هل نجحت قمة بغداد في مواجهة التحديات

وليد إبراهيم

انتهت القمة العربية في بغداد بحضور وصف بالمتواضع. لكن الجدل بشأنها لم ينتهِ، حيث ارتفعت الأصوات وتضاربت المواقف بين من وصفها بالقمة الفاشلة ومن وصفتها بأنها مثلت نجاحاً عراقياً تمثل في حده الأدنى عودة العراق إلى حاضنته العربية.
سعت حكومة بغداد بقوة وبوقت مبكر إلى توفير كل المستلزات اللوجستية وغير اللوجستية وتذليل كل الصعوبات لإنجاح القمة التي جاءت في ظروف لا يختلف اثنان في وصفها بأنها بالغة الحساسية تمر بها الأمة العربية.
ومع وجود موقف عراقي شبه جامع للدفع باتجاه إنجاح هذه القمة، إلا أن هذا لم يمنع من وجود مواقف حادة جداً عارضت القمة وسعت إلى إفشالها حتى قبل أن تبدأ.
شكل الموقف المعارض لدعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة علامة فارقة في هذا الحدث. وهددت شخصيات وأطراف سياسية شيعية بتصعيد مواقف في حال حضور الشرع الى بغداد.
ورغم أن هذه التصريحات لم تؤثر على الموقف الرسمي لحكومة بغداد في توجيه الدعوة للشرع، والتاكيد عليها فيما بعد، إلا أن مراقبون عدوا هذا الموقف وتطوراته سببا رئيسياً في تدني مستوى الحضور للقمة على مستوى الرؤساء والملوك.

غزة ومخرجات القمة
ركزت قمة بغداد بشكل كبير على غزة وما تشهده. وجاءت مخرجات القمة ومبادراتها الثمانية عشر تجاه القضية الفلسطينية وغزة تحديداً تتويجاً لهذا الحدث.
وتضمنت القرارات “إدانة جميع الإجراءات والممارسات غير الشرعية من قبل العدوان الإسرائيلي، والمطالبة بوقف فوري للعدوان في غزة وجميع الأعمال العدائية التي تزيد من معاناة المدنيين، وحث المجتمع الدولي ولاسيما الدول ذات التاثير على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لاتخاذ موقف للضغط من أجل وقف إراقة الدماء وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة من دون أي عوائق إلى غزة.”
كما تضمنت القرارات الترحيب بالمقترحات والمبادرات التي تقدمت بها الدول العربية لانشاء صندوق لاعادة إعمار غزة. وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني تبرع العراق بمبلغ عشرين مليون دولار لصالح هذا الصندوق، ونفس المبلغ لإعادة الإعمار في لبنان.

سوريا
مثّل سوريا في المؤتمر وفد برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني الذي عبر في كلمته عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، واصفاً هذا الحق بأنه “لا يجب أن يكون محل نقاش أو مساومة.” وقال الشيباني في كلمته أن “أي مشروع يهدف إلى إضعاف الدولة السورية او اقتطاع جزء من أراضيها تحت أي ذريعة كانت هو مشروع مدان ومرفوض رفضاً قاطعاً من قبل سوريا حكومة وشعباً”.
وأكد البيان الختامي للقمة على ضرورة “احترام خيارات الشعب السوري والحرص على أمنه وإستقراره ورفض جميع التدخلات الخارجية وإدانة الاعتداءات الاسرائيلية على الأراضي السورية ودعوة المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف هذه الممارسات”.
كما تضمن البيان “التاكيد على ضرورة المضي بعملية سياسية انتقالية شاملة تحفظ التنوع والسلم المجتمعي مع أهمية احترام معتقدات ومقدسات فئات ومكونات الشعب السوري”.

إيران والولايات المتحدة
ودعا البيان الختامي إيران والولايات المتحدة إلى الاستمرار بمحادثاتهما في سلطنة عمان. وعبر البيان عن حق إيران في سعيها “التوصل إلى نتائج إيجابية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وضمان عدم رفع مستويات التخصيب لأكثر من الحاجة المطلوبة للأغراض السلمية”.

