصانع المدرجة في الإحصاء الصناعي تقل عن 1000 جنيه ، بينما يستمد الجزء الأكبر من القيمة المضافة من الوحدات الكبيرة التي اتخذت شكل شركات مساهمة ، واطردت التنمية الصناعية بعد 1952 ) / د . علي الجريتلي / المصدر السابق ….
تبنّى المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي برنامجاً تنموياً طموحاً لإدخال مصر فضاء البلدان الصناعية المتطورة ، فوضع خطة شاملة للتنمية الصناعية .. حدد نقطة البداية بإقامة الصناعات الاستراتيجية الثقيلة كأساس وقاعدة للانطلاق .
كان مشروع الحديد والصلب هو القاعدة الأساسية للانطلاق ، باعتبار صناعة الحديد والصلب تشكل العمود الفقري للنشاط الصناعي الحديث ، لهذا أنشأت الدولة شركة حلوان للحديد والصلب في 14 يونيو 1954 ، شركة مساهمة برأسمال قدره 21 مليون جنيه ، وفي 23 يوليو 1955 تم وضع حجر الأساس لإطلاق عملية البناء على مساحة تزيد على 2500 فدان ، وفي شهر نوفمبر 1957 اقلعت الأفران العالية بصهر الحديد الخام المنتج محلياً من أرض مصر ، ودخل المشروع بشكل فعلي مرحلة الإنتاج والاستثمار ، فكان الأول من نوعه في الوطن العربي ، ويعتبر من المشاريع العملاقة في هذا المجال على المستوى العالمي .
في عام 1956 أنشئت لأول مرة في مصر وزارة للصناعة ، تولاها الدكتور عزيز صدقي أبو الصناعة المصرية كما أطلق عليه .. أنشأت الوزارة ( المؤسسة الاقتصادية ) التي شكلت فيما بعد نواة القطاع العام ، وفي ذات العام ورداً على العدوان الثلاثي تم تأميم كافة الشركات والمنشآت الأجنبية ، وتولت ملكيتها المؤسسة الاقتصادية .
تبنت المؤسسة منذ بداية عام 1957 خطة شاملة لتصنيع أهم احتياجات مصر بتلك المرحلة ، أنجزت معظمها خلال ثلاث سنوات ، وما تبقى منها ألحق بالخطة الخمسية الأولى ، أهم منجزات المؤسسة كانت صناعة الإسمنت ، والأسمدة الكيمياوية ، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك ، ومصانع عربات السكك الحديدية ( سيماف ) ، ومصانع الكابلات الكهربائية اللازمة لمشاريع الطاقة الكهربائية ، وكل تلك الصناعات لم تكن تعرفها مصر من قبل ، علماً بأنها كانت بأمس الحاجة إليها وكانت تستوردها من الخارج .. بهذا بدأت مصر تخطو خطواتها الأولى نحو عالم الصناعة الحديثة .
وقد حدثت زيادة ملحوظة في الاستثمار الصناعي الحكومي قبل عام 1957 ، واطردت زيادته خلال برنامج التصنيع 1957 – 1960 ، وحققت الخطة الخمسية الأولى قدراً كبيراً من النجاح ، (( فقد زادت قيمة الإنتاج الصناعي من 314 مليون جنيه سنة 1952 إلى 1140 مليون جنيه سنة 1965 ، وصلت عام 1970 إلى 1635 مليون جنيه … وحققت مصر خلال سنوات الخطة الخمس نسبة عالية من النمو بعد سنوات طويلة من الركود ، وتحقق تقدم ملحوظ في معظم القطاعات الاقتصادية وفي الخدمات ، رغم تصاعد الزيادة السكانية وأعباء حرب السويس 1956 ، وحرب اليمن 1962 ، وكارثة محصول القطن 1961 ، والمشكلات الإدارية المترتبة على التحول من اقتصاد رأسمالي احتكاري إلى نظام يقوم على التأميم الشامل لقطاع الأعمال المنظم )) ص 18 من كتاب / د. علي الجريتلي .
وبمتابعة الحديث بلغة الأرقام التفصيلية :
– حقق الناتج الصناعي نمواً بمعدل ( 8.5 % ) سنوياً ، والكهرباء بمعدل ( 19% ) .
– ارتفعت نسبة مساهمة القطاع الصناعي بحجم الصادرات من 18% إلى 25 % ، وقد بلغ حجم الصادرات من المنتجات الصناعية عام 1966 ( 82.238 ) مليون جنيه .
– بلغ نصيب قطاعي الصناعة والكهرباء ( 33% ) من الحجم الكلي للاستثمارات ، وهذا أول مرة يحدث في مصر ، وهو معدل يقترب كثيراً من المعدلات في الدول المتقدمة آنذاك ، فارتفع نصيب الصناعة والكهرباء في الناتج المحلي الإجمالي من 17% عام 1958 إلى 23% عام 1965 .
– ارتفع إنتاج قطاع الغزل والنسيج من 84 مليون جنيه سنة 1952 إلى 470 مليون جنيه سنة 1970 .
– زادت نسبة العمالة الصناعية خلال سنوات الخطة بأكثر من ضعف الزيادة في إجمالي القوة العاملة ، وهذا ما لم يكن يعرفه الاقتصاد المصري منذ أيام محمد علي باشا مع الفارق الكبير بعدد سكان مصر .
– زاد الدخل المتولد في القطاع الصناعي من 127 مليون جنيه سنة 1952 ، إلى 367 مليون سنة 1962 ، وقارب 600 مليون سنة 1970 .
– ارتفع نصيب الأجور الصناعية من إجمالي الدخل الصناعي من ( 27.5% ) إلى ( 33.4% ) ، وارتفع متوسط الاجر الحقيقي في القطاع الصناعي بنسبة ( 12% ) .
– أقرت الخطة مشروعاً طموحا لتصنيع الأسلحة الثقيلة بما فيها الطائرات والصواريخ ، ونجحت مصانع حلوان بمساعدة خبراء ألمان وإسبان بإنتاج طائرتين حربيتين ، الأولى للتدريب ( القاهرة 200 ) ، والثانية طائرة نفاثة مقاتلة ( القاهرة 300 ) … في عام 1965 تم تجربة أول محرك نفاث صناعة مصرية ، ومن ثم أقلعت أول طائرة صناعة مصرية 100 % بمواصفات تقنية عالية لا تقل كفاءة عن جيل الطيران الحربي بتلك المرحلة ، مثلما نجحت بصناعة الصواريخ البالستية بمساعدة علماء الصواريخ الألمان .. صحيح أن تجربة الإطلاق كشفت عن عيوب فنية بأجهزة التوجيه ، لكن ذلك أمر طبيعي يحصل حتى اليوم في الدول المتقدمة بصناعة الصواريخ ، لهذا تجرى عملية التجربة أولاً ، وبمقتضاها يتم التعديل لتجاوز العيوب الفنية .. مهما كان حجم العيوب الفنية للتجربة ، فذلك لا يقلل من أهمية المشروع لدخول مصر ميدان الصناعات العسكرية الثقيلة ..
– قطعت مصر شوطاً متقدما في مجال المشروع النووي ، وكان من المقرر أن يدخل المشروع حيز الاستثمار الفعلي خلال سنة 1971 … ( بعد عدوان 5 حزيران 1967 ، توقفت هذه المشاريع : الطيران والصواريخ والنووي لأسباب مختلفة داخلية وخارجية .. أهمها تركيز الدولة على حشد الإمكانيات المالية والاقتصادية لإعادة تأهيل القوات المسلحة استعداداً للمعركة القادمة وإزالة آثار العدوان ) .
القطاع الزراعي :
أولى المجلس اهتماماً كبيراً بالقطاع الزراعي ، لاستثمار كافة الموارد المائية والأراضي الزراعية المتاحة في مصر ، فعمل على إحياء مشروع السد العالي الذي بقي حبراً على ورق منذ عام 1924 .
ويعتبر السد العالي من ابرز الإنجازات للنهوض بالقطاع الزراعي ، وقد خاض الرئيس جمال عبدالناصر صراعاً سياسياً ساخناً مع البنك الدولي والولايات المتحدة من أجل الحصول على قرض لتمويل المشروع ، والنتيجة هي الفشل ، حيث فرضت الولايات المتحدة على عبدالناصر شروطاً استعمارية لا تخلو من محاولات الإركاع والإذلال ، رفضها عبدالناصر جملة وتفصيلاً ، وأعلن في ــا 26 / يوليو / 1956 قرار تأميم قناة السويس .
رداً على قرار التأميم ، قام العدوان الثلاثي على مصر لاحتلال القناة وانتزاعها من السيادة المصرية ، تمهيداً لوضعها تحت إدارة دولية خارج إطار السيادة المصرية ، أصر عبدالناصر على التأميم ، وأفشل الهدف من العدوان ، فأعاد لمصر قناتها ، وأصبح متاحاً استثمار إيرادات القناة بتمويل مشروع السد العالي .. كانت حصة مصر من إيرادات القناة قبل التأميم ( 1 ) مليون جنيه فقط ، وفي السنة الأولى بعد التأميم بلغت ( 40 ) مليون جنيه ، أي ما يعادل / 140 / مليون دولار آنذاك .
– ( في الستين سنة السابقة على الثورة لم تزد المساحة المستصلحة عن 400 ألف فدان بمتوسط سنوي 6800 فدان ، وفي الفترة 1952 – 1959 ، لم تتجاوز المساحة المستصلحة 80 ألف فدان بمتوسط سنوي 10 آلاف فدان ، وبين عامي 1960 – 1970 قفز الرقم إلى 830 ألف فدان بمتوسط سنوي 80 ألف فدان ، فضلاً عن تحويل نصف مليون فدان من نظام ري الحياض إلى نظام الري الدائم ) .
– حققت مصر اكتفاءً ذاتياً بكل ما تحتاجه من المحاصيل الزراعية ، ما عدا القمح الذي حققت منه نسبة 80% من احتياجاتها .
– في عام ( 1969 ) وصل إنتاج مصر من القطن إلى ( 2.700.000 ) طن ، وهو أعلى رقم حققته مصر بكل تاريخها الزراعي على الإطلاق .
– وصلت المساحة المزروعة بالأرز إلى ما يزيد عن مليون فدان وهى أكبر مساحة زرعت بهذا المحصول بكل تاريخ مصر .
– بلغ معدل نمو القطاع الزراعي ( 3.3% ) متجاوزاً لأول مرة معدل نمو السكان ( 2.8% ) ، بهذا ( نجحت بزيادة إنتاج المواد الغذائية بنسبة تفوق نسبة زيادة السكان لأول مرة منذ الثلاثينيات ) .
– اقترن كل ذلك بتحسن ملحوظ باتجاهات توزيع الدخل ، فارتفع نصيب الأجور الزراعية من إجمالي الدخل الزراعي من ( 25% ) في بداية الخطة إلى ( 32% ) في نهايتها ، وارتفع متوسط الأجر الحقيقي في القطاع الزراعي بنسبة ( 34% )
– وقد نجحت حكومة الثورة في تخفيف التفاوت الهائل بتوزيع الدخل المستمد من الزراعة بفضل قوانين الإصلاح الزراعي ، وإعادة توزيع ملكيات الأراضي الزراعية على الفلاحين .
قطاع التعليم :
في مجال التعليم ، فإن أبرز مؤشرات التطور هو انخفاض نسبة الأمية من 80% عام 1952 ، إلى 50% عام 1970 ، وهو إنجاز قياسي بكل المقاييس .. كل الجيل الذي نشأ في المرحلة الناصرية تبنته مؤسسات العلم والتعليم ، إذ فتحت دور العلم والتعليم أبوابها أمام كل أبناء الشعب مجاناً ، بكل مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي .. فتحت الجامعات أبوابها أمام أبناء العمال والفلاحين والكادحين ، وانتقلت إليهم الجامعات والمعاهد في معظم الأقاليم .
عام 1952 بلغ إجمالي عدد المدارس بكل أنحاء مصر / 4800 / مدرسة ، ارتفع العدد بسنة 1970 سنة وفاة عبدالناصر إلى / 18000 / مدرسة .. بلغ إجمالي عدد المدرسين والمدرسات سنة 1952 / 40.000 / ، ارتفع العدد سنة 1970 إلى / 250.000 / مدرس ومدرسة .. سنة 1952 بلغ إجمالي عدد الطلاب بكل مراحل التعليم / 840.000 / طالب وطالبة .. في حين وصل العدد سنة 1970 إلى/ 5500.000 / طالب وطالبة .
وكان الاهتمام الأكبر ينصبّ على الكليات والمعاهد الهندسية والفنية الصناعية ، لتوفير القوة العاملة المؤهلة علمياً وتقنياً ، التي تحتاجها عملية التنمية الصناعية .
تلك هي مؤشرات التطور والإنجاز ، خاصة خلال النصف الأول من الستينات ، حيث عملت الدولة وفقاً لخطة تنموية متكاملة ممنهجة ، وأهم ما ميز المرحلة اقتصادياً هو التغير الجذري الشامل بهيكل الاقتصاد الوطني ، من اقتصاد زراعي تقليدي متخلف إلى اقتصاد حديث متنوع ، للصناعة فيه مكانة محورية متميزة ، والإرتفاع الملحوظ في معدلات الاستثمار ، وفي متوسط الدخل على الرغم من الزيادة السريعة في عدد السكان بتلك الحقبة .
نستعرض أهم المؤشرات الرقمية الأخرى :
– تدل الإحصاءات الرسمية كما جاء في شهادة د. الجريتلي على أنه خلال عشر سنوات (( بين 1954 / 55 و 1964 / 65 زاد الإنتاج المحلي الإجمالي من بليون جنيه إلى 109 بليون ، وزادت مخصصات الاستثمار السنوية من 170 مليون إلى 364 مليون جنيه ، وزاد مجموع الاستهلاك الخاص من 753 مليون إلى 1330 مليون جنيه ، ومجموع الاستهلاك العام من 140 مليون إلى 431 مليون جنيه … وكانت أحد أهداف الخطة مضاعفة إنتاج قطاع الصناعة والتعدين والكهرباء ، ليرتفع نصيبه في الناتج المحلي إلى 30% ، وتحققت فعلاً زيادة بنسبة 9% سنوياً ، أي ضعف ما تحقق في الفترة 1945 – 1952 ، لتصبح نسبته إلى الناتج المحلي 23% ، أي دون نسبة الزيادة المخططة ، واستهدفت الخطة زيادة الإنتاج الزراعي إلى 26 % إلا أن ما تحقق فعلاً لم يتجاوز 18 % ، وزاد إنتاج الطعام خلال فترة الخطة بنسبة تفوق نسبة زيادة السكان ، ….. الخلاصة أن الاستثمار المنفذ تضاعف خلال سنوات الخطة الأولى وكانت نسبته 95% من الاستثمار المخطط )) / ص 19 / المصدر السابق .
– ارتفاع معدل الاستثمار من ( 12.5% ) من الناتج المحلي الإجمالي عام ( 59/ 60) إلى ( 17.8% ) عام ( 64/65 ) .
– ( ارتفع معدل الزيادة الحقيقية في دخل الفرد من 2% سنوياً بين 1952 و1960 إلى 3.6% خلال سنوات الخطة الأولى رغم زيادة عدد السكان ) ، وإن كان هذا الرقم يبدو للبعض متواضعاً ، فيعتبر وفقاً لأبحاث الدكتور علي الجريتلي حدثاً جديداً في التاريخ الاقتصادي في مصر .
– بلغ حجم الاستثمارات المنفذة فعلاً خلال سنوات الخطة مبلغ ( 1513 ) مليون جنيه أي بنسبة ( 95.9% ) من حجم الاستثمار المحدد في الخطة ( 1577 ) مليون جنيه ، وبمتوسط سنوي قدره ( 302.6 ) مليون جنيه ، وهو يعادل ( 19% ) من متوسط الدخل القومي خلال سنوات الخطة .
– ساهمت المدخرات القومية بتمويل هذه الاستثمارات بمبلغ ( 1095.6 ) مليون جنيه أي بنسبة) 72.4%( ، وبمتوسط سنوي قدره ( 219.1 ) مليون جنيه وهو ما يساوي ( 13.2%) من الدخل القومي في المتوسط ، وبلغت مساهمة القروض الاجنبية ( 417.4 ) مليون جنيه فقط ، أي بنسبة ( 27.6% ) .
– بلغت الزيادة المتحققة في إجمالي الدخل القومي في نهاية عام 1965 ( 37.1% ) مما كان عليه في نهاية عام 1961 ، أي أقل بـ ( 2.9 % ) فقط من الزيادة المتوقعة والمقدرة في الخطة وهي ( 40 % ) .
– بلغ معدل النمو الاقتصادي ما بين عامي ( 1957 / 1967 ) ( 7% ) سنوياً وفقاً لتقرير البنك الدولي رقم ( 870 / A ) الخاص بمصر الصادر في واشنطن بتاريخ ـا 5 / يناير / 1976 ، وجاء في دراسة للبروفيسور الاقتصادي السوفييتي ( لوتسكي فيتش ) : ( إن متوسط المعدل السنوي للنمو الاقتصادي الذي تحقق في سنوات الخطة الخمسية الأولى وصل إلى 6.5 % ، وهو ما يشبه النمو الاقتصادي الكبير بهذه المرحلة للتنين الصيني الذي بدأ يدخل بقوة على قيادة الاقتصاد العالمي ) ، بهذا تجاوز معدل النمو الاقتصادي – لأول مرة – المعدل المتوسط لزيادة عدد السكان الذي بلغ خلال سنوات الخطة ( 2.8% ) ، ولهذا دلالة بالغة الأهمية اقتصادياً .
– ما بين عامي ( 1960 / 1965 ) زاد نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي بنسبة ( 28 % ) .
– وعن فرص العمل التي أتاحتها الثورة في نفس الفترة ، فقد زاد العدد الإجمالي للقوة العاملة بمقدار ( 1.332.800 ) عامل خلال خمس سنوات : من / 6.000.600 / عام (1960 ) الى / 7.333.400 / عام ( 1966 ) ، أي بزيادة قدرها ( 22.1% ) .
– كان عدد سكان المدن في سنة الأساس عام ( 1960 ) يشكل ( 37% ) من العدد الإجمالي للسكان فأصبح يشكل ( 40% ) عام ( 1966 ) ، أي بزيادة قدرها ( 3 % ) ، ولم يكن ذلك هجرة قسرية بسبب تقلص مساحة الأراضي الزراعية ، أو عجز القطاع الزراعي عن استيعاب الزيادة السكانية في الريف ، بل بالعكس تماماً ، فقد حولت مشاريع الري ( 836 ) ألف فدان من ري الحياض الى الري الدائم ، وأضافت اليها ( 850 ) ألف فدان جديدة ، ولم تنتقص تلك الهجرة من حجم الانتاج الزراعي ، بل على العكس تماماً ، فقد زاد الإنتاج الزراعي فيما بعد بنسبة ( 15% ) ما بين عامين فقط ( 1968 / 1969 ) .
– ازداد حجم الانفاق على الخدمات العامة من / 12 / مليوناً عام ( 1960 ) الى / 22.9 / مليونا عام ( 1965 ) .
– في نهاية عام ( 1965 ) بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي نحو ( 5.1 ) مليار دولار .. وبالمقارنة مع بعض الدول وفي نفس العام نجد مثلاً :
الناتج المحلي الإجمالي في السعودية نحو ( 2.3 ) مليار دولار اعتماداً على مصدر وحيد للدخل القومي هو النفط فقط ، في تايلاند ( 4.39 ) مليار دولار ، وفي إندونيسيا ( 3.84 ) مليار دولار ، وفي ماليزيا ( 3.13 ) مليار دولار ، وفي كوريا الجنوبية ( 3 ) مليار دولار ، وفي سنغافورة ( 970 ) مليون دولار … المصدر : ( أحمد السيد النجار / مؤشرات التنمية الاقتصادية / .
كان ذلك عرضاً مختصراً لأبرز مؤشرات التطور الاقتصادي في المرحلة الناصرية ، ويمكن ترجمته بصيغة أخرى مبسطة بالقول : أصبح كل ما يأكله المواطن المصري ، وكل ما يلبسه ، وكل ما يستخدمه بحياته المنزلية والعامة من أدوات وتجهيزات من إبرة الخياطة إلى السيارة ، أصبح من إنتاج مصر ، وأصبحت مصر تصدر الفائض من إنتاجها إلى الأسواق الخارجية ، وخاصة الدول العربية وبلدان العالم الاشتراكي .
وما تحقق يعتبر ثورة اقتصادية صناعية بكل المقاييس ، وضعت مصر في المرتبة الأولى ضمن قائمة بلدان العالم الثالث .. أنجزت بفترة قياسية أكبر قاعدة صناعية في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم الثالث .. خطت خطوات متسارعة للحاق ببلدان العالم المتقدم اقتصادياً .. فيمكن القول دون مبالغة .. كانت التجربة الاقتصادية الناصرية في تلك الحقبة من أنجح التجارب على المستوى العالمي وقد بدأت من الصفر تقريباً ..
الجزء الثاني :
أدركت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أن الرئيس جمال عبدالناصر قد تجاوز في طموحاته التنموية الخطوط الحمر ، بل أدركت خطورة المشروع التنموي الناصري ومدى تعارضه مع مصالحها الاقتصادية والسياسية على المدى البعيد ، لهذا جاء العدوان الصهيوني في حزيران عام 1967 ، وهو العدوان الذي وصفه الرئيس الفرنسي شارل ديغول بأنه ( حرب أمريكية والمنفذ هو الجيش الإسرائيلي ) .. وإن كان احتلال الأرض هو الهدف العسكري المباشر للعدوان بدوافع سياسية ، فإن ضرب المشروع النهضوي المصري وعرقلة مساره كان هدفاً أساسياً من بين أهداف حرب حزيران .
آثار حرب حزيران على الاقتصاد :
الأثر المباشر الأبرز بالعنوان العريض ، أن مصر لم تتمكن من إكمال الخطة الخمسية الثانية ، إذ أصبح للعمل الوطني بهذه المرحلة اتجاه آخر أكثر أهمية وأولوية .
أما عن التفاصيل في آثار العدوان على الاقتصاد المصري ، فقد تفاوتت الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه المسألة ، تبعاً للمواقف السياسية المسبقة من الناصرية بالدرجة الأولى ، وقلة قليلة من الخبراء تناولوا هذه المسألة بحيادية وموضوعية .
مهما كانت الآراء والمواقف ، فلا يمكن إنكار حجم الآثار السلبية ، في ظل الخسائر الهائلة جراء تدمير الكثير من المصانع والمنشآت الاقتصادية والبنى التحتية ، خاصة في منطقة قناة السويس ، وتسخير معظم عوائد الإنتاج الصناعي لسد احتياجات الجيش وإعادة تأهيله ، وارتفاع نسبة الإنفاق الحربي إلى إجمالي الدخل القومي من ( 9% ) عام 1965 إلى ( 14% ) بعد عام 1967 .
لهذا لا بد أن ينعكس ذلك سلباً على مسيرة التنمية الاقتصادية ، وعلى مستوى كفاءة النظام الاقتصادي بكل قطاعاته .. لكن مع كل ذلك :
– تمكنت مصر من تحمل تكاليف إتمام مشروع السد العالي بالكامل ، واكتمل إنجازه سنة 1970 قبيل وفاة الرئيس عبد الناصر ، ولا يزال المشروع حتى هذه اللحظة يعتبر من المشاريع العملاقة على المستوى العالمي ، وقد صنفته الأمم المتحدة عام 2000 أعظم مشروع هندسي و تنموي في القرن العشرين .
– تمكنت مصر من إضافة الفرنين الثالث والرابع في مجمع الحديد والصلب ، وهو من المجمعات العملاقة على المستوى العالمي .
– تم بناء مجمع مصانع الألمونيوم في نجع حمادي وهو مشروع عملاق على المستوى العالمي ، بلغت تكلفته حوالي ( 3 ) مليار جنيه ، إضافة إلى عشرات المصانع الأحرى .
– لم يتأثر القطاع الزراعي ، إنما حقق زيادات بالغة بإنتاج المحاصيل الاستراتيجية ( القطن ، القمح ، الذرة الصفراء ، قصب السكر ) ، وقد بلغ متوسط الزيادات بإنتاج هذه المحاصيل بحدود ( 24% ) .
– تمكن عبدالناصر من إعادة بناء وتأهيل القوات المسلحة ، والبدء بحرب الاستنزاف لمدة ثلاث سنوات ، تمهيداً لحرب التحرير وإزالة آثار النكسة .
– عام 1969 ، حقق الميزان التجاري لأول مرة بتاريخ مصر فائضاً مقداره ( 46.9 ) مليون جنيه .
– ارتفع حجم الإنتاج الصناعي من / 1077 / مليون جنيه عام ( 66 / 67 ) الى / 1169 / مليون عام ( 67 / 1968 ) ، الى / 1323 / مليون جنيه عام ( 68 / 69 ) ، وفي عام ( 1970 ) وفقاً لما جاء في أبحاث د. علي الجريتلي ارتفع إلى / 1635 / مليون جنيه ، وهو نفس الرقم الذي ذكره الخبير الاقتصادي السوفييتي ( لوتسكي فيتش ) ( 1634 ) مليون جنيه .
