المقترح المصري لإنهاء حرب غزة “طوق نجاة” في محيط تحديات

إنجي مجدي

وصفه مراقبون بـ”أول خطة شاملة” لإنهاء القتال لكن تحفظات أطراف الصراع مستمرة. وقف دائم لإطلاق النار وتبادل أسرى وسجناء وتشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراط، هذه باختصار ملامح خطة مصرية لوقف الحرب في غزة، ووفقاً لما تم تداوله خلال الأيام الماضية، تنص المبادرة المصرية على وقف للحرب على قطاع غزة، لكن على ثلاث مراحل تتضمن صفقات لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، وتنتهي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.

فبعد أيام من التسريبات، كشف رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان، أول من أمس الخميس، عن طرح إطار مقترح لإنهاء الحرب في غزة يتكون من ثلاث مراحل، قائلاً إن “صياغة هذا الإطار تمت بعد استماع مصر لوجهات نظر كل الأطراف المعنية بهذا الإطار”، لكن المسؤول المصري أوضح أن “القاهرة تؤكد أنها لم تتلق حتى الآن أي ردود على الإطار المقترح من أي طرف من الأطراف المعنية”، وفق الصحافة المحلية.

اعتراض عام

التقارير الواردة حول المبادرة أحدثت ردود فعل متأرجحة من الفصائل الفلسطينية خلال الأيام القليلة الماضية، مما استدعى تعديلاً وتوضيحاً مصرياً، فالبند الأخير من المقترح المصري لوقف الحرب أثار رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسبب تجاهله منظمة التحرير الفلسطينية عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة فلسطينية من الكفاءات بعد انتهاء الحرب.

وأصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بياناً نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، أكدت فيه رفضها تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة الضفة وغزة بعيداً من إطار مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وذكرت اللجنة من دون الإشارة إلى المقترح المصري، أنها قررت تشكيل لجنة من أعضائها لمتابعة ما يترتب من أخطار تمس مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه.

وبعد إيفاد السلطة الفلسطينية رئيس جهاز الاستخبارات ماجد فرج إلى القاهرة، تم تعديل المبادرة المصرية بإزالة الفقرة الأخيرة من المقترح في شأن تشكيل حكومة فلسطينية، وذلك بعد أن طمأنت القاهرة رام الله بأن مقترحها المتداول “ليس نهائياً، وأنه في مرحلة الإعداد”، وفق مصادر فلسطينية تحدثت لـ”اندبندنت عربية” في وقت سابق. وفيما يبدو تأكيداً على إنهاء الخلاف، قال رشوان إن “كل ما يتعلق بموضوع الحكومة الفلسطينية، هو موضوع فلسطيني محض وهو محل نقاش بين كل الأطراف الفلسطينية”.

ورفضت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” المقترح الخاص بالتخلي عن السلطة في قطاع غزة في مقابل وقف دائم لإطلاق النار، ويصر قادة الحركتين على أن إبرام صفقة لتبادل الرهائن يجب أن يؤدي إلى إطلاق سراح “كل” الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إذ يجب أن يرتكز على مبدأ “الكل مقابل الكل”، مما يعني إطلاق جميع الرهائن المحتجزين في غزة في مقابل إطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين.

بدوره رفض زعيم “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار الخطة المصرية، وقال في رسالة عامة، هي الأولى له منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن الحركة في طريقها لسحق الجيش الإسرائيلي، مشدداً على أنها لن تخضع لـ”شروط الاحتلال”.

وبينما أبدت إسرائيل انفتاحاً على تهدئة أخرى، رفضت مطالب الفلسطينيين بإنهاء الحرب وسحب القوات من غزة، وقال رئيس الوزراء الإسرائيل بنيامين نتنياهو، في حديثه لأعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه، إنه عازم على المضي قدماً في الحرب التي بدأت رداً على هجوم “حماس” على جنوب إسرائيل. وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، بأن نتنياهو أكد على استئصال ما وصفه بجذور التطرف في المجتمع الفلسطيني، محدداً ثلاثة شروط مسبقة لإنهاء الحرب وهي تدمير “حماس” وخروجها من المشهد السياسي الفلسطيني ونزع سلاح الفصائل في القطاع.

ثلاث مراحل

المقترح المصري الذي عدل أكثر من مرة، يستند إلى وقف إطلاق النار على مراحل عدة، على أن تكون المرحلة الأولية موقتة لمدة أسبوع أو أسبوعين، ووفقاً لمسؤولين فلسطينيين تحدثوا لــ”رويترز”، فإن وقف إطلاق النار سيكون من ثلاث مراحل، فخلال أول 10 أيام من هدنة إنسانية تطلق “حماس” سراح كل النساء والأطفال والمسنين المحتجزين لديها. وفي المقابل تطلق إسرائيل سراح عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين من الفئات نفسها، وتوقف كل العمليات القتالية وتسحب الدبابات من القطاع، وتسمح بإيصال المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغاز الطهي، كما تسمح كذلك بعودة السكان لشمال القطاع.

أما المرحلة الثانية فتتضمن إطلاق “حماس” سراح كل المجندات الإسرائيليات المحتجزات لديها، وفي المقابل تطلق إسرائيل سراح مجموعة أخرى من الفلسطينيين من سجونها، كما يتبادل الجانبان جثثاً محتجزة لكل طرف لدى الآخر منذ السابع من أكتوبر، وقد تستمر المرحلة الثالثة لمدة شهر، وبناء على ما ستسفر عنه المفاوضات ستشهد إطلاق سراح كل المحتجزين لدى “حماس” في مقابل عدد متفق عليه من السجناء الفلسطينيين، كما ستسحب إسرائيل الدبابات من قطاع غزة وسيوقف الجانبان كل الأنشطة القتالية.

ووفق مصادر مصرية تحدثت لوسائل إعلام أجنبية، فإنه تم إعداد التفاصيل مع قطر وعرضها على إسرائيل و”حماس” والولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، وتتوسط مصر وقطر بين إسرائيل و”حماس”، في حين أن الولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل وقوة رئيسة في المنطقة.

استقبال بارد من دون رفض

على رغم الاستقبال البارد للمبادرة المصرية من جميع الأطراف، لكن لم يصل الأمر إلى حد رفض الخطة تماماً، مما سمح بمواصلة الحراك الدبلوماسي المصري والقيام بجولة جديدة من الدبلوماسية لوقف الهجوم الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة.

واستمراراً للمحادثات المنفصلة التي تجريها حركات المقاومة الفلسطينية مع وسطاء مصريين في القاهرة، وصل وفد من حركة “حماس” إلى القاهرة أمس الجمعة، لتقديم ملاحظاته في شأن المبادرة المصرية، إذ صرح مسؤول في الحركة لوكالة الأنباء الفرنسية بأن لدى فصائل المقاومة الفلسطينية جملة من النقاط والملاحظات الخاصة بتبادل الأسرى وأعداد الأسرى الفلسطينيين المقابل للإفراج عنهم، وضمانات الانسحاب العسكري بشكل كامل من القطاع.

ومع ذلك يعتقد مراقبون أن المقترح المصري طموح للغاية ولا يرقى إلى هدف إسرائيل المعلن المتمثل في سحق “حماس”، ويبدو أيضاً أنه يتعارض مع إصرار تل أبيب على الحفاظ على سيطرتها العسكرية على غزة لفترة طويلة بعد الحرب، كما ليس من المتوقع أن توافق الحركة الفلسطينية على التخلي عن السلطة بعد سيطرتها على غزة طوال الأعوام الـ16 الماضية. وأصدر المسؤول الكبير في “حماس” عزت الرشق بياناً كرر فيه موقف الحركة بأنها لن تتفاوض من دون “وقف كامل للعدوان”، وقال إن “حماس” لن توافق على “هدنة موقتة أو جزئية لفترة قصيرة”.

شعاع نور

وقال مصدر مطلع على المحادثات لشبكة “إيه بي سي” نيوز الأميركية، إنه في حين ينظر إلى الاقتراح المصري على أنه علامة إيجابية، فإن الولايات المتحدة تشك في أنه سيؤدي إلى تحقيق انفراجة، ومع ذلك قال الكاتب الأميركي مارتن فليتشر أن الاقتراح هو “أول خطة شاملة” لإنهاء حرب إسرائيل مع “حماس”، واصفاً إياها بـ”شعاع نور”. وأضاف فليتشر أنه من المأمول أن يثير الاقتراح محادثات عبر وسطاء بين الجانبين، على رغم أنه لا يبدو أن أياً من الجانبين يأخذ الاقتراح “على محمل الجد” حتى الآن.

وعلى رغم تصميم نتنياهو على المضي قدماً في الحرب، يبدو أن مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي يدرس الاقتراح المصري. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي نقل الاقتراح إلى مجموعة أوسع من الوزراء، الذين من المتوقع أن يراجعونه، على رغم أن مسؤولين إسرائيليين أشاروا إلى أنه من غير المرجح أن توافق تل أبيب على أي اتفاق يسمح للحركة الفلسطينية بالاحتفاظ بدور في غزة بعد انتهاء الحرب.

وذكر غيرشون باسكن، الذي تفاوض سابقاً حول اتفاق إطلاق سراح الرهائن نيابة عن إسرائيل، للصحيفة الأميركية “أن هذه الصفقة هي حقاً انتصار لـ’حماس‘، ومن الصعب حقاً بالنسبة إلي أن أرى الإسرائيليين يوافقون على ذلك”.

تحديات وأسئلة

ووصف ماهر عبدالقادر رئيس الكونغرس الفلسطيني الأميركي، وهو أحد جماعات الضغط الفلسطينية في الولايات المتحدة، المبادرة المصرية بأنها جيدة في شكلها العام، لكن تحقيقها به صعوبة كبيرة سواء من الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي.

وأضاف في حديثه لـ”اندبندنت عربية” أن هناك أسئلة كثيرة ليس من الواضح كيف ستتعامل معها هذه المبادرة، كما لا تتحدث عما هو بعد الحرب وتتناسي رغبات وأهداف إسرائيل وبشكل خاص نتنياهو ووزير دفاعه، الذين وضعا شروطاً مسبقة للحرب تتمثل في تدمير “حماس” وقتل قادتها وقادة “الجهاد الإسلامي” ونزع سلاح المقاومة وفرض ترتيبات أمنية وحكم جديد في غزة.

وأشار عبدالقادر إلى أنه على الصعيد الفلسطيني هناك تخوف لدى السلطة الفلسطينية في رام الله من أن تحل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بديلاً للسلطة، إذ ينبغي الإجابة عن عديد من الأسئلة بما في ذلك “هل القيادة هي جديدة ضمن رؤية انتخابية؟ هل ستتشكل حكومة من التكنوقراط فقط أم لمناضلين علي الساحة الفلسطينية؟ ببساطة هناك أسئلة كثيرة تتطلب الوقت والجهد الكبير من الحوار، ومن ثم هناك سؤال أساسي عما إذا كان لدى مصر خطة لإحضار الجميع وإقناعهم بأن الوقت الحالي والظروف تتطلب من الكل أن يقدم تنازلات من أجل الوحدة الوطنية”.

وتابع “هذه الأسئلة يجيب عليها الزمن وما ستقدمه مصر من مقترحات، وما يمكن أن تفرضه المجموعة الدولية، بخاصة الولايات المتحدة على إسرائيل التي وضعت شروطاً كبيرة تتعلق بالتصفية والقتل”.

مستنقع الحرب

ومع ذلك فإن ما آلت له الحرب المستمرة منذ أكثر من 80 يوماً يفرض ضغوطاً على الطرفين، وهو ما تسعى مصر إلى استغلاله في إقناع الأطراف المختلفة بالتفاوض. وقال مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي لـ”اندبندنت عربية” إن كلاً من “حماس” وإسرائيل أصبحا في مستنقع لا يمكن لأي من الطرفين الخروج منه بمفرده، واصفاً حرب غزة بأنها عبثية، فتل أبيب ليس بإمكانها تحقيق تلك الأهداف التي أعلنتها ولا يمكن لـ”حماس” تحرير فلسطين بهذا الأسلوب، بالتالي بلورت القاهرة من واقع اتصالاتها تلك المقترحات القابلة للتعديل والإضافة، مشيراً إلى أن المبادرة في جوهرها هدنة إنسانية ممتدة.

وأضاف الدبلوماسي السابق الذي شغل منصب مدير إدارة إسرائيل بالخارجية المصرية، أن لا أحد سواء إسرائيل أو الفلسطينيين أو المقاومة يتحمل استمرار هذه الحرب إلى ما لا نهاية، فأية حرب تنتهي باتفاق ما إما هدنة طويلة الأمد أو اتفاق ذو طابع سياسي، من ثم تأمل مصر في وقف دائم للحرب والإعداد لمرحلة ما بعد الحرب ومن يتحمل مسؤولية إدارة قطاع غزة، و”أخذت المقترحات المصرية هذا في الاعتبار بوضع بند يدعو إلى تشكيل حكومة فلسطينية”.

ولفت الانتباه إلى أن الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي والقوى المعتدلة بالداخل لن توافق على استمرار الحرب، بخاصة في ظل استمرار تساقط جنودهم ومواصلة إطلاق الحركات الفلسطينية الصواريخ ضد المدن الإسرائيلية، وعدم قدرة تل أبيب حتى الآن على تصفية قيادات “حماس” خصوصاً يحيي السنوار ومحمد الضيف، مضيفاً أن من يدير الحرب شخص مستقبله السياسي في مهب الريح (في إشارة إلى نتنياهو) ولديه حسابات سياسية داخلية، والشعب الإسرائيلي مدرك لذلك. وتساءل هريدي مستنكراً “هل الدعم الأميركي السخي لإسرائيل سيستمر إلى ما لا نهاية؟”.

اختبار تاريخي

تظل مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية تحدياً هو الأبرز على الجانب الفلسطيني نظراً إلى الخلاف طويل الأمد بين السلطة الفلسطينية و”حماس”، ويستبعد عبدالقادر إمكان تحقيق ذلك في المرحلة الحالية ويقول “بينما تواصل المقاومة المعركة في غزة منذ أكثر من شهرين، فإن السلطة الفلسطينية في القطاع صامتة ويقتصر دورها على الدعم بالتصريحات والجهد الدبلوماسي داخل الأمم المتحدة، وهذا ربما يكون عقبة ويطرح أسئلة عما ستكون عليه الوحدة الوطنية بقيادة السلطة ومنظمة التحرير أم ستكون بمجموعة من التكنوقراط القادرين علي خدمة الشعب الفلسطيني”.

ولفت الانتباه إلى تصريحات أمين سر منظمة التحرير الوطني الفلسطينية حسين الشيخ الذي أكد أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، “بما يعني نحن سنكون في القيادة”.

ويقول هريدي “اليوم هناك واقع جديد أمام الفلسطينيين، وهم المسؤولون عن التعامل مع المعطيات الجديدة، ولن تفرض القاهرة عليهم شيئاً. الفصائل الفلسطينية والسلطة ومنظمة التحرير أمام اختبار تاريخي كبير ونحن لن نملي عليهم شيئاً”.

وأعاد التذكير باستضافة مصر سابقاً عديداً من جولات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، وتوقيع اتفاقات بين الطرفين كان آخرها لقاء أمناء تسعة فصائل فلسطينية في مدينة العلمين في يوليو (تمور) الماضي، قائلاً “الآن هذه هي مسؤوليتهم التاريخية أمام الشعب الفلسطيني، فالوضع الذي كان قائماً في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر لن يعود بالتأكيد، فلا عودة للحصار الإسرائيلي للقطاع ولا عودة لحكم ’حماس‘، لذا فهذه هي مسؤوليتهم أمام الشعب الفلسطيني. نتمنى تفعيل اتفاقات الوحدة الوطنية وإجراء انتخابات”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى