
كشفت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” عن تعرّض شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب، لضغوط شديدة من جهات عليا في الدولة المصرية، بهدف سحب بيان أصدره الأزهر حول المجاعة في قطاع غزة وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، واصفةً البيان بأنه يتعارض مع “المسار الذي تسلكه الإدارة المصرية” حالياً.
وبحسب المصادر، جرى نشر البيان بالفعل عبر مختلف المواقع الصحافية المصرية، بما في ذلك منصات إعلامية مملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لجهاز المخابرات العامة، قبل أن يصدر توجيه عاجل من الأزهر بحذفه بدعوى أنه “قيد التعديل وسيُعاد نشره”، وهو ما لم يحدث لاحقاً. وأكدت المصادر أن هذا الحذف لم يكن نابعاً من رغبة داخل المؤسسة الدينية، بقدر ما جاء استجابةً لطلب مباشر من جهات عليا في الدولة، أبلغت شيخ الأزهر بأن “الدولة تسلك مساراً دبلوماسياً حساساً في الملف الفلسطيني، وأن صدور مثل هذا البيان قد يؤثر سلباً على هذا المسار”.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها “العربي الجديد”، تم التواصل مع شيخ الأزهر بشكل مباشر، حيث جرى التفاهم معه على ضرورة سحب البيان بسبب ما يتضمنه من تعبيرات حادة قد تُحرج مصر دبلوماسياً، خصوصاً في ظل محاولات القاهرة لعب دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” وإسرائيل.
ويُذكر أن الأزهر لم يصدر بياناً بهذه الحدة والصراحة منذ أعوام، وربما منذ اندلاع الحرب على غزة الحالية، ما يفسر حجم الانزعاج الرسمي من نشره، خاصة أن المؤسسة الدينية، بوزنها التاريخي والديني، لا تزال تُعتبر من أكثر الهيئات تأثيراً على الرأي العام داخل مصر وخارجها.
ورغم حذف بيان الأزهر من منصات الإعلام المحلي، حصل “العربي الجديد” على نصه الكامل، دون تعديل:
“يُطلق الأزهر الشريف صرخته الحزينة ونداءه العالمي المكلوم، الذي يستصرخ به أصحاب الضمائر الحيَّة من أحرارِ العالم وعقلائِه وحكمائِه وشرفائه مِمَّن لا يزالون يتألمون من وَخزِ الضمير، ويؤمنون بحرمة المسؤولية الإنسانية، وبحقوق المستضعفين والمغلوبين على أمورهم وعلى أبسطِ حقوقهم في المساواة بغيرهم من بني الإنسان في حياةٍ آمنة وعيش كريم، من أجلِ تحركٍ عاجلٍ وفوريٍّ لإنقاذِ أهل غزة من هذه المجاعة القاتلة، التي يفرضها الاحتلال في قُوَّةٍ ووحشيةٍ ولا مبالاة لم يعرف التاريخُ لها مثيلًا من قَبل، ونظنه لن يعرف لها شبيهًا في مستقبل الأيام.
ويُعلنُ الأزهر الشريف أنَّ الضمير الإنساني اليوم يقف على المحكِّ وهو يرى آلاف الأطفال والأبرياء يُقتَلون بدمٍ باردٍ، وأنَّ مَن ينجو منهم من القتلِ يَلْقَى حتفه بسببِ الجوع والعطش والجفاف، ونفاد الدواء، وتوقف المراكز الطبية عن إنقاذهم من موتٍ مُحقَّقٍ.
ويشدد الأزهر على أن ما يُمارسه هذا الاحتلال البغيض من تجويعٍ قاتلٍ ومُتعمَّد لأهل غزَّة المُسالمين، وهم يبحثون عن كسرة من الخُبز الفُتات، أو كوب من الماء، ويستهدف بالرصاص الحي مواقع إيواء النازحين، ومراكز توزيع المساعدات الإنسانيَّة والإغاثيَّة لهو جريمةُ إبادةٍ جماعيةٍ مُكتملة الأركان، وأنَّ مَن يمد هذا الكيان بالسلاحِ، أو يُشجِّعه بالقرارات أو الكلمات المنافقة، فهو شريكٌ له في هذه الإبادة، وسوف يحاسبهم الحَكَم العدل، والمنتقم الجبَّار، يومَ لا ينفعُ مال ولا بنون، وعلى هؤلاء الذين يساندونهم أن يتذكَّروا جيدًا الحكمة الخالدة التي تقول: “أُكلنا يوم أُكِل الثور الأبيض”.
إنَّ الأزهر الشريف وهو يغالب أحزانه وآلامه، ليستصرخ القوى الفاعلة والمؤثرة أن تبذل أقصى ما تستطيع لصدِّ هذا الكيان الوحشي، وإرغامه على وقف عمليات القتل الممنهجة، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكلٍ فوريٍّ، وفتح كل الطرق لعلاج المرضى والمصابين الذين تفاقمت حالتهم الصحية؛ نتيجة استهداف الاحتلال للمستشفيات والمرافق الطبية، في انتهاك صارخ لكل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
هذا؛ وإنَّ الأزهر الشَّريف ليبرأ أمام الله من هذا الصَّمت العالمي المُريب، ومِن تقاعسٍ دوليٍّ مخزٍ لنُصرةِ هذا الشَّعب الأعزل، ومن أي دعوة لتهجير أهل غزة من أرضهم، ومن كل مَن يقبل بهذه الدعوات أو يتجاوب معها، ويحمِّل كل داعم لهذا العدوان مسؤولية الدماء التي تُسفك، والأرواح التي تُزهق، والبطون التي تتضوَّر جوعًا في غزة الجريحة، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.
هذا؛ وإنَّ الأزهر الشريف ليدعو كل مسلم أن يواظب على الدعاء لنصرة المظلوم بدعاء نبينا الذي تحصَّن به: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَاب، ومُجْرِيَ السَّحَاب، وهَازِمَ الأحْزَاب، اهْزِمْهُمْ وانْصُرنا عليهم””.
المصدر: العربي الجديد