– وفي الفترة ما بين ( 1968 و 1970 ) : بلغت نسبة الزيادة في الإنتاج الصناعي عام 1968 ( 7% ) بينما كانت عام 1966 ( 6% ) ، وقد انخفضت فعلاً عام 1967 إلى ( 3% ) لتعاود الارتفاع عام 1968 إلى ( 7% ) ، وبلغت عام 1969 ( 9.2% ) ، وعام 1970 ( 8.2% ) ، بينما وصلت عام 1971 إلى ( 10.7% ) حيث لا تزال الدولة تسير على النهج الناصري اقتصادياً كما يقول ( لوتسكي ) .
ومن أبرز الآثار السلبية كما جاء عند الدكتور جلال أمين في كتابه ( قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد حسني مبارك ) :
– انخفاض معدل الاستثمار من ( 17.2% ) من الناتج المحلي الإجمالي في ( 64 / 65 ) إلى ( 11.8 ) في ( 69/ 70 ) .
– انخفاض معدل التنمية من ( 6.5 % ) سنوياً في السنوات الخمس الأولى من الستينات إلى ( 3% ) في السنوات الثمانية التالية ( 66 / 73 ) ، أي ما لا يكاد يزيد عن معدل نمو السكان .
– الخلل في نمط توزيع الدخل لصالح فئات الدخل الدنيا ، بسبب تراخي معدلات التصنيع والتشغيل ، تبدّى ذلك بانخفاض نصيب الأجور الزراعية من إجمالي الدخل الزراعي من ( 32% ) إلى ( 25% ) ، وانخفاض نصيب الأجور الصناعية من الدخل الصناعي من ( 33% ) إلى ( 31% ) .
وحسب رأي الدكتور جلال أمين ، فإن مسيرة التنمية بدأت بالتعثر قبل هزيمة حزيران ، منذ منتصف الستينات ، وما أوقفها ليس هو أعباء المرحلة السابقة ، سواء كانت أعباء زيادة الاستثمار أو الاستهلاك ، ولا حتى أعباء الانفاق العسكري ، بل هو ما تعرضت له مصر من ضغوط خارجية بدأت منذ السنة الأخيرة في الخطة الخمسية الأولى ( 1965 ) ، وبلغت قمتها بحرب حزيران وما ترتب عليها من آثار : (( كان من الممكن تجنب انتكاس تجربة التنمية الذي حدث من منتصف الستينات ، لو استمع عبدالناصر لرأي فريق من الاقتصاديين المصريين في نهاية الخمسينات الذين اعتبروا اهداف الخطة كانت مفرطة في طموحها ، فقبل معدلاً للتنمية أكثر تواضعاً وأقل اعتماداً على الموارد الخارجية ، أو لو انه على العكس اختار طريقاً أشد تقشفاً ، فلم يسمح بزيادة معدل الاستهلاك الفردي والحكومي ، واعتمد على المدخرات المحلية في تمويل متطلبات الخطة .. كان الطريق الثالث الذي اختاره عبدالناصر هو التمسك بمعدل طموح للتنمية ، مع السماح في نفس الوقت ببعض الزيادة في معدلات الاستهلاك ، وهو ما أسماه في ذلك الوقت ( بالمعادلة الصعبة ) ، من حيث إنه لم يكن في الواقع يريد التضحية بشيء ، لا بمستوى الاستثمار ، ولا بمستوى الاستهلاك .. لا بالجيل الحاضر ولا بالمستقبل .. كان حل المعادلة يكمن فيما توفر لعبدالناصر من موارد خارجية ، وهو حل كان لا يخلو بالطبع من مخاطرة ، ولكنها مخاطرة بدت في وقت اتخاذ القرار مبررة تماماً ، بسبب توفر الظروف الدولية المواتية .. إن من السهل علينا الآن أن نقول إنه كان على عبدالناصر أن يكون في نهاية الخمسينات أقل مغامرة وأكثر واقعية ، ولكن الواقع هو أننا ، على الرغم من كل ما تعرضت له مصر من مصاعب بعد منتصف الستينات ، ما زلنا حتى اليوم نجني بعض ثمرات مغامرة عبدالناصر وجسارته .. ولكن .. ما تعرض له الاقتصاد المصري من مصاعب منذ ذلك الوقت لم يكن بالضبط من آثار تلك المغامرة ، بل كان من آثار توقفها ، بسبب حرب 1967 التي فرضت على مصر فرضاً )) .
والدكتور أمين يرى أن حرب 67 وضعت أمام عبدالناصر ثلاث خيارات :
1- أن يضحي بالإنفاق العسكري وأن يقبل الهزيمة والصلح مع إسرائيل وقبول أي عرض للتسوية في سبيل الاستمرار بعملية التنمية .
2- التضحية بالتنمية والحرب في سبيل الحفاظ على معدلات الاستهلاك .
3- أن يضحي بعملية التنمية الاقتصادية ، مع الحفاظ على الحد الأدنى من الزيادة في الاستهلاك في سبيل الاستعداد للمعركة المقبلة .
وقد اختار عبدالناصر الخيار الثالث ، التضحية باستمرار عملية التنمية ، استعداداً للمعركة المقبلة مع العدو الصهيوني لإزالة آثار نكسة 5 يونيو ، فدخلت مصر مرحلة من الركود الاقتصادي استمرت حتى منتصف السبعينات ، شهدت خلالها فترة من أحلك فترات تاريخها الاقتصادي الحديث .
الديون :
يردد خصوم عبدالناصر ومعارضوه ، مقولة مفادها أن مصر قبل عبدالناصر كانت بريئة الذمة تماماً من الديون الخارجية ، بل العكس كانت دائنة لبريطانيا بمئات الملايين ، وعندما توفي عبدالناصر ترك مصر مدينة للخارج لأول مرة .
بالعموم وقبل الدخول في التفاصيل ، يمكن القول : صحيح هذا الادعاء إلى حد كبير في أحد جوانبه ، وما حاجة الدولة قبل عبدالناصر إلى الديون ولم يكن لها اي نشاط تنموي منذ وفاة محمد علي باشا سنة 1849 ، مع ذلك فهو قول لا يتجاوز جانب من جوانب الحقيقة .. الجانب الذي يستخدمه البعض جهلاً والبعض الآخر عمداً .. بقصد تشويه التجربة الناصرية ، مع التعتيم على الجانب الآخر ، وهو الأهم .
ولبيان الجانب الآخر نبدأ بقصة مديونية بريطانيا لصالح مصر :
بلغت نفقات بريطانيا في مصر خلال الحرب العالمية الثانية ( 314 ) مليون جنيه استرليني ، وفي مصادر أخرى يذكر رقم ( 340 ) مليون جنيه .. الفارق ليس كبير ، ومهما كان الرقم فهو يمثل قيمة خدمات لوجستية / تموين وتجهيز وانتقال الجيش البريطاني في مصر خلال الحرب / قدمتها الحكومة المصرية بالكامل ، وسُجلت كديون على بريطانيا لصالح مصر ، تعهدت بريطانيا بموجب اتفاقية مع الحكومة المصرية بسدادها ضمن برنامج زمني محدد بعد انتهاء الحرب ، ماطلت بريطانيا بتنفيذ تعهدها ضمن البرنامج المتفق عليه ، ليبقى في مطلع عام 1956 مبلغ / 80 / مليون جنيه استرليني في بعض المصادر ، وفي مصادر أخرى / 130/ مليون منها كتاب ” ناصر ” / لأنتوني ناننج وزير الدولة للشؤون الخارجية في بريطانيا سنة 1956 .. أياً كان الرقم الصحيح ، المهم أنه بعد تأميم القناة وانتهاء العدوان الثلاثي اشترط عبدالناصر تسويته ضمن تعويضات القناة مع بريطانيا فخضعت الحكومة البريطانية وكان لعبدالناصر ما أراد …
تلك هي قصة الديون المصرية المستحقة على بريطانية باختصار .. وكل ما يقوله الخصوم والمعارضون غير ذلك محض جهل عند البعض .. أو كذب وافتراء متعمد عند البعض الآخر .
وماذا عن قصة الديون الخارجية ؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن ديون الدولة لا تعتبر بالضرورة مؤشراً على ضعف الاقتصاد ، ولا مؤشراً على خطر يتهدد الاقتصاد الوطني ، فالعبرة ليست بحجم الاقتراض أو بنسبة الاقتراض إلى الدخل ، إنما باستخدامات القرض وجدواه الاقتصادية ، وقدرة الدولة على وفاء ديونها خلال المدة المتفق عليها والمخططة باستخدامات القرض .
وللإحاطة الكاملة بموضوع الديون المصرية ، لا بد من تتبع مسار الديون المصرية تاريخياً ، منذ أول سنة مديونية وصولاً إلى آخر المرحلة الناصرية :
– تولى محمد علي باشا حكم مصر عام 1805 ، توفي عام 1849 ولم تكن مصر مدينة للخارج بقرش واحد ، وتم تمويل كل مشاريع التنمية العملاقة بعهده بإمكانات وموارد مصر الوطنية ، كذلك عاشت مصر بغير ديون بعهد من خلفه مباشرة ابراهيم باشا وعباس .
– تولى سعيد باشا بعد وفاة عباس ، ما بين عامي 1854 و 1863 ، وهو أول من سلك سبل الاستدانة من الخارج ، توفي عام 1863 وترك مصر مدينة للخارج بمبلغ ( 14.680.000 ) جنيه استرليني ، مع أن عصره كان خالياً من اي نشاط تنموي ، بل دمر معظم إنجازات من سبقه .. لم يحصل بعهده من المشاريع إلا شق قناة السويس بتشجيع من الاحتلال البريطاني ، ولمصلحة بريطانيا كمشروع استثماري بالدرجة الأولى .
– في نهاية عهد اسماعيل باشا الذي حكم 16 عاماً ( 1863 – 1879 ) ارتفع حجم الديون إلى ( 91 ) مليون جنيه استرليني .
– عام 1900 ، ارتفع الرقم إلى ( 116 ) مليون جنيه .
– عام 1914 انخفض إلى ( 86 ) مليون جنيه .
– وفي نهاية عام 1934 انخفض إلى ( 39 ) مليون جنيه ، معظمها لصالح بريطانيا .
مع بداية الحرب العالمية الثانية ، ونظراً لحاجتها إلى الأموال ، سعت بريطانيا إلى تشجيع مصر على الإسراع بتسديد ديونها المستحقة على مصر متجاهلة ديونها لصالح مصر ، وفي عام 1943 عهدت بهذه المهمة إلى وزير المالية المصري ( أحمد عثمان ) ، الذي اشتهر بإخلاصه لبريطانيا اكثر من إخلاصه لمصر .
عمل أحمد عثمان على تمصير الديون الخارجية ، أي تحويل الدين من دين دولي إلى دين داخلي ، بإصدار سندات حكومية تعادل قيمة الدين الخارجي ، تباع إلى مكتتبين داخل مصر بمعدل فائدة محددة ، وبالأموال المتحصلة من السندات يسدد الدين الخارجي ، بهذا تحول الدين الخارجي إلى دين داخلي مستحق على الخزينة المصرية لصالح حملة السندات في الداخل ، وقد كان اغلب المكتتبين بالسندات رجال أعمال أجانب بريطانيين وغير بريطانيين يقيمون في مصر ، ومنهم أجانب في الخارج اكتتبوا بواسطة رجال أعمال مصريين .
وهكذا أغلق حساب الديون الخارجية ، بعد ثمانين عاماً ، فأصبحت مصر في نهاية عام ( 1943 ) بريئة الذمة تماماً من أي دين خارجي ، إلا ان الخزينة المصرية نتيجة لتمصير الديون الخارجية ظلت مدينة برصيد الديون لصالح حملة السندات في الداخل .
عندما قامت ثورة 23 تموز 1952 ، لم تكن مصر مدينة للخارج بأي مبلغ نهائياً ، تلك هي حقيقة الديون تماماً ، خاصة بأن الحكومات المتعاقبة في الحقبة الملكية لم تقم باي نشاط تنموي يستوجب الاستدانة من الخارج .
وهكذا استمرت حتى نهاية عام 1958 ، بريئة الذمة تماماً من أي دين للخارج .. ولم تكن الدولة بحاجة لأي قرض خارجي ، لثلاثة اسباب :
1- تواضع جهود التنمية الاقتصادية ، حيث كانت حكومة الثورة مشغولة بقضية الاستقلال الوطني وتحقيق الجلاء ، والتأسيس لنظام سياسي جديد .
2- الاعتماد على الاستثمارات الخاصة والقطاع الخاص بدفع عجلة الاقتصاد وعملية التنمية الاقتصادية .
إلا أن ميزان المدفوعات ومديونية مصر الخارجية ، تغيرت تغيراً شاملاً ما بين عامي ( 59 / 65 ) ، وذلك بسبب حجم الأعباء المالية التي يتطلبها تنفيذ الخطة الخمسية الأولى ، إضافة إلى ما ترتب على مصر من التزامات لقاء تعويضات لحملة أسهم القناة بعد تأميمها سنة 1956 والتي بلغت ( 27.5 ) مليون ، وغيرها من الممتلكات الأجنبية المؤممة بأعقاب حرب 56 والتي بلغت ( 25 ) مليون ، والتعويضات المستحقة للسودان ( 15 ) مليون بسبب إغراق مساحات من أراضيه نتيجة بناء السد العالي ، أمام هذه الأحوال فلا خيار أمام مصر إلا الاقتراض من الخارج .
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما حصلت عليه مصر من مساعدات اقتصادية وقروض خلال الفترة ( 1958 – 1965 ) بلغت ( 800 ) مليون جنيه مصري ، منها ( 300 ) مليون مساعدات غذائية من الولايات المتحدة ( وهي قروض ميسرة بموجب القانون الأمريكي LB 480 وليست مساعدات أو معونات مجانية كما يوحي المصطلح أو كما يعتقد البعض ، ولأهداف اقتصادية خاصة بالولايات المتحدة قبل كل شيء ) ، إضافة إلى ( 500 ) مليون جنيه من الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الاشتراكية وبعض المؤسسات المالية الدولية ، استثمرت بمشاريع السد العالي ومجمع الحديد والصلب بحلوان ومشاريع أخرى .
جاء النصف الثاني من الستينات ، وتفاقمت الضغوط على الاقتصاد المصري ، إلغاء المساعدات الأمريكية آنفة الذكر ، إغلاق قناة السويس نتيجة حرب حزيران 1967 ، وقد حرمت مصر من عائدات سنوية تبلغ بالمتوسط ( 164 ) مليون دولار ، فقدان آبار النفط في سيناء ، انخفاض إيرادات السياحة ، تزايد أعباء الإنفاق العسكري خلال حرب الاستنزاف وإعادة بناء الجيش استعداداً للحرب القادمة .
تلك هي الظروف الاقتصادية والسياسية التي أنتجت المديونية للخارج ، وحسب رأي الدكتور جلال أمين : ( .. إن تجربة عبدالناصر في الالتجاء إلى الاقتراض لتمويل مشروعات التنمية كانت مبررة تماماً .. حتى التجاء عبدالناصر إلى الولايات المتحدة للحصول على معونات غذائية كبيرة كان إلى حد كبير اقتراضاً إنتاجياً وليس استهلاكياً .. أما من حيث شروط الاقتراض فقد كانت من أفضل ما حصلت عليه مصر من شروط بكل تاريخ مديونيتها الخارجية ، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق ، فمن ناحية القيود السياسية المرتبطة بالقروض كانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية لمصر وللعالم الثالث عموماً .. كانت هذه الفترة من الفترات النادرة التي تذكرنا بالفترة الذهبية من حكم محمد علي ، التي اقتنعت فيها كل من الدولتين العظميين بأن تكون الدولة الصغيرة غير خاضعة للقوة العظمى الأخرى دون أن تشترط خضوعها لسيطرتها هي ) .
( على الرغم من الصعوبات التي واجهت الاقتصاد المصري في أعقاب حرب 67 ، لم يكن من بين الحلول التي لجأ إليها عبدالناصر إغراق مصر بديون لا تستطيع الوفاء بها ، فمع ضخامة الأعباء والتضاؤل الشديد في الموارد الذاتية ، كان سد العجز في الأساس يتم بالمنح التي لا تولد أية أعباء مالية ، أو بالقروض من الكتلة الشرقية ذات الشروط بالغة اليسر ، ولم يلجأ عبدالناصر إلى الاقتراض باهظ التكلفة ( الاقتراض قصير الأجل وتسهيلات الموردين ) إلا في حدود لا تتجاوز 27% من إجمالي العجز في العملات الأجنبية ، كان الثمن الذي دفعه الاقتصاد المصري لذلك يتمثل في الانخفاض الشديد في معدل التنمية ، ولكنه كان في اعتقادنا يمثل خياراً حكيماً ، إذ كان من شأن التورط في الديون في تلك الفترة أن يجبر مصر في وقت لاحق على التخلي عن أية محاولة لمتابعة مسيرة التنمية المستقلة التي بدأها عبدالناصر في نهاية الخمسينات ، كان من شأن هذا الاختيار أن كانت مصر وقت وفاة عبدالناصر لا تحمل إلا عبئاً نسبياً من الديون ، فيقدر الدكتور خالد إكرام إجمالي ديون مصر المدنية في ــا 31 / ديسمبر / 1971 ، أي بعد سنة من وفاة عبدالناصر بما لا يزيد عن 1300 مليون دولار ، لا تزيد نسبتها إلى الناتج القومي الإجمالي على نحو الربع ، وبلغت نسبة خدمة الديون كلها مدنية وعسكرية وبمختلف أنواعها ما بين عامي ( 67 / 72 ) نحو ( 33% ) من إجمالي الصادرات من السلع والخدمات .. إن من المفيد تذكر هذه الأرقام حينما نأتي لوصف حالة المديونية الخارجية لمصر في نهاية الثمانينات ، إذ أن ما كان يبدو عبئاً باهظاً في عام 1970 ، يبدو الآن عبئاً يسيراً للغاية إذا ما قورن بحجم المديونية وعبء خدمة الديون بعد وفاة عبدالناصر بعشرين عاماً ) .
لا تتوافر بيانات واضحة عن حجم الدين العام في نهاية عهد عبدالناصر ، ولا في عهد أنور السادات ، وكل ما يذكر ليس إلا تقديرات لا يمكن اعتمادها بشكل دقيق ، وفي المقارنة بين هذه التقديرات بين العهدين يلاحظ بوضوح الارتفاع الهائل بحجم الديون في عهد السادات عنها في عهد عبدالناصر .
وقد قدر البنك الدولي كما يقول الدكتور علي الجريتلي ( أن دين مصر الخارجي ارتفع من 800 مليون دولار سنة 1958 إلى 1.6 مليار سنة 1966 ) ، وتعتبر تلك الفترة اكثر مراحل البناء والتنمية في المصر ، في حين بلغت هذه التقديرات عام 1974 نحو 3.2 مليار دولار ، أي أنها تضاعفت بمعدل 200% خلال أربع سنوات بعد رحيل عبدالناصر دون اي مقابل تنموي يذكر في تلك المرحلة .
إلا أنه من المؤشرات المؤكدة التي يمكن اعتمادها في المقارنة بين العهدين ، هو حجم الدين الخارجي المدني طويل الأجل ( لغير الأغراض العسكرية ) ، فقد بلغ في نهاية عام ( 1970 ) ( 1.7 ) مليار دولار ، في حين بلغ في نهاية عام ( 1981 ) في السنة التي قتل فيها أنور السادات ( 14.3 ) مليار دولار ، أي بزيادة قدرها ( 13 ) مليار دولار خلال عشر سنوات .
أما عن حجم الأصناف الأخرى من الديون ( الديون قصيرة الأجل والديون العسكرية ) فتقدر بنهاية عهد عبدالناصر بـ ( 3 ) مليار دولار ، معظمه للاتحاد السوفييتي بمعدل فائدة ( 2.5 % ) ، وفي نهاية عهد السادات بـ ( 15 ) مليار دولار ، أي بزيادة قدرها ( 12 ) مليار دولار خلال عشر سنوات ، مع العلم أنه لا يمكن الحديث عن أي نشاط تنموي خلال هذه السنوات قياساً إلى النشاط التنموي الهائل في عهد عبدالناصر ، إضافة إلى سياسة الخصخصة وبيع منشآت القطاع العام ، علماً بأن مصر تلقت بعهد السادات معونات وهبات مالية من الدول العربية النفطية تفوق أضعاف ما تلقته بعهد عبدالناصر ، إذ بلغ المتوسط السنوي ما بين ( 67 و 72 ) ( 161 ) مليون دولار ، بينما تلقت في عام 1973 فقط ( 731 ) مليون دولار ، وفي عام 1974 ( 1.3 ) مليار دولار ، وفي عام 1975 ( 1.1 ) مليار دولار .
أهم ما يميز سياسة الاقتراض في عهد السادات هو الارتجالية ، وغياب منهج التخطيط الاقتصادي ، وجهل القيادة السياسية بما يخطط له رجال الاقتصاد في الدولة ، وهذا باعتراف أنور السادات شخصياً كما ورد في كتاب عادل حسين ( الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية ) : ( فقد تعلل أنور السادات بأعذار غريبة ، منها أن أحداً لم يخبره من قبل بخطورة الأمر ، ومنها أن الأرقام التي عرضت عليه كان يظن أنها بالدولارات ، ثم تبين فيما بعد أنها بالجنيهات الاسترلينية ) .
تلك هي أبرز ملامح التجربة الاقتصادية في المرحلة الناصرية ، وفي المحصلة وعند وفاة عبدالناصر عام 1970 :
– بلغت قيمة القطاع العام الذى تم بناؤه خلال المرحلة الناصرية ستة عشر عاماً ، وفقاً لتقديرات البنك الدولي / 1400 / مليار دولار ، وهو رقم فلكي بكل المقاييس .. رغم أعباء ثلاث حروب عسكرية فرضت على مصر فرضاً .. إضافة إلى حرب الاستنزاف مع الكيان الصهيوني لمدة ثلاث سنوات ، وإعادة تأهيل الجيش استعداداً للحرب القادمة .
– بلغ عدد المصانع التي تم إنشاؤها خلال ستة عشر عاماً ( 1200 ) مصنعاً ، من مختلف المستويات ، صناعات ثقيلة وتحويلية واستراتيجية .. وهو رقم قياسي آخر بكل المقاييس في بلدان العالم الثالث .
ويمكن ختام هذا البحث بما اختصره الدكتور كمال أمين وصال :
( على الرغم من أن الحقبة الناصرية انتهت ، وحجم الدين العام لم يتخط المستويات الآمنة ، إذ لم تتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 40% في نهايتها ، فإن التركة الاقتصادية لهذه الفترة كانت أكبر بكثير من قيمة الديون وأعباء خدماتها ، فقد كان هناك نمط من التصنيع يضيف كثيراً من الأعباء على الاقتصاد ، ويتطلب مراجعة شاملة ، وكان هناك قطاع عام بحاجة إلى تطوير تنظيمي وإداري يستند إلى المبادئ الاقتصادية ، وكانت هناك حاجة لتطوير إدارة المالية العامة … ) .
فإنجازات الحقبة وفقاً لرأي الدكتور كمال كانت تحتاج إلى تطوير ، ومن ثم استكمال لمسيرة التنمية ، وليس إلى هدم وخصخصة كما فعل أنور السادات .
تلك هي التجربة الاقتصادية لثورة يوليو ، كما يقول الدكتور عصمت سيف الدولة : ( حرمت الثورة فقراء مصر في تلك الفترة من : العمارات الشاهقة ، والسيارات الفارهة ، والكباريهات الداعرة ، و الأفلام الهابطة ، ومن المنتجات الأميركية ، وأدوات التجميل الفرنسية ، والسجائر الفرنجية ، والاصواف الانجليزية والحرائر اليابانية ، ثم انه افتقد القمار والدولار ، وعاد إلى زمن التخلف والتقشف ، فلم يعد يتعامل الا بالعملة الوطنية .. والى حد كبير حُرِم من حق الاختيار ، اذ كان عليه ان ينتج .. والا يستهلك الا مما تصنع يديه .. فهل حَرمت التجربة الناصرية شعب مصر من شيء ؟؟ ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع البحث :
– خمسة وعشرون عاماً ، دراسة تحليلية للاقتصاد المصري / د . علي الجريتلي
– الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية / د . عادل حسين
– قصة الاقتصاد المصري من عهد محمد علي إلى عهد حسني مبارك / د. جلال أمين .
– الاقتصاد المصري بين المطرقة والسندان / د . كمال أمين الوصال .
– دين مصر العام / د . محمد حسين هيكل .
– عبدالناصر ومعركة الاستقلال الاقتصادي / لوتسكي فيتش
– أحمد السيد النجار / مؤشرات التنمية الاقتصادية.
– الأمية في مصر / رسالة ماجستير للباحثة آية سمير غريب.
– أبحاث ودراسات أخرى.
المصدر: موقع الحرية أولًا