ألوية الجنوب.. مخاوف تتبدد باتفاق مع دمشق ونقاش عن التوزع الجغرافي للخدمة

 

في الوقت الذي كان يتخوف فيه السوريون من عقدة فصائل الجنوب السوري، سواء في السويداء أو درعا، وصعوبة تفكيكها في مسار تشكيل جيش موحد بسبب شبكة المصالح والنفوذ، توصلت وزارة الدفاع في الحكومة السورية إلى اتفاق مع الفصائل وأنهت كامل ترتيباتها، تمهيدا لتشكيل ألوية عسكرية من أبناء المنطقة وإدماجها ضمن الجيش.

ورغم تأكيد مصادر إعلامية وعسكرية بشأن التوصل إلى الاتفاق، إلا أن الغموض لا يزال يلف آلية التنفيذ، خاصة فيما يتعلق ببقاء هذه التشكيلات العسكرية في مناطقها، وما قد يترتب على ذلك من إشكاليات مستقبلية تتعلق بالولاء والاستقلالية واحتمالات التمرد.

ومع غياب أي إعلان رسمي من وزارة الدفاع يوضح تفاصيل التطبيق، تبرز تساؤلات جوهرية حول إيجابيات وسلبيات القرار، وإمكانية الإدارة الجديدة تحقيق التوازن المطلوب، لضمان عدم تحوله إلى مشروع مناطقي داخل الجيش، يهدد وحدة المؤسسة العسكرية على المدى الطويل.

اتفاق بعد خلاف

على مدى الشهرين الماضيين، واجهت الإدارة السورية الجديدة تحديات كبيرة في الانتقال من واقع الفصائلية إلى بناء جيش منظم، وهي مهمة لم تكن سهلة في ظل تعقيدات المشهد العسكري والسياسي.

ورغم قرار حل جميع الفصائل خلال “مؤتمر النصر”، وما حملته تصريحات وزير الدفاع مرهف أبو قصرة من مؤشرات إيجابية بشأن خطة لإدماج الفصائل كافة، إلا أن هذه العملية لا تزال في إطارها النظري بانتظار التطبيق الفعلي على الأرض.

منذ سقوط نظام الأسد وطرح فكرة إعادة تشكيل الجيش السوري، برزت التحديات المرتبطة بالفصائل العسكرية المتباينة في توجهاتها وداعميها، وعلى رأسها فصائل الجنوب السوري، درعا والسويداء.

في درعا اصطدمت جهود الاندماج بموقف “غرفة عمليات الجنوب” بقيادة أحمد العودة، قائد اللواء الثامن، الذي رفض الانضمام إلى الجيش، وفقا لما أعلنه وزير الدفاع، لتبدأ عملية التراشق بالاتهامات بين الطرفين.

في 6 من الشهر الحالي، صرح أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” أن “نحو 100 فصيل مسلح في سوريا وافقوا على الانضمام لوزارة الدفاع لكن هناك عدد من الفصائل الرافضة للانضمام بما في ذلك أحمد العودة، الذي قاوم محاولات وضع وحدته تحت سيطرة الدولة”.

بدوره رفض “اللواء الثامن” تصريحات أبو قصرة، ووصفها القيادي في اللواء نسيم أبو عرة، في تسجيل مصور في 10 من الشهر، بأنها “اتهام غير دقيق”، معرباً عن أسفه لما أسماه “خطاب التخوين والتشكيك”.

وقال أبو عرة إن “أبناء الجنوب هم أول من نادى بتأسيس وزارة دفاع وطنية تعمل وفق القواعد العسكرية الحرفية المنضبطة، بما يحقق الاستفادة المثلى من خبرات الضباط الشرفاء والثوار الأحرار، ويضمن تمثيل جميع مكونات سوريا دون إقصاء أو تهميش”.

كما رفض القيادي بشكل قاطع ما يروجه بعضهم بالانفصال عن سوريا، وأكد أن أبناء الجنوب كانوا ولا يزالون في طليعة المدافعين عن وحدة سوريا أرضاً وشعباً.

لم يمض يومان على التراشق وتبادل الاتهامات حتى انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تجمع القياديين نسيم أبو عرة وعلي باش مع وزير الدفاع، في خطوة اعتبرها بعضهم محاولة لرأب الصدع واحتواء التوتر.

نسيم أبو عرة وعلي باش ووزير الدفاع السوري مرهف ابو قصرة

وأعقب الاجتماع تسريبات إعلامية، من دون إعلان رسمي، حول توصل وزارة الدفاع إلى اتفاق مع فصائل الجنوب السوري يقضي بتشكيل أربعة ألوية عسكرية تابعة للوزارة.

وأفادت مصادر خاصة لـ”تلفزيون سوريا” أن الاتفاق يتضمن تشكيل أربعة ألوية بقوام 15 ألف مقاتل من أبناء المنطقة، وتشمل لواء في درعا، ولواء في ريف درعا الغربي والقنيطرة، وآخر في الريف الشرقي، بالإضافة إلى لواء يتم التحضير له في السويداء.

وحسب مصادر إعلامية من درعا فإن الألوية، ثلاثة منها مشاة ولواء عمليات خاصة، ستكون تحت قيادة العقيد بنيان الحريري.

السويداء.. العقدة الأكثر تعقيداً

لم تكن معضلة اندماج فصائل السويداء ضمن الجيش السوري الجديد أقل تعقيداً من نظيرتها في درعا، بل ربما بدت أكثر إشكالية بسبب حساسية الطائفة الدرزية التي تشكل غالبية سكان المحافظة، ما يجعل أي خطوة نحو تسليم السلاح أو الاندماج في المؤسسة العسكرية مسألة شديدة التعقيد.

كما برزت قضية التمايز في المواقف بين الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، الذي أكد في تصريحاته وخطاباته على موقفه الرافض لتسليم السلاح قبل ضمان قيام دولة حقيقية تمتلك دستوراً جامعاً لكل السوريين، وبين الفصائل العسكرية على الأرض التي وافقت على تسليم السلاح والاندماج ضمن الجيش السوري.

مطلع كانون الثاني الماضي قال الهجري في حوار تلفزيوني إن “تسليم السلاح أمر مرفوض نهائياً لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور لضمان حقوقنا”.

حديث الهجري بشأن عدم تسليم السلاح فتح عليه أبواب الانتقادات، فقد رأى بعضهم أن التمسك بالسلاح قد يبقي المحافظة في حالة من العزلة العسكرية.

وبعد أيام أعلن أكبر فصيلين عسكريين في المحافظة وهما “رجال الكرامة” وفصيل “لواء الجبل” استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري، مؤكدين أن حمل السلاح كان “دفاعاً عن أهل السويداء بكافة أطيافهم”، وأنه “وسيلة اضطرارية وليس غاية”.

كما تم تأسيس مجلس شورى عسكري لأكبر خمسة فصائل عسكرية في المحافظة، يضم “حركة رجال الكرامة” و”قوات رجال الشهيد أبو فهد البلعوس” و”لواء الجبل” و”تجمع أحرار جبل العرب” و”درع التوحيد”، هدفه التوصل إلى قرارات فيما يخص العمل والقرار العسكري في المحافظة، حسب ما أكده أمير الجبر، قائد كتائب سلطان باشا الأطرش.

وكشف الجبر، المنضوي ضمن المجلس العسكري، عن مباحثات جرت بين الفصائل وزارة الدفاع، تتعلق بتشكيل فرقة عسكرية بالجنوب، تضم محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، يكون قيادتها بنسبة كبيرة في المنطقة الوسطى بدرعا.

وقال الجبر لموقع تلفزيون سوريا إن الخطة المطروحة تنص على حل الفصائل العسكرية والاندماج في الجيش ضمن هيكلية منظمة على مستوى الدولة السورية، حيث ستتكون فرقة الجنوب من أربعة ألوية عسكرية، يتم تشكيلها من أبناء المنطقة، مع منح بعض التشكيلات دوراً إدارياً أو أمنياً ضمن الأمن العام.

وأضاف الجبر أن نصف الفصائل في المحافظة وافقت على خطة الاندماج وأبدت استعدادها المبدئي لقبول الفكرة ومستمرة في التواصل مع الفصائل والاجتماع معهم، إلا أن هناك حالة من التخوف من قبل بعضهم حتى الآن من نوايا الحكومة الجديدة والتجارب السابقة.

وحول تصريحات الهجري برفض تسليم السلاح، أشار الجبر إلى أن نسبة كبيرة من فصائل السويداء والمجتمع غير موافق على الأفكار التي يطرحها الشيخ الهجري، فمعظم أهالي المحافظة مع الهوية السورية والحكومة السورية.

وكان الهجري قال في كلمة مسجلة قبل أيام، “نحن أول من طلب هيكلة الدولة وهيبتها على أسسها السليمة، وحين تتعافى وتظهر، فمن المؤكد أن أبناءنا الذين يحملون السلاح سينضمّون لجيش دولتهم النظامية وبأي صفة داعمة تحت ستائر القانون والتنظيم”.

تحديات التشكيل

مع تصاعد النقاشات حول إعادة هيكلة الجيش بعد حل الفصائل، برز توجه جديد يقضي بخدمة أبناء كل منطقة ضمن نطاقهم الجغرافي، بهدف تسهيل عمليات الدمج وتقليل التوترات الاجتماعية.

لكن هذا الطرح، رغم ما يحمله من إيجابيات تتعلق بالاستقرار المحلي والانتماء الاجتماعي، يثير في المقابل مخاوف من تكريس الانقسامات الجغرافية والطائفية داخل المؤسسة العسكرية، مما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد الأمني على المدى الطويل.

يحدد عمار فرهود الباحث بالشأن العسكري وجماعات ما دون الدولة، إيجابيات وسلبيات القرار، ويرى في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن “أبرز الإيجابيات من تشكيل فرق قتالية من أبناء المنطقة هي أنها تستطيع الدفاع عن منطقتها في حال تم تشكيل جيش ذي هوية دفاعية، وسيؤدي ذلك إلى إعطاء هؤلاء المقاتلين دافعاً معنوياً كبيراً جداً لخدمة المؤسسة العسكرية لأن ذلك يرتبط بشكل مباشر ليس فقط بخدمه الوطن وإنما بخدمة الأقرباء المباشرين بشكل مباشر”.

أما سلبيات القرار فإن هذه الفرق العسكرية في حال كانت ذات هوية واحدة صرفة، فإنه من الممكن في حال نشوب خلاف بين هذه الألوية العسكرية أو بين المنطقة التي ينبثق منها هذا التشكيل العسكري وبين الحكومة المركزية فإنه سيكون قادراً على القيام بتمرد عسكري ضد الإدارة المركزية في دمشق.

ومن أجل تحقيق الإدارة الجديدة التوازن المطلوب ضمن هذه الألوية، يجب عليها اتخاذ عدة تدابير حاسمة، وفقاً لما يراه فرهود، وتشمل:

  • إدماج وحدات عسكرية من خارج المنطقة، بحيث تكون موازية لها من حيث القوة أو حتى متفوقة عليها من حيث نوعية التسليح.
  • سن قوانين صارمة تمنع هذه التشكيلات العسكرية من اتخاذ أي قرارات استراتيجية من دون الرجوع إلى القيادة المركزية في دمشق.
  • إقرار تشريعات تتيح للسلطة استخدام قوات عسكرية من مختلف المناطق السورية لمواجهة أي فرقة عسكرية قد تتمرد على القيادة المركزية في دمشق، سواء لأسباب مناطقية، أو انفصالية، أو بما يهدد السياسة العامة للدولة.

لم يكن موضوع تشكيل الألوية العسكرية من أبناء المنطقة الواحدة غائباً عن اجتماعات وزارة الدفاع مع فصائل الجنوب، إذ أكد قائد كتائب سلطان باشا الأطرش، أمير الجبر، أن هذه المسألة خضعت لنقاش مستفيض.

وأوضح أن الخطة المطروحة تقتضي أن تكون الفرقة العسكرية على مستوى الجنوب السوري، من دون أن يكون هناك شرط لخدمة أبناء السويداء داخل محافظتهم فقط، إذ يمكن أن يتمركزوا في درعا أو القنيطرة أو ريف دمشق، لكن ضمن نطاق جغرافي قريب من مناطقهم، لتجنب تكرار تجربة النظام السابق، إذ كان يتم إرسال الجنود للخدمة في مناطق بعيدة مثل حلب أو دير الزور.

وأكد الجبر أن الحكومة تأخذ بعين الاعتبار الارتباطات العشائرية والمخاوف المحلية، معتبراً أن فكرة دمج المجتمع السوري بأكمله عسكرياً في مختلف المحافظات تبدو صعبة في الوقت الحالي، وأن الواقع الفصائلي الذي استمر في البلاد على مدار 14 عاما خلق نمطاً معيناً من التأقلم لدى الناس، ما يجعل هذه الصيغة هي الأنسب للمرحلة القادمة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لماذا حتى الآن تتم محاولات الحوار مع فصائل الجنوب والشمال و…؟ لأن طريقة التعامل مع المنظومة العسكرية تتم بطريقة توافقات الميليشيات وليس بناء جيش وطني، لذلك كل فصيل مرتبط بعشيرته ومنطقته وخروجه منها يفقد مدلولات شخصيته لأنه يصبح بلا قوة، العمل يجب أن يكون من مبدأ بناء جيش وطني وليس تجميع ميليشيات.

زر الذهاب إلى الأعلى