بدعم أميركي وإقليمي: الشرع يقارع نتنياهو لمنع “انسلاخ” السويداء؟

في كلمته التي وجهها بعد الدخول الإسرائيلي على خطّ المواجهات التي شهدتها السويداء، واستهداف مبنى هيئة الأركان في دمشق، قال الرئيس السوري أحمد الشرع: “امتلاك القوة العظيمة لا يعني بالضرورة تحقيق النصر، كما أن الانتصار في ساحة معينة لا يضمن النجاح في ساحة أخرى”. حملت هذه العبارة أبعاداً كثيرة، ففتحت الباب أمام تحليلات وتأويلات لما يقصده الشرع. هناك من وضع سياق هذه العبارة في خانة الردّ على عبارة مبطّنة أو ملغومة استخدمها الإسرائيليون في المباحثات الأمنية التي جرت في أذربيجان. إذ، وحسب المعلومات، حصل خلاف على نقاط متعددة، من بينها تمسك سوريا بدخول قواتها العسكرية إلى السويداء والجنوب السوري، فقال الإسرائيليون “ليفعل ما يشاء”. احتملت هذه العبارة تأويلات كثيرة، فبقي التصميم على الدخول إلى السويداء. الأمر الذي رفضته تل أبيب، فتدخلت بقوتها.

العودة إلى الاتفاق

بالنسبة إلى سوريا لا مجال لأي إدارة ذاتية، ولا أي كيان انفصالي. وبحسب المعلومات أيضاً، فإن اتفاقاً كان قد أنجز قبل أسابيع حول السويداء، وقد وافق عليه الشيخ الهجري. ويقضي بتفعيل عمل مؤسسات الدولة ووزارة الداخلية والأمن العام في المحافظة مع ضم العديد من أبناء السويداء إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة السورية. ولكن في حينها حصل الاعتداء على المحافظ ومبنى المحافظة ما أخّر تطبيق الاتفاق. وفق ما يؤكد مسؤولون سوريون، فإن إسرائيل هي التي عملت على تغذية الإشكالات ومنع تطبيق الاتفاق، لأن لديها أهدافاً استراتيجية تريد تحقيقها. أحد الخلافات الأساسية يتصل بمحاولة فرض منطقة عازلة ومنزوعة السلاح في الجنوب السوري، من درعا إلى السويداء والقنيطرة. وهو أمر ترفضه الدولة السورية.

خلاف آخر يتصل بالنقاط الإستراتيجية التي تتمركز فيها إسرائيل، كموقع تل الحارة في درعا، وهو موقع استراتيجي يطل على كل سهل حوران وعلى دمشق. وموقع “مرصد جبل الشيخ” الذي يكشف دمشق من الجهة الغربية. طالبت سوريا بالانسحاب الإسرائيلي من هذه النقاط، لكن تل أبيب رفضت ولا تزال. كما تحاول الضغط على سوريا أمنياً وعسكرياً، في سبيل الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وهو أمر يرفضه الشرع.

ضغوط أميركية

وقعت المواجهات التي دخلت إسرائيل على خطها سريعاً، وعبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أهدافه، عندما أشار إلى خلق منطقة منزوعة السلاح في كل الجنوب السوري. في المقابل، تسارعت الاتصالات الإقليمية والدولية لوقف التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا. اتصالات عديدة أجريت مع الشرع للتعبير عن التضامن مع دمشق. كما أن اتصالات أجريت بين الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، دولة قطر، وتركيا من أجل الوصول إلى وقف المواجهات وتهدئة الأوضاع. كل الاتصالات التي أجريت مع الشرع عبّرت عن دعمه واستمراريته. كثف الأميركيون من ضغوطهم على تل أبيب.

حصيلة الاتصالات التي أجريت مع الشرع، والمواقف التي أُبلغ بها، هي التي دفعته إلى البقاء على موقفه على الرغم من سحب قوات وزارة الدفاع السورية، ووزارة الداخلية والأمن العام من السويداء. علماً أنه خلال التواصل مع الأميركيين تم التعبير لهم عن مخاوف من حصول جرائم بحق البدو، كرد فعل على ما جرى في السويداء بحق الدروز. وجرت محاولات لمنع حصول أي مواجهات تؤدي إلى تأجيج الصراع، إلا أنها لم تنجح، ما أوصل الأمور إلى حافة الحرب الأهلية، خصوصاً بعد الاستنفار العشائري الذي شهدته سوريا كلها.

التسريب الإسرائيلي

حصلت الهجمة “العشائرية” المضادة باتجاه قرى الدروز، بالتزامن مع تفعيل الاتصالات للوصول إلى تهدئة الأوضاع. وتم اقتراح تجديد الاتفاق القديم. أي دخول قوات الأمن العام إلى السويداء، وإعادة تفعيل عمل الضابطة العدلية من قبل أبناء الدروز ومن عناصر آخرين من محافظات أو طوائف أخرى على أن تقوم الأجهزة الأمنية في وقف الاشتباكات بين الدروز والعشائر. وافقت مرجعيات السويداء على هذا الأمر ومن بينهم الشيخ حكمت الهجري، بينما كان هناك شرط من قبل القيادة السورية يقضي بأن يكون الاتفاق شاملاً، أي دخول الأمن العام على أن لا تدخل هذه القوات بمفردها كي لا تتعرض لأي أعمال عنف أو أعمال انتقامية بل ترافقها قوات عسكرية لوزارة الدفاع، بالإضافة إلى اندماج عناصر من الطائفة الدرزية بها، بالإضافة إلى اندماج مقاتلي الفصائل بالمؤسسات التابعة لوزارة الدفاع.

بقيت القيادة السورية مصرة على تحقيق الاتفاق القديم، وعدم الافساح في المجال أمام أي إدارة مستقلة أو ذاتية لأي محافظة، لأنه لو حصل ذلك في السويداء سيتكرر في محافظات أخرى، لا سيما في شمال شرق سوريا، وفي الساحل.

كان لافتاً التسريب الإسرائيلي عن دخول قوات الأمن العام إلى السويداء خلال 48 ساعة. فهذا يشير إلى الدخول الأميركي على الخط، وسط قناعة سورية بأن واشنطن تدعم الشرع، ولا تريد إضعافه أو خسارة تجربته. وهذا ما دفع الشرع إلى التمسك بمطالبه، خصوصاً أنه لاقى إلى جانب الدعم الأميركي دعماً إقليمياً وعربياً كبيراً من خلال الاتصالات التي تلقاها والبيانات التي صدرت. هذه القراءة لدى الشرع هي التي دفعته أن يطلق عبارته التي شغلت كثيرين، بأن الانتصار في ساحة معينة لا يضمن النجاح في ساحة أخرى. ولكن في المقابل هناك قناعة أخرى بأن إسرائيل لن تتخلى عن أهدافها ولن تقبل التراجع، خصوصاً أن نتنياهو يصر على فرض كل ما يريده بالقوة، وصولاً الى استخدامه عبارة “فرض السلام بالقوة”.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى