النزاع الأخير بين أبناء الجنوب السوري، سهلًا وجبلًا، وإن لم يكن الأول، لكنه الأخطر هذه المرة، في ظل انعدام الأمن، وفوضى السلاح، وانتشار عصابات الخطف والقتل، الخارجة عن أي قانون وضوابط أخلاقية، يعيد لواجهة الأحداث، مرة أخرى، محاولات جر الجنوب السوري لفخ الصراعات والفتن، بين المنطقتين المتجاورتين، المتعايشتين بوئام وسلام تامين، على مر الزمن، ولا سيما بعد الثورة المباركة عام 2011 وحتى اليوم، الأمر الذي يثير ويطرح أسئلة عديدة عن أغراض هذه الفتن الأثمة في دفع المنطقة، وجميع أهلها، إلى دوامة العنف والعنف المضاد، وعمن يقف وراءها، ومن المستفيد منها.
ولا بد من التنويه الى أن ما جرى مؤخرًا في تلك المنطقة العزيزة على قلوب السوريين، يتزامن مع ذكرى انطلاق الثورة المباركة منها، وكأن المخططين والمدبرين يريدون معاقبة أهاليها على إشعال الثورة الشعبية العارمة، على نظام الطغيان.
كما لا بد من التنويه الى أنه يتشابه ويتطابق، أحيانًا، مع فتن أخرى في عموم مناطق سورية، وخصوصًا التي تضم مكونات تحسب على “الأقليات”، أو مناطق “مختلطة”، وهي إشكاليات ما فتئ النظام يغذيها، ويعمل على استمرارها، ضمن سياسته للإيقاع بالجميع، وزرع الشقاق بين مختلف الأطراف والفئات، محاولاً صرف الأنظار عن جرائمه وممارساته الارهابية، باعتباره عدوًا للسوريين جميعًا، بمختلف مكوناتهم وطوائفهم ومناطقهم، فضلاً عن إخضاع الجميع لسيطرته، وسلطته الاجرامية.
كل الفتن من هذا القبيل، والتي انفجرت بعد الثورة، ليست بعيدة عن أيادي النظام، وكانت دائمًا ديدنه ونهجه، فهو تارة يغذي الصراعات المناطقية، ومرة يزكي أوار الطائفية التي قام عليها، وكرسها حقبًا طويلة، ومرة يلعب على وتر صراعات الريف والمدينة، التي أبقاها حاضرة دائمًا في سياساته الداخلية (فرق تسد) وتوازناته، والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى.
على كل حال، يكشف الأمر بوضوح وجلاء تامين المحاولات المستمرة للنظام، وحلفائه، العبث بالأمن والسلم الاجتماعيين، وتهديد النسيج الاجتماعي بالتهتك، ومحاولات تمزيقه، ما يشكل خطرًا حقيقيًا يتهدد السوريين في حاضرهم، ومستقبلهم، حتى بعد زواله، ونهاية طغيانه وإجرامه.
لم يكتف النظام عبر عقود طويلة بتخريب الدولة والسيطرة عليها، بتعميم الفساد والفئوية، إنما كرس كل جهده لتخريب المجتمع، بغرس نزعات مريضة وإشاعة قيم بالية، من خلال إغراقه بمشاكل تتعلق بالولاء والانتماء، مما أضعف رابطة المواطنة والالتزام بالوطن، كوحدة اجتماعية وسياسية، في مقابل تشدده بضرورات الالتزام والوفاء “للأب القائد “، و”الحزب القائد”، الذي فرغه هو الآخر من كافة مضامينه القيمية والسياسية، وأبقاه واجهة مستهلكة، ليس إلا.
إن حاجتنا لخطاب وسلوك وطنيين يتجاوزان الإرث الثقيل الذي راكمه نظام الأسدين، الأب والابن، باتت ماسة، وأصبحت في ظل كل تلك التطورات ضرورة بقاء ووجود، أمام انبعاث مخاطر التفتيت والتقسيم والتجزئة، التي تتلاقى فيها مصالح أطراف داخلية وخارجية.
درعا كانت مهد الثورة العظيمة، ولم تكن محافظة السويداء بعيدة عن الاستجابة الفورية لنداء الحرية الذي انطلق من بين حروف أطفال درعا، والمدقق والمتابع لمسار الثورة، وتفاعلاتها، سيلاحظ بسهولة ويسر ذلك التجاوب في مرحلة السلمية، وحتى على مستوى نداء الضمير الذي دفع العشرات من الضباط للانشقاق عن مؤسسة الجيش، قبل أن يطغى على الثورة خطاب جماعات الإسلام السياسي الذي بث عوامل الكراهية، وهنا يجب عدم نسيان مواقف (رجال الكرامة) الشرفاء الأبطال وأيادي النظام في ما فعلته (داعش) بالمنطقة التي باغتت أهلها وقتلت منهم في يوم واحد في مجزرة مروعة أكثر من مئتين من الأبرياء العزل ذبحًا بالسكاكين بدم بارد.
من باب الأمانة الوطنية، والصدق في توصيف حالنا، يجب التنبه إلى أن اختراق المجتمع السوري شمل كل مكوناته، ولم ينج أحدٌ منه ومن آثاره، ولا يستطيع أي طرف الزعم بغير ذلك.
ليس للسوريين إلا وحدتهم وتجاوز انقساماتهم الثانوية، والتمسك بوطنهم وثورتهم وإصرارهم على زوال نظام، عبث بتاريخهم وحاضرهم، وإعادة صياغة عقدهم الاجتماعي على أسس ومفاهيم مغايرة تحفظ حقوق الإنسان ووحدتهم الوطنية أولًا وأخيرًا، والعمل على بناء دولتهم الوطنية، دولة الكل الاجتماعي في ظل قانون عصري يحفظ للجميع كرامتهم على أساس العدل والمساواة.
صوت العقل والحكمة يجب أن يعلو مجددًا كما علا في الماضي مرة بعد مرة، وعلينا جميعًا أن نكبر ونتعالى على جراحنا من أجل وحدة الوطن، وسلامة وحدته الوطنية، وعرى النسيج الوطني.
إن هذة المبادرة لأهلنا في السهل والجبل تجاه رأب الصدع ووأد الفتنة التي يزرعها النظام عبر أذرعه التخريبية لشق الصف واللحمة الوطنية.لهي دليل صحة وعافية لمجتمع المواطنة المتآخي الذي تحكمه العقلانية التي يجب أن تتجسد بين أبناء الشعب الواحد. تحية لأهلنا في درعا مهد الثورة السورية.ولأهلنا في في جبل العرب الأشم. سويداء العز والكرامة.نحن معكم في مواجهة الظلم والإستبداد بكافة اشكاله .