انسحاب قطر
شكل انسحاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، ومعه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن، من المؤتمر وقبل إلقاء كلمته، علامة فارقة في سير أعمال المؤتمر.
ومثّل مشاركة الوفد القطري برئاسة الشيخ تميم علامة فارقة في مستوى الحضور للمؤتمر إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وعبر الشيخ تميم في تغريدة نشرها بعد انسحابه من المؤتمر عن شكره لحكومة بغداد على تنظيم المؤتمر. وقال إن “القمة انعقدت في ظروف اقليمية ودولية تستوجب تعاوناً عربياً ودولياً لحل أزماتها”.
ولم توضح الدوحة وبغداد بشكل رسمي أسباب هذا الانسحاب.
ورغم تداول الخبر بشكل كبير في الداخل العراقي، وصف المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي انسحاب الشيخ تميم بأنه كان “اجراءاً بروتوكولياً”.
وقال العوادي في مقابلة تلفزيونية أنهم (القطريين) أبلغونا بأن لديهم ارتباطات وأن حضورهم سيكون من أجل العراق”.
وأضاف العوادي الذي وصف حضور الشيخ تميم إلى المؤتمر بأنه كان “موقفاً مشرفاً”، أن الشيخ تميم “اجتمع بشكل خاص مع رئيس الوزراء لمدة ساعة تقريباً في غرفة مجاورة” بعد انسحابه من قاعة المؤتمر.
لم تقنع هذه التبريرات شريحة واسعة من المتابعين في الداخل العراقي خصوصاً أولئك الذين حاولوا التقليل من أهمية وجدوى عقد المؤتمر والآثار السياسية المترتبة إزاء انعقاده. واعتبر هؤلاء مستوى التمثيل العربي المتراجع بأنه يمثل أحد المثالب وعاملاً من عوامل الفشل.

القمة بين رافض ومؤيد
انقسم العراقيون بشكل كبير بشأن عقد القمة. ووصف كثيرون الحدث بانه إنجاز عراقي يمثّل عودة العراق إلى حاضنته العربية التي ابتعد عنها كثيراً في العقدين الماضيين بسبب تقاطعات سياسية داخلية واقليمية ودولية.
ووصف آخرون القمة بأنها تأتي على حساب المصلحة العراقية خاصة في دعوة أسماء مارست دوراً معادياً للعراق في مرحلة سابقة.
وانتقد طرف آخر رئيس الوزراء واتهموه بأنه يسعى إلى تسويق الحدث لصالحه شخصياً، وهو موقف استنكره كثيرون قالوا إن القمة حدث عراقي سواء نجحت أو فشلت.
وانتقد النائب شعلان الكريم بحدة من وصفهم “المتنطعين والمرتزقة والأبواق الماجورة” الذين حاولوا التاثير على القمة وإفشالها.
وقال الكريم في حسابه على “فيسبوك”: “إن هؤلاء “كان لهم دور كبير في إرسال رسائل الى الدول العربية بأنكم غير مرحب بكم في العراق، لذلك أصبحوا إمعات للغير يطبلون لاولياء نعمتهم”.
واتهم وزير الخارجية العراقية السابق والقيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري “الموقف السياسية للفصائل المسلحة وبعض السياسيين العراقيين المتشنجة” بأنها كانت السبب الذي أفقد القمة “حضور عربي لائق”.
وقال زيباري في تغريدة أن ماحصل بحاجة إلى “مراجعة وإفادة”.
وقال وكيل وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور فاضل البدراني إن “الواقع يفرض على العراق أن لا يبقى بعيداً عن تحمل المسؤولية التي هي من صميم وجوده تأريخاً وحاضراً وحتى مستقبلاً”.
وأضاف البدراني وهو أستاذ العلاقات الدولية أن “أمام العراق فرصة سانحة ليعيد الجغرافية العربية والاقليمية والدولية إلى نمط من الاستقرار والتوازن والتشارك في الاقتصاديات  والسياسات الدبلوماسية والثقافية والأمنية”.
وبعيداً عن كل هذه المواقف، عبر كثيرون عن شكوكهم بأن تساهم مخرجات القمة العربية، كما هو الحال دائماً، في ايجاد حلول واقعية وملموسة للازمات التي تشهدها المنطقة يقف في مقدمتها الحرب في غزة. وقال هؤلاء إن التجربة أثبتت أن الحاجة لا تقف عند حدود إصدار قرارات وإطلاق دعوات، بل في ايجاد آليات حقيقية تضمن تطبيق هذه القرارات وتحولها إلى واقع ملموس على الارض، وهذا ما عجزت القمم العربية في ايجاده.